2025.07.17
حوارات
الصين 2025.. الحرب التجارية وأزمة العقارات تختبر صمود الاقتصاد

الصين 2025.. الحرب التجارية وأزمة العقارات تختبر صمود الاقتصاد


أوضحت الدكتورة خشمان الخنساء، أستاذة التحليل الاقتصادي والاستشراف، في تصريح لـ"الأيام نيوز"، أن العجز المالي القياسي الذي سجلته الصين في النصف الأول من 2025 يعكس حجم التحديات الاقتصادية والمالية المتشابكة التي تواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وأشارت إلى أن هذه الوضعية جاءت نتيجة تراكم أزمات متعاقبة، أبرزها استمرار الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وتداعيات أزمة العقارات الممتدة منذ عام 2020، إلى جانب الأثر العميق لجائحة كوفيد-19 التي استنزفت الميزانية عبر برامج دعم صحي استثنائية. وأكدت أن لجوء بكين إلى سياسة مالية توسعية، رغم ضغوط العجز، يهدف إلى إعادة بعث النشاط الاقتصادي ومعالجة الاختلالات الداخلية، غير أن نجاح هذا النهج يبقى رهينا بقدرة الصين على ضبط أدواتها المالية وتكييف استراتيجياتها مع الواقع المحلي والدولي المعقد.

وانطلاقا من هذه الصورة العامة، ترى الدكتورة خشمان أن المشهد الاقتصادي الصيني في النصف الأول من 2025 يتسم بتداخل أزمات ذات طابع بنيوي وأخرى ظرفية، جعلت مسار التعافي أكثر تعقيدا. فالحرب التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة تفرض ضغوطا متصاعدة على الميزان التجاري، فيما تواصل أزمة العقارات منذ عام 2020 إضعاف ربع الناتج المحلي الإجمالي تقريبا، وهي أزمة لم تفلح الإجراءات الحكومية حتى الآن في احتوائها. يضاف إلى ذلك الأثر الممتد لجائحة كوفيد-19، التي أنهكت الميزانية من خلال تمويل برامج صحية استثنائية، في ظل التزام بكين بسياسة مالية توسعية لدعم النمو.

وتوضح أن تطبيقات السياسة المالية اللامركزية ساهمت في تفاقم الضغوط المالية، إذ اتسع الإنفاق الحكومي على المستوى المحلي بشكل غير متكافئ مع الإيرادات، ما زاد من العجز وأثر على قدرة الدولة في الحفاظ على التوازنات الكلية. كما أن الضغط على الناتج المحلي الإجمالي تزايد مع استمرار أزمة العقارات، التي أفرزت حالة من القلق المالي ودفعت السلطات إلى إجراءات تيسيرية كخفض معدلات الإقراض لمحاولة إنقاذ الشركات المتعثرة.

لكن هذه الإجراءات، وفق تحليلها، لم تنجح في استعادة الثقة، لا سيما أن كثيرا من تلك الشركات فشلت في استكمال مشاريعها العقارية، ما انعكس على ثقة المستهلكين والمستثمرين على حد سواء. كما شهد القطاع المصرفي بدوره تعثرا لدى عدد من البنوك التي كانت ممولة رئيسية لهذه المشاريع، وهو ما أضاف طبقة جديدة من التعقيد للأزمة.

وتحذر الدكتورة خشمان من أن استمرار هذا المسار قد يدفع بالصين نحو وضع مشابه لما شهدته اليابان في تسعينات القرن الماضي، حين أدت فقاعة الأصول وانهيار السوق العقاري إلى أزمة مالية ممتدة. وترى أن الإصرار على التوسع في الائتمان والإنفاق في ظل أجواء حرب تجارية متصاعدة قد يفاقم العجز المالي ويدفع الاقتصاد إلى مخاطر هيكلية أعمق، ما لم تتم إعادة ضبط مسار السياسة المالية.

إعادة بعث الطلب الداخلي بين الواقع والطموح

وانطلاقا من تعقيدات هذه التحديات البنيوية، تشير الدكتورة خشمان إلى أن الصين تحاول إعادة تنشيط اقتصادها عبر تحفيز الطلب الداخلي، الذي تراجع بشكل ملحوظ بفعل أزمة العقارات والخسائر الكبيرة في الوظائف خلال جائحة كوفيد-19. وترى أن هذا المسار يهدف بالدرجة الأولى إلى تعويض الركود الذي أصاب قطاع الاستهلاك، باعتباره أحد المحركات الأساسية للنمو، إلا أن التحديات المرتبطة بالثقة والقدرة الشرائية لا تزال قائمة بقوة.

وتلفت إلى أن اعتماد بكين المفرط على زيادة الاستثمار، خصوصا في القطاع الصناعي عالي التقنية، جاء على حساب دعم قطاع الأسر الذي يمثل قاعدة الاستهلاك المحلي. هذا التركيز على الإنتاج الصناعي المعقد عزز من الطاقة الإنتاجية للبلاد، لكنه لم يترافق مع نمو موازٍ في الطلب الداخلي، ما جعل التوسع في العرض يفوق بكثير قدرة السوق المحلية على الاستيعاب.

كما تؤكد أن ضعف الدخول، واستمرار فقدان الوظائف في قطاعات متعددة، إلى جانب التغيرات الديموغرافية المتمثلة في شيخوخة المجتمع الصيني، عوامل تقلص قدرة الطلب الداخلي على التعافي السريع. هذه المتغيرات، برأيها، تفرض على الحكومة إعادة النظر في كيفية توزيع الدعم والتحفيز ليصل مباشرة إلى المستهلكين، وليس فقط إلى القطاعات الإنتاجية.

وتطرح الدكتورة خشمان تساؤلا حول قدرة الاقتصاد الصيني في المدى المتوسط على إحداث تغييرات هيكلية حقيقية، تضمن زيادة الانتاج والحفاظ على العملة الوطنية ومعالجة الاختلالات الداخلية، بما في ذلك دعم الطلب، تعزيز الأجور، واحتواء تداعيات أزمة العقارات.

البحث عن أسواق بديلة في ظل تصاعد الضغوط الأمريكية

وبالانتقال من التحديات الداخلية إلى البعد الخارجي للأزمة، توضح الدكتورة خشمان أن الصادرات الصينية تواجه في الفترة الحالية ضغوطا غير مسبوقة نتيجة القرارات الأمريكية الأخيرة، وفي مقدمتها رفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية بنسبة 125%. وترى أن هذه الخطوة، رغم المفاوضات الجارية بين الطرفين، أوجدت بيئة تجارية شديدة الاضطراب بالنسبة للصين، حيث تزايدت صعوبة الحفاظ على حصتها في السوق الأمريكية، التي تعد من أبرز وجهات صادراتها.

وتشير إلى أن استمرار هذه السياسة الضريبية الأمريكية، يقابلها من الجانب الصيني توجه نحو البحث عن أسواق بديلة، وهو ما يفسر تنشيط قنوات التعاون الاقتصادي مع مجموعة البريكس. فالتوسع في عضوية المجموعة وتطوير الشراكات الثنائية يفتح أمام بكين مجالات جديدة لتصريف منتجاتها، خاصة في ظل الرغبة المشتركة بين دول البريكس في تقليص الاعتماد على الأسواق الغربية.

كما تؤكد أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى الحفاظ على تنافسية العملة الصينية في مواجهة الدولار. فالارتباط بين أسواق البريكس والتعاون المالي المشترك يمكن أن يخلق بيئة أكثر مرونة لتعاملات اليوان، بعيدا عن الضغوط التي تمارسها السياسة النقدية الأمريكية.

ومع ذلك، تشدد الدكتورة خشمان على أن هذه المساعي الخارجية تجري في وقت تعاني فيه العملة الصينية من تدهور غير مسبوق، الأمر الذي يجعل بكين مطالبة بإيجاد توازن بين فتح أسواق جديدة والحفاظ على استقرارها المالي، حتى لا تتحول هذه الفرص إلى مخاطر إضافية على المدى المتوسط.

خفض العملة كورقة في الحرب الاقتصادية

وفي سياق متصل بالبحث عن تعزيز القدرة التنافسية للصادرات، ترى الدكتورة خشمان أن الصين قد تلجأ في المدى المتوسط إلى خيار خفض قيمة عملتها بنسبة تصل إلى 15% من قيمتها الحقيقية، كرد مباشر على الإجراءات الأمريكية التصعيدية. وتوضح أن هذه الخطوة، إذا ما تم تبنيها، قد تنقل المواجهة بين بكين وواشنطن من نطاق الحرب التجارية إلى حرب عملات، وهو ما سيغير طبيعة الصراع الاقتصادي بين القوتين.

وتبين أن خفض العملة سيمنح السلع الصينية ميزة سعرية أوضح في الأسواق العالمية، الأمر الذي سيؤثر سلبا على تنافسية السلع الأمريكية، وقد يدفع واشنطن إلى اتخاذ إجراءات إضافية للحد من هذه الميزة. غير أن هذه الاستراتيجية تحمل في طياتها أيضا مخاطر على استقرار الأسواق المالية العالمية، التي قد تشهد اضطرابات نتيجة التحركات المتسارعة في أسعار الصرف.

كما تشير إلى أن هذه الخطوة قد يكون لها أثر غير مباشر على أسعار الطاقة العالمية، حيث من المرجح أن يؤدي تراجع قيمة اليوان إلى خفض تكلفة استيراد الصين للمواد الأولية، ما قد ينعكس على مستويات الطلب في أسواق الطاقة. وفي المقابل، فإن تحركات العملة على هذا النحو قد تثير ردود فعل حادة من شركاء تجاريين آخرين، مما يزيد من تعقيد البيئة الاقتصادية الدولية للصين.

وتختتم الدكتورة خشمان بالتأكيد على أن خفض قيمة العملة يرتبط أيضا بأهداف داخلية ضمن مبادرة "صنع في الصين"، التي تسعى إلى اختراق أسواق جديدة ودعم تنافسية المنتجات الصينية عالميا. وترى أن هذه الورقة، إذا ما استُخدمت بحذر، قد تسهم في إنعاش الاقتصاد الصيني، لكن توظيفها في مناخ من الضغوط التجارية والسياسية يستدعي إدارة دقيقة لتفادي انعكاسات سلبية يصعب احتواؤها.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار