2025.07.17
حديث الساعة
من الثورة إلى الدولة.. قوجيل يطوي صفحة مجلس الأمة

من الثورة إلى الدولة.. قوجيل يطوي صفحة مجلس الأمة


ودّع المجاهد ورئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، الغرفة العليا للبرلمان في لحظة تاريخية رمزية، بعد عهدة امتدت منذ أفريل 2019. اختتم عهدته برسالة امتنان موجهة إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مشدداً على أهمية الحفاظ على وحدة الوطن والوفاء لتضحيات شهدائه، معتبراً نفسه شاهداً على بناء الدولة على أسس نوفمبرية أصيلة.

ولد صالح قوجيل عام 1931 في ولاية سطيف، وشارك مبكراً في ثورة التحرير الوطني، حيث خاض معارك ضد الاستعمار الفرنسي. كان من الذين يؤمنون بأن الاستقلال يجب أن يُنتزع، لا يُمنح. بعد الاستقلال، خدم الجزائر في مناصب وزارية وتشريعية، أبرزها حقيبة النقل وعضوية البرلمان الوطني الشعبي، محافظاً على ثباته السياسي ومبادئه.

في 2019، عُيّن رئيساً لمجلس الأمة خلال فترة الحراك الشعبي، حيث واجه نقاشاً حاداً حول الشرعية وإعادة بناء مؤسسات الدولة. تميّز قوجيل بصوته الجهوري ولهجته الصريحة داخل المجلس، محافظاً على صوت الذاكرة الوطنية ورافضاً محاولة طمس تاريخ الجزائر. في 2021، أثارت تصريحاته في فرنسا جدلاً حين اتهم بعض الأوساط الفرنسية بعدم التخلص من "عقلية المعمرين".

دعم قوجيل القضية الفلسطينية بثبات، معتبرًا إياها من "ثوابت نوفمبر" التي لا تتغير، رافضاً التطبيع مع الاحتلال. وعلى الصعيد الإقليمي، أكد موقف الجزائر المستقل الرافض لأي تدخل أجنبي، مشدداً على أهمية الحوار واحترام سيادة الشعوب، معترفاً بالدور المحوري للجزائر في الاستقرار الإقليمي.

كان قوجيل رمزاً وطنياً يجمع بين تجربة المجاهد وخبرة السياسي ورؤية رجل الدولة. لم يغب عنه أبداً دور غرس الذاكرة الوطنية في الأجيال القادمة، مؤكداً ضرورة إدماج تاريخ نوفمبر في السياسات التربوية والإعلامية. كما كان مدافعاً صلباً عن مشروع الدولة الوطنية وخيار الجزائر بقيادة الرئيس تبون، متصدياً لكل محاولة المساس بالقرار الوطني أو التدخل في السيادة.

مغادرته لمجلس الأمة لا تعني الابتعاد عن الساحة السياسية، بل ترسيخ نموذج رجل دولة يندر وجوده. وداعه كان رسالة تسليم بين الأجيال، ودعوة لبناء جزائر قوية وعادلة، معبراً عن نفسه كـ"وداع الأب والأخ المحب"، وهو وصف دقيق لدوره كرمز تجاوز المسؤولية الرسمية إلى رمزية الأب الوطني.

جسد قوجيل الرابط بين جيل الثورة وجيل الدولة، والجيل الجديد الذي يقود الجزائر بعد الحراك. انسحابه الصامت يعكس الوفاء الوطني الحقيقي، حيث كان يتحدث عندما تتطلب الكلمة موقفاً، مفضلاً الصمت في زمن اللغة الشعبوية والمصالح الضيقة.

إذا فتحت الجزائر صفحة جديدة بعد الحراك، فإن سجل صالح قوجيل يبقى شاهداً على أن الذاكرة الوطنية مسؤولية مستمرة. وداعه لا يختصر في لحظة، بل يُخلّد في سجل رجال الدولة الجزائرية الأصيلين، كمجاهد وسياسي ووطني حمل رسالته بصدق وإخلاص.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار