في عالمنا المترابط اليوم، يجب أن يتغلب السلام والدبلوماسية، على السياسة الشعبوية، وسياسة حافة الهاوية. إن مستقبل جنوب آسيا، لا يكمن في الصراع، بل في التعاون. ويجب على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً محايداً وبنّاءً، في تهدئة التوترات، وضمان احترام القانون الدولي، والاستقرار الإقليمي.
يبدو أن الخطاب الهندي الأخير، بشأن تعليق معاهدة مياه نهر السند، يمثّل استعراضاً سياسياً أكثر منه خطوة عملية. ويعكس ذلك محاولة من جانب رئيس الوزراء مودي، لتنشيط قاعدته المحلية وإظهار قوته، في سياق تزايد من الضغوط الداخلية والانتخابية.
والمعاهدة، التي توسط فيها البنك الدولي في عام 1960، هي اتفاقية دولية ملزمة قانوناً تنص بوضوح، في المادة الثانية عشرة، على أنه لا يمكن إلغاؤها أو تعليقها من جانب واحد. وأي خطوة من هذا القبيل ستكون انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي والقواعد الراسخة للالتزامات التعاهدية.
فضلاً عن ذلك فإن المؤسسات الدولية، بما في ذلك البنك الدولي، هي الضامنة للمعاهدة، ووضع الهند، على الرغم من نفوذها الإقليمي المتنامي، لا يعفيها من الالتزام بها. وتحتفظ باكستان بحق اللجوء القانوني الكامل، من خلال المحافل القانونية الدولية، بما في ذلك التحكيم، للطعن في أي عدوان انفرادي، فيما يتعلق بالمعاهدة. ويجب على المجتمع الدولي أيضاً أن يدرك أن مثل هذا السلوك المتهور، في منطقة نووية من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية، إلى مستويات خطيرة. وقد أعربت القيادة الباكستانية، بما في ذلك وزير الدفاع خواجة آصف، عن تصميمها الواضح، وصلابتها أمام أي محاولات من جانب الهند، للتدخل في التدفق الطبيعي للمياه المشتركة، ستُقابل بردود دبلوماسية ودفاعية حازمة.
يبدو أن رئيس الوزراء مودي، يستغل المشاعر التي أعقبت الهجوم، لتعزيز صورته باعتباره “رجلاً قوياً” في مواجهة انتقادات الدوائر الانتخابية اليمينية المتطرفة، وأحزاب المعارضة. لكن هذه الاستراتيجية تقترب من النرجسية السياسية المتهورة، لأنها تخاطر بالسلام الإقليمي، من أجل تحقيق مكاسب انتخابية.
لقد كان الصراع في كشمير تاريخياً، معقداً وحساساً. إن تصعيد التوترات من خلال المواقف العسكرية، أو التصريحات التحريضية، لا يخدم إلا المنظور السياسي قصير الأمد، بل يعمل على تقويض الاستقرار الإقليمي، على المدى الطويل. ويتعين على العالم، أن يدرك أن هذا النهج خطير، ويخدم مصالح ذاتية، وليس منطق رجل الدولة.
إن تهديدات الهند باستخدام المياه كأداة قسرية، تكشف عن فهم ضعيف للديناميكيات الجيوسياسية، والجغرافية في جنوب آسيا. ومن عجيب المفارقات، أنه على الرغم من المواقف العدوانية، أطلقت الهند مؤخراً المياه في نهر "سوتليج"، وهو ما يتناقض مع روايتها الخاصة.
وإذا ردت باكستان بالمثل، بتعليق التعاون بموجب معاهدة مياه نهر السند، فإن الهند سوف تعاني أكثر بسبب بنيتها التحتية المحدودة لتخزين المياه. علاوة على ذلك، تمارس الصين، الحليف الاستراتيجي لباكستان، سيطرتها على موارد المياه في المنبع، التي تغذي الأنهار الهندية الحيوية، وتتمتع بنفوذ إقليمي وهيدرولوجي.
لقد أثبتت الصين بالفعل، نفوذها من خلال تأمين الأراضي على طول الحدود المتنازع عليها، دون صراع كبير — مما يؤكد هيمنتها الإقليمية. إن الهند تدرك هذا الأمر جيداً، ولكن يبدو أنها تستخدم قضية المياه، كشعار سياسي أكثر منها سياسة قابلة للتطبيق.
بالإضافة إلى ذلك، تسيطر الصين على الروافد العليا لنهر "براهمابوترا" وأنهار الهيمالايا الأخرى. وأي تصعيد قد يدفع الصين، إلى إعادة التفكير في التزاماتها بتقاسم المياه، مما يزيد من تشديد أزمة الأمن المائي في الهند.
هناك أدلة متزايدة، تشير إلى أن بعض القوى الخارجية، لديها مصالح راسخة في إبقاء جنوب آسيا غير مستقرة، وخاصة تعطيل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي يشكّل حلقة وصل حاسمة، في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
وكان التقدّم الذي أحرزته لجنة البرنامج والتنسيق، سبباً في جعل بعض الجهات الفاعلة الغربية، تشعر بعدم الارتياح بشكل واضح، مع محاولات تقويضها من خلال التلاعب السياسي، والاضطرابات — وخاصة في بلوشستان. وقد تعرضت الحكومات الباكستانية السابقة، لضغوط للحد من التقدّم الذي أحرزه المؤتمر الشعبي العام من أجل السلام، ولكن القيادة الحالية، أعادت إحياء المشروع بقوة متجددة.
وبالتوازي مع ذلك، فإن شراكة الهند مع إيران في ميناء "تشابهار" — الذي يشكّل ثقلاً موازناً لميناء جوادر — تُظهِر المحاولات الإقليمية، لتقويض الميزة الاستراتيجية التي تتمتع بها باكستان.
علاوة على ذلك، تهدف حملات التضليل، التي ترعاها الدولة والتدخلات بالوكالة، إلى زعزعة استقرار النسيج الاجتماعي والسياسي في باكستان. وهذه ليست حوادث معزولة، بل هي جزء من صراع جيواستراتيجي أوسع نطاقاً، عبر أوراسيا والمحيط الهندي.
لقد عززت النظم القيمية الوطنية، ووسائل التواصل الاجتماعي في الهند، مناخًا من الكراهية وهستيريا الحرب، في محاولة لتصوير باكستان على أنها ضعيفة. ولكن مثل هذه المحاولات، تتجاهل توازن القوى الاستراتيجي، في جنوب آسيا. باكستان دولة نووية، ولديها جيش مدرّب جيدًا، واستعداد حربي متقدّم.
داخليًا، تتصارع الهند مع حركات انفصالية متعددة — من كشمير إلى مجتمع السيخ، إلى ناجالاند والعديد من الولايات الشمالية الشرقية. إن تماسكها الداخلي هش، إلا أنها تسعى إلى صرف الانتباه، عن هذه الشقوق من خلال العدوان الخارجي.
وكان تورّط الهند المزعوم، مؤخراً في اغتيالات عابرة للحدود الوطنية، ومؤامرات إرهابية في دول مثل كندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، سبباً في كشف طموحاتها العالمية، على حساب أسس اللياقة الدبلوماسية. وتظل ممارستها ديمقراطيتها موضع تساؤل، خاصة بالنظر إلى ماضي "ناريندرا مودي" المثير للجدل، والاضطهاد المتزايد للأقليات تحت ولايته.
إن عمليات العلم الزائف، مثل تلك التي جرت مؤخراً في باهالجام، هي من أعراض سعي الحزب الحاكم اليائس إلى تحويل التركيز من الإخفاقات الداخلية إلى الصراع الخارجي. وحتى جيران الهند — بنغلاديش، ونيبال، وسريلانكا، وميانمار — أعربوا عن مخاوفهم، إزاء موقف نيودلهي الاندفاعي على نحو متزايد.
وأخيراً، فإن استخدام الهند للأراضي الأفغانية، من خلال وكلاء مثل حركة طالبان الباكستانية، ودورها المزعوم في تنظيم هجمات مثل تفجير قطار "جعفر إكسبريس"، يسلّط الضوء على الحاجة إلى التدقيق الدولي.