في وقتٍ أعربت فيه حكومات السعودية وسويسرا والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، ضمن بيان مشترك لمجموعة "متحالفون من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح وإحلال السلام في السودان"، عن قلقها البالغ إزاء التدهور المستمر في الوضع الإنساني بالبلاد وما يرافقه من عقبات تعيق وصول المساعدات، أثار البيان جدلاً في الخرطوم. إذ استغربت وزارة الخارجية السودانية أن يكتفي المجتمع الدولي بالدعوات الإنسانية من دون المضي نحو تصنيف قوات الدعم السريع كجماعة إرهابية، رغم ما وُجّه إليها من اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة وجرائم ضد المدنيين منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
وفي ردها على البيان الصادر عن مجموعة "متحالفون من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح وإحلال السلام في السودان" (ALPS)، عبّرت وزارة الخارجية السودانية عن "عميق انشغالها وقلقها" مما اعتبرته "معلومات غير دقيقة" حول الوضع الإنساني في البلاد. وأكدت الوزارة أن الحكومة تبذل جهوداً متواصلة لإيصال الإغاثة إلى المحتاجين والمتضررين بالتعاون مع منظمات الغوث العاملة في السودان، واتهمت في المقابل مليشيا "آل دقلو" بحسب وصفها بأنها الجهة المسؤولة عن اعتراض القوافل الإنسانية وفرض حصار على المدنيين في ولايات كردفان ودارفور، ولا سيما مدينة الفاشر، متجاهلةً بذلك قرارات مجلس الأمن والنداءات الإقليمية والدولية.
وشدد البيان على أن المليشيا تستهدف البنية التحتية والمنشآت الخدمية، مما أدى إلى تعريض حياة السكان لمخاطر الجوع والعطش وانتشار الأمراض، في مقابل ما وصفه بجهود الحكومة المستمرة لإعادة الخدمات وتأمين المناطق بما يتيح عودة النازحين إلى حياتهم الطبيعية.
وأعربت الخارجية عن رفضها لما اعتبرته "مساواة غير مقبولة" بين مؤسسات الدولة الدستورية ومليشيا وصفتها بالإرهابية، مؤكدة أن السودان لا يقبل "الإملاءات من أي جهة لا تحترم سيادته"، في الوقت الذي جددت فيه استعدادها للتنسيق مع الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية التي تعترف بحقها في بسط الأمن والاستقرار وصون مقدرات الشعب السوداني.
وفي سياق متصل، أكّد الفاضل إبراهيم سالم، الصحفي بصحيفة الوطن السودانية، في تصريح خص به الأيام نيوز" إن المجتمع الدولي يتعامل مع الأزمة السودانية بمنطق "المصالح" أكثر من التزامه بمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان. وأوضح في حديثه أن "واشنطن تدرك تماماً انخراط الإمارات في الحرب السودانية، ورغم أن الكونغرس الأميركي أدان قوات الدعم السريع وطالب بعض أعضائه بوقف التعاون وبيع الأسلحة لأبوظبي لكونها تصل في نهاية المطاف إلى المليشيا، إلا أن الإدارة الأميركية لم تحرّك ساكناً، بل مضت في توقيع شراكات واتفاقيات جديدة".
وأضاف سالم أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب "مستفيدة من صفقات الإمارات التي تعد شريكاً دفاعياً لواشنطن منذ عهد بايدن"، مشيراً إلى توقيع صفقات أسلحة بقيمة ملياري دولار، وارتفاع حجم مبيعات السلاح الأميركي للإمارات إلى نحو 25 مليار دولار في السنوات الأخيرة. وبيّن أن الاستثمارات الأخيرة بين واشنطن وأبوظبي، خلال زيارة ترامب للخليج في مايو الماضي، بلغت 200 مليار دولار، وهو ما يكشف بحسب قوله أن "الاعتبارات الاقتصادية والعسكرية تطغى على أي مواقف سياسية أو إنسانية تجاه السودان".
كما انتقد الصحفي السوداني في حديثه مع "الأيام نيوز"ما وصفه بـ"تواطؤ الموقف البريطاني"، قائلاً إن "دولة تزعم رعايتها لحقوق الإنسان عبر مجلس حقوق الإنسان تغضّ الطرف عن تقارير وإفادات تكشف الدور الإماراتي في دعم مليشيا الدعم السريع". واستشهد بما نشرته صحيفة الجارديان البريطانية استناداً إلى تقرير داخلي "سري للغاية"، حول رصد رحلات جوية عسكرية قادمة من الإمارات إلى قواعد في تشاد يُعتقد أنها مرتبطة بعمليات تهريب أسلحة إلى السودان، لافتاً إلى أن الطائرات اعتمدت أساليب تمويه لتفادي الرصد، وأن وجهتها النهائية كانت على الأرجح مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع، في خرق واضح لقرارات حظر التسليح.
وأشار سالم إلى أن الاتهامات لم تقتصر على الدول الكبرى فحسب، بل امتدت إلى بعض البعثات الأممية، حيث اتهم ناشطون ومسؤولون محليون في دارفور بعثات تابعة للأمم المتحدة بـ"التواطؤ في تسهيل مرور شحنات أسلحة عبر معبر إدري الحدودي بين تشاد والسودان"، عبر ما وصفوه بـ"التستر على تحركات لوجستية مشبوهة تحت غطاء المساعدات الإنسانية".