2025.07.17
سياسة
الحوثيون في قلب المعادلة اليمنية.. ثوار الأمس حُكّام اليوم

الحوثيون في قلب المعادلة اليمنية.. ثوار الأمس حُكّام اليوم


تقول النكتة السياسية اليمنية الساخرة: "أخي العفاشي (المناصر للراحل علي عبد الله صالح)، أخي الانتقالي، أخي الإصلاحي، أخي الحراكي، أخي العبدربي (عبد ربه منصور هادي). رجاء خاص: خلونا حبايب، ولا تتكلموا في موضوع السيادة عشان ما نغلطش ونشتم شتايم مش لطيفة، لأن موضوع السيادة والاستقلال أصبح حقًا حصريًا في اليمن للإخوة في أنصار الله فقط". هذه النكتة تعكس بشكل ساخر تعقيد الصراع في اليمن، حيث أن النزاع قد "اختمر" إيديولوجيًا قبل أن يتحول إلى اقتتال مسلح.

منذ تأسيس اليمن، شهدت البلاد حالة من عدم الاستقرار السياسي بسبب عوامل داخلية وخارجية متشابكة، مما ساهم في استمرارية الصراع والعنف. لم تعد الأزمة اليمنية مجرد نزاع داخلي بين أطراف محلية، بل تحولت إلى ساحة صراع إقليمي. فهل سيستمر هذا الصراع أم أن هناك فرصة للوصول إلى حل دائم؟

ترجع الأهمية الجيوستراتيجية لموقع اليمن إلى إشرافه على البحر الأحمر وميزة التحكم في مدخله من الجنوب. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك اليمن مجموعة من الجزر ذات الأهمية الجيوسياسية مثل جزيرة "بريم"، التي تقسم مضيق باب المندب إلى قناتين شرقية وغربية، وهي تتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. كما توجد جزر "حنيش"، وهي جزر استراتيجية مهمة تابعة لليمن، وقد حصل عليها في صراع سابق مع إريتريا. وتعد جزيرة سوقطرى من الجزر المهمة في المحيط الهندي، وامتدادها في بحر العرب وخليج عمان. وبذلك يمكن القول إن من يسيطر على جزيرة سوقطرى، يسيطر على مياه خليج عدن، ومن يسيطر على خليج عدن بإمكانه السيطرة على مضيق باب المندب.

لعب مضيق باب المندب أدوارًا عديدة في تاريخ الشعوب المطلة عليه، وكذلك في التاريخ السياسي العالمي. وترجع هذه الأدوار إلى تميز البحر الأحمر بين بحار العالم بموقعه الفريد، فهو يقع عند التقاء قارات العالم الثالث، كما أنه يشكل حلقة وصل بين البحار الشرقية والبحار الغربية. وزادت أهميته بعد اكتشاف أكبر مخزون للبترول في العالم العربي، وخاصة في شبه الجزيرة العربية، حيث يعد طريقًا ملاحيًا لقوافل النفط القادمة من الخليج العربي، ومن الشرق إلى غرب وجنوب وشمال أوروبا وأمريكا، مرورًا بمنطقة الشرق الأوسط عبر قناة السويس. كما يتحكم مضيق باب المندب بقناة السويس، وكذلك بحركة الملاحة للكيان الصهيوني المتجهة إلى ميناء أم الرشراش "إيلات" عبر مضيق "تيران"، وما قد يترتب على ذلك من تهديد اقتصادي للكيان الغاصب.

هذه الأهمية الكبيرة لباب المندب أكسبت المنطقة حيوية استراتيجية وأهمية اقتصادية، وجعلتها من أكثر المناطق سخونة في السياسة الدولية. وأصبحت خط صراع دولي، سواء كهدف بعينه أو كوسيلة لتحقيق أهداف في مناطق أخرى من العالم. وهذا الأمر جعل الدول المحاذية للبحر الأحمر هدفًا مستمرًا للغزو والتدخل الخارجي على مر التاريخ. ولعل تاريخ اليمن الحاضر وأزماته الراهنة هما أكبر برهان على تحول السياسة إلى أداة عسكرية، من أجل تأمين الشروط الأفضل لإقامة الحضارة التجارية، كما يقول المنظر الروسي ألكسندر دوغين.

هكذا يكون "قهر الجغرافيا" عاملًا محركًا للتاريخ. وهذا هو حال اليمن، الذي فرض موقعه الاستراتيجي العديد من المعطيات التي أدت في كثير من العقود إلى اندلاع وتواصل الحروب الأهلية. لا يزال اليمن يواجه أزمات متعددة، بما في ذلك النزاع الدائر، وانعدام الأمن الاقتصادي، وتفشي سوء التغذية، وهشاشة نظام الرعاية الصحية، وتفشي الأمراض بشكل متكرر. وتفاقم هذه العوامل إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.

القبيلة أولى من الدولة

ما يحدث في اليمن منذ عدة سنوات هو تحصيل حاصل لانهيار مفهوم الدولة والعقد الاجتماعي، والانزياح نحو الارتباطات العقدية والإثنية والقبلية، وتدمير أسس التشاركية السياسية. يتمثل جوهر الأزمة، كما يراه الكثير من المحللين، في سيطرة البنية الاجتماعية التقليدية ممثلة في الأسر والقبيلة على المؤسسة العسكرية، ومن ثم السيطرة على كل إمكانيات ومقدرات الدولة، وتسخيرها لإنجاز مشروع التوريث، ومقاومة كل محاولات الإصلاح التي تمس بسياسة التوريث.

فقد شكل وصول علي عبد الله صالح (المعروف باسم "عفاش") إلى السلطة في 17 يوليو 1978 انتصارًا لمفهوم القبلية في السياسة، فالرجل ينحدر من سنحان، وسنحان هي إحدى بطون قبيلة حاشد، أقوى القبائل اليمنية وأكثرها تماسكًا ونفوذًا. وقد تمكن "صالح" من تشييد حكم أسري يتجسد في سيطرة قبيلته وعشيرته على المؤسسة العسكرية، ومن ثم على كل إمكانيات ومقدرات الدولة.

وفي الواقع، فإن من يمسك بزمام السلطة في اليمن هو على وجه الحصر مركز اتخاذ القرار في هيكل عمودي تمثل ركائزه خطوطًا عمودية، تتشكل أساسًا من الولاءات التي تمثلها القبيلة والأسرة.

لم يكن هناك اصطفاف على أساس جهوي بين شمال وجنوب اليمن. فإبان احتدام الخلاف بين حزب المؤتمر الشعبي (الذي قاده الرئيس الراحل علي عبد الله صالح) والحزب الاشتراكي (الذي كان يقوده علي سالم البيض) حول برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طرحه الحزب، أيد معظم اليمنيين طرح الحزب كونهم كانوا متضررين من الفساد وكانوا يتوقون إلى الإصلاح.

وعند اندلاع الحرب، وقف معظم اليمنيين موقف المتفرج إلى أن أعلن علي سالم البيض، زعيم الحزب الاشتراكي، الانفصال، فأيدوا موقف الرئيس صالح لصالح استمرار الوحدة. وانتهى ذلك الصراع بتوحيد اليمن ولكن أيضًا بانتصار الأسرة على القبيلة، وبالتالي سقطت الوحدة في قبضة المشروع الوراثي تبعًا لبنية الحكم المنتصر.

بعدما قامت الوحدة بين شطري اليمن في 22 مايو 1990، برزت قضية مهمة في حياة الدولة والمجتمع، هي قضية الديمقراطية. فقد رأى اليمنيون آنذاك أن الديمقراطية هي ضمانة أكيدة لاستمرار مشروع الوحدة. وهناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ربط الوحدة بشرط اعتماد الديمقراطية، رغم أن النظامين المندمجين كانا نظامين شموليين تعامل كل منهما قبل الوحدة بطريقته، والتي هي بالتأكيد لا تتفق مع قيم الممارسة الديمقراطية المتعارف عليها. كما أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ربط الوحدة بالديمقراطية، والمتمثلة في اضطرابات ومشاكل سياسية واقتصادية عاشها اليمن على مدار سنوات طويلة، فاختيار اليمنيين للنظام الديمقراطي هو نتيجة طبيعية للحرمان والمعاناة التي عايشوها في مراحل معينة، وقهر الاستعمار في مراحل أخرى، بالإضافة إلى تضييق الخناق على الأحزاب الوطنية في ظل النظامين الشموليين قبل الوحدة، دون أن ننسى التغيرات التي طرأت على العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة. كل هذه العوامل شكلت الدافع لدمج الوحدة بالاعتماد على الوسائل السلمية والديمقراطية، خاصة بعدما أثبت الحوار السياسي السلمي جدواه عكس الحل العسكري الذي فقد مبرراته سابقًا.

وللتأكيد على إرادة اليمنيين ورغبتهم في التحول الديمقراطي، كانت حرية الأحزاب والتنظيمات السياسية، والتعددية الحزبية العلنية، وحرية الصحافة من أبرز المعالم التي اقترنت بالوحدة اليمنية، حيث شهدت الفترة التي تلت قيام الجمهورية اليمنية تأسيس العديد من الأحزاب والتنظيمات السياسية، وهذه الخطوات كانت بالفعل مؤشرات جيدة للانتقال الديمقراطي.

التمديد والتوريث والثورة

طيلة فترة حكمه، لم يحرص نظام علي عبد الله صالح على ترسيخ "الإنجازات الديمقراطية" التي تم تحقيقها حتى تلك الساعة، وترك الجنوب يتدبر أموره لوحده بوسائل محدودة. وهكذا قرر قادة الجنوب متابعة المسيرة وحدهم، كما بادر عدد كبير من القادة السياسيين البارزين، من زعماء القبائل بشكل خاص، إلى الابتعاد عن "عفاش"، وضموا جهودهم إلى جهود أعدائه في الداخل والخارج. ولقد خلق هذا التوتر انقسامًا حادًا في البلد، وأثر على مسار الديمقراطية في الجمهورية اليمنية. وبعد قيام الحرب الأهلية في اليمن سنة 1994، بدا أن نظام الدولة الديمقراطية ينهار، وصارت الوحدة الوطنية الحديثة العهد مهددة.

وكثيرًا ما كان الرئيس السابق لليمن علي عبد الله صالح يؤكد في خطاباته على ترسيخ الديمقراطية في اليمن، لكن ما حصل هو أن السلوك السياسي للنظام الحاكم أدى إلى عدم تطور المؤسسات الديمقراطية، وهو ما نتج عنه انكماش التحول الديمقراطي، والذي كان من أبرز مظاهره سباق الحزبين الحاكمين، المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، في معركة السيطرة والتقاسم الوظيفي. ولم تتوقف المشاكل التي واجهتها دولة الوحدة عند حد التقاسم، بل واجه الوضع الجديد مشاكل اقتصادية ومالية وإدارية كبيرة، كانت جميعها نتيجة طبيعية لتأزم الوضع السياسي الذي بدأ يتفاقم بفعل انكماش عامل الثقة بين القيادات السياسية المؤتلفة من الحزبين الحاكمين، وعدم قدرتهما على التعامل مع مؤسسات الدولة.

كما زاد حرص علي عبد الله صالح على تعديل الدستور بشكل يضمن إعادة انتخابه من تأزم الأوضاع. فقد نصت التعديلات الدستورية التي خطط لها على إلغاء المادة 112 من الدستور اليمني التي تحدد فترة الرئاسة بدورتين مدة كل منهما 7 سنوات، وجعلتها مفتوحة، أي أنها تمدد عمليًا فترة رئاسة علي عبد الله صالح. وكان من المفروض أن يأتي مشروع إلغاء هذه المادة بعد نهاية فترة ولاية الرئيس علي عبد الله صالح سنة 2013.

بدأت الأزمة في اليمن مع ثورة الشباب اليمنية ضد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد لأكثر من 33 عامًا. في عام 2012، وفي إطار اتفاق بوساطة بين السلطة الحاكمة وجماعات المعارضة، قرر صالح التنحي عن السلطة، ليخلفه نائب الرئيس آنذاك عبد ربه منصور هادي. هذا الأخير واجه تحديات سياسية كبيرة، في ظل مشهد سياسي منقسم، ولم تستغرق موجة الاحتجاجات المعروفة باسم "ثورات الربيع العربي" وقتًا طويلا لتصل إلى اليمن، ولأن هذا البلد فقير مع حكومة "معترف بفسادها على نطاق واسع"، شهد اليمن اندلاع الثورة في الوقت الذي كان يواجه تحديات من تنظيم القاعدة والحراك الجنوبي في الجنوب والحوثيين في الشمال.

في عام 2014، شن مقاتلو جماعة أنصار الله (الحوثيين) معركة صنعاء، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية في ظل تزايد الضغوطات السياسية والاقتصادية. دخلوا في مفاوضات مع الرئيس هادي حول "حكومة وحدة وطنية" مع الفصائل السياسية الأخرى، حيث سعت جماعة الحوثيين إلى التصدي لحالة الفوضى التي كانت تهدد البلاد. في ظل حكومة هادي التي لم تكن غ قادرة على التصدي للتحديات الداخلية والخارجية. في يناير 2015، استقال الرئيس هادي جنبًا إلى جنب مع وزرائه، ومن ثم انتقلت جماعة الحوثيين إلى السلطة، حيث حُلَّ مجلس النواب اليمني، وتولت اللجنة الثورية بقيادة محمد علي الحوثي، وهو ابن عم زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي.

الحوثيون في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية

شهد عام 2024 في اليمن تحولًا محوريًا في ديناميكيات القوى الإقليمية، حيث رسخت جماعة أنصار الله دورها كقوة مزعزعة ولاعب بارز على الساحة العالمية. وقد تأثر هذا التطور بشكل كبير بالأحداث التي بدأت أواخر عام 2023. ومن خلال استغلال سيطرتهم على شمال اليمن، قام الحوثيون بتوظيف الممرات البحرية الاستراتيجية في البحر الأحمر كسلاح، مستهدفين السفن المارة عبر مضيق باب المندب منذ نوفمبر 2023. وكإعلان عن التضامن مع فلسطين في عدوان "إسرائيل" على غزة، هدفت تحركات الحوثيين إلى الضغط على "إسرائيل" وحلفائها لإنهاء العدوان، معلنين أن جميع السفن المتجهة إلى الموانئ "الإسرائيلية" أهداف مشروعة.

جاء الرد من واشنطن، الراعي الرسمي لإرهاب الكيان الغاصب، سريعًا، مما مهد الطريق لتوترات مستمرة في عام 2024. ففي ديسمبر 2023، قاد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن تحالفًا أطلق عليه اسم “عملية حارس الازدهار”، والذي ضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا والبحرين وكندا وهولندا، حيث شن التحالف هجمات عسكرية على البنية التحتية العسكرية للحوثيين داخل اليمن بهدف تقويض قدرات الجماعة. ومع ذلك، بدلًا من التراجع، صعد الحوثيون من هجماتهم، ونفذوا ضربات بطائرات مسيرة على التجمعات الاستيطانية "الإسرائيلية" عدة مرات، مما أظهر أن قدراتهم العسكرية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

وفي الوقت الذي يلتزم اليمنيون عبر جماعة الحوثي بالانتصار لفلسطين، تظهر انتهازية جيوسياسية في أماكن أخرى، مما يعرّضهم للطعن في الظهر. ففي يونيو 2024، أثارت محاولة دولة الإمارات استئجار ميناء عدن الدولي لصالح هيئة موانئ أبو ظبي موجة غضب واسعة بين الشخصيات السياسية والناشطين اليمنيين. كما يقول المثل الجزائري: "حين يركح الثور تنبجس السكاكين". لكن هذه قصة أخرى في سلسلة الخيانة العربية "الرسمية".

لا يمكن فصل ما يحدث في فلسطين عن مجمل التطورات التي حصلت لاحقًا، فقد مثل سقوط النظام في سوريا نقطة تحول "جوهرية" في المشهد الجيوسياسي الإقليمي، حيث أدى إلى إضعاف محور المقاومة بشكل كبير. فقد شكلت سوريا حلقة وصل استراتيجية في سلسلة فواعل الممانعة الممتدة من طهران إلى بيروت وصولًا إلى صنعاء، فيما يُعرف بـ "محور المقاومة".

أدت الانتكاسات الأخيرة التي تعرض لها هذا المحور، نتيجة للحرب مع "إسرائيل" وشركائها الغربيين، إلى وضع الحوثيين في اليمن في موقف صعب. فقد فقدوا مركزًا لوجستيًا وتدريبيًا مهمًا في سوريا، كما أنه يؤثر بشكل مباشر في قدرة إيران على إدارة شبكة حلفائها في المنطقة، ما قد يدفعها إلى إعادة ترتيب أولوياتها وتوزيع مواردها المحدودة بين حلفائها المتبقين، خاصة مع انطلاق المفاوضات حول البرنامج النووي. ومحاولة إجبار إيران على تقليص دعمها.

ويفرض هذا الواقع الجديد تحديات كثيرة على الحوثيين الذين باتوا مضطرين لمراجعة استراتيجيتهم وخياراتهم السياسية والعسكرية، الأمر الذي قد ينعكس بشكل كبير على مسار الحرب والسلام في اليمن.

اليمن في مساحة صراع أكبر

ثم هناك إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب، الذي لن يلبث إلا أن يخلق تحوّلات في المشهد الإقليمي، ما يستلزم على جميع الأطراف، سواء كانوا أعداء أو حلفاء لليمن، إعادة رسم خططهم. لقد خسر الحوثيون حليفًا استراتيجيًا في سوريا، أما إيران، فمثقلة بأعباء اقتصادية وسياسية، وباتت أمام خيار صعب: إمّا تعويض حلفائها الحوثيين عن خسائرهم أو تقليص نطاق دعمها، وقد يترتب على كلا الخيارين مخاطر تصعيد الضغوط الغربية وتهديد العلاقات المتنامية مع الدول الخليجية. أما السعودية، التي مرّ على تدخلها الفاشل في اليمن عشر سنوات بالتحديد، فهي تسعى إلى حماية حدودها وتجنب المواجهة العسكرية المباشرة، ولا يمكنها التغاضي عن تنامي تحالفات وقوة الحوثيين واحتمال تجدّد الصراع.

بالإضافة إلى هذا، فإن القضية الفلسطينية تلقي بظلالها على الوضع في اليمن. فغياب الحل الدبلوماسي من جانب ما يسمى "المجتمع الدولي" لجرائم الصهيونية في غزة له صدى في اليمن. ويبدو أن "المجتمع الدولي" لا يعترف بالعلاقة بين عمليات الحوثيين في البحر الأحمر و"تل أبيب"، وحرب "إسرائيل" الإبادية على غزة، وتضامن جماعة "أنصار الله" مع الفلسطينيين. وبدلاً من السعي إلى حل يحفظ أرواح الفلسطينيين في غزة، بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي في اتخاذ إجراءات عسكرية ضد أهداف الحوثيين، والتي هي في الواقع أهداف ضد اليمن وبنيته التحتية. فمنذ ديسمبر من العام الماضي، قادت الولايات المتحدة عملية "حارس الرخاء"، حيث شنت غارات جوية على اليمن، وفي فبراير من هذه السنة، أطلق الاتحاد الأوروبي عملية "أسبيدس البحرية" لحماية التجارة في البحر الأحمر (وهذا المعلن أما المخفي فينقشع من معنى الاسم. أسبيديس هو "الدرع الواقي" في اللغة الإغريقية القديمة. فقد تدرّعت أوروبا بأساطيلها الحربية، وجمحت بها نحو البحر الأحمر لكي توفر الحماية للسفن "الإسرائيلية" أو السفن التجارية المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، بعد أن عبث بها الحوثيون، وزعزعوا كيان الشر، رغم فارق القوة). قد يؤدي هذا التركيز على الحلول العسكرية بدلاً من الحلول الدبلوماسية إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر، مما يعقّد جهود السلام في اليمن.

"كل الرجال ماتو"

وبين مدّ وجزر التاريخ المضطرب لليمن - الانتفاضات والحروب والأزمات الإنسانية - لا يمكن أبدًا غضّ الطرف عن الأزمة الإنسانية التي تعصف باليمنيين. في الواقع، أدى الصراع إلى إشعال واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تدميرًا في تاريخ بلد كان "سعيدًا"، حيث تتحمل جميع الأطراف المسؤولية عن انهيار الخدمات الحيوية على نطاق واسع. لقد أدى تدمير البنية التحتية إلى إعاقة الوصول إلى الموارد الأساسية، مما ترك الملايين بدون رعاية صحية أو مياه نظيفة أو تعليم. كما أدى الحصار وانقطاع الإمدادات إلى تفاقم نقص الغذاء، مما دفع شرائح كبيرة من السكان إلى انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وهكذا تجد كلمات أحد المغنيين الشعبيين في عدن، الشهير باسم "تبماكو"، كل معانيها: "كل الرجال ماتو مخزنين قاتو". (القات هو أحد النباتات المخدرة التي تنبت في شرق أفريقيا واليمن، ويُستخدم كعقار اجتماعي، كما هو الحال في اليمن حيث يكون مضغ "القات" عادة ذكورية، وهو شبيه بتبغ المضغ (الشمة) في الجزائر).

يتصفحون الآن
أخر الأخبار