لا شكّ أنّنا اليوم نعيش لحظة حاسمة في حرب غزّة، شاخصة أبصارنا على أسطول النّجاة المتوّجه نحو المياه الإقليميّة الغزّاويّة. ولا أظن أنّ أحدًا منّا ما يزال غافلًا عن هول المجاعة التي حاصرت الشّعب المقاوم على يد أعداء الحياة، هؤلاء الذين ينطبق عليهم قول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (البقرة: 74). أولسنا نلمس من الإجرام إنقراض الرّحمة والإنسانيّة؟
نعم قد أخبرنا الله عنهم حتى شهدنا قسوة قلوبهم بأمّ العين، وعلى كلمة: (شو طالع بإيدنا؟)، جالسين نحن، واضعين الهمّ نصب أعيننا، خاضعين لضعفنا وهواننا، كعرب أوّلًا، وكمسلمين ثانيًا. أفليس من الواجب علينا أن نلبّي دعوة المظلومين ومشاركتهم مائدة المقاومة والدّفاع عن كينونة الإنسانيّة؟
إنّ أعراض الهوان الذي نعيشه، واللامبالاة في مسيرة الحقّ، والدّوخة التي نمثّلها كلّما مرّت أمامنا مشهديّات لهياكل عظميّة حيّة، يجعلني أتساءل: هل ترانا نعاني من فقر في فيتامينات النّخوة؟ لست أدري إذ لم يخطر ببال أحد يومًا أن يقصد مختبر المتفلسفين ليخضع إلى فحص الإنسانيّة، رغم أنّ الأعراض واضحة، والإنسان طبيب نفسه.
وحين بدأت البحث عن علاج وقائي، وجدت أنّنا ربّما تربّينا في طفولتنا تربية نفسيّة تختلف عن انتماءاتنا، ووجوديّتنا، حتى صادفني كتاب "فيتامينات نفسيّة" لمؤلّفته "نانسي صميدة"، وجدني ليقدّم لي عرضًا لثلاثين كبسولة تعمل على معالجة النّفس وتطوير الذّات، من ضمن هذه الكبسولات الدّوائيّة كان هناك وصفة خاصّة عن الحرّية، وربّما حان الوقت لنتجرّع بعض هذه الفيتامينات، للوقاية، (على صحّة السّلامة).
فجلست أفكّر قليلًا بيني وبين نفسي، إلى أيّ مدى تجرّعنا أصول تربيتنا النّفسيّة؟ أم أنّنا استهلكناها في اتّجاهات ومآرب حياتيّة أخرى؟ هل نحن أحرار أصلًا؟ هل انكسارنا حرّية؟ هل المحاصرون ضمن سلاسل من القتل والتّجويع أحرار؟ هل المستضعون أحرار؟ هل المهدّدون بكلمة الحقّ أحرار؟ هل الصّارخون المحاربون لحقوق الإنسان صوتهم يعكس صورة الحرّية؟ ماذا نمتلك من هذه الحريّة داخل عروق إنسانيّتنا؟
نعم، نحن تربّينا أنّ أمهّاتنا ولدننا أحرارًا، وأّنّ رأسنا المرفوع ليس اختيارًا، ولكن متى كنّا حلفاء هذه الحرّية؟ متى طأطأنا رؤوسنا ويبست جذور التّربية النّفسيّة فينا حتى حرقتها شعلة الاستسلام والاكتئاب؟ متى تجرّعنا هذا الفيتامين ونحن في الأصل نطرق الأبواب ونعزف على أوتار الصّارخين ليكون صوتنا مسموعًا عبرهم. لست أدري إن كان انتظار اختفاء الأعراض وحدها سذاجة منّا، ونحن نعلم أنّ لا علّة إلّا ولها الدّواء المناسب، ولكنّنا ربّما نخاف الطّعم.
وحيث أنّنا أصبحنا واعين لحالتنا الصّحيّة، فربّما "أسطول الصّمود" يحمل معه بعض العلاج لعجزنا، أتراه يصل إلى ميناء النّجاة؟ فنتبادل معهم الدّواء، نعطيهم الفيتامين دال، ويتبرّعون لنا بفيتامين نون (نخوة) علّه يكون صدقة تساعدهم في فرج كربتهم، لنعيد إحياء النّفوس المريضة.

