2025.07.17
سياسة
في الزنزانة ضوء… اسمه كلمة أسير

في الزنزانة ضوء… اسمه كلمة أسير


صوت الأسير الفلسطيني.. وثيقة صمود في وجه القيد

تحت ظلال الجزائر، التي لطالما كانت داعمة للحقوق الفلسطينية، تعرض "الأيام نيوز" هذا الملف الخاص، حاملةً الهمّ الفلسطيني ومتقاسمةً مع أشقائها معاناة الأسرى. هذا الملف، الذي أعدّه الأسير المحرر والإعلامي خالد عز الدين، بالتنسيق مع هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، هو جزء من مشروع "صوت الأسير" الذي يهدف إلى توثيق معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

الملف يقدّم صورة شاملة عن أوضاع الأسرى، موثّقًا شهاداتهم المباشرة، والأرقام الصادمة التي تعكس حجم الانتهاكات التي يتعرضون لها، من التعذيب والتجويع إلى العزل والإهمال الطبي. كما يتناول الأبعاد القانونية والحقوقية لهذه الجرائم وفقًا للتقارير الصادرة عن المؤسسات الحقوقية الدولية، مما يجعله وثيقةً مهمةً تكشف أحد أكثر فصول الاحتلال "الإسرائيلي" ظلمةً ووحشيةً.

الملف لا يقتصر على توثيق واقع الأسرى، بل يناقش أيضًا قضايا أخرى مؤثرة في السياق الفلسطيني، مثل قضية التطبيع مع الاحتلال، والذاكرة الجمعية التي لا يزال الشعب الفلسطيني متمسكًا بها رغم محاولات الاحتلال طمسها. ومن خلال هذه الصفحات، يتجلى صوت الأسرى الذين يحاول الاحتلال طمس معاناتهم، لكنها تظل شاهدةً على صمودهم ونضالهم من أجل الحرية.

بقلم: الأديب الأسير المحرر – وليد الهودلي

حقّ لأمّة أن تعانق مشاعرها مشاعر أم الشهيد معتصم رداد

لم تكن نهاية لفيلم سينمائي يواسي المشاهد نفسه بأنه فيلم وخيال كاتب ومخرج، ومع هذا لو كان ذلك فيلماً لضربت هذه النهاية أعماق أعماقنا، ولفجّرت هناك قنبلة من الوزن الثقيل، كيف استقبل قلب أمّه هذا الخبر؟ سارت بكلّ دقّات قلبها ما يزيد عن عشرين سنة، وهو يخفق عالياً ليبلغ أعلى ما يبلغ قلب موجوع يتعرض لموجات عالية من المرارة والقهر والقلق، تراكمت عليه عذابات الأسر، وعذابات المرض العضال، وعذابات إهمالهم الطبيّ المتعمّد، بل توظيف آلام المرض كي يشفي صدورهم الحاقدة، لم يكن أمامها سوى الصبر والدعاء واللجوء التامّ لربّ رحيم، كان لها السلوى والمخفّف من وقع تلك الويلات. رحلة طويلة جداً خاضت غمارها، وهي خائفة تترقّب بفؤاد أمّ موسى الذي أصبح فارغاً، لم يكن الأمر أن تأخذ أمواج البحر فتسكنه أعماقها، بل كانت أمواج ضغائن بني صهيون السوداء، كان ولدها يصارع الموت والقهر بكلّ ألوانه القاتمة وحيداً، ليس أمامه إلا بحر أحقادهم وسرطان يسري في جسده، كان لمرضى السرطان سرطان واحد، بينما كان لردّاد سرطانان، وأشدهما هو ذاك الذي أحاطوه به من كلّ جانب. كيف صمد قلب هذه الأم العظيمة عشرين سنة على هذا العذاب؟ أم موسى يوماً أو بعض يوم جاءها الخبر من أخته التي بعثتها لتقصّ خبره، أمّ ردّاد مكثت عشرين سنة، وهي تقصّ خبره، فترتدّ إليها الأخبار عواصف عاتية تجتاح قلبها الكبير، كانت في صبيحة كلّ يوم تنتظر وتترقّب خبراً جميلاً يقول لها إنّ شفاؤه ممكن، وأنّ فرجه أصبح قريباً، تشترك مع أمهات الأسرى في كون أبنائهن في السجن، بينما هي ولدها في ثلاثة: السجن، وسجن السرطان، وسجن الإهمال الطبي، والثاني والثالث هي أشدّ من الأوّل فتكاً لقلبها. وتودّع شمس المغيب دون خبر، غابت هذه الشمس عليها على مدار العشرين سنة. مرّة واحدة أخيراً تلقّت خبر الإفراج عنه، وكان ذلك إلى مصر، خافوا من هذا الجسد الذي يقترب من الموت، كيان عظيم يرتعب من ردّاد منهك الجسد، علّه يشكّل لعنة تطاردهم وتقضّ مضاجعهم، ألا تكفيهم غزّة الضحيّة الجريحة، ألا تكفيهم لعنات أطفال غزّة الشهداء؟ هذا لا يُحتمل! أن يعود رداد إلى بيته في صيدا طولكرم فيصبّ الزيت على النار المشتعلة هناك؟ هذا رعب ما بعده رعب، الكيان يخشى هذا.. كيان يخشى المرضى، ويخشى الشهداء أشدّ من خشيته من الأحياء. كيف طار قلبها إلى مصر؟ وكيف عانقت روحها روح ردّاد هناك؟ هذا ما لا يحتمله القلم، بقلبها تحمل قلب فلسطين، وقلب أمّة تودّ لو تأتي فرداً فرداً لتعانق هذا الرجل العظيم، هذا الذي تمثّل الصبر واليقين والإيمان والحبّ والقدس والفلسطين في عينيه التي بقيت شامخة لامعة بالحبّ واليقين. أنّى لكاميرات هذا العصر أن تلتقط ما في القلوب، وأن تُخرج ما في الصدور؟ أنّى لها أن توجز بتلك اللحظة، لحظة عناق هذه الأم بفلذة روحها؟ كيف تسترجع سنينها الطويلة المنهكة الموجوعة المتلوّعة بهذه اللحظة العظيمة؟ أيها المخرج، ما كان لك أن تنهي فيلمك على هذه الصورة الثقيلة القاتلة الساحقة، لقد قسوت علينا كثيراً لتصنع فيلماً مثيراً. يا سادة، لم يكن فيلماً ولا صنع مخرج ولا مؤلف قصّة، هي مقادير المولى الرؤوف الرحيم الذي يجعل من هؤلاء شهداء خالدين، يقيمون الحجّة على أمّة طال عليها أمد المذلّة والمهانة، ولم تعد فظائع بني صهيون تحرّك لها نخوة أو غضب. ستبقى يا رداد الشهيد الشاهد الحيّ، غاب الجسد ولكن الروح منارة عالية في سماء الوطن.

بقلم: بن معمر الحاج عيسى

معتصم رداد.. نشيد الجسد المنهَك وسطور الحرية المبتورة

يوم، الثامن من أيار/مايو 2025، وفي جناحٍ هادئٍ بأحد مستشفيات القاهرة، أغمض معتصم رداد عينيه للمرة الأخيرة، ليكتب بجسده قصيدة وداعٍ لا تُقرأ بالحبر، بل بوجع الأمعاء التي اقتطع الاحتلال أكثر من ستين في المئة منها قبل سبعة عشر عامًا. ابن بلدة صيدا، شمال طولكرم، عاش نصف عمره خلف قضبانٍ لا تعرف الرحمة؛ اعتقلته قوات الاحتلال عام 2006، وألقت عليه حكمًا بصرامة الحجر: عشرون عامًا كاملة. هناك، بين زنازينٍ تقتات على صحة أسرى يتناقصون مثل ظلال المساء، أُصيب بسرطانٍ شرس في الأمعاء عام 2008؛ نزيفٌ مستمر، فقر دمٍ مزمن، هشاشةٌ تنهش العظام، وأعصابٌ ترتجف في صمت، بينما يبتلع يوميًا ما يزيد على ستين حبة دواء كأنها حروف قصيدةٍ طويلة لا تنتهي. في ربيع 2024 تضاعف الألم: التهابات حادة، هبوطٌ خطير في الدم، نوبات إغماء، وضيق تنفّس يلسع صدره مع كل شهيق. ومع ذلك ظل يقاوم، يزرع في ذاكرة رفاقه قناديل أملٍ تُضاء كلما خبا الضوء تحت سقف الزنزانة. ولما هبَّ «طوفان الأحرار» في مطلع هذا العام، خرج معتصم إلى شمس الحرية التي لطالما رسمها على جدارٍ باردٍ بطرف إصبِعٍ ناحل؛ لكن جسده المُنهَك كان قد ركض أكثر مما يحتمل. نُقل إلى القاهرة لتلقّي العلاج، وفي الغربة اختلط وجع الجسد بمرارة المنفى، فهناك لا يسمع المرء صدى خطوات أمه وهي تصعد الدرج، ولا يشم رائحة قهوة أبيه عند الفجر. صباح هذا الخميس توقّفت رحلته. مات الأسير المحرر واقفًا في ذاكرة شعبه، تاركًا خلفه عشرين عامًا من الحكايات المتعبة، وجسدًا صار خرائط جراحٍ تروي ما فعله الإهمال الطبي الممنهج. غابت نبضاته، لكن صوته سيظل يهتف في ساحات المدن والمخيمات: لا تغفلوا عن قضية الأسرى المرضى، ولا تسمحوا للسرطان أن يصير حارسًا إضافيًا على أبواب زنزاناتهم. رحل معتصم، لكن صوته يتردّد في صدر الوطن: الحرية ليست ترفًا؛ إنها شريان الحياة، وإن تأخرت تأتي مُثقَلة بثمنٍ جسيم.

بقلم: عيسى قراقع

أهلا بكم في الديسكو

أنا في الديسكو، صخب وموسيقى عالية وحادّة، أصوات مزعجة متداخلة باللغة العبرية، تدوي في داخل رأسي، سكاكين صوتية لا تهدأ، يختلط الهواء مع الأنفاس، الرقصات مع الأشباح التي تدور حولي، أتمايل وأتموج، هناك من يسحبني إلى الأعماق ثم يقذفني إلى الأعلى، هناك من يدق عقلي، أرتطم بنفسي، جسدي يترنح، يتعرق، يتفسخ، أذوي جسماً ودماغاً وإحساساً، هناك من يضربني ويجلدني في داخلي، ينتزع ذاتي ويعريها فوق الحصى والرمل.

أهلاً بكم في الديسكو، الحفلة على وشك البدء، بهذه العبارة يرحب الجلادون الصهاينة بالأسرى الفلسطينيين في معتقل "سدي تيمان" السري والدموي، والذي يقع بالقرب من بئر السبع، والذي أُنشئ في قاعدة عسكرية خلال الحرب الإبادية على قطاع غزة، والديسكو هو غرفة تعذيب أو حظيرة تعذيب كما يُطلق عليه الأسرى، توضع فيها سماعات كبيرة وضخمة تُصدر أصواتاً وضجيجاً عنيفاً تقتحم أعماق الإنسان حتى يفقد الاتزان ويتحوّل إلى أنقاض.

لا زلت في غرفة الديسكو، موسيقى التعذيب تجعلني أرقص ألماً، والعازفون يرقصون طرباً، أرقص حتى الموت أو الإغماء، أرقص مع نفسي وخيالي وهلوساتي، أرقص ثم أرقص حتى أتحول إلى كتلة بشرية تحبو وتنبح، الدماء تنزف من الأذنين، الدماء تنزف من العينين، عارٍ ومُقيد من اليدين والقدمين، وكلما ازداد القصف الجوي على قطاع غزة وانفجرت القنابل فوق رؤوس الناس ومنازلهم، ازدادت موسيقى الديسكو وانفجرت كالصواريخ ومزقتني إلى أشلاء.

تحوّل ملهى الديسكو، وهو أحد فنون أميركا المتوحشة، إلى أداة لتعذيب الضحايا الفلسطينيين، فإذا كان هناك للرفاهية، فهو هنا للتسبب بالألم والإيذاء، هناك للمتعة والتجلي، وهنا لتقويض إنسانية الإنسان، أهلاً بالديسكو الأمريكي، ديسكو السكارى والمثليين الجنسيين والمتحولين والمخنثين، ثقافة إرهاب الديسكو والقطيع، ثقافة الإبادة وإرسال كل أنواع الأسلحة الفتاكة وأدوات القمع الداعمة لـ"إسرائيل" في حربها الوحشية على قطاع غزة، تحويل النغم إلى قنبلة، والإيقاع إلى وسيلة تعذيب، العدوان على الجمال والخيال والحرية وروح الإنسان، وكما وصف ميكيافيللي الحرب بأنها الفن الأسمى لتحقيق الهيمنة.

ديسكو التعذيب مستمد من رقصة الموت التي سادت في العصور الوسطى للقوى الظلامية المستبدة، والتي أُصيبت بهوس الموت خلال وباء الموت الأسود في منتصف القرن الرابع عشر، والدمار الذي خلفته حرب المائة عام بين فرنسا وإنجلترا، وأصبح جزءاً من ثقافة الغرب في تصاويرهم وفنونهم البصرية وخيالاتهم، وفيها يظهر هيكل الموت المصحوب بالموسيقى وهو يفاجئ ضحاياه.

أهلاً بكم في الديسكو، وعليك أن تدخل الحظيرة والقفص، أن تغتسل بصابون الديسكو، أن تستسلم لماكينة الاستحواذ والسيطرة جسداً وفكراً وإدراكاً حتى الانصياع، وعليك أن تنظف رأسك وأحلامك الوطنية والقومية، وتتجوف حتى تصبح فراغاً بلا تاريخ وهوية وذاكرة.

أهلاً بكم في الديسكو، أهلاً بكم في الجنون الصهيوني، في معتقلات وسجون الاحتلال، لم تتوقف الأسطوانات في بث أصواتها الشيطانية، لم تتوقف الحرب على غزة، الموسيقى كالرصاص، ألسنة الجحيم تتدلى، والموسيقى الصاخبة يُعزف على أوتارها كل أركان دولة الاحتلال، الوزراء والمخابرات والجيش والقضاة، وفي الديسكو أنت لا تنام، تبقى صاحياً حتى ينشف فيك ماء الصراخ، ويجف عظمك وينكمش لحمك في قبر لا تراه.

الديسكو أيديولوجيا التعذيب الصهيوني والتطهير البشري والثقافي في منظومة القمع الممنهجة بحق الأسرى الفلسطينيين، تعذيب غير مرئي ومستمر خارج حدود وقواعد القانون الدولي والمعايير الأخلاقية الإنسانية، استئصال البشر من آدميتهم وإرادتهم وكرامتهم وتذويبهم في موسيقى العنف حتى التلاشي.

لم تتحدث اتفاقية مناهضة التعذيب العالمية، ولا اتفاقيات جنيف الأربعة عن ديسكو التعذيب، الذي لا يترك أثراً على الجسد، ولكنه يترك دماراً أشد قسوة من الإعدام، فما لا تراه في التعذيب هو الأخطر من التعذيب.

أين أنت الآن؟ لا تدري، أنت في معتقل سدي تيمان في غرفة تعذيب اسمها الديسكو، جسمك يتفتت، والجنود يصفقون، وكلما انهارت قواك صفقوا أكثر، وكلما أُبيدت عائلة في غزة ومُسح منزلها عن وجه الأرض صفقوا وانتشوا وأرسلوا الفيديوهات والصور، يضحكون ويسخرون أمام جسدك المُعذّب، يقرأون من التوراة نصوصاً ويصلّون ويرفسون، ويدورون حولك كما يدورون حول الذبيحة، إنها موسيقى توراتية سماوية إلهية مقدسة، وقد أعلنوا باسم إله الحرب يوم قيامتك، ويوم موتك، ويوم يصبح قبرك خواءً يطفح بالدم والسعال والغثيان.

أنا في غرفة الديسكو، لا أدري إن كنت تحت الأرض في قبر أم فوق الأرض في عاصفة، هذا سجن أم قذارة وحاوية، البراز والجرب والضلوع المحطمة، جثث تدخل وجثث تخرج، ولا أدري إن كنت حيّاً أم ميتاً، أنا في الدنيا أم في الآخرة، لم أرَ شمساً ولا نهاراً، رأيت ابن غفير يحمل الأقفال والعصي والمسدس، يقف على بوابة جهنم ويطلق الرصاص على الرؤوس والنجوم والسماء والآلهة.

أهلاً بكم في الديسكو، أنت في المحطة الأخيرة من مراحل التعذيب، محطة اضمحلال الجسد نفسياً وجسدياً، سلخ الجلد وتشويه الأبدان، إنها دراما مثيرة، دراما التدمير، الحفلة الأروع للمحققين الساديين، السفالة والرذيلة والغواية، التهيّج المشبع بالجريمة، محطة الموت الداخلي للإنسان وليس الموت الخارجي، محطة الاختناق والقهر والتآكل وانهيار الأعصاب، محطة الهلوسة، الهستيريا وفقدان الشعور بأنك في يوم كنت إنساناً.

‏وكان عليك أن تمر في كل الحظائر قبل أن تصل إلى حظيرة ديسكو التعذيب: حظيرة الضرب والتكسير والإذلال، حظيرة التجويع والتعطيش، حظيرة الحفاظات والبامبرز، حظيرة الاغتصاب والاعتداءات الجنسية، حظيرة الكلاب البوليسية المدرَّبة على الاغتصاب الجنسي، حظيرة شدِّ القيود والدعس وبتر الأطراف، حظيرة الزحف وتقليد أصوات الحيوانات، حظيرة التعفن وانتشار الأمراض والديدان، حظيرة الصعق بالكهرباء، حظيرة التعرية والانبساط والتسلية، حظيرة الأناشيد العبرية وسبّ القيادات الوطنية، وفي كل هذه المراحل، المحققون العباقرة يضربون جسدك بالهراوات وبالبنادق والبساطير، يرفسون ويركلون ويشتمون حتى تتحول إلى كُتَلٍ وأكُداس من اللحم المعطوب.

‏أهلاً بكم في الديسكو، طنينٌ مستمرٌّ في الأذنين، زنّانة أخرى فوقك، ويبدأ القصف، تشتعل النار، فكل أسير صار هو غزة، البيوت ترقص وتهتز وتنهار، الأجساد تتطاير في كل مكان، جسدك ساحة حرب، جسدك مستباح بكل أشكال الشناعة والوساخة، جسدك مطحنة، كما هي غزة.

‏أهلاً بكم في الديسكو، وقد بدأت الحفلة والطقوس والشذوذ والانتقام، البهجة والانحطاط الأخلاقي والقِيَمي والإنساني، ما أروع هذه الحفلة، ما أروع نظريات التعذيب التي ابتكرها الكيان الصهيوني: التعذيب بالأصوات المرعبة، التعذيب بالهزّ، التعذيب بانحناء الظهر كالموزة، الشبح والقرفصة، الحرمان من النوم، التسخين والتبريد، البصق واللطم، التعليق، التهديد، وغيرها. ما أروع هذا الإبداع الأمريكي الصهيوني! تعذيب الديسكو الذي لا يريد انتزاع اعترافات أو معلومات، وإنما للقتل والمتعة والفرجة، وهدم كيان الإنسان الفلسطيني وهويته الوطنية، وتحويله إلى مجرد وعاءٍ بشريٍّ بلا قيمة.

‏ديسكو التعذيب في معتقل سدي تيمان، ربما يكون هو ملهى الإغراء والإغواء الذي تحدَّث عنه الأسير الشهيد وليد دقة، عندما يصبح التعذيب أداةً لصهر الوعي والعقل والروح والإرادة، وينتشر الديسكو من السجن الأصغر إلى السجن الأكبر، فنراه على الحواجز العسكرية، في الإغلاقات المستمرة، ونراه في الاقتحامات الليلية والمداهمات، ونراه في الإعدامات الميدانية، ونراه في تجريف الشوارع وهدم بيوت المخيمات، وفي هذا الديسكو الصهيوني يجتمع السجن والإبادة، ترقص تل أبيب فرحاً في ما يُسمى عيد استقلالها فوق نكبتنا وجثثنا، ولا نرى سوى مزيد من الأضواء اللامعة، الغارات والعمليات العسكرية، الطبول والمستوطنات، والمتفجرات والطائرات والسَّحَجات والرعشات والرَّجَفات والنيران وشبكات المعسكرات المتعددة.

‏الديسكو في جنين وطولكرم ونابلس والخليل ورام الله، وقد بدأ الديسكو منذ أن دخلنا القفص، الديسكو مصيدة، الانبساط والعناق والتلوث والفساد والبلاهة والسُّلْطَنة، التطبيع العجيب بين القاتل والضحية، الرقص في النار الموقدة.

أنا في الديسكو، في هذا البرزخ، مسافة طلقةٍ ناريةٍ بين شعار الدولة أو الدولتين على أرضٍ لم تعد مشتركة، أنا غائب، لا أرقص إلا على رجلٍ واحدة، أنا المتجمِّد المتبلِّد مكتومُ النفس والكتابة. هل سأعود إلى أمي عائشة؟ وأخبرها عن عالمٍ آخرَ ليس فيه مخيمٌ، ولا طابون، ولا دبكةٌ شعبية؟ هناك شيءٌ أخذوه مني يا أمي، قولي: إلى متى أعود إلى أُوْلي وأستردُّ روحي مرةً ثانية؟

أُفرج عن صديقي من غرفة الديسكو في سجن سدي تيمان، كانت عيونه غائرة، ونظراته مليئة بالأسئلة المتيبِّسة، ولكنه كان يبتسم، وفي كلماته نوافذ لا تُطلُّ على المذابح والمجزرة. وقف أمام قضاة المحكمة الجنائية في لاهاي، لم يشتكِ لهم، ولكني سمعته يردِّد ما قاله المناضل الأممي يوليوس فوتشيك ذات يوم، وهو على مقصلة الإعدام، وكأنه يقرأ بياناً أو وصيةً: "سيأتي وقت يكون فيه هذا الحاضر ذكرى، وسيتحدث الناس عن عصر عظيم، وعن أبطالٍ مجهولين صنعوا التاريخ".

أهلاً بكم في الديسكو. أهلاً بكم في دولة الخمج والأسلاك الشائكة. الخروج من التاريخ واللغة. صداع الجغرافيا والمفاصل والوقت. طغيان يرفرف تحت الأقدام. لكن ما بال هذا الموت يتحول من خراب إلى عاصفة؟

بقلم: وسام زغبر - عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

"ركيفت".. الجريمة المستترة تحت الأرض

شهادات مروعة من قلب سجن «ركيفت» تكشف فصولاً جديدة من التعذيب الممنهج بحق معتقلي غزة. «ركيفت ليس مجرد زنزانة تحت الأرض، بل قبر حيّ يُدفن فيه الإنسان الفلسطيني بعيداً عن الشمس والعدالة.» في دهاليز الصمت وتحت سطح الأرض، تنبض الحقيقة بأصوات المعذّبين في سجن «ركيفت»، ذاك المكان الذي لا يشبه السجون بقدر ما يشبه قبراً حيّاً يُدفن فيه المعتقل الفلسطيني من غزة، جسداً وروحاً، بعيداً عن أنظار العدالة والإنسانية. زيارة نادرة قام بها محامو هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني إلى هذا القسم السري تحت سجن «نيتسان-الرملة»، كشفت عن فصل جديد من كتاب الانتهاكات الصهيونية، لكن هذه المرة كانت الصفحات أكثر سواداً، أشدّ قسوة، وأكثر انحداراً في وحل الفاشية. فــ«ركيفت» ليس مجرد زنزانة تحت الأرض، بل منظومة تعذيب ممنهجة، تُرتكب فيها الجرائم بدم بارد، وتُمارس في الخفاء، تحت الأرض، وبغطاء من الصمت الدولي. شهادات الأسرى تحاكي الجحيم. تحقيقات بلا نوم، أجساد أنهكها الجوع والبرد، أمراض تفترس مناعة المعتقلين، وإهانات يومية تُمارس كجزء من استراتيجية إذلال مدروسة. ما ورد عن كسر الإبهام كعقوبة، أو إجبار المعتقل على شتم والدته، ليس سلوكاً فردياً، بل تعبير عن عقلية احتلالية لا ترى في الفلسطيني إنساناً. «ركيفت» هو العنوان الأبرز لما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث كشفت سلطة الاحتلال الصهيوني عن وجهها الاستعماري دون رتوش، ورفعت الغطاء عن دولة تشرعن التعذيب وتحتجز الفلسطينيين بصفتهم «مقاتلين غير شرعيين»، لتبرر إخراجهم من نطاق الحماية القانونية التي يكفلها القانون الدولي. لكن الأهم من كل ذلك، أن هذه الشهادات ليست مجرد وثائق قانونية، بل نداء إنساني عاجل، صرخة من تحت الأرض تطالب العالم بأن يستيقظ. إنها دعوة لكل أحرار الأرض، لمؤسسات حقوق الإنسان، لمحكمة الجنايات الدولية، بألا تبقى صامتة. فالصمت هنا جريمة، والتغاضي تواطؤ. «ركيفت» ليس حدثاً عابراً، بل لحظة مفصلية في الصراع الفلسطيني-الصهيوني، توجب التوثيق والمحاسبة ومحاكمة مرتكبيها، وكشف الحقيقة، لا لأجل المعتقلين وحدهم، بل من أجل إنقاذ ما تبقى من القيم الإنسانية في هذا العالم.

زيارة إلى أعماق الأرض..

 سجون الموت: خارطة الاعتقال والتعذيب في قسم ركيفت

تمكّنت الطواقم القانونية التابعة لهيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، للمرة الأولى، من الوصول إلى معتقلي غزة المحتجزين في القسم السفلي من سجن (نيتسان – الرملة)، والمعروف باسم قسم (ركيفت). يُعد هذا القسم من أقسى أماكن الاحتجاز، وقد خُصّص للأسرى الذين يُصنّفهم الاحتلال ضمن فئة "النخبة"، وبعضهم ضمن فئة "المقاتلين غير الشرعيين".

مشاهد أولية: تحت الأرض وبمرافقة السجانين

خلال هذه الزيارة الاستثنائية التي جرت وسط إجراءات أمنية مشددة، أدخل المحامون عبر بوابة قديمة تشبه مخزنًا مهجورًا، يقود إلى درج نحو الأسفل، محاط بالصراصير والتشققات في الجدران والأرضية، وفق وصفهم، كانت الزيارة تحت رقابة لصيقة من السجانين، ومنعوا خلالها المحامين من نقل أي معلومات شخصية أو خارجية للمعتقلين. علامات الخوف والإرهاق كانت بادية على المعتقلين، والرقابة حالت دون بدء الحديث معهم بسهولة، وبعد محاولات متكررة، استطاع المحامون طمأنة الأسرى بأنهم جاءوا كممثلين قانونيين للاطلاع على أوضاعهم.

شهادات من جحيم ركيفت: استمرار لجرائم لا تنتهي

الزيارات أفرزت شهادات صادمة تضاف إلى سلسلة إفادات وثّقت منذ بدء العدوان، لتكشف عن مستوى التعذيب الممنهج الذي يواجهه معتقلو غزة خلال الاعتقال، التنقل، والتحقيق.

من الزنزانة إلى الزنزانة، الجحيم يتكرر

المعتقل (س.ج) أفاد بأنه اعتُقل في ديسمبر/كانون الأول 2023، ونُقل فورًا إلى تحقيق استمر ستة أيام، تخلله ما يعرف بتحقيق "الديسكو" و"البامبرز"، حيث حُرم من الطعام والماء، واضطر لاستخدام الحفاضات التي لم تُبدل سوى مرتين، كان معصوب العينين ومقيدًا طوال الوقت، بعد نقله بين معسكرات وسجون مختلفة، استقر في قسم ركيفت، حيث وصف ظروف الاعتقال فيه بأنها الأسوأ، إذ تحتوي كل زنزانة على ثلاثة أسرى، أحدهم ينام على الأرض، يُسمح لهم بالخروج إلى "الفورة" يومًا بعد يوم، وهم مقيدون وممنوعون من رفع رؤوسهم، ولا تصل الشمس أبدًا إلى تلك المساحة.

ضياع الزمن خلف الجدران

بدوره، قال (و.ن) إنه اعتُقل في ديسمبر/كانون الأول 2024، وتعرض لتحقيق عنيف واعتداءات جسدية ونفسية، من بينها إجباره على الجلوس على ركبتيه لفترات طويلة، وتعرضه لاعتداء جنسي من خلال الضرب على مناطق حساسة، أشار إلى إصابته بكسر في إصبعه نتيجة الضرب، لافتًا إلى أنّ السجانين يتعمدون كسر الأصابع كأسلوب تعذيب متكرر. وأضاف: "نحن في عزلة تامة... لا نعلم متى تشرق الشمس ومتى تغيب".

الشبح والكدمات والتقييد حتى المرض

المعتقل (خ.د) كشف أنه خضع لتحقيق "الديسكو" وتكرر استجوابه من قبل المخابرات أكثر من مرة، تعرض للشبح على الكرسي لفترات طويلة، وضُرب بشكل وحشي في زنازين سجن عسقلان، أُصيب بالجرب خلال احتجازه في عوفر، واستمر معه المرض بعد نقله إلى الرملة، ويعاني من آلام حادة في الصدر نتيجة التقييد للخلف، وذكر أن السجّانين يعاقبون الأسرى بكسر إصبع الإبهام.

حمى، برد، كاميرات، وتهديدات بالموت

أما المعتقل (ع.غ) فقد روى أنه احتُجز بدايةً في معسكر سديه تيمان حيث خضع لتحقيق قاسٍ رغم إصابته التي لم تعالج، أصيب بحمى شديدة وكان يصرخ من شدة الألم، دون أي تدخل طبي، وبقي لأيام دون غطاء أو ملابس في "بركس" مفتوح، نُقل لاحقًا إلى قسم ركيفت حيث تمنع الصلاة، وتُثبت كاميرات في جميع الزنازين لتوثيق تحركاتهم، يمنع الاستحمام إلا بإذن السجان، ويُحدد وقت ومدة الاستحمام، توزع لفة ورق واحدة فقط كل ثلاثة أيام، وكميات الطعام لا تكفي، "نعرف وقت الفجر فقط حين يسحب السجانون الأغطية"، قال (ع.غ). إلى جانب معسكرات مثل سديه تيمان، عناتوت، عوفر، ومعسكر منشة (المخصص لمعتقلي الضفة)، أصبحت مواقع مركزية لجرائم التعذيب ركيفت – الرملة، بحق المعتقلين الفلسطينيين، ويُذكر أن الاحتلال أقر بوجود 1747 معتقلاً من غزة حتى مطلع أبريل/نيسان 2025، صنفهم كمقاتلين غير شرعيين، وهم فقط من يخضعون لإدارة السجون دون احتساب من هم في قبضة الجيش داخل المعسكرات. (تقرير أعلام الأسرى)

الأسير ثائر الكريفي.. رفض الإبعاد والثمن إهمالٌ طبي مميت

الأسير الفلسطيني ثائر الكريفي (41 عامًا) من مدينة الخليل، لا يزال يقبع في سجن النقب الصحراوي، حيث يواصل معاناته الجسدية والنفسية بسبب الإهمال الطبي المستمر من قبل إدارة السجون، والكريفي معتقل منذ تاريخ 2 يوليو 2006، وهو محكوم بالسجن 21 عامًا.

الوضع الصحي الراهن والإهمال الطبي

في الوقت الحالي، يعاني ثائر الكريفي من حصى في المرارة وأوجاع شديدة مستمرة، إلا أن إدارة السجن ترفض علاجه أو حتى تقديم المسكنات اللازمة لتخفيف آلامه، هذا الإهمال الطبي المستمر قد شكل تهديدًا حقيقيًا لحالته الصحية، في وقت كانت فيه سلطات الاحتلال قد وعدت بالإفراج عنه ضمن صفقة التبادل الأخيرة، إلا أن الكريفي رفض العرض المشروط بالإبعاد إلى غزة، مؤكدًا تمسكه بالبقاء في مسقط رأسه في مدينة الخليل، في موقف وطني شجاع.

رحلة الاعتقال والمعاناة داخل السجون

ثائر الكريفي تم اعتقاله في عام 2006، وواجه رحلة طويلة من المعاناة منذ لحظة اعتقاله، كانت قوات الاحتلال قد اقتحمت منزله في الخليل، ووجهت إليه تهمًا تتعلق بالمقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وبعد الاعتقال، خضع الكريفي لمحاكمات عسكرية قاسية في محكمة "عوفر" العسكرية، حيث أُدين وحكم بالسجن لمدة 21 عامًا.

الحياة اليومية في السجون

الحياة اليومية لثائر داخل السجون لا تختلف كثيرًا عن حياة العديد من الأسرى الفلسطينيين، الذين يواجهون واقعًا صعبًا يتراوح بين قلة الطعام والظروف الصحية المتدهورة، يعاني ثائر من مشكلات صحية مزمنة منذ سنوات، أبرزها حصى في المرارة الذي يعرضه لآلام شديدة، لكنه لم يحصل على العلاج المناسب، حيث ترفض إدارة السجون تقديم العلاج له أو إعطائه المسكنات اللازمة لتخفيف آلامه. في سجن النقب، حيث يقبع حاليًا، يعيش الكريفي في ظروف صعبة للغاية، حيث يواجه قلة من وسائل الراحة والتهديد المستمر بالعقوبات التأديبية، وتفاصيل الحياة اليومية لأسرى سجن النقب تمثل صورة مصغرة للواقع المأساوي الذي يعاني منه الأسير الفلسطيني، وتضييق الخناق على الأسرى من خلال التفتيشات المستمرة، إضافة إلى التضييق على حقوقهم في التواصل مع العالم الخارجي، يجعل الحياة في السجون أشبه بعقوبات نفسية وجسدية على حد سواء.

موقفه من صفقة التبادل

خلال الفترة الأخيرة، كان من المتوقع أن يتم الإفراج عن ثائر الكريفي ضمن صفقة التبادل الأخيرة التي شملت عددًا من الأسرى الفلسطينيين، إلا أن الكريفي رفض العرض المشروط بالإبعاد إلى غزة، مؤكدًا تمسكه بحقه في البقاء في وطنه، برغم كل العروض والضغوط التي تعرض لها، وهو ما جعله يكتسب احترامًا واسعًا بين الأسرى والشعب الفلسطيني على حد سواء.

دعوة للتدخل الدولي

في ظل هذه المعاناة المستمرة، يطالب العديد من الناشطين الحقوقيين بتدخل دولي للضغط على سلطات الاحتلال لإنهاء سياسة الإهمال الطبي بحق الأسرى المرضى، بما في ذلك الأسير ثائر الكريفي، ويؤكدون على ضرورة توفير العلاج المناسب للأسرى، خاصةً لأولئك الذين يعانون من أمراض خطيرة مثل حصى المرارة والأمراض المزمنة الأخرى. الأسير ثائر الكريفي يدخل عامه الـ18 في الأسر، مثقلًا بوجع الجسد وحرمان الحرية، في ظل صمت دولي قاتل وتجاهل إنساني مستمر.

بقلم اللواء د. هلال محمد أحمد جرادات

الحرب النفسية ضد الأسرى الفلسطينيين

بدايةً، إن العوامل النفسية التي تمارس ضد الأسرى أو أي مجتمع هي أمور مبنية على دراسات علمية، وطبيعة الهدف والغاية عمليًا واحدة، وهي التأثير على نفسية الفرد أو المجتمع. ولهذا، فإن الصراع الدائر بين الإسرائيليين والفلسطينيين لن ينتهي بشكل بيعي. لذا، فإن العدو المحتل يريد أن يوصل رسالة للمجتمع الدولي والإقليمي والمحلي مفادها أن نهج المقاومة قد فشل، وأن هذه المقاومة هي إرهاب. وعليه، يكون التعذيب والترهيب جزءًا من عملية غسل الأدمغة، فتأتي نظرية التشكيك التي تعتبر مكونًا من نظرية التفتيت التي نادي بها ليفتسكي، حيث جعل لها ثلاث مراحل: أولًا، آلية التفكيك والتعيين والتوظيف، التي تهدف إلى هدم الحالة النفسية والصحية لرسالة واحدة مفادها أن من يكافح الاحتلال مصيره القتل أو الاعتقال أو الإبعاد.

ونلاحظ أن هذا الأمر لم يكن له أثر على شريحة واحدة فقط، بل على المنظومة برمتها، وهو مجتمع المقاومة. فالطعن في رموز المقاومة وتسليط الضوء على بعض الحقائق لتكون هي الظاهرة الرئيسية، كان هدفه تدمير النفس المقاتلة، وبالتالي تسليمها للسجان. هذا الأخير، الذي جعل الأسرى مفرقين إلى سجون عديدة حتى لا يكونوا قوة موحدة، وفي السجن الواحد توجد أقسام وغرف وعزل بأشكال متنوعة.

وهنا أتحدث عن تجربتي الشخصية، حيث كانت أيام السجن محنة بكل معنى الكلمة. وكان لزامًا أن أدخل في عملية قتل الفراغ وسد الفجوات التي جعلتني أشعر أن الجماعة قوة، بينما الفرد ضعف. وهنا يأتي أمر التعليم كغاية في الأهمية. فنظرت إلى تجربة النبي يوسف عليه السلام في السجن وكيف واجه السجن والسجان. كان موضوع المعرفة عامل جذب للآخرين، لذا كان لدي جدول للتعليم والأنشطة اليومية. وعرفت أن الروتين أمر غاية في الأهمية ولا بد من كسر هذا القالب. وكنا نقول: "نفس الرجال يحيي الرجال". وهذا الأمر الذي نتعرض له من تدخل سافر في حياتنا كان يواجه بإضراب عن الطعام حتى نحقق إنجازات. فإدارة السجون تتدخل في كمية الطعام والشراب وفترة الفسحة والملابس وزيارات الأهل والتعليم.

لذا كنت استعد في كل لحظة لكي أطور من قدراتي وأستفيد من الآخرين. وصبرت وتحملت لأنني وسائر الأسرى أصحاب قضية، ولن أسمح لكسر جبهتنا الداخلية. عشت تلك الفترة وأنا أعرف أن للعدو أهدافًا لتحطيم النفسية، وإعلام العدو يشتغل بشكل مكثف من أجل هذه الغاية. وباختصار شديد، فقد تعلمت، وخروجي كان بنفَس الأمل بالتخلص من نير الاحتلال، وما زال إيماني راسخًا. وأختم قائلًا: "لا عاش قلبي إن أحب سجانًا، ولا عاش قلبي إن جفى إخوانه".

بقلم: جلال محمد حسين نشوان

زنازين الموت الصهيونية تنزف دماً وألماً ووجعاً إلى متى؟

يعيش أسرانا البواسل في سجون الاحتلال هذه الأيام معركة إرادة وعزيمة وتحدٍ ضد جلاوزة الإرهاب من سلطات السجون وسجاني سجانات الإرهاب والظلم، حيث إنهم يحاولون في كل مرة كسر صمود الأسرى؛ حيث يتعرض أسرانا الأبطال هذه الأيام في السجون الصهيونية كافة إلى القمع والتنكيل المستمر، إضافة إلى ممارسة أشد أنواع وأساليب التعذيب النفسي والجسدي بحقهم؛ ويضرب الكيان عرض الحائط المواثيق والعهود الأممية والشرائع الدولية كافة التي تحرم قمعهم وتعذيبهم ومواصلة التنكيل بهم باعتبارهم أسرى حرب. إن محاولات الإرهابي "بن غفير" النيل من عزيمة وإرادة أسرانا البواسل ليست المرة الأولى، لكن أبطالنا حققوا انتصارات على جلاديهم وعلموهم دروساً في التضحية والفداء، ومع أن أبطالنا يتعرضون يوميًا للجرائم الصهيونية والتنكيل والتعذيب والعزل في الزنازين الانفرادية وتطبيق القوانين العنصرية والتنغيص عليهم داخل السجون، إلا أن الأبطال أذهلوا العالم كله بقوة إرادتهم الصلبة، وعزائمهم التي لا تلين.

اليوم تعيش الحركة الفلسطينية الأسيرة مرحلة تاريخية دقيقة ويحاول العدو الصهيوني سحب كافة الإنجازات من أسرانا البواسل، ويتنكر للاتفاقات السابقة بين الأسرى ومصلحة السجون الصهيونية، ويسحب كافة الإنجازات التي حققتها الحركة ومنها حرمانهم من الأكل وكافة تفاصيل حياتهم الإنسانية. إن الأوضاع في سجون الاحتلال تشهد غلياناً كبيراً بين الأسرى ضد الجرائم الصهيونية بحقهم، وضد اقتحامات قوات (النحشون) و(المتسادا) الصهيونية التي تقوم بها في سجون نفحة الصحراوي والنقب، واحتجاجاً على عمليات التفتيش والتنكيل بحق الأسرى وكذلك احتجاجاً على مصادرة أدواتهم الكهربائية وأغراضهم الشخصية وسط الحر الشديد. ما تقوم به قوات الإرهابي الصهيوني "بن غفير" من رش الأسرى بالغاز المسيل للدموع داخل المعتقلات، هو إرهاب الدولة المنظم وهو عار على هذا العالم الذي يدعي التحضر والرقي ويلوذ بالصمت تجاه النازيين الصهاينة الجدد، ومن المضحك المبكي أن هذا العالم، هو نفسه العالم الذي خطط لطردهم من أوروبا، بسبب مؤامراتهم القذرة وأعمالهم الشريرة التي زعزعت أنظمتهم السياسية في ذلك الوقت.

أيها السادة الأفاضل:

إن أوضاع السجون الصهيونية، أوضاع سيئة للغاية خاصة بعد السابع من أكتوبر، حيث تفتقر السجون الصهيونية إلى أدنى مقومات الحياة داخل السجون وهي عبارة عن سجون مهترئة وقديمة ويتعرض فيها الأسرى لكثير من الأمراض والأوبئة، حيث تترك مصلحة السجون الأسرى عرضة للأمراض دون تقديم العلاجات لهم، بل هم حقل تجارب لكثير من الأدوية. وتفيد هيئة شؤون الأسرى، أن مصلحة السجون في دولة الاحتلال، نقلت عشرات من الأسرى إلى سجون أخرى، ظناً منها أنها تستطيع النيل من إرادة أسرانا، ولكن أسرانا صمود أسطوري سيكتبه التاريخ بحروف من نور. إن الهجمة الصهيونية الإجرامية التي تستهدف أسرانا البواسل في السجون تقودها حكومة "نتنياهو" الإرهابية العنصرية المتطرفة، تحاول إسكات الأسرى الفلسطينيين، وإخفاء الجرائم التي تمارس بحقهم.

أيها السادة الأفاضل:

يجب على المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية التحرك العاجل، وإنقاذ أسرانا الأبطال، وحمايتهم من الجرائم الصهيونية المتواصلة بحقهم، وتطبيق اتفاقية جنيف التي تحسن معاملة الأسرى. وعلى المجتمع الدولي الذي يلوذ بالصمت، أن يتدخل ويوقف الجرائم الصهيونية التي يندى لها جبين الإنسانية؛ إنها هجمة صهيونية مسعورة تستهدف أسرانا الأبطال في السجون النازية الصهيونية، تقودها حكومة "نتنياهو" الإرهابية المتطرفة وجاءت وفقًا لتخطيط مسبق لتنفيذ قرارات صهيونية تهدف إلى كسر إرادة الأسرى والنيل من إرادتهم. ويبدو أن "بن غفير" المتطرف يريد أن يمارس هواياته الإجرامية بحق شعبنا وكأنه في سباق مع الزمن، مع أن هذا الإرهابي يعرف جيداً، أن الشعب الفلسطيني، لا يأبه بكل الممارسات الإرهابية، لأنه صاحب الأرض وصاحب الحق، وصاحب أعدل قضية عرفتها البشرية، وهو الغريب الذي جاء من وراء البحار. لم يكتفِ الإرهابي "لابيد"، بالعدوان على جنين ونابلس وغزة وكل محافظات الوطن، بل يصعد عدوانه الإجرامي على أسرانا الأبطال، بانتهاكات إجرامية، ستظل عاراً على الإنسانية جمعاء.

وفي الحقيقة:

ورداً على هذه الانتهاكات الإجرامية، يزداد صمود أسرانا الأبطال في مختلف السجون الصهيونية، لنيل حقوقهم الإنسانية المشروعة، لذا أناشد شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده لتنظيم وقفات إسنادية واعتصامات أمام مراكز الصليب الأحمر الدولي، وكافة مؤسسات الأمم المتحدة في فلسطين والعالم العربي، حتى يذعن المحتل الغاصب لمطالب الأسرى. إن محاولات العدو الصهيوني النيل من عزيمة وإرادة أسرانا البواسل ليست المرة الأولى، لكن أبطالنا حققوا انتصارات على جلاديهم وعلموهم دروساً في التضحية والفداء، ومع أن أبطالنا يتعرضون يوميًا للجرائم الصهيونية والتنكيل والتعذيب والعزل في الزنازين الانفرادية وتطبيق القوانين العنصرية والتنغيص عليهم داخل السجون، إلا أن الأبطال أذهلوا العالم كله بقوة إرادتهم الصلبة، وعزائمهم التي لا تلين. اليوم تعيش الحركة الفلسطينية الأسيرة مرحلة تاريخية دقيقة ويحاول العدو الصهيوني سحب كافة الإنجازات من أسرانا البواسل، ويتنكر للاتفاقات السابقة بين الأسرى ومصلحة السجون الصهيونية، ويسحب كافة الإنجازات التي حققتها الحركة الأسيرة في اتفاق الكرامة عام 2012م.

أيها السادة الأفاضل:

يجب على المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية التحرك العاجل، وإنقاذ أسرانا الأبطال، وحمايتهم من الجرائم الصهيونية المتواصلة بحقهم، وتطبيق اتفاقية جنيف التي تحسن معاملة الأسرى. وعلى المجتمع الدولي الذي يلوذ بالصمت، أن يوقف سياسة الكيل بمكيالين، وأن تخاطب جامعة الدول العربية المجتمع الدولي لفضح الجرائم الصهيونية، خاصة منظمة التعاون الإسلامي وغيرها من المؤسسات العربية والدبلوماسية العربية لضرورة التحرك الجاد وتفعيل قضية الأسرى وإبقائها حية في المحافل الأممية والعمل على تنظيم مؤتمرات عربية خارجية دعماً ومساندة للأسرى الذين يحيون ظروفاً صعبة داخل السجون الصهيونية.

أحبتنا

أبطالنا

يا تيجان رؤوسنا

نحن معكم

اصبروا وصابروا

الفجر قريب بإذن الله

عاش صمودكم الأسطوري الذي أذهل العالم كله

المجد يركع تحت أقدامكم

والإرهابي "بن غفير" وكل المجرمين إلى مزبلة التاريخ

الشهيد الأسير الشيخ خضر عدنان.. صدى الجوع في وجه القيد لم يسكت

في الذكرى الثانية لاستشهاده، لا يزال صدى الجوع في وجه القيد يرنّ في أذهان الجميع، ذلك الصوت القادم من عمق الزنازين، من إرادة لا تلين، من الشيخ خضر عدنان الذي تحوّل من أسير في زنزانة معتمة إلى رمز فلسطيني وعربي للمقاومة والصمود. لم يكن خضر عدنان مجرد رقم في قائمة المعتقلين، بل كان تجسيدًا حيًّا للإرادة في مواجهة الاحتلال، اسمه لا يُذكر إلا مقرونًا بالإضراب عن الطعام، بالكرامة، بالصمود، والانتصار رغم كل محاولات الإخضاع.

حياة من الاعتقال والمقاومة

وُلد الشيخ خضر عدنان عام 1978 في بلدة عرابة قرب جنين، وانخرط منذ شبابه المبكر في العمل الوطني والسياسي، وبرز اسمه ضمن الكوادر الفاعلة والمؤثرة في الساحة الفلسطينية. اعتُقل على يد الاحتلال 13 مرة، وأمضى ما يقارب 8 سنوات في السجون، أغلبها تحت الاعتقال الإداري دون تهمة واضحة، وهو ما دفعه إلى ابتكار وسيلة مقاومة خاصة به: الإضراب الفردي عن الطعام.

رائد الإضراب الفردي.. من صوت الأسير إلى أيقونة شعب

كانت أولى معاركه مع الإضراب عام 2011، حيث خاض إضرابًا استمر 66 يومًا رفضًا لاعتقاله الإداري، وانتزع حينها حريته بكرامته. وتوالت بعدها معاركه النضالية:

· في 2015: أضرب 56 يومًا.

· في 2018: خاض إضرابًا لـ58 يومًا.

· في 2021: أضرب 25 يومًا.

· في 2023: أضرب 86 يومًا، انتهت باستشهاده في فجر 2 مايو داخل زنزانته، بعد أن رفض الاحتلال إطلاق سراحه أو تقديم الرعاية الطبية له.

في كل إضراب، لم يكن خضر يتحدّى سجانيه فقط، بل كان ينطق باسم آلاف الأسرى الصامتين خلف الجدران، ويوصل صوتهم إلى العالم من خلال جسده الهزيل وأمعائه الخاوية.

وصية من عمق الوجع

قبل استشهاده، كتب خضر وصيته الأخيرة، وهو على فراش الجوع والاحتضار: "أبعث لكم بكلماتي هذه وقد ذاب شحمي ولحمي ونخر عظمي وضعفت قواي… أوصيكم بقول الحق في كل زمان ومكان، وخير بيوت فلسطين هي بيوت الشهداء والأسرى والجرحى والصالحين."

عائلته.. حكاية صبر وفخر

زوجته، رندة موسى، كانت صوته الخارجي، والمتحدثة باسمه في كل محنة، قالت بعد استشهاده: "سنحاسب كل مقصر، خضر ترك وحيدًا، ولن نستقبل العزاء به بل التهاني لأنه نال ما كان يطلبه: الشهادة." أما نجله عبد الرحمن، فقد لخّص فخر العائلة قائلًا: "فرحت أن أبي استراح من تعبه وانتصر وحقق حلمه بالشهادة، وانتصر على اليهود."

الشرارة التي أشعلت الغضب في السجون

لم تكن استشهاد خضر مجرد نهاية لقصة نضال فردية، بل كانت شرارة فجّرت الغضب داخل السجون، حيث شهد سجن "مجدو" في 3 مايو 2023 حادثة مؤثرة، حين هاجم الأسير محمد عبد الفتاح خروشة أحد ضباط الاحتلال، ردًا على اغتيال الشيخ خضر عدنان. الأسير خروشة، نجل الشهيد عبد الفتاح خروشة منفّذ عملية حوارة، نُقل بعدها إلى جهة مجهولة، وسط قمع شديد، وإغلاق كامل لأقسام السجن.

تدهور خطير في السجون بعد استشهاد خضر

استشهاد الشيخ عدنان سلّط الضوء من جديد على واقع الأسرى المأساوي داخل سجون الاحتلال، حيث تُمارس بحقهم سياسة ممنهجة من التعذيب الجسدي والنفسي، والعزل الانفرادي، والإهمال الطبي المتعمّد. يعاني الأسرى من سوء تغذية حاد، حيث تُقدّم لهم وجبات طعام رديئة مليئة بالمواد الحافظة، مما يفاقم الأمراض في صفوفهم، من السكري والقلب، إلى السرطان والأمراض الجلدية والتنفسية.

ومع افتقار السجون للرعاية الصحية، تتحوّل الأمراض المزمنة إلى أحكام إعدام بطيئة، كما تنتشر حالات التلوث والازدحام وتدهور التهوية، مما يضاعف الأزمة. أمّا العزل الانفرادي، فهو سلاح نفسي مروّع يستخدمه الاحتلال لكسر الأسرى، حيث يُسجن البعض لسنوات دون أي تواصل مع العالم، ما يؤدي إلى انهيارات نفسية واكتئاب واضطرابات عقلية متقدمة.

خضر عدنان.. باقٍ في الزنازين

رغم مرور عامين على استشهاده، لا يزال اسم خضر عدنان حيًا في ذاكرة الفلسطينيين، خاصة في الزنازين. لم يمت خضر، بل توزّع صموده على أجساد آلاف الأسرى، وأصبح إضرابه مدرسة تُلهم المقاومين. كان خضر أكثر من مجرّد شيخ أو مناضل.. كان جدارًا بشريًا يواجه الاحتلال بالجوع، بالصرخة، وبالكرامة. في ذكرى استشهاده الثانية، نُعيد سرد قصته ليس كحكاية ماضٍ، بل كنبض حاضر يذكّرنا أن صوت الجوع يمكن أن يهزم القضبان.. وأن من يصمت بأمعائه قد يُدوّي صوته في قلوب الملايين.

خضر عدنان.. شهادة في الأسر وأسر بعد الشهادة

وأفاد نادي الأسير وبمناسبة الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد الأسير خضر عدنان في سجون الاحتلال، أن سلطات الاحتلال ما زالت تحتجز جثمانه منذ استشهاده في الثاني من أيار 2023. وذكر منتصر سمور، مدير نادي الأسير في جنين، أن عدنان ارتقى بعد معركة إضراب عن الطعام استمرت 87 يومًا رفضًا لاعتقاله. وأشار إلى أن الشهيد عدنان قد خاض 6 إضرابات، حمل خلالها صوت الأسرى إلى كل أرجاء العالم، وتمكّن في كل مرة من نيل حريّته، حتى قرر الاحتلال في المرة الأخيرة اغتياله بشكل ممنهج.

وأضاف سمور أن الاحتلال رفض السماح لعائلة الشهيد بزيارته، رغم ما وصل إليه من مرحلة بالغة الخطورة، وتمكّنت زوجته من رؤيته فقط عبر شاشة الفيديو خلال جلسات المحاكم التي عقدت له، وآخر مرة كانت في 30 أبريل 2023، كما رفض الاحتلال نقله إلى مستشفى مدني.

تقرير: عبد الباسط خلف - جنين – طوباس

جنين وطوباس تنتصران للأسرى المرضى

ساندت أقاليم حركة "فتح" والشبيبة الفتحاوية في جامعة القدس المفتوحة وهيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير، وفصائل العمل الوطني وفعاليات وطنية في محافظتي جنين وطوباس والأغوار الشمالية، الأسرى المرضى في سجون الاحتلال، وأمين سر إقليم جنين الأسير عطا أبو رميلة، الذي يعاني ظروفًا صحية واعتقالية قاسية. ففي جنين، شارك مسؤولون وأعضاء إقليم وناشطون ونساء وممثلو اتحادات بوقفة في بهو جامعة القدس المفتوحة. واصطبغت الوقفة بصور للأسرى المرضى ولأبي رميلة وبشعارات وطنية أطلقت صرخات لإنقاذ أسرى الحرية المرضى، وطالبت بتوفير العلاج لهم. ودعا المشاركون الهيئات القانونية والمؤسسات الإنسانية إلى التحرك الفوري لوضع حد لمعاناة الأسرى ومتابعة أحوالهم الصحية. وقال الناطق الإعلامي لإقليم "فتح" في جنين، نصري حمامرة، إن أبو رميلة اعتقل في 31 تشرين الأول 2023، ويعاني اليوم أوضاعًا صحية صعبة للغاية. وأكد أن عضلة قلب أبو رميلة لا تعمل إلا بنحو 10% فقط، ويحتاج لتدخل جراحي فوري، حسب تقارير طبية وزيارات لمحامين. وأشار إلى أن الاحتلال استهدف أبو رميلة، المعتقل في "مجدو" بالضرب والحرمان من العلاج، بالرغم من كبر سنه. وبين حمامرة أن الإقليم يتابع من محامين من أراضي الـ48 أوضاع أمين سره، لكنه يخشى بشكل جدي على حياته، ويناشد الأطر الحقوقية التحرك لتوفير العلاج اللازم له وللأسرى كافة، ويطالب تدويل ملف الأسرى، ورفع قضايا الأسرى المرضى إلى المحاكم الدولية، وإطلاق الأسرى المرضى وكبار السن والنساء والأطفال. وأوضح علاء أبو رميلة، نجل الأسير عطا، بأن العائلة تلقت إفادات من أسرى تحرروا من معتقل "مجدو" أكدوا أن والدهم يعاني وضعًا حرجًا. وحسب أبو رميلة، فإن مرضى من أراضي الـ48 التقوا بوالده الأسير في مستشفى العفولة، وعلموا من أحد الأطباء بوضعه الحرج. وقال إن والده الأسير كان يتنظر عملية قلب مفتوح، وكانت مقررة بعد 20 يومًا من تاريخ اعتقاله، لكنه اليوم حسب أسرى تحرروا حديثًا يعاني الأمرين. وأبصر أبو رميلة النور في شباط 1960، وأمضى خلف القضبان 16 عامًا في عدة معتقلات، بينها 7 سنوات متواصلة، كما هدم الاحتلال منزله في أطراف حارة الدمج داخل مخيم جنين، مطلع انتفاضة الحجارة. ووفق ابنه البكر، فإن والده درس الشريعة قبل اعتقاله، ثم أكمل الماجستير في العلوم السياسية بجامعة القدس، وهو أب لثلاثة أبناء ومثلهم من البنات، أصغرهم ملاك، ابنة السابعة عشرة. وأكد أن الاحتلال أجل محاكمة والده حتى حزيران القادم، لكنه لم يخف خشية العائلة التي تضع يدها على قلبها. فيما شاركت فعاليات طوباس والأغوار الشمالية في الوقفة التي نفذت وسط المدينة، ورفع المشاركون فيها صورًا للأسرى المرضى ولعطا أبو رميلة، وابن طوباس الأسير أحمد أبو مطاوع. وقال أمين سر "فتح" في إقليم طوباس، محمود صوافطة، إن الوقفة إسناد لزميله أبو رميلة وللأسرى المرضى في طوباس وسائر محافظات الوطن، الذين يحرمون من أبسط حقوقهم في العلاج المناسب لحالتهم. وأكد أن الحركة الأسيرة تعيش فترة قاسية جدًا، يرافقها إهمال طبي متواصل، وسط تصاعد في أعداد الأسرى الشهداء. ودعا صوافطة، وهو مدير سابق لنادي الأسير في طوباس والأغوار الشمالية، المؤسسات الحقوقية الدولية للتحرك قبل فوات الأوان، ووقف المعاناة المستمرة للأسرى المرضى وكبار السن.

تقرير: هآرتس

مجزرة صامتة في سديه تيمان.. أسرى غزة يدخلون أحياء ويخرجون أمواتًا

كشف جندي إسرائيلي خدم في معسكر اعتقال "سديه تيمان" عن ظروف مروعة واجهها أسرى من قطاع غزة داخل السجن، مشيرًا إلى أن المعسكر وُصف بـ "المقبرة"، حتى من قبل المسؤولين عنه، وفق ما نُقل من "مستويات عليا". جاء ذلك في مقال نُشر دون توقيع في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، كتبه جندي خدم داخل "سديه تيمان"، وشارك بشهادته ضمن تحقيق بثّته هيئة البث الإسرائيلية ضمن برنامج "الوقت الحقيقي"، الذي ركز على قضية اغتصاب أحد الأسرى، مشيرًا إلى أن التحقيق لم يُظهر الفظائع التي وقعت في "سديه تيمان". وقال في مقاله: "معسكر سديه تيمان، كما يعلم كل من ذهب إلى هناك، هو معسكر تعذيب سادي. دخل إليه العشرات من المعتقلين أحياء، وخرجوا منه في أكياس. هناك شهادات من الحراس والأطباء والمعتقلين". وأضاف: "شاهدت الجحيم هناك". وتابع: "رأيت معتقلًا يموت أمام عيني، كان يجلس بجوار معتقلين آخرين، وكان يغطي وجهه بقطعة قماش، وفجأة أدركنا أنه قد فارق الحياة. رأيت قائد المنشأة يجمع الطاقم ويحاول تهدئة الروتين اليومي المتمثل في الإساءات واستخدام العنف والظروف اللاإنسانية التي يُحتجز فيها السجناء. سمعته يقول: 'يخبرونني من الأعلى أنهم يسمّون سديه تيمان المقبرة'." وواصل الجندي شهادته قائلًا: "رأيت أشخاصًا يدخلون هذه المنشأة وهم مصابون بجروح حرب، ثم يُتركون ليتضوروا جوعًا لأسابيع دون أي رعاية طبية. رأيتهم يتبولون ويتغوطون على أنفسهم لأنهم لم يُسمح لهم باستخدام الحمام. ما زلت أتذكر الرائحة حتى اليوم. كثير منهم لم يكونوا مقاتلين، بل مجرد غزيين اعتُقلوا على ذمة التحقيق، ثم أُطلق سراحهم بعد تعرضهم لانتهاكات شديدة. لا عجب أن بعضهم مات هناك، والمعجزة أن بعضهم نجا". أوضح الكاتب أنه قدم شهادته إلى هيئة البث الإسرائيلية، بما في ذلك العديد من التفاصيل، لكنها لم تُعرض في النسخة التي تم بثها من برنامج "الوقت الحقيقي". وختم بالقول: "كل من خدم في سديه تيمان يعرف الحقيقة: يعرف عن التعذيب، وعن العمليات الجراحية التي تُجرى بدون تخدير، وعن الظروف الصحية المروعة. ومع ذلك، لم يُبث شيء من هذا. ما حدث هناك ليس سرًا، لكن معظم الإسرائيليين لا يعرفون شيئًا عنه، لأن وسائل الإعلام الإسرائيلية تجاهلته إلى حد كبير. الفلسطينيون يخرجون من مراكز الاحتجاز لدينا في أكياس، ومعظم من حولي لم يسمعوا بذلك حتى الآن".

///////

الزغاري في مؤتمر أوروبي.. حقوق الأسرى الفلسطينيين تتطلب تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي

دعا رئيس نادي الأسير الفلسطيني، عبد الله الزغاري، خلال مشاركته في المؤتمر التاسع للتحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين في بروكسل، المنظومة الحقوقية الدولية إلى استعادة دورها الأساسي الذي أُنشئت من أجله. وطالب الزغاري بضرورة تجاوز حالة التقاعس المستمر في مواجهة التوحش الإسرائيلي، خاصة فيما يتعلق بالجرائم المستمرة بحق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. واعتبر الزغاري أن ما يتعرض له الأسرى يعدّ جزءًا من الإبادة الجماعية المستمرة، مشدداً على ضرورة تعزيز القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية وملاحقة قادة الاحتلال عبر المحاكم الدولية.

وفي كلمته، استعرض الزغاري سلسلة من الجرائم التي تم توثيقها من قبل مؤسسات حقوقية، حيث أشار إلى شهادات الأسرى المفرج عنهم، وطواقم الدفاع، التي كشفت عن مستوى غير مسبوق من التعذيب والتجويع والاعتداءات الجنسية، بما فيها عمليات الاغتصاب. كما نبه إلى تصاعد الأوضاع الصحية الكارثية في السجون، مع انتشار الأمراض والأوبئة في صفوف الأسرى، وما يقابله من حرمان تام من العلاج، مما أسفر عن استشهاد العديد من الأسرى.

وذكّر الزغاري بأن المعسكرات الإسرائيلية أصبحت تتحول إلى ساحات للتعذيب، مشيراً إلى معسكر "سديه تيمان" كأحد أبرز الأمثلة على هذه الجرائم. وأضاف أن هناك العديد من السجون والمعسكرات الأخرى التي لا تختلف في حجم الانتهاكات عن هذا المعسكر.

وأكد الزغاري على استمرار مطالبة فلسطين والمجتمع الدولي بتحقيق العدالة لأسرى فلسطين، مشيراً إلى أن عملية المحو والتطهير العرقي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني لن تثنيهم عن المطالبة بحقهم في تقرير المصير، مؤكداً أن هذه المعركة ستكون مستمرة حتى نيل الحرية لأسرى الشعب الفلسطيني.

هذا، وقد شهد المؤتمر حضور عدد من الشخصيات السياسية والحقوقية، منهم د. أمل جادو، سفيرة دولة فلسطين في بلجيكا ولوكسمبورغ والاتحاد الأوروبي، وخالد حمد، منسق التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين، بالإضافة إلى أمجد النجار، مدير عام نادي الأسير، وأمين شومان، رئيس الهيئة العليا للأسرى، فضلاً عن مجموعة من الخبراء الحقوقيين والمنظمات المدنية من مختلف الدول الأوروبية.

وفي إطار الجهود الدولية لفضح انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، التقى وفد فلسطيني مع السيد Vincent Willekens، نائب مدير حقوق الإنسان في وزارة الخارجية البلجيكية، في بروكسل. ضم الوفد كلاً من عبد الله الزغاري، رئيس نادي الأسير الفلسطيني، وأمجد النجار، المدير العام للنادي، وأمين شومان، رئيس الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى، بالإضافة إلى محمد أبو الخير، المشرف العام على الهيئة.

سلّم الوفد الفلسطيني تقريرين مفصلين يوثقان الانتهاكات التي تعرّض لها الأسرى الفلسطينيون منذ السابع من أكتوبر 2023، وأشار التقرير إلى استشهاد 66 أسيراً داخل سجون الاحتلال نتيجة للتعذيب والإهمال الطبي. وقدّم الزغاري عرضاً عن التصعيد الإسرائيلي، فيما ركّز النجار على سياسة الاعتقال الإداري للأطفال الفلسطينيين. كما دعا شومان إلى ملاحقة قادة الاحتلال قانونياً بسبب استشهاد الأسرى.

من جانبه، أعرب السيد Willekens عن اهتمام بلجيكا بالأوضاع في فلسطين، وأبدى استعداده لنقل التقارير إلى المعنيين داخل الوزارة. جاء اللقاء في إطار المؤتمر التاسع للتحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين في بروكسل.

بقلم: علي شكشك

حين يصبحون بشراً عاديين.. حينها سيتحررُ الوطن وأسرانا، وسيتحررون هم أيضاً ويتبدّدون

بعد عقودٍ سبعة من إعلان "دولة" الكيان الصهيوني، وبعد عدّة قرون من بداية جذور الدعوات لإنشاء هذا الكيان، فإنّ المشهدَ والمعادلة مازالتا كما هما، أكذوبة وأكاذيب تُفرض بالقوة والبلطجة الدولية، وتفرضُ معها مسوِّغاتها ومنطقها، وتُتَوسَّلُ أسسٌ لكلِّ هذا، نفس المقولات القديمة مازالت تَتوسَّلُ حجراً قديماً يسندها في "يهودا" و"أورشليم"، أو قطعةً فخاريّةً في التراب المقدس أو نقشاً غائراً أو بارزاً على أيِّ جدار، أو ورقةً ما تسقطُ من الجحيم، ومنذ بداية تلك الجذور استهلّت البعثاتُ الاستكشافية الجغرافية أعمالَها المثابرة الدؤوبة لإثبات شيءٍ مقصودٍ سلفاً، واستمرت هذه المحاولات وتفاقمت مع بسط الاحتلال كاملَ هيمنته على أرض الفلسطينيين، كما نشطت الدراسات على الوثائق والحفريات والتاريخ، دون أن يقعوا إلا على ما يثبت عكسهم ويكرّسَ الحضور الفلسطينيَّ بكافة مظاهره التاريخية اليبوسيّة والآرامية والأموية والكنعانية، فقد نسوا في غمرة انشغالهم بالأكذوبة أن الكتاب المقدّس يسميها "أرض كنعان"، وأنَّ أورشاليم التي يلوون ألسنتهم بنطقها هي مفردةٌ عربية آرامية قديمة، أما والأمرُ كذلك فلا بدَّ من نسيجٍ كاملٍ من الالتفاف والبطش، يهدفُ إلى إسكات التاريخ الفلسطيني واختلاق "إسرائيل القديمة" كما يقول المؤرّخُ اليهودي كيت وايتلام، ولأنّ الشواهد والوثائق لا تفضي إلى ذلك كان لابدّ من بطشٍ كبير وتزويرٍ أكبر، كان لابدّ من أسرِ كافة الشواهد التي تنطق باسمنا، وتحويرها ونفيها في الظلام، وكان لابدّ في المقابل من ترويجٍ بالخداع وبقوة السلاح والابتزاز لمقولات جاهزة تقوم مقام الحقيقة وتفعلُ فعلَها في الوعي وتُكرّسُ مفاهيمَ لا تبحثُ عن دليل، بقوة الإلحاح والادّعاء وانطباع الصورة والطقوس، وخلق انطباعاتٍ شَرطيّةٍ تتلبّسُ البشريةَ وهي تتجول في متحف "الهولوكوست" في القدس كدلالة على حقيقة الوعد لشعب الله المختار في "أرض كنعان"، ولتحقيق كامل الانطباع كان لابدَّ من أسر كلِّ الحالة الفلسطينية وتحويل مفرداتها إلى سبايا حسب ضرورات الهدف، فمفرداتٌ في المتاحف، ومفرداتٌ في المنافي ومفرداتٌ تحت الأرض ومفرداتٌ في السجون، ولن تستقيمَ حالتُهم تلك بدون هذا الأسر الكامل، بل هم مضطرون لأسر بعض وثائقهم وبعض آيات التوراة لإثبات حالتهم المرجوّة، ولو أدّى الأمرُ إلى "صلب" الرسول الذي جاء يكشف نفس هذا النهج القديم الجديد، ويعلن حقيقة الوعد وينهي معهم العهد ويرسم طريق الملكوت، تلك العادة القديمة في الأسر التي حاولوا بموجبها أسرَ الفكرة الجديدة بتكذيب وتصفية النبي المسيح الجديد وأسر ومصادرة كامل مقولته عبر التاريخ، ذلك أنها حالةٌ تقتات وتتأسّسُ على جوهر الأسر، أسرِ الآخر، التي بدأت باعتباره "جوييم"، هذه الحالة التي تتبلورُ الآن على شكلِ كيان ستتبدّدُ وتتلاشى تلقائيّاً حين تتوقف عن هذه العادة، التي أصبحت هي، كيف ستتنفّس وتبقى إن توقفت عن أسر ومصادرة الأرض والوعي والشعوب، تلك حالةٌ مستعصية، ولا بدّ من إنقاذهم من أسرهم وتحريرهم من أغلالهم التي كبّلوا بها ذاتهم وأسروا أرواحهم، حين يتحررون من شهوة أسر التاريخ والمكان وشهوة بناء المستوطنات والجدران وشهوة أسر الوثائق والوعي، حين يصبحون بشراً عاديين، حينها سيتحررُ الوطن وأسرانا، وسيتحررون هم أيضاً ويتبدّدون...

تقرير: الأسير علي سمودي - جنين – القدس

فواز عابد.. 23 سنة من المعاناة وأمل في الحرية

"منذ اعتقاله حتى اليوم، لم نفرح بمناسبة أو عيد، ولم نشارك الناس أي أفراح لأن شقيقي مغيب عنا. خلال رحلة أسره، تزوج إخوتي وشقيقاتي، لكن الفرحة لم تدخل منزلنا في غيابه، وخاصة بعد وفاة والدينا قبل أن يتحقق حلمهما بحريته"، قالت الوالدة أنعام أبو عابد في مستهل حديثها عن وجع وحزن أسرتها على شقيقها الأسير حبيب فواز خميس، الذي سرقت سجون الاحتلال 23 عامًا من عمره. وأضافت: "بشكل مستمر، تتكرر أمامنا صور المعاناة التي نتجرعها بسبب ظلم الاحتلال الذي لم يتوقف طوال السنوات الماضية والتي قضيناها في ظل الألم والوجع والدموع".

وتكمل: "وجعنا وآلامنا تزايدت بعد رحيل والدي ثم وفاة والدتي، وما زلت أتذكر كلماتها وصرخاتها في كل زيارة للسجون وهي تقول: 'متى تتكسر القضبان والقيود ويعود إلى أحضاني فواز؟'، لكن للأسف، لم يسمعها أحد ولم يتحقق حلمها. فرحتها رحلت قبل عامين وهي تردد اسمه وتوصينا به".

في بلدة يعبد، وُلِد حبيب قبل 40 عامًا ليكون باكورة أبناء عائلته المكونة من 8 أفراد، والتي يرتبط بها بعلاقة وطيدة. تعتبره العائلة الأقرب لها، فوزعت صوره في كافة أنحاء منزلها لتكون له ذكرى وبصمة وحضور. تقول أنعام: "تلقى تعليمه في مدارس يعبد حتى أنهى الصف الحادي عشر، وبسبب الظروف المعيشية الصعبة لعائلتنا الكبيرة، تحمل المسؤولية في وقت مبكر. ترك المدرسة وعمل في مهنة البناء حتى اعتقاله". وتضيف: "رغم مسؤولياته، لم ينسَ وطنه وواجباته، وشارك شعبه مسيرة النضال. لم نعرف ببطولاته ودوره في مقاومة الاحتلال حتى اعتقل".

تروي أنعام أن قوات الاحتلال استهدفت شقيقها وطاردته لأكثر من عامين، وتقول: "لم يهاب الاحتلال وتهديداته، فاستمر بملاحقته ونصب الكمائن حتى اعتقل في عملية خاصة فجر 8/7/2002، واقتادوه تحت الضرب لاقبية التحقيق". وتكمل: "عندما كنا نعيش مشاعر الخوف والقلق على حياة ومصير أخي، فوجئنا فجر اليوم التالي باقتحام الاحتلال لمنزلنا وطردنا منه لهدمه دون السماح لنا بالاستئناف أو الاعتراض على قرار العقاب التعسفي والظالم".

وتضيف: "بلمح البصر، هدم الاحتلال منزلنا وتعب وشقاء العمر، وشردوا عائلتنا لفترة طويلة عشنا خلالها كل صنوف المعاناة".

ورغم كارثة الهدم والتشريد، واصل الاحتلال التكتم على مصير الأسير حبيب الذي تعرض للتعذيب والتحقيق في زنازين الجلمة وسط حرمان عائلته من زيارته. بعد رحلة معاناة قاسية بين المحاكم، حوكم بالسجن مدى الحياة. تقول شقيقته أنعام: "لم نهتم بالهدم وتشريدنا رغم الويلات التي عشناها، لكن صدمتنا الكبرى بقرار الحكم. وعندما انهرت في قاعة المحكمة، وقف أخي بشموخ وتحدٍ ليرفع معنوياتنا ويبعث في أعماقي الصبر والأمل بحريته".

لأكثر من 20 عامًا، وقفت الوالدة زينب أبو عابد على بوابات السجون تتمنى اللحظة التي يعود فيها فواز إلى أحضانها. بينما بدأت رحلة أنعام على بوابات الأسر منذ عمر 5 سنوات. تقول: "مرت السنوات، ونحن نتنقل بين السجون لزيارته، فلم يبقَ سجن إلا واحتُجز فيه، وكانت بداية طفولتي بين السجون لزيارة شقيقي. لكن منذ عامين، عاقبنا الاحتلال كباقي أهالي الأسرى بإلغاء ومنع الزيارات. ولا يزال مصير فواز مجهولًا، وأخباره مقطوعة، ولا نعرف سوى أنه محتجز في سجن نفحة الصحراوي".

وتكمل: "لدوره النضالي ومواقفه الجريئة خلف القضبان، تعرض مرات عديدة للعزل، واحتُجز في الزنازين الانفرادية ومنع من الزيارات. وكل ذلك لم ينل من صموده وعزيمته ومعنوياته".

أمام الظروف والأوضاع الصعبة التي تعرض لها خلف القضبان، أصبح فواز يعاني من عدة أمراض ومشاكل صحية. تقول شقيقته: "خلال التحقيق، تعرض للضرب الوحشي على قدمه اليمنى، وما زال يعاني من آلام مستمرة وآثارها. كما يعاني من مشاكل في عينيه وضعف بالبصر، وبصعوبة تمكنا من إدخال نظارات طبية له على حسابنا الخاص". وتضيف: "في ظل مرضه ومعاناته، قدم عشرات الطلبات لإدارة السجون لعلاجه وعرضه على طبيب مختص، لكن دون جدوى".

الاحتلال يقتل 12 أسيرًا فلسطينيًا في سجون الاحتلال منذ بداية العام

أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى أن سلطات الاحتلال تواصل ارتكاب الجرائم بحق الأسرى في سجونها، بما في ذلك القتل العمد عبر التعذيب والإهمال الطبي، حيث اغتال الاحتلال 12 أسيرًا منذ بداية العام الجاري.

وأوضح المركز أن عدد شهداء الحركة الأسيرة ارتفع إلى 303 شهداء، منهم 12 أسيرًا ارتقوا داخل سجون الاحتلال هذا العام، حيث توفي 11 منهم نتيجة الإهمال الطبي المتعمد والتعذيب المحرم دوليًا، بينما ارتقى أسير قاصر نتيجة سياسة التجويع.

وأشار المركز إلى أن خمسة من الشهداء هم من أسرى قطاع غزة الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال خلال اجتياح القطاع، وهم مدنيون لا علاقة لهم بفصائل المقاومة، حيث قتلوا تحت التعذيب والإهمال الطبي في السجون. وأضاف أن هؤلاء هم: "محمد العسلي، إبراهيم عدنان عاشور، علي البطش، مصعب أبوهنيه، رأفت أبوفنونه".

كما أشار المركز إلى أن سبعة من الشهداء هم من أسرى الضفة الغربية، الذين قضوا نتيجة الإهمال الطبي، وهم: "محمد ياسين جبر" من بيت لحم، "خالد عبد الله" من جنين، "معتز أبوزنيد" من الخليل، "مصعب حسن عديلي" (20 عامًا) من جنين، "ناصر خليل ردايدة" (49 عامًا) من العبيدية في بيت لحم، "محيي الدين فهمي نجم" (60 عامًا) من جنين، و"وليد أحمد" (17 عامًا) من سلواد برام الله، الذين قضوا نتيجة سياسة التجويع التي أضعفت أجسادهم حتى الموت.

وأكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى أن سياسة القتل هذه مستمرة، مع تزايد الجرائم بحق الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال. ورصد المركز ارتفاعًا في هذه الجرائم منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث ارتقى 66 أسيرًا نتيجة التعذيب والإهمال الطبي، مما يشكل جريمة حرب تتطلب محاكمة قادة الاحتلال.

كما سلط المركز الضوء على تصعيد سياسة القتل بحق الأسرى بعد دعم حكومة الاحتلال المتطرفة لهذه الممارسات، إذ تم السماح لمحققي الشاباك باستخدام وسائل تعذيب محظورة دوليًا. وذكر المركز أن هذه الجرائم تحدث في معتقلات جديدة تم فتحها أثناء حرب الإبادة على غزة، مثل "معتقل سيديه تيمان".

وفي الختام، طالب مركز فلسطين المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية بالتدخل الفوري لتوثيق جرائم الاحتلال ضد الأسرى، ودعا إلى تشكيل لجان تحقيق مستقلة للضغط على الاحتلال لوقف هذه الانتهاكات، ومطالبة محكمة الجنايات الدولية بمحاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب.

بقلم: رشاد عمري

في الذكرى الثانية لاستشهاد ديار العمري

قبل سنتين مثل اليوم في ساعات قبل المساء، بعد يوم وليلة من اللعب واللهو والسعادة مع الحفيدتين جيلان ويارين، في بيتنا وبالطريق ما بين بيتنا والبقالة القريبة في الحارة، في حيفا، بدأت بتجهيز نفسي للمشاركة في وقفة في ساحة الأسير، دعت لها الحركات الوطنية في حيفا، للمطالبة بتحرير القائد وليد دقة من السجن لتلقي العلاج، وإنقاذ حياته من الإهمال الطبي في السجن، قبل استشهاده في السجن. فجاء الاتصال بالخبر الصاعق لي وللعائلة في حيفا: "ديار انقتل". ديار انقتل على مدخل مستوطنة "غان نير". لم تكن سوى دقائق حتى بدأت الصفحات الإخبارية بالحديث عن قتيل في صندلة، بحادث عنف، كأي حادث عنف وجريمة كالتي تفتك بمجتمعنا في الداخل، فكان لا بد بعد انتشار الخبر المشوّه من التواصل مع المواقع الأكثر انتشارًا، لتنقل الحقيقة، في مواجهة ما صدر عن الشرطة "الإسرائيلية"، وهي حقيقة استشهاد ديار على خلفية قومية عنصرية وليس على خلفية جنائية، وديار شهيدًا وليس قتيلًا. فقد كنت على يقين بأن إطلاق النار على ديار لا يمكن أن يكون على خلفية جنائية، فبلدة صندلة معروفة بأهلها الذين تمسكوا بأرضهم وبالقيم الوطنية والأخلاقية، وأهل هذه البلدة التي فقدت 15 طفلًا من أطفالها بقنبلة وُضِعت على جانب الطريق الذي يسلكونه مرتين في اليوم من وإلى مدرستهم، لا يمكن أن يتخيّلوا بأن أحد أبنائهم قد يُقتل نتيجة العنف. فالقاتل لا يمكن أن يكون إلا مستوطنًا عنصريًا. هذا ما كان ردّي لكل الزملاء الصحافيين الذين تواصلوا معي وأنا في طريقي من حيفا إلى صندلة: "ديار استشهد" بعد أن طالته يد غدر مستوطن إرهابي، عنصري وفاشي. كان بإمكان ديار وضعه تحت قدمه بأريحية، لكن هذا الإرهابي ككل مستوطن إرهاب نذل، يستقوي بالسلاح الذي توزعه الدولة على مستوطنيها. رغم ما سبق من اتصالات وتواصل مع الأهل في قرية صندلة، ومع زملاء صحافيين، كان الشعور بأنني أعيش في فيلم خيالي، أو الأصح تشعر بأنك تعيش في تهيئات، حتى بعد وصولك القرية، إلى المفرق الذي يؤدي إلى مستوطنة "غان نير"، الذي أغلقته الشرطة بعد المواجهات العنيفة مع شباب البلد، الذين وصلوا إلى بوابة المستوطنة للقصاص من الإرهابي الذي حمته الشرطة، وفي نفس الوقت اعتدت على شباب البلد.

لا يوجد حاجة لحضورك إلى المستشفى حيث يرقد جثمان الشهيد ديار، وطلبوا مني الوصول إلى بيت ابن العم أحمد، والد الشهيد ديار. أحمد الذي اعتدت، كلما التقينا، في بيته أو في بيت والدته أو في بيت والدتي في صندلة، اعتدت على المزاح والضحك معه. فكيف سأقلب مشاعري 180 درجة عند مقابلته؟ لا أعرف. فوجدت نفسي وكأنني أصطنع الحزن، مع الشخص الذي صوت دماثة أخلاقه وفرحه ومزحه هو اللامع في كل لقاء.. فتكاد لا تصدّق ما يحصل، ويذكّرك بذلك عشرات وربما مئات المتصلين المصدومين هم أيضًا من الخبر.

· كيف صنعت بلدة صندلة نموذجًا للنضال في أصعب الأوقات؟

· المراسيم تفرض نفسها والمواقف التي تفرض نفسها أيضًا!

بعد المواجهات على مدخل المستوطنة والتي امتدت إلى مدخل القرية، وإغلاق الشارع المؤدي إلى جنين، تفرض عليك الوقائع التحضير لمراسيم تشييع شهيد، من المتوقع أن يتقاطر الآلاف للمشاركة في تشييع جثمان الشهيد. رغم معرفتي بأهل قريتنا، لكن ما قام به أهل البلد جميعهم رجالًا ونساءً شبّانًا وشابات، من تحضيرات لتشييع مهيب للشهيد، لاستقبال الآلاف الفلسطينيين من الداخل الذين سيشاركون في تشييع الجثمان، ولاحقًا استقبال الآلاف المعزين. والحقيقة، إلى جانب وقوف أهالي البلد، لا بد من ذكر مواقف الأغلبية الساحقة، إن لم يكن إجماع أهل البلد، برفض استقبال، في ساحات العزاء، أي إسرائيلي رسمي، من رئيس الدولة إلى أصغر لجنة صف. وصدر بيان واضح آنذاك بعد وصول رسائل من بعض الرسميين، وعلى رأسهم رئيس الدولة، يطلبون فيها الحضور لتقديم التعازي. وفي البيان الذي صدر عن العائلة، اشترط للنظر في طلب تقديم رئيس الدولة التعازي تحرير الأسير وليد دقة، الذي كان يصارع المرض آنذاك، بعد قضائه مدة الحكم، قبل إضافة لاحقًا سنتين سجن إضافيتين. أذكر ذلك، للإشارة إلى المواقف السياسية والوطنية، منذ المواجهة على مدخل مستوطنة "غان نير" وما تبع ذلك من تحدي للهجمة البربرية والاعتقالات العشوائية والترهيبية. مواقف وطنية لقرية صغيرة، شبه معزولة، لكنها كانت بذلك نموذجًا للنضال والتحدي والشموخ، في مرحلة طغى فيها بالداخل الشعور بالعجز، وحملة البعض تخويف الناس بالوزير بن غفير، لتبرير سقوطهم في مستنقع ما يسمى اليسار الصهيوني، في تغييب مع سلق الإصرار والترصد لجرائم قتل هذا اليسار للفلسطينيين في كل مكان، بمن في ذلك في الداخل. تاريخ دموي امتد منذ قبل العام 1948 إلى آخر حكومة له برئاسة المستوطن الفاشي بينيت، مرورًا برابين وبيرس وغيرهم من الملطخة أياديهم بدم الفلسطينيين والعرب. سأكتب لاحقًا عن حملة الاعتقالات لشباب البلد، وعن محاولات الترهيب، وعن الوقفات أمام المحكمة بالتزامن مع محاكمة المستوطن الإرهابي المجرم الخسيس، والمحاكمة التي في مراحلها الأخيرة. لن يُهدر دمك يا ديار، المجد والخلود للشهيد ديار ولجميع الشهداء الأبرار.

بقلم: حسن عبادي / بروكسل – حيفا

المؤتمر التاسع للتحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين

عقد التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين مؤتمره التاسع في بروكسل/بلجيكا تحت شعار "تعزيز التضامن الدولي مع الأسرى في ظل الإبادة الجماعية"، وكانت الجلسة الافتتاحية يوم السبت 03.05.2025. أدار الجلسة الناشط أنس أبو سعدة (عضو اللجنة الاستشارية للتحالف) والناشطة آمال حمد. بدأ المؤتمر بالنشيد الوطني الفلسطيني وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء.

كانت الكلمة الأولى للدكتور خالد حمد/ألمانيا (رئيس اللجنة الاستشارية للتحالف)، الذي رحّب بالمشاركين وتناول قضية الأسرى وأهمية انعقاد المؤتمر في هذه الظروف، وضرورة تدويل قضية الأسرى، وأكد على التزام التحالف بمواصلة العمل على الصعيدين السياسي والحقوقي لتدويل قضية الأسرى، وملاحقة الاحتلال وقادته على جرائمهم، ودعم عائلات الأسرى والمحررين في مختلف المجالات.

وتلته السيدة أمل جادو (سفيرة فلسطين في بلجيكا ولوكسمبورغ والاتحاد الأوروبي)، والسيد عبد الله الزغاري (رئيس نادي الأسير الفلسطيني) الذي نادى بوقف تسونامي التعذيب والموت ضد الأسرى، والطبيب Andre Pascal، والسيد Marc Botenga (البرلمان الأوروبي)، الذي تناول انطباعاته من زيارته لفلسطين ولقائه بأسرى محررين، والسيد Alexis Deswaef (بلجيكا)، الذي وصف الاحتلال بدولة استعمارية محتلة تتبع سياسة عنيفة في المنطقة وعمليّة إبادة بتواطؤ وصمت الغرب ومسرحية مسخرة القضاء، والسيد محمد الشامي (بلجيكا)، والسيد Peter Eisenstein (النرويج).

وتخللت الجلسة تكريم المحامي الفرنسي الراحل Devers. ومن الجدير بالذكر أنه تعذر حضور ومشاركة السيد رائد أبو الحمص (رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين).

شهد المؤتمر حضوراً أوروبياً ودولياً واسعاً ومتميزاً، بمشاركة نخبة من البرلمانيين والمحامين والحقوقيين، وممثلي الأحزاب وحركات التضامن الدولية مع الشعب الفلسطيني، وعدد من المنظمات الدولية ذات الصلة، وبمشاركة وفد من المؤسسات الفلسطينية التي تعنى بشؤون الأسرى، ومنها نادي الأسير والهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى والمحررين، وتعذر حضور هيئة شؤون الأسرى والمحررين، إلى جانب مشاركة حشد واسع من قادة ونشطاء الجاليات الفلسطينية في الدول الأوروبية والبرازيل وبلدان المهجر والشتات، ونخبة هامة من الإعلاميين والصحفيين. ومن الجدير بالذكر أنّه تعذر حضور ممثل تلفزيون فلسطين لتغطية وقائع المؤتمر.

وهنا تجدر الإشارة إلى جهود اللجنة الاستشارية للتحالف (د. خالد حمد/ألمانيا، د. عبد الحميد صيام/الولايات المتحدة، حمدان الضميري/بلجيكا، أنس أبو سعدة/هولندا، علي هدروس/السويد، نصري البرغوثي/إنجلترا، علي أبو هلال/فلسطين، وحسن عبادي/حيفا - فلسطين)، واللجنة التحضيرية الذين عملوا على إنجاح المؤتمر.

الجلسة الأولى – وضع الحركة الأسيرة

تحت شعار "تعزيز التضامن الدولي مع الأسرى في ظل الإبادة الجماعية"، كانت الجلسة الأولى يوم السبت 03.05.2025 تحت عنوان "وضع الحركة الأسيرة".

أدار الجلسة الناشط علي أبو هلال (عضو اللجنة الاستشارية للتحالف)، والناشط صلاح زاقوت/أوكرانيا، والناشط فهد أبو الحاج.

كانت المداخلة الأولى للسيد أمجد النجار (مدير نادي الأسير الفلسطيني)، الذي أكد أن الاحتلال حوّل السجون إلى ساحات للتعذيب والإذلال الممنهج، خاصة بحق معتقلي غزة، مشيراً إلى شهادات صادمة حول التعذيب الجسدي والنفسي، وعمليات الاغتصاب، والقتل المتعمد، والتجويع، والجرائم الطبية، وتوثيق أكثر من (66) شهيداً من الأسرى، كان آخرهم اليوم، واحتجاز جثامين 75 أسيراً، مشيراً إلى أن الاحتلال يواصل إخفاء هويات العديد من شهداء غزة، وأن آلاف معتقلي غزة يُحتجزون ضمن ظروف قاسية ومعزولة في معسكرات وسجون خاصة مثل "سديه تيمان" و"عوفر" و"الرملة"، وسط قيود مشددة على زيارات المحامين، واستمرار جريمة الإخفاء القسري بحقّ العديد منهم حتى اليوم.

وأبرز تصعيد الاحتلال في استخدام "الاعتقال الإداري" و"قانون المقاتل غير الشرعي" كأدوات لقمع الفلسطينيين دون محاكمات عادلة، بالإضافة إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كذريعة لاعتقال النشطاء، والصحفيين، وفئات أخرى فاعلة في المجتمع الفلسطيني بهدف تقويض دورهم.

وتلته كلمة مصوّرة للمحامية تالا ناصر/مؤسسة الضمير، وتلتها شهادة مصوّرة للأسيرة المحرّرة بصفقة الطوفان السيدة أماني حشيم.

وأعقبتها مداخلة السيد أمين شومان (الهيئة العليا لدعم الأسرى)، وتلتها مداخلة الناشط أحمد فراسيني/بلجيكا، الذي أكد على قضية احتجاز الجثامين. ومن الجدير بالذكر أنه تعذر حضور ومشاركة ممثل هيئة شؤون الأسرى والمحررين.

الحرية خير علاج للأسير.

بقلم: عادل الأسطة

صناديق حبس القردة للسجناء والسجينات

حضرت أمس في الساعة الثانية عشرة ظهراً، في مكتبة بلدية نابلس، ندوة عن السجينات والسجناء الفلسطينيين، تحدثت فيها سجينة سابقة، والسجين مظفر ذوقان، والمحامي حسن عبادي القادم من حيفا.

تحدث المحامي، الذي يزور السجناء ويتواصل معهم وينقل معاناتهم، عن أوضاع مزرية يعيشونها. ومن أطرف ما سمعته، عدا التقييدات الجديدة بعد 7 أكتوبر 2023، بل ومنذ تولي الوزير الإسرائيلي (بن غفير) ملف الأسرى، هو إحضار أقفاص يُوضع فيها، في العادة، القرود، لمعاقبة أسرى/سجناء وأسيرات/سجينات فيها.

أتمنى أن تُنشر كلمات المحاضرة وتُعمم.

هل هذا مستغرب؟ منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين صرنا نسمع من عتاة المستوطنين المتطرفين كلاماً أقله إننا نحن العرب صراصير ينبغي التخلص منها بوضعها في زجاجات مغلقة وإحكام إقفالها. ومنذ السابع من أكتوبر، صرنا نصغي إلى متطرفين يقتبسون عبارات من العهد القديم تظهر ما نحن عليه كـ "غوييم" (أغيار). نحن عبيد لا نستحق إلا المعاملة الدونية.

قبل أن تنتهي المحاضرة بقليل، اقتحمت قوات الاحتلال "الإسرائيلي" البلدة القديمة. دخلت القوات المستعربة من سوق البصل إلى حارة الياسمينة وحوش العطعوط.

ارتقى الشهيد رامي سامي وليد الكخن، وهو في الثلاثين من عمره، وأصيب سبعة مواطنين. أما أنا، فانسللت صاعداً درج مكتبة البلدية إلى شارع حطين، فشارع الرازي، ومكثت في شقتي أقرأ في كتاب محمود شقير "المشهد الروائي الفلسطيني: قراءات"، وفي كتاب عاطف أبو سيف "استعادات مقلقة: يوميات غزة: 100 كاتب وفنان من غزة يكتبون".

غبطت نفسي على هدوء شعرت به، وتحسرت على أهل قطاع غزة، وتابعت ما يجري هناك. تعاطفت معهم وتناولت بعض شرائح جبنة ونصف رغيف وشربت شايًا، ورحم الله الشاعر المصري صلاح عبد الصبور الذي كتب:

·  وشربتُ شايًا في الطريق.

فاستثار عباس محمود العقاد، ومن أوائل المقالات التي كتبتها في العام 1977 مقال عنوانه:

"هل شرب الشاي مسألة شعرية؟"

ويبدو أنني كنت متأثرًا بما قرأته للعقاد.

بقلم: سامي إبراهيم فودة

الأسير معتصم رداد شهيدًا بعد تحرره من سجون الاحتلال وهو مصاب بالسرطان

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ صدق الله العظيم.

إن قافلة شهداء الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة تمضي ولم تتوقف، حينما يترجل بطل من أبطالها وفارس من فوارسها، ولن يكون الأخير الشهيد الأسير المحرر والمُبعَد "رداد" ما دام الخطر الصهيوني جاثمًا على أرض فلسطين. فهناك العشرات من الأسرى يعانون من ظروف صحية صعبة للغاية، نتيجة إصابتهم بأمراض السرطان والقلب والفشل الكلوي وغيرها من الأمراض الخطيرة، نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة مصلحة السجون الصهيونية.

والأسير المحرر "معتصم رداد" كان من أبرز الأسرى المرضى المصابين بالسرطان، والذي واجه خلال سنوات اعتقاله في الأسر جرائم طبية مركبة. جرى حقن الأسير "معتصم" من قبل إدارة مصلحة السجون والمخابرات خلال التحقيق معه، كجزء من الانتقام والعقاب على صموده، وقد توعده المحققون آنذاك بالإعدام البطيء.

إخوتي الأماجد، أخواتي الماجدات، رفاق دربي الصامدين، الصابرين، الثابتين، المتمرسين في قلاع الأسر، أعزائي القراء، أحبتي الأفاضل... فما أنا بصدده اليوم هو تسليط الضوء على استشهاد الأسير المحرر والمُبعَد إلى مصر، معتصم طالب داود رداد، ابن الثالثة والأربعين عامًا، والذي ينحدر من بلدة صيدا شمال طولكرم في الضفة الغربية. وكان هذا المناضل الأشم نموذجًا للصبر والعطاء والصمود والإرادة الصلبة التي لا تعرف معنى الهزيمة والانكسار.

ارتقى شهيدًا إلى العلا، مقبلًا غير مدبر، مساء يوم الخميس الماضي الموافق 8/4/2025، في إحدى المستشفيات المصرية بعد صراع طويل ومرير مع مرض السرطان الخبيث الذي أُصيب به في غياهب سجون الاحتلال الصهيوني لمدة 19 عامًا. حيث جرى اعتقاله بتاريخ 12/1/2006، وحُكم عليه بالسجن الفعلي عشرين عامًا بتهمة الانتماء والعضوية في سرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وأمضى 18 عامًا من حكمه البالغ 20 عامًا، قضى غالبيتها في عيادة سجن الرملة دون أن تُقدم له أدنى رعاية طبية حقيقية لحالته الصحية.

وقد تحرر من سجون الاحتلال الصهيوني في صفقة وقف إطلاق النار في قطاع غزة في شهر شباط/فبراير الماضي، وكان من ضمن من تم إبعادهم إلى مصر. حيث نُقل لحظة الإفراج عنه إلى إحدى المستشفيات المصرية لتلقي العلاج، وللأسف تدهورت حالته ودخل في انتكاسة صحية مما أدى إلى استشهاده، ليلتحق بركب الشهداء الأبرار.

المجد للشهيد الأسير معتصم رداد

المجد والخلود لشهدائنا الأبطال

والحرية لأسرانا وأسيراتنا الماجدات

والشفاء العاجل للمرضى المصابين بأمراض السرطان وغيرها من الأمراض الفتاكة بالإنسان.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار