تكمن أهمية السينما في كونها من أبرز الوسائل الإعلامية التي تسلّط الضوء على قضايا المجتمع، وتنقل صوته بموضوعية تتجاوز أحيانًا ما تتيحه وسائل الإعلام التقليدية المقيّدة بسياسات وأنظمة صارمة. فمن خلال الإبداع السينمائي، تتفتح الأذهان لأفكار خلّاقة، حيث تستمد السينما مضامينها من الواقع ومآلاته المستقبلية.
في الحقيقة، يتفاعل الناس مع القضايا الإنسانية والحقائق الاجتماعية بشكل أكثر دقة ومصداقية عبر الأعمال السينمائية. واليوم، يتطلع صناع السينما إلى الاستفادة من آراء الجمهور، خصوصًا من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، لصياغة مضامين أفلامهم بالاعتماد على نبض الناس وتطلعاتهم.
لقد أصبحت السينما أداة فاعلة ومؤثرة، ويُنتظر لهذا الدور أن يزداد تعمقًا وانتشارًا في المستقبل.
وفي فلسطين، تقدّمت السينما بخطى واثقة، لتبقى وسيلة إعلامية تقاوم الاحتلال الصهيوني الإرهابي، وتنقل معاناة الإنسان الفلسطيني وعدالة قضيته.
واليوم، نبحر معًا في سفينة المخرج السينمائي الكبير، الأستاذ سعود مهنا، الذي قدّم للسينما الفلسطينية أعمالًا خالدة، وجعل من الكاميرا بندقية نضال وصرخة في وجه الظلم.
الأيام نيوز: أستاذ سعود، أهلاً بك. بداية، هل يمكنك أن تقدم لنا بطاقة تعريف عن شخصك الكريم؟
سعود مهنا: أنا المخرج السينمائي سعود مهنا. حاصل على بكالوريوس في الإخراج السينمائي من بغداد، وليسانس علم نفس من بيروت، كما تلقيت دورة متخصصة في إخراج الأفلام الوثائقية في اليابان.
عملت في مجالات المسرح والموسيقى والغناء ضمن مؤسسة الفنون التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأنا ناشط في مجال الفنون والسينما منذ أكثر من 35 عامًا.
أخرجت عددًا من الأفلام الروائية والوثائقية، خاصة تلك التي تناولت النزوح، والحصار، وحياة الخيام، وجرائم الحرب.
أنا من مؤسسي تلفزيون فلسطين وقناة فلسطين الفضائية، وأسهمت في تأسيس عدد من الفضائيات الفلسطينية، وألقيت محاضرات في عدة جامعات فلسطينية وعربية.
حصلت أعمالي على جوائز في مهرجانات سينمائية عربية ودولية.
أنا عضو الأمانة العامة لاتحاد الفنانين الفلسطينيين ومسؤول حقيبة السينما في الاتحاد، ورئيس ملتقى الفيلم الفلسطيني، ومؤسس ورئيس مركز تسجيل الذاكرة الفلسطينية، إضافة إلى كوني مؤسس ورئيس مهرجان العودة السينمائي الدولي.
مثّلت فلسطين في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية.
الأيام نيوز: السينما الفلسطينية حققت تقدمًا لافتًا بفضل جهودكم وجهود المبدعين الآخرين، كيف تقيمون هذه التجربة؟
سعود مهنا: أرى أن السينما الفلسطينية من أهم أشكال النضال، إذ تؤدي دورًا جوهريًا في تأكيد الهوية الوطنية والدفاع عن الرواية الفلسطينية. منذ نكبة عام 1948، حرص المخرجون الفلسطينيون على تسليط الضوء على النكبة، والشتات، والحياة في المخيمات، والبعد عن الوطن.
لقد تم تناول معظم القضايا الفلسطينية من خلال أفلام ذات قيمة، سواء ما تعلق بالقدس، أو الأسرى، أو النزوح، أو الحصار، أو حتى صمود المرأة والطفل الفلسطيني.
هذه الأفلام شاركت في مهرجانات دولية ونجحت في إيصال الحكاية الفلسطينية إلى الشعوب، ما كشف زيف الدعاية الصهيونية.
التجربة السينمائية الفلسطينية تجربة نادرة، تقدم الإبداع والفرجة، لكنها أيضًا موجّهة للدفاع عن الحق وتقديم الرواية الصادقة، ولهذا فهي تجربة تُحترم وتتنافس بقوة على المستوى الدولي.
الأيام نيوز: ما هو الدور الذي تلعبه السينما في توثيق المحرقة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني؟
سعود مهنا: منذ النكبة، عمل المخرجون الفلسطينيون على إنتاج أفلام توثق الرحيل والشتات والحنين للوطن، واهتموا برصد واقع الإنسان الفلسطيني في التعليم والصحة والإبداع.
واليوم، في ظل الإبادة الجماعية التي نعيشها، يقوم المخرجون والمصورون بتوثيق كل شيء: القصف، الدمار، الخيام، النزوح. هذه الأفلام تحمل أهمية كبرى في كشف جرائم الاحتلال، وهي توثيق بالصوت والصورة للأجيال القادمة.
شخصيًا، ومنذ بدء الحرب، كتبت وأخرجت عدة أفلام روائية ووثائقية ونحن تحت نيران القصف.
أول فيلم أنجزته كان الفيلم الروائي القصير "يافا"، وتم تصويره بالكامل في خيام النزوح. ثم أخرجت أفلامًا وثائقية مثل: "الرحلة"، "خطوات"، "أقوى من الموت"، وأخيرًا "في انتظار الموت".
هذه الأعمال توثق المعاناة والقهر والجوع، وأرى أن عرضها في المهرجانات الدولية ضروري لفضح الاحتلال وتسليط الضوء على صمود الإنسان الفلسطيني وتشبثه بأرضه رغم الألم.
الأيام نيوز: ما الكلمة التي تودون توجيهها إلى الشعب الجزائري؟
سعود مهنا: تربطنا بالشعب الجزائري محبة لا يمكن أن توصف بالكلمات. خلال هذه الحرب والإبادة، تواصل معي العديد من المخرجين والمثقفين الجزائريين، وكانوا بحق السند والدعم.
تابعوا بقلوبهم ما يجري في غزة، وكانوا يبعثون لنا بالأمل والصبر. لمست الصدق والإخلاص في حديثهم، ولهذا أقول: كل الحب والتقدير لأحفاد الشهداء والمجاهدين.
لن ننسى مقولة الرئيس الراحل هواري بومدين: "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة".
ومن هنا، من خيام النزوح في مواصي خانيونس، أبعث بتحياتي وامتناني لكل الجزائر، حكومة وشعبًا. تعلمنا منكم الجهاد والمقاومة، وبإذن الله سننتصر كما انتصرتم، وسنرفض التهجير كما رفضتموه أنتم.