في حوارٍ مع "الأيام نيوز"، يؤكد سليمان عبدوش، رئيس المنظمة الوطنية للصحافيين الجزائريين، أن مشروع الجبهة الإعلامية الوطنية أصبح ضرورة ملحة في ظل التحديات المتسارعة التي تواجه البلاد. ويشدد عبدوش على أن بناء هذه الجبهة يتطلب تأطير الخطاب الإعلامي بشكل مهني وتحسين وضعية الصحفيين وتطوير التكوين الميداني واستعادة الثقة داخل الجسم الإعلامي، بما يساهم في توحيد الصف المهني لمواجهة الحملات المغرضة التي تستهدف الجزائر، سواء على مستوى مؤسساتها أو شعبها.
الأيام نيوز: في ظل تصاعد الحملات الإعلامية التي تستهدف الجزائر، كيف تنظرون إلى مسؤولية النقابات والمنظمات المهنية للصحفيين في دعم مشروع الجبهة الإعلامية الوطنية كخيار استراتيجي للدفاع عن السيادة والصورة الوطنية؟
سليمان عبدوش: الجبهة الإعلامية الوطنية أصبحت خيارًا استراتيجيًا تفرضه التحديات الراهنة، والمنظمة الوطنية للصحافيين الجزائريين مطالبة اليوم بلعب دور محوري في بنائها وتفعيلها. نحن نؤمن بأن الدفاع عن السيادة والصورة الوطنية يبدأ بتأطير الخطاب الإعلامي على أسس مهنية ووطنية، ورفض كل أشكال الاستهداف والتشويه، سواء من الخارج أو من الداخل. ونعتقد أن هذا التأطير يحتاج لعمل جماعي، سواء من الصحافيين أنفسهم، أو من التنظيمات، وعلى رأسها المنظمة التي أترأسها، وكذلك مختلف مؤسسات الدولة. هذا يتطلب مراجعة جذرية وفعالة وسريعة في كيفية التعامل والنظر إلى مختلف وسائل الإعلام، بهدف تأطير هذا الخطاب، أولًا بالتكوين الأكاديمي الذي يجب أن يُحدَّث ويُدرج فيه التكنولوجيات الحديثة، ويجب أن يتوجه نحو التكوين الميداني الأكاديمي، حتى نحصل على صحفيين مرتبطين بالعمل الميداني الصحفي. كما أن الوزارة الوصية مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بتشديد تطبيق القانون على المؤسسات الإعلامية، خاصة في مجال التكوين وإعادة التكوين، سواء بالنسبة للصحافيين أو التقنيين، فهذا أمر ضروري لاندماجهم ضمن هذه الاستراتيجية الوطنية. من الضروري أيضًا إعادة النظر في الاتصال المؤسساتي باعتباره أحد الركائز التي تقوم عليها الجبهة الإعلامية الوطنية. مواجهة المعلومات الكاذبة والمغرضة والمضللة تحتاج إلى المعلومة الصحيحة والدقيقة، وهذا غير كافٍ، بل تحتاج أيضًا إلى إعادة النظر في كيفية نشرها والتسويق لها، في ظل وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، مع ضرورة إشراك الوسيلة الناقلة، وهي المؤسسة الإعلامية أيضًا والصحفيين. الجبهة الإعلامية الوطنية تحتاج إلى التفاتة جادة وعاجلة إلى الجندي. فمن غير المجدي أن يكون السلاح متطورًا والذخيرة حية والجندي غير مكوَّن أو وضعه الاجتماعي سيء. لذلك يجب الاهتمام بجنود الجبهة الإعلامية الوطنية، وهم الصحافيون والتقنيون وكل منتسبي قطاع الإعلام، خاصة من خلال مراجعة سياسة الأجور والتوصل إلى اتفاقية وطنية موحدة تجمع القطاعين، العمومي والخاص. ونحن في المنظمة الوطنية للصحافيين الجزائريين نبهنا السلطات إلى كل هذه الأمور، سواء في اللقاءات الخاصة أو في اللقاءات الجهوية الأربعة التي نظمتها وزارة الاتصال.
الأيام نيوز: ضمن هذا المسعى، ما هي الأدوات التي تملكها النقابات والمنظمات المهنية لتأطير الصحفيين ميدانيًا وأخلاقيًا، وتمكينهم من القيام بدور فعال داخل هذه الجبهة؟
سليمان عبدوش: نملك أدوات واقعية تنطلق من التكوين المستمر، وتحديث آليات العمل النقابي والجمعوي، إضافة إلى تعزيز أخلاقيات المهنة داخل غرف التحرير. التأطير يكون من خلال حضور فعال في الميدان، ومرافقة الصحفيين بمضامين تثقيفية وتكوينية تعزز حسهم الوطني والمهني في آن واحد. وقد اشتغلت المنظمة الوطنية للصحافيين الجزائريين على هذه القضية، حيث نظمت خلال سنة من تواجدها العديد من الندوات الفكرية والموضوعية والأيام التكوينية عبر عدد من الولايات لتحسيس الصحافيين بهذه التحديات، ولتوحيد الرؤى بشأن القضايا التي تتطلب إجماعًا بين الفاعلين في القطاع. خرجنا إلى ولايات الوطن إيمانًا منا بدور الإعلام المحلي والجواري ضمن الجبهة الإعلامية الوطنية الموحدة. فالإعلام الجواري هو الأقرب إلى المواطن، والجميع يشتغل من أجل هذا المواطن حتى لا يكون فريسة لهذه الهجمات. فجدار الصد الأول هو الصحافي المحلي والإعلام الجواري، شريطة أن يكون واعيًا بالتحديات والرهانات المحلية والدولية.
الأيام نيوز: إلى جانب التأطير، يبقى الدفاع عن حقوق الصحفيين حجر الزاوية في بناء إعلام وطني قوي. ما مدى قدرة هذه المنظمات على ضمان الحماية المهنية للصحفيين؟
سليمان عبدوش: لا يمكن الحديث عن إعلام حر ومسؤول دون حماية الصحفي وضمان كرامته المهنية. نحن في المنظمة الوطنية للصحافيين الجزائريين نعتبر أن الدفاع عن حقوق الصحفيين هو صلب عملنا، ونسعى إلى أن نكون قوة اقتراح من أجل ترسانة قانونية تحمي الصحفي، سواء في علاقته مع المؤسسة أو في الميدان. كما نرفض أي ضغط يُمارس على الصحافيين سواء في عملهم الميداني أو داخل قاعات التحرير، من أي جهة كان. وندعو السلطات العمومية لتفعيل آلة الرقابة الفجائية من طرف مفتشيات العمل التابعة لوزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي. نحن على يقين أنها ستكتشف الكوارث التي يندى لها الجبين بخصوص هضم حقوق الصحافيين. نعتبر أن المساس بحقوق الصحافيين وكرامتهم هو مساس بالجبهة الإعلامية الموحدة، التي هي في حالة تعبئة وحالة حرب، دفاعًا عن الجزائر، شعبًا ومؤسسات دولة، حتى تبقى سيدة في قراراتها. فالمساس بالإعلامي المجند ضمن هذه الجبهة هو مساس بالركيزة الأساسية التي تقوم عليها هذه الاستراتيجية، وعليه نصر على حماية الصحافيين وكل المتدخلين في الحقل الإعلامي.
الأيام نيوز: في هذا السياق، ما الذي يمكن فعله لتحسين البيئة المهنية للصحفيين، سواء من حيث التكوين أو ظروف العمل، حتى يتمكنوا من مواجهة التحديات الإعلامية باحترافية واستقلالية أكبر؟
سليمان عبدوش: الأولوية اليوم هي توفير إرادة حقيقية لإصلاح المنظومة الإعلامية، وهنا نعتقد أن الإرادة السياسية موجودة. مواجهة التحديات الإعلامية باحترافية واستقلالية أكبر لن تتم دون تحسين الوضعية المهنية والاجتماعية للصحفيين. لذلك نطالب بتنظيم سوق الإشهار، وضبط العلاقة بين المؤسسات والإعلاميين، وإعادة الاعتبار للصحافة كسلطة رقابة وقوة اقتراح. نعتقد أن الصحافي الجزائري على درجة كبيرة من الوعي بمختلف التحديات والرهانات. وعليه، تعمل المنظمة الوطنية للصحافيين الجزائريين على تحسين وضعية الصحافيين، من خلال السعي لتوقيع اتفاقيات مع بعض المؤسسات والوزارات، بما يسمح للزملاء الاستفادة من بعض الخدمات كما في باقي القطاعات، ما يجعلهم في أريحية من أمرهم. كما تسعى المنظمة أيضًا إلى استغلال مقرها من أجل التكوين، وهو ضمن البرنامج السنوي الذي صادق عليه أعضاء الجمعية العامة العادية في فبراير الماضي.
الأيام نيوز: أخيرًا، هل تعتقدون أن نجاح الجبهة الإعلامية الوطنية مرهون بوحدة الصف المهني داخل الجسم الصحفي؟ وكيف يمكن للمنظمات أن تخلق مناخًا من الثقة والعمل المشترك بين مختلف الصحفيين، بعيدًا عن الانقسامات والانتماءات الضيقة؟
سليمان عبدوش: بدون وحدة الصف المهني، لا يمكن بناء جبهة إعلامية وطنية قوية. فهي جوهر هذه الاستراتيجية. بالتأكيد نحن بحاجة إلى تجاوز الحسابات الضيقة والانتماءات الظرفية نحو مشروع وطني يجمع كل الصحفيين على أرضية مهنية مشتركة. دور المنظمات هنا هو خلق مساحات حوار وتنسيق، وإعادة الثقة داخل الجسم الإعلامي عبر مبادرات توحيدية، توحيد الرؤى ووجهات النظر بما يخدم المؤسسة الإعلامية. ونحن نوجه رسالة لزملائنا مديري النشر: نحن لسنا أعداء، نحن شركاء، نسعى لرقي المؤسسة الإعلامية، الذي يجب أن يتجلى في وضعية الصحافي. كما نريد أيضًا خدمة الصحافي وتكوينه بشكل جيد بما يخدم استراتيجية الجبهة الإعلامية الموحدة، للرد على الادعاءات والهجمات التي تتعرض لها الجزائر، بمهنية واحترافية ومسؤولية. وفي الختام، رسالتنا بسيطة ولكن قوية، حيث لا إعلام قوي دون صحفي حر، مسؤول وكرامته محفوظة. نحن اليوم لا ندافع فقط عن حقوق مهنية، بل عن سيادة وطن واستقرار شعب وصورة دولة.