2025.07.17
حديث الساعة
مأساة تحت وابل الطائرات المسيَّرة.. دماء الصحراويين تسيل في نهر الصمت العالمي

مأساة تحت وابل الطائرات المسيَّرة.. دماء الصحراويين تسيل في نهر الصمت العالمي


ما تزال الصحراء الغربية مسرحًا مفتوحًا لجرائم الاحتلال المغربي، حيث يواصل جيش المخزن سياساته القمعية والعدوانية في ظل صمت دولي مريب وتواطؤ صارخ من قوى كبرى تفضّل المصالح الاقتصادية والسياسية على المبادئ التي تتغنّى بها في المحافل الأممية. فبين الكثبان المترامية شرق الجدار الرملي، تُسفك الدماء بكل برود، وتُستباح حياة المدنيين الصحراويين والموريتانيين في جرائم لا يمكن تبريرها أو التغطية عليها، مهما حاول الإعلام العياشي الموالي تجميل وجه الاحتلال الغارق في الانتهاكات.

منذ خرق المغرب لاتفاق وقف إطلاق النار في 13 نوفمبر 2020، اتخذت الحرب منعطفاً أكثر دموية مع تكثيف استخدام الطائرات المسيرة، وهي أسلحة فتاكة تُدار عن بعد لكن نتائجها تضرب في العمق، مخلّفة جثثًا متفحمة وبيوتًا مدمرة وقلوبًا محطمة. لم يعد سلاح الجو المغربي يستهدف مواقع عسكرية، بل اتّجه بشكل ممنهج نحو المدنيين، في محاولة لترهيب السكان والنيل من عزيمتهم، وإرسال رسائل دموية إلى كل من يساند القضية الصحراوية أو يتواجد على الأرض المنهوبة.

إن ما يحدث اليوم في الصحراء الغربية لا يمكن اختزاله في مجرّد "نزاع إقليمي"، كما تحاول بعض العواصم الغربية الترويج لذلك، بل هو معركة كرامة ووجود، وصراع شعب أعزل من أجل حقه في تقرير المصير والعيش بحرية فوق أرضه. في هذا المشهد المأساوي، يتعالى دويّ الطائرات، ويتصاعد أنين الجرحى، فيما ترتفع أصوات الأمهات الثكالى والزوجات المكلومات مطالبة بالعدالة. إنها لحظة حاسمة تختبر فيها الإنسانية جمعاء: فإما الوقوف إلى جانب الحق، أو السقوط في مستنقع الصمت والتواطؤ.

الحادثة المروعة التي وقعت في 16 ماي الجاري بمنطقة "كرزرز" شرق جدار العار، تجسد بوضوح فظاعة الجرائم التي يرتكبها الجيش المغربي. طائرة مسيرة استهدفت بشكل مباشر سيارة مدنية تقل موريتانيين يعملان في التنقيب عن الذهب، لتتحول الأجساد إلى رماد، والسيارة إلى قطعة من الفحم الأسود. لم يكن الهدف مركزًا عسكريًا، ولا موكبًا مريبًا، بل مدنيين عزل قادتهم أقدارهم إلى أرض أصبحت تحت مرمى طائرات لا تفرّق بين مقاتل وأعزل.

هذا الاعتداء لم يكن الأول من نوعه، بل يأتي في سياق سلسلة من الاستهدافات المتكررة التي راح ضحيتها مدنيون من موريتانيا والجزائر وبلدان أخرى، ما يدل على وجود سياسة ممنهجة وليست تصرفات معزولة. وهو ما أكدته منظمة "كوديسا"، تجمع المدافعين عن حقوق الإنسان بالصحراء الغربية، في بيانها الأخير الذي وصفت فيه ما يجري بأنه "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تُرتكب أمام أنظار العالم الصامت". كما دعت لجنة حماية المدنيين الصحراويين التابعة للمنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والصليب الأحمر الدولي إلى التدخل العاجل من أجل وقف هذا النزيف، وتطبيق قرارات تصفية الاستعمار التي بقيت حبيسة الأدراج الأممية لعقود طويلة.

ردود الأفعال السياسية في موريتانيا لم تتأخر، حيث عبّر المحلل السياسي إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا عن غضبه الشديد من هذه الجريمة، مشددًا على أن الطيران المغربي أصبح أداة قمعية بيد نظام يائس، وأن بلاده لا تعترف بأي سيادة مغربية على الصحراء الغربية. كما دعا إلى تحرك دولي حاسم للجم هذا التمادي غير المقبول، وتوفير الحماية للمدنيين في المناطق المتنازع عليها.

في المقابل، لا يزال جيش التحرير الشعبي الصحراوي مرابطًا على أرض المعركة، يخوض حرب استنزاف طويلة الأمد، مستندًا إلى دعم شعبي لا يتزعزع، وقيادة سياسية تزداد إصرارًا على التحرير الكامل. وفي رسالة قوية بمناسبة الذكرى 52 لانطلاق الكفاح المسلح، أكد الرئيس الصحراوي والأمين العام لجبهة البوليساريو، السيد إبراهيم غالي، أن الجيش مستمر في أداء واجبه النضالي رغم التصعيد المغربي والمؤامرات التي تحاك في الخفاء.

الرئيس غالي لفت إلى أن المغرب، ومنذ عودة الحرب، يعيش في حالة إنكار للخسائر التي يتكبدها يوميًا، محاولًا إخفاء ذلك من خلال تصعيد القمع ضد المدنيين واستهداف المواطنين من جنسيات أجنبية، في سياسة تهدف إلى خلط الأوراق وتصدير الأزمات الداخلية المتفاقمة في المملكة نحو الخارج. كما شدد على أن ما تقوم به الرباط من عمليات استيطان ونهب للثروات وانتهاكات لحقوق الإنسان، يمثل خرقًا صارخًا لكل المواثيق الدولية ويجب أن يواجه بعقوبات حقيقية، لا بمجرد بيانات تنديد لا تسمن ولا تغني من جوع.

الرئيس الصحراوي حمّل الأمم المتحدة المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن استمرار هذه الجرائم، باعتبار أن الأراضي الصحراوية تقع تحت وصايتها المباشرة، داعيًا إلى تسريع تنظيم استفتاء تقرير المصير وتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه المشروع. وأضاف أن تقاعس المجتمع الدولي في فرض القانون شجّع المغرب على المضي في سياساته التوسعية والتحالف مع قوى استعمارية وصهيونية، تسعى إلى تحويل المنطقة إلى ساحة صراع وظيفي يخدم أجندات خارجة عن السياق الإفريقي والمغاربي.

الأخطر في خطاب الرئيس غالي، كان تأكيده أن ما يجري اليوم ليس مجرد عدوان من نظام ملكي عدواني على شعب أعزل، بل هو مخطط لتفكيك المنظومة الأمنية الإفريقية وضرب وحدة الشعوب من خلال خلق كيانات وظيفية تابعة للمحاور الدولية التي لا ترى في إفريقيا إلا مصدرًا للثروات وأسواقًا للسلاح. ولهذا، شدد على أن الجمهورية الصحراوية ترى نفسها طليعة في مقاومة هذا المخطط، وجزءًا من معركة أشمل للدفاع عن السيادة الإفريقية وحق الشعوب في تقرير مصيرها دون وصاية أو إملاءات.

وفي ختام كلمته، جدد الرئيس غالي العهد مع الشهداء والمقاتلين، قائلاً إن الكفاح مستمر مهما طال الزمن، وأن الطائرات المسيّرة، والقصف العشوائي، والتحالفات المشبوهة، لن تثني الشعب الصحراوي عن مواصلة الطريق نحو الحرية، متمسكًا بإرث المقاومة وبإيمان راسخ بعدالة قضيته، في وجه احتلال آيل إلى السقوط مهما طال ليله.

إن الجرائم المرتكبة في الصحراء الغربية، من قصف المدنيين إلى نهب الثروات وفرض الحصار، ليست مجرد تجاوزات معزولة، بل هي جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى تركيع شعب بأكمله ومصادرة حقه في الحرية والاستقلال. إلا أن هذا الشعب، بقيادة جبهة البوليساريو وجيشه الباسل، لا يزال يقف كالطود الشامخ، متمسكًا بحقه، مصممًا على تحرير أرضه، متسلحًا بالإرادة والشرعية الدولية، في مواجهة احتلال لا يملك سوى أدوات الموت والقمع.

وفي المجمل، فإن هذا العدوان المستمر في الصحراء الغربية، والذي يدفع المدنيون الأبرياء ثمنه كل يوم، لن يجد طريقه إلى الحل إلا من خلال إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره، وفقًا للشرعية الدولية. أما التغاضي عن جرائم الاحتلال، فلن يؤدي سوى إلى المزيد من الدماء والمآسي، في منطقة لا تزال تنزف تحت أنقاض صمت العالم.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار