2025.07.17
حديث الساعة
حكومة أخنوش تُغنّي خارج السرب.. المخزن يبيع أوهام السياسة في مزاد مسروق

حكومة أخنوش تُغنّي خارج السرب.. المخزن يبيع أوهام السياسة في مزاد مسروق


في المغرب، لا تحتاج إلى أدوات تحليل اقتصادي دقيقة ولا إلى مؤشرات مالية معقدة كي تدرك عمق الأزمة التي تخنق البلاد. فالمفارقة الصارخة بين ما يُقال في الخطابات الحكومية وما يُرى على أرض الواقع كافية لتكشف حجم الهوة التي تفصل بين الدولة ومواطنيها. ففي القاعات المكيفة والمناسبات الرسمية، يُرسم مشهد وردي لدولة تسير بخطى ثابتة نحو الازدهار، بينما في شوارع المدن والقرى النائية، تتكشّف لك ملامح وطن يترنّح تحت وطأة الفقر، البطالة، ورداءة الخدمات.

تمارس سلطة المخزن نوعاً من الخداع الممنهج، تبيع الأحلام المغلّفة بلغة مطمئنة، تماماً كما يبيع المشعوذ تعويذته لمن يبحث عن طوق نجاة، فيما الواقع يزداد انحداراً نحو المجهول. النتيجة الحتمية لذلك هي دولة تلتهمها الأزمات من كل جانب، وشعب يُطالب بالتصفيق لإنجازات لا توجد إلا في نشرات الأخبار الرسمية والتقارير المحنطة. فكيف يمكن لحكومة أن تتحدث بثقة عن خلق فرص العمل، في الوقت الذي تتزايد فيه طوابير العاطلين عن العمل أمام وكالات التشغيل؟ كيف تروج الحكومة لإصلاحات في التعليم بينما لا تتوفر بعض المدارس على أبسط الضروريات، كالماء الصالح للشرب والكهرباء؟ ولماذا تُقدَّم الزيادات الضريبية المتتالية على أنها دليل على نجاح في تعبئة الموارد، بينما تُنهك هذه السياسات ما تبقى من القدرة الشرائية للمواطنين؟

الجواب – كما يرى الكثير من المتتبعين – يكمن في انقطاع شبه تام بين من يملكون القرار السياسي ومن يعيشون تبعاته. بين واقع يفرض نفسه يوميًا في الشارع، وآخر مختلق يُروَّج له في المنابر الرسمية. وفي هذا السياق، يتفق العديد من الخبراء الاقتصاديين المغربيين على أن النظام القائم يواصل تسويق الوهم للمواطنين من خلال الحديث عن "إنجازات" مفترضة، بينما المؤشرات الواقعية تؤكد العكس تمامًا، وتُظهِر توجهاً تصاعدياً للأزمات الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء.

الخبير المغربي والباحث في السياسات العمومية، محمد مرنان، عبّر عن هذا التناقض الفجّ في تصريحات صحفية، مشيراً إلى أن خطاب الحكومة "يعاني من انفصام حاد عن واقع المواطنين"، حيث يجري الترويج لما يُسمى إصلاحات وهي في الحقيقة غير ملموسة على الأرض. واستشهد مرنان بقطاع التعليم، حيث لا تزال بعض أقسام المدارس في المناطق القروية تضم أكثر من أربعين تلميذًا في الفصل الواحد، في ظل غياب شروط الحد الأدنى من البنية التحتية، مثل الماء والكهرباء.

ويؤكد مرنان أن الحكومة تختزل الأزمات في مؤشرات سطحية وشعارات سياسية، بدل الانكباب على المعالجة الجذرية للمشاكل. ويضيف أن الإصلاح الحقيقي لا يُقاس بالكلمات، بل بالنتائج الملموسة، مشيراً إلى أن حكومة أخنوش لم تُقدِم على أي قطيعة مع السياسات السابقة، بل ظلت رهينة لها، مع غياب تام لأي اعتراف بالإخفاق أو استعداد لمراجعة المسار.

وفي الإطار نفسه، أشار الخبير الاقتصادي محمد الرهطوط إلى أن الحكومة ترفض الاعتراف بحقيقة الأزمة البنيوية التي يعيشها الاقتصاد المغربي، والمتمثلة في ضعف القدرة على خلق القيمة المضافة. ويرى الرهطوط أنه من غير المنطقي الحديث عن توفير مليون منصب شغل في الوقت الذي يتزايد فيه معدل البطالة باستمرار، في ظل ركود قطاعات حيوية كالصناعة والسياحة، وغياب سياسة عمومية شاملة ومهيكلة تدعم هذه القطاعات.

ويضيف أن ما يعانيه المغرب ليس مجرد قصور في تنفيذ السياسات، بل نتيجة مباشرة لغياب رؤية وطنية واضحة ومشروع تنموي شامل. ويؤكد أن الدولة تفتقر إلى سياسة تشغيلية حقيقية تعتمد على الاستثمار في الابتكار، تطوير الطاقات المتجددة، وتعزيز الصناعات التحويلية.

وعلى صعيد الأرقام، كشفت المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة رسمية، عن إحصاءات حديثة تُنذر بالخطر، إذ بلغت نسبة البطالة في المدن أكثر من 18 بالمائة، وهو رقم يعكس فشلًا ذريعًا في خلق فرص الشغل، ويثير تساؤلات حقيقية حول فعالية البرامج الحكومية المعلنة.

أما قطاع التعليم، فالأزمة فيه لا تقلّ حدة، إذ تفيد معطيات صادرة عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين بأن ما يقارب 334 ألف تلميذ يغادرون مقاعد الدراسة سنويًا، وهو رقم صادم يدلّ على نزيف مستمر في المنظومة التعليمية، ويهدد بضياع جيل كامل من فرص التكوين والتأهيل، ما ينعكس سلبًا على المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

في موازاة ذلك، عرفت الفترة الأخيرة موجة غضب شعبي بسبب الزيادات المفرطة في الضرائب، التي أقرتها الحكومة تحت مبرر تعبئة الموارد. لكن هذه السياسات، بدل أن تعزز التنمية، زادت من تأزيم الوضع الاجتماعي، خاصة مع التراجع التدريجي في الدعم الموجه للمواد الأساسية. وتخشى تقارير إعلامية أن تؤدي هذه الخطوات إلى انفجار اجتماعي، في ظل اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء، وانكماش الطبقة الوسطى التي كانت تشكل عماد الاستقرار.

وقد تناولت عدة تقارير صحفية مغربية هذا التوجه، تحت عناوين صريحة مثل "حكومة أخنوش توسع وعاء الجبايات وتفشل في ضبط الإنفاق وتوجيه الاستثمارات" و"تضريب متصاعد والمواطن يدفع الثمن"، مشيرة إلى أن مداخيل الخزينة العمومية ارتفعت بفعل زيادة الضرائب المباشرة بنسبة 35.5 بالمائة، والضرائب غير المباشرة بنسبة 12.1 بالمائة، وهو ما يُسوّق كنجاح حكومي بينما يُخفي حقيقة أخرى مفادها أن جيوب المواطنين هي من تدفع ثمن هذه السياسات العشوائية.

وفي هذا الصدد، شدد الخبير محمد الرهطوط على أن ما يجري ليس "تعبئة ذكية للموارد"، بل سياسة ممنهجة تقوم على التضريب المفرط الذي ينهك الطبقة المتوسطة ويُجهز على المقاولات الصغيرة والمتوسطة، في ظل غياب تصور ضريبي عادل يأخذ بعين الاعتبار الفروقات الاجتماعية والمجالية. وأضاف أن الحكومة لا تسعى إلى خلق الثروة وتحفيز الإنتاج، بل تركز على الاستيلاء على ما تبقى منها من خلال سياسة الجباية المكثفة.

باختصار، تبدو الحكومة المغربية وكأنها تغني خارج السرب. فهي ترفع شعارات التنمية، وتتباهى بمؤشرات مصطنعة، في حين أن المواطن المغربي يعيش أزمة يومية تتجسد في البطالة، انهيار التعليم، تردي الخدمات، وغلاء المعيشة. وبين الواقع والمُتَخيَّل، يضيع وطن يبحث عن أفق، وشعب ينزف في صمت.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار