2025.07.17
حوارات
فايز أبو عيطة لـ \

فايز أبو عيطة لـ "الأيام نيوز": "غزة لا تموت بل تُحاصر وتنهض"


في لحظة تاريخية يغيب فيها الضمير الدولي، ويختلط فيها العجز بالتواطؤ، تقف غزة على حافة الهاوية...شريط ساحلي محاصر منذ سنوات، يواجه واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية في العصر الحديث، قصف وتجويع وحصار خانق، وإبادة ممنهجة لشعب أعزل، لا يملك سوى إرادته في الحياة.

وفي ظل هذا المشهد الدموي، التقت الأيام نيوز بسعادة سفير دولة فلسطين لدى الجزائر، فايز أبو عيطة، الذي تحدث بصراحة وجرأة عن مأساة غزة، وعن الصمت الدولي، وكذا الحضور الجزائري النبيل، إلى جانب الأفق السياسي المغلق، في حوار لا يخلو من الألم... لكنه يعبق بالصمود.

بداية، كيف تصفون الوضع الراهن في قطاع غزة من منظوركم الدبلوماسي والإنساني؟

ما يجري في غزة اليوم هو جريمة مكتملة الأركان، يتجاوز توصيفها مصطلح "الحرب". نحن لا نتحدث عن معركة بين جيشين، بل عن عملية تدمير شاملة لشعب أعزل، يباد ببطء تحت غطاء الصمت الدولي. الاحتلال يستخدم كل أدوات القتل: القصف العشوائي، التجويع، تدمير البنية التحتية، استهداف المراكز الطبية ومخازن الإغاثة، كما تجاوز عدد الشهداء الـ 35 ألفا، معظمهم من النساء والأطفال، والمآسي تتوالى بلا توقف. لم يعد في غزة ما يمكن تسميته "مقومات حياة". المشهد كارثي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

 ترددون كثيرا عبارة "سلاح التجويع"… هل فعلا بلغ الأمر هذا الحد؟

للأسف، نعم. الاحتلال بات يستخدم الغذاء كسلاح حرب. قطاع غزة اليوم يخلو من أدنى مقومات الأمن الغذائي. لا طحين، لا مياه نظيفة، لا أدوية، لا كهرباء. العائلات تطبخ الماء مع التوابل لتسكت صرخات الأطفال الجائعين.

ما يسمى بالمساعدات الإنسانية تتحول غالبا إلى فخاخ موت، حيث يُستهدف المواطنون وهم يصطفون في طوابير لتسلم الغذاء. لقد قتل الاحتلال مئات المدنيين وهم يحاولون الحصول على كيس دقيق. نحن أمام جريمة تجويع جماعي ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية.

 ما تقييمكم للدور الجزائري تجاه ما يحدث في غزة؟

الجزائر، كما عودتنا، كانت سبّاقة في دعم فلسطين، قولا وفعلا منذ اللحظة الأولى، عبر الرئيس عبد المجيد تبون عن موقف واضح لا لبس فيه، داعم للحق الفلسطيني ومندّد بالعدوان.

والدبلوماسية الجزائرية تتحرك بنشاط في كل المحافل الدولية، وتدعم مبادرات وقف إطلاق النار ورفع الحصار. كما أن المساعدات الإنسانية الجزائرية لم تنقطع، سواء عبر الهلال الأحمر الجزائري أو عبر التنسيق مع جمعيات فلسطينية، الجزائر لا تزايد ولا تساوم، بل تتصرف بمنطق التاريخ والمبدأ. موقفها عزّز من صمودنا وذكر العالم أن هناك من لا يزال يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية

في ظل الانقسام العربي، هل ترون أفقا لموقف موحد تجاه غزة؟

المشهد العربي متباين، هناك دول تلتزم الصمت، وهناك من اكتفى بالبيانات، وبعضهم يمارس التطبيع في ذروته. ومع ذلك، نحن نؤمن أن الوحدة ممكنة إذا وُجدت الإرادة.

نناشد الدول العربية أن تحذو حذو الجزائر في الموقف والممارسة. فلسطين ليست قضية الفلسطينيين فقط، بل قضية كل عربي حر. المطلوب اليوم تنسيق دبلوماسي موحّد، وتحرّك فعّال في المنظمات الدولية، وقطع العلاقات مع الاحتلال حتى يتوقف العدوان.

 كثيرون يطرحون تساؤلات حول دور السلطة الوطنية الفلسطينية… ما تعليقكم؟

السلطة الوطنية الفلسطينية لا تملك عصا سحرية، لكنها تبذل كل ما في وسعها، رغم الضغوط الهائلة والانقسام الداخلي والمناخ السياسي القاتم. الرئيس محمود عباس حرّك الملف في الأمم المتحدة، مجلس الأمن، ومنظمة التعاون الإسلامي.

نخوض معركة دبلوماسية في كل الاتجاهات: للمطالبة بوقف العدوان، لإدخال المساعدات، وللضغط من أجل فتح ممرات إنسانية. نحن نُدرك أن الكلمة قد لا توقف القصف، لكنها تفضح الجريمة وتُعرّي الصمت العالمي.

 البعض يدعو إلى العودة للمفاوضات... ما موقفكم من المسار السياسي الآن؟

نحن لا نرفض الحل السياسي، لكننا نؤكد أنه لا معنى لأي حوار في ظل الإبادة. كيف نتحدث عن سلام وأطفالنا يُدفنون تحت الأنقاض؟ الشرط الأول والوحيد لأي حديث سياسي هو: وقف العدوان، رفع الحصار، وتأمين حياة كريمة لأهلنا في غزة.

ما بعد ذلك، نحن جاهزون للنقاش حول مستقبل الدولة الفلسطينية، وحقوق شعبنا، على قاعدة الشرعية الدولية ومبدأ إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 بعاصمتها القدس.

 كيف تقيمون دور الإعلام في نقل صورة ما يحدث في غزة؟

الإعلام المقاوم اليوم هو الخط الأول في المعركة. الصحفيون في غزة يُقدّمون أرواحهم من أجل الحقيقة. نتابع صورا تبث من قلب المجازر، يُوثقون الجريمة، يكشفون الكارثة، في ظل استهداف متعمد وممنهج من قبل الاحتلال.

الإعلام الدولي، للأسف، لا يزال في معظمه خاضعا للرواية الإسرائيلية، لكن هناك مؤسسات وصحفيين أحرار بدأوا يُغيرون الصورة. منصات التواصل الاجتماعي كذلك أصبحت ساحة نضال، رغم التضييق.

نحن نراهن على الإعلام النزيه، ونطالب المؤسسات الصحفية العالمية بالخروج من دائرة التحيز والرقابة، ونقل الحقائق كما هي، بلا تزييف ولا تحريف.

 ما هي رسالتكم الأخيرة للمجتمع الدولي؟

رسالتنا واضحة: لا تتركوا غزة وحدها غزة ليست فقط ضحية عدوان، بل ضحية صمت. نحن لا نطلب أكثر من حقنا في الحياة، في الأمن، في الحرية. لا نريد مزيدًا من البيانات الفارغة ولا المؤتمرات التي تُعقد فقط لامتصاص الغضب.

نطالب بإجراءات حقيقية والتي تتمثل في، وقف إطلاق النار فورا، رفع الحصار، إدخال المساعدات، ومحاسبة الاحتلال أمام محكمة الجنايات الدولية. إن لم يتحرّك الضمير العالمي اليوم، فمتى؟!

كما ختتم أبو عيطة قائلا: غزة ليست مجرد جغرافيا تُقصف، بل روح مقاومة تُحاصر بالجوع، وتُدفن بالركام، وتنهض من جديد، وما يحدث في غزة هو اختبار حقيقي لضمير العالم، ومرآة لإنسانية مكسورة، ومن لا يرى في جريمة كهذه سببا للغضب، فلن يرى في التاريخ ما يُشعره بالخجل.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار