مع تصاعد التحديات الأمنية وتنامي ظاهرة الإرهاب العابر للحدود، تبرز الجزائر كأحد النماذج الرائدة في مجال مكافحة التطرف والعنف، من خلال اعتمادها مقاربة شاملة تجمع بين الصرامة الأمنية والمعالجة الفكرية والاجتماعية لجذور الظاهرة. فقد تمكنت، بفضل مؤسساتها الأمنية المتطورة، من بناء آليات فعالة في الوقاية والتكوين والتنسيق الإقليمي، ما جعل تجربتها مرجعًا في إفريقيا والعالم العربي. وفي هذا الإطار، يؤكد الدبلوماسي السابق الدكتور شافعي يوسف عمر، المدير العام للبحوث والاستشارات بـ Brilliance Research & Consultant (BRCsom)، أن الجزائر لا تحارب الإرهاب بالسلاح وحده، بل بالفكر والوعي أيضًا، مقدمة أنموذجًا متوازنًا بين القوة والانضباط والالتزام بالمبادئ. وهو ما يجعل التعاون الصومالي الجزائري في المجال الأمني والشرطي ركيزة أساسية لبناء فضاء إفريقي أكثر أمنًا واستقرارًا ووحدة.
تعاون أمني استراتيجي
يأتي اللقاء الذي جمع المدير العام للأمن الوطني، علي بداوي، بسعادة سفير جمهورية الصومال الفيدرالية بالجزائر، يوسف أحمد حسن يوسف، يوم 06 أكتوبر 2025، ليجسد الإرادة المشتركة في تعزيز التعاون الشرطي بين البلدين الشقيقين.
فبحسب البيان الصادر عن المديرية العامة للأمن الوطني، تم خلال هذا اللقاء التباحث حول سبل دعم وتطوير مجالات التعاون الثنائي، لاسيما في ميادين التكوين والتدريب المتخصص والشرطة العلمية، إلى جانب تفعيل آليات التنسيق الأمني ومكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب.
ويعكس هذا اللقاء حرص الجزائر على توسيع شبكة شراكاتها الأمنية الإفريقية، في إطار رؤية تقوم على تقاسم الخبرات وتعزيز القدرات الأمنية للدول الصديقة، بما يخدم الأمن والاستقرار في القارة.

الدبلوماسي السابق الدكتور شافعي يوسف عمر، المدير العام للبحوث والاستشارات بـ Brilliance Research & Consultant (BRCsom)
من جهته، ثمّن الأستاذ الدكتور شافعي يوسف عمر، المدير العام للبحوث والاستشارات بـ Brilliance Research & Consultant (BRCsom)، هذا التعاون قائلًا إن "العلاقات بين الصومال والجزائر ليست وليدة اللحظة، بل هي امتداد لتاريخ طويل من التضامن والنضال المشترك من أجل الحرية والسيادة والكرامة الوطنية".
وأوضح أن الصومال، الذي يواجه تحديات أمنية معقدة ناجمة عن موقعه الجيوسياسي الحساس على البحر الأحمر والمحيط الهندي، يعتبر التعاون مع الجزائر ضرورة استراتيجية، بالنظر إلى التجربة الجزائرية الرائدة في مكافحة الإرهاب والتطرف بالوكالة (Proxy Terrorism).
وأضاف أن "الشعب الصومالي، رغم معاناته، أثبت شجاعته في مواجهة الإرهاب وبدأ مسيرة إعادة بناء الدولة، وهو اليوم يسعى إلى شراكات قائمة على الندية والتكامل".
وأكد أن الجزائر تمثل أنموذجا في الوطنية والانضباط والوفاء للمبادئ، وتملك من المقومات ما يجعلها قوة قارية فاعلة في إفريقيا والعالم العربي.
انعدام الأمن في الصومال وضرورة التنسيق مع الجزائر
يتميز الوضع الأمني في الصومال منذ عقود بحالة من الهشاشة وعدم الاستقرار، نتيجة تراكم الصراعات الداخلية وضعف مؤسسات الدولة وتعدد التدخلات الخارجية التي غذّت الانقسامات وزادت من تعقيد المشهد. وتحوّلت مناطق واسعة من البلاد إلى بؤر لتنامي الإرهاب والجماعات المتطرفة التي تعمل بالوكالة عن قوى إقليمية ودولية، مما جعل الصومال يعيش ما يسميه الخبراء بـ"الإرهاب الموجّه" أو الإرهاب بالوكالة (Proxy Terrorism)، وهو شكل جديد من التهديد يهدف إلى زعزعة الأمن الإقليمي وابتزاز الحكومات الضعيفة.
وفي هذا السياق، يصرّح الدبلوماسي السابق الدكتور شافعي يوسف عمر، المدير العام للبحوث والاستشارات بـ Brilliance Research & Consultant (BRCsom)، لـ"الأيام نيوز" أن "تجربة الصومال في مكافحة الإرهاب أظهرت أن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية، بل تحتاج إلى دعم وتنسيق إقليمي فعّال، خاصة مع الدول التي راكمت خبرة ميدانية وفكرية في هذا المجال، مثل الجزائر".
ويؤكد أن الجزائر، بما تمتلكه من خبرات أمنية ومؤسسات تدريب متقدمة، قادرة على تقديم أنموذج عملي في إعادة بناء المؤسسات الأمنية الصومالية وتطوير قدراتها في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
ويشدد الشافعي في ذات السياق على أن "التنسيق مع الجزائر لم يعد خيارًا سياسيًا، بل ضرورة حتمية تمليها متطلبات الأمن القومي الصومالي والإفريقي على حد سواء"، مشيرًا إلى أن "الجزائر أثبتت خلال العقود الماضية قدرتها على مواجهة الإرهاب بمنهج يجمع بين الحزم الأمني والحوار الفكري والمصالحة الوطنية، وهو ما تحتاجه الصومال اليوم لتجاوز أزمتها".

