2025.10.13
تقارير
خطة ترامب في غزة.. أقل من سلام وأكثر من هدنة

خطة ترامب في غزة.. أقل من سلام وأكثر من هدنة


تقف غزة اليوم عند مفترق حاسم بين الحرب والهدنة، التي مهما امتدت، فلن تُعدّ سلاما حقيقيا أمام عمق الجرح الفلسطيني الممتد لعقود، والذي انفجرت آلامه منذ بدء معركة طوفان الأقصى قبل عامين. وقد أظهرت هذه المعركة فشل «إسرائيل» في كسر إرادة المقاومة، ما دفعها لاستهداف المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، بأسلحتها الإبادية. ومهما بدا وقف إطلاق النار خطوة فارقة، فإنه قد يتحوّل في الواقع إلى إعادة ترتيب للنفوذ، حيث تتقاطع السياسة بالميدان وتتحوّل الخرائط العسكرية إلى أدوات ضغط واستراتيجية جديدة. ومع إعلان خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإبداء موافقة حماس وفصائل المقاومة من جانب، وسلطة الاحتلال الإسرائيلي من جانب آخر، تتباين القراءات بين الترحيب الحذر والريبة، فيما يقدّم خبراء ومحللون عرب وفلسطينيون رؤى متنوّعة تكشف عمق التعقيدات وتطرح تساؤلات مصيرية حول مستقبل القطاع وإمكانية تثبيت أي تقدم ميداني أو سياسي.

في هذا السياق، أطلقت «الأيام نيوز» هذا الملف التحليلي الذي يجمع شهادات نخبة من الباحثين والخبراء العرب والفلسطينيين، لرسم صورة متكاملة للمشهد السياسي والأمني في غزة، من زوايا متقاطعة تجمع بين الواقعية النقدية والرؤية الاستشرافية. فمن حاتم رشيد الذي يرى في المبادرة الأمريكية "الفرصة الأكثر جدّية منذ سنوات" إذا ما ترافقت بآليات مراقبة دولية، إلى يقين داوود الذي يصف وعود ترامب بأنها "متأرجحة بين الخيال والاضطراب"، مرورا بـ منصور قدور بن عطية الذي يعتبر الهدنة "استراحة قسرية لا نهاية حرب"، تتجلّى لوحة من الأصوات المتعددة التي تلتقي عند قناعة واحدة: أن طريق السلام في المنطقة ما يزال محفوفا بالضباب والشكوك.

وتبرز في المقابل مواقف دول عربية أعادت ترتيب حضورها في المشهد الفلسطيني، وفي مقدمتها مصر والجزائر. فالقاهرة – كما يوضح الأستاذ أنس قاسم المرفوع – استعادت دورها التقليدي كوسيط واقعيّ يجمع بين المبدأ والمصلحة، بينما تمسّكت الجزائر بموقف ثابت يوازن بين الدعم الإنساني لوقف الحرب والتحفّظ السياسي تجاه خطط غير واضحة، كما يؤكد المحلل عثمان لحياني. أما الخبير اللبناني منير شحادة، فيقدّم قراءة نقدية لخطة ترامب بوصفها "ترتيبا مؤقتا يخدم مصالح واشنطن و(تل أبيب) أكثر مما يخدم الاستقرار"، في حين يرى المفكّر حسين قنبر أن الانسحاب الإسرائيلي ليس سوى منعطف استراتيجي يفتح الباب أمام إعادة قراءة شاملة لمسار الصراع.

هكذا، تتكامل هذه القراءات في رسم مشهد تتقاطع فيه السياسة بالميدان، وتتواجه فيه إرادة الشعوب مع حسابات القوى الكبرى. فغزة – التي قاومت الحرب ودفعت أثمانها الباهظة – تجد نفسها اليوم أمام اختبار جديد، بين سلام مشروط بالهيمنة وهدنة مؤقتة تبحث عن ضمانات، فيما يبقى صوت الإنسان الفلسطيني هو الثابت الوحيد وسط ضجيج الخطط والاتفاقات.

لا هدنة تستمر دون آليات مراقبة دولية.. الفرصة الأكثر جدية لكن !

الدكتور حاتم رشيد – باحث فلسطيني

مفتتحا تصريحه بالحديث عن "الفرصة الأكثر جدّية منذ سنوات لوقف آلة الحرب الإسرائيلية"، عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن موافقة كلّ من حماس و«إسرائيل» على خطته الجديدة، يرى الباحث الفلسطيني حاتم رشيد أن هذا الإعلان يختلف عن سابقاته من حيث المصداقية والدوافع. فترامب – كما يقول – يربط نجاحه الشخصي بتنفيذ الخطة، في وقت تجد فيه «إسرائيل» نفسها أمام وضع معقّد لا تملك فيه ترف المراوغة المعتاد. وبينما تمثّل المرحلة الأولى من الاتفاق خطوة فارقة تشمل وقف المجازر والإفراج عن الأسرى وفتح المعابر، يحذّر رشيد من أن الطريق لا يزال طويلا نحو ما يوصف بـ"سلام حقيقي"، وأن الاحتلال، الذي يواصل جرائمه المنظمة ضد المدنيين، قد يحوّل هذا الاتفاق إلى مجرد هدنة مؤقتة ما لم تُرفق بآليات مراقبة دولية وضمانات سياسية رادعة.

الباحث الفلسطيني حاتم رشيد

يؤكد الباحث الفلسطيني حاتم رشيد – في تصريح خصّ به «الأيام نيوز» - أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن موافقة "إسرائيل "وحماس على خطته هذه المرة يحظى بمصداقية أكبر مما سبق إعلانه، مشيرا إلى أن ترامب لن يسمح لـ«إسرائيل» بخرق الاتفاق لأنه بحاجة شخصية إلى نجاحه، إذ باتت سمعته مرهونة بتنفيذ الخطة. ويرى رشيد أن «إسرائيل» تواجه وضعا أصعب مما اعتادت، وأن تنفيذ المرحلة الأولى يصب في مصلحتها من جهة، لكنه في الوقت ذاته يجردها من مبرر مواصلة حملة الإبادة والتجويع، وهو ما سعت إليه حماس عندما وافقت على الخطة وواصلت التفاوض على تفاصيلها بدعم سياسي من دول عربية وإسلامية أجبرت واشنطن و "تل أبيب" على قدر أكبر من المرونة.

ويشير حاتم رشيد إلى أن المرحلة الأولى من الاتفاق حاسمة، لأنها تشمل إفراج المقاومة عن كافة الأسرى الأحياء، مقابل التزام الاحتلال بوقف حملة الإبادة والتجويع، وهو ما يمثل بداية وقف إطلاق النار ووقف المجازر اليومية، وفتح الطريق أمام تدفق المساعدات الإنسانية، ووقف النزوح المتكرر لسكان غزة وعودتهم إلى بيوتهم وخيامهم. ويؤكد أن وقف المذبحة هو كسب إنساني كبير، يرفع عن السكان أثقال المعاناة الطويلة والمستمرة، وأن هذا الإنجاز لم يكن ليحدث لولا يقظة الرأي العام الدولي وتجند عشرات الشعوب التي أظهرت تضامنا مبهرا مع أهل غزة.

ويحذر الباحث الفلسطيني – الذي خص «الأيام نيوز» بتصريحه في الموضوع، من أن الاحتلال لن يتوقف عن خلق العراقيل، وأن التعافي من الكارثة سيستغرق سنوات طويلة، وأن المراحل التالية من الاتفاق ستكون أصعب، خصوصا ما يتعلق بالسلاح والأنفاق والقدرات المتاحة لتصنيع بعض الأسلحة الخفيفة، مع احتمال ملاحقة واغتيال عناصر المقاومة. ويشير إلى أن المبالغة في توصيف ترامب للاتفاق كـ"سلام شامل ينهي صراعا تاريخيا" لا تعكس الواقع، وأن الحل النهائي لا يزال بعيدا، وأن الطريق نحو قيام دولة فلسطينية مستقلة طويل وشائك، خصوصا في ظل الحديث عن إدارة دولية للقطاع وانتشار محتمل لقوات أجنبية وعربية.

ويضيف رشيد أن جرائم "الاحتلال الإسرائيلي" مستمرة على جميع المستويات، فهي تفرض حصارا خانقا على غزة منذ سنوات، ما يحد من دخول المواد الغذائية والأدوية والوقود والمستلزمات الطبية، ويؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وزيادة حالات المجاعة ونقص الخدمات الأساسية. ويؤكد أن هذا الحصار يشكل سياسة إبادة منظمة تستهدف المدنيين، وينتهك القوانين الدولية بشكل صارخ. ويشير أيضا إلى الهجمات العسكرية المدمرة على المنازل والمدارس والمستشفيات، ما أسفر عن وفاة آلاف المدنيين، بينهم النساء والأطفال، وخلق معاناة نفسية مستمرة للسكان، وهو جزء من سياسة الاحتلال الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني.

ويؤكد رشيد أن الاحتلال يمارس عمليات الاعتقال والاغتيال المستمرة لعناصر المقاومة والنشطاء السياسيين والمواطنين العزل، دون أي محاكمة عادلة، ما يشكل انتهاكا صارخا للحقوق الأساسية. كما يستهدف البنى التحتية الحيوية مثل المستشفيات والمدارس وشبكات الكهرباء والمياه، ويجعل السكان عاجزين عن العودة إلى حياة طبيعية. ويضيف أن النزوح القسري أصبح سمة يومية، ويضطر آلاف الفلسطينيين للعيش في مخيمات مؤقتة أو خيام، تحت ظروف صعبة تفتقد للحد الأدنى من مقومات الحياة.

ويشير رشيد إلى أن الاحتلال يستهدف التعليم والثقافة أيضا، من خلال منع دخول المواد التعليمية وقصف المؤسسات التعليمية، ما يحرم الأطفال من حقهم الأساسي في التعلم ويخلق جيلا محروما من الفرص. ويؤكد أن الضغط النفسي ومحاولات طمس الهوية الوطنية الفلسطينية مستمرة، من خلال القيود على التنقل والاعتقالات والتضييق على الإعلام، وكلها وسائل لإضعاف المجتمع وتحطيم الروح المعنوية للشعب الفلسطيني.

ويؤكد رشيد أن تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق يمثل اختبارا لقدرة المجتمع الدولي على فرض الالتزام على الاحتلال، وأن إطلاق الأسرى ووقف المجازر وفتح المعابر الإنسانية يمثل إنجازا إنسانيا مهما، لكنه هش ما لم تتوفر آليات مراقبة دولية دقيقة. ويضيف أن أي انسحاب تكتيكي إسرائيلي من القطاع، حتى لو بدا كإشارة للسلام، لا يمثل تغييرا استراتيجيا، بل خطوة مؤقتة لتخفيف الضغط على الجيش والقيادة السياسية، مع الاحتفاظ بالسيطرة الجوية والاستخباراتية.

ويشدد رشيد على أن النجاح في تحويل هذه الهدنة إلى إنجاز مستدام يعتمد على التضامن العالمي واليقظة الدولية، لأن الاحتلال يعرف كيف يستخدم أي اتفاقية أو التزام لتبرير ممارساته وإعادة ترتيب أوراقه. ويضيف أن المرحلة الحالية، رغم أهميتها، لا تعني نهاية الصراع ولا انتهاء الجرائم الإسرائيلية، بل هي مجرد فرصة لإنقاذ حياة المدنيين وتقليل معاناتهم. الطريق أمام الفلسطينيين لا يزال طويلا، وما تحقق حتى الآن يجب أن يُستغل لتحويل الرصيد الرمزي والإنساني إلى خطوات سياسية ملموسة لضمان حقوق الشعب الفلسطيني واستعادة وطنه المحتل.

ويشير رشيد إلى أن "الجرائم الإسرائيلية" تشمل الحصار، القصف، الاغتيالات، الاعتقالات التعسفية، استهداف البنى التحتية، تهجير السكان، منع التعليم، وطمس الهوية الوطنية، وكلها تمثل سياسة ممنهجة تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقوقه الطبيعية. ويؤكد أن ما تحقق من هدنة ومرحلة أولى من الاتفاق هو بلا شك إنجاز إنساني، لكنه ليس ضمانا للحقوق الوطنية للفلسطينيين، ولا يمكن أن يعفي الاحتلال من محاسبته على كل جرائمه السابقة والمستمرة.

ويختم رشيد بالقول: "إن المرحلة الحالية تمثل فرصة لتقليل الكارثة الإنسانية، لكن أي تأجيل أو تقاعس في متابعة الالتزامات سيحول هذه الإنجازات إلى نصوص على الورق، ويترك غزة تحت تهديد مستمر، فيما الاحتلال يستمر في استخدام القوة والخداع للسيطرة على الأرض والموارد والأرواح. الطريق أمام الفلسطينيين لا يزال طويلا، وما تحقق حتى الآن يجب أن يُستغل لضمان خطوات ملموسة نحو حقوق الشعب الفلسطيني واستعادة وطنه، وتحويل الرصيد الرمزي والإنساني إلى تأثير سياسي دائم".

مستقبل غزة المجهول.. من قال إن وعود ترامب تكفي لإيقاف المأساة!

الدكتور يقين داوود – باحث فلسطيني

تتأرجح وعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة بين الخيال والاضطراب، إذ يطرح أفكارا متناقضة تارة عن مشاريع سياحية وتارة عن مجالس سلام عالمية، فيما تواصل «إسرائيل» استخدام الحصار والتجويع كورقة ضغط استراتيجية، في ظل نظام دوليّ منحاز وعاجز عن الردع، وفقا للباحث الفلسطيني يقين داوود.

الباحث الفلسطيني يقين داوود

يؤكد الباحث الفلسطيني يقين داوود أنه لا يمكن الركون إلى وعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو الوثوق بها، استنادا إلى سجلّ تصريحاته منذ عودته إلى البيت الأبيض. فالرجل – كما يقول – متقلّب المزاج، تتبدّل مواقفه بين الدعوة إلى طرد سكان غزة أو تحويل القطاع إلى منتجع سياحي شبيه بالريفيرا الفرنسية، وبين اقتراحه إنشاء مجلس سلام عالمي يضع غزة تحت إدارته المباشرة، مستعينا بشخصيات دولية مثل توني بلير ووجوه إسرائيلية وفلسطينية. هذا التناقض، برأي داوود، يجعل وعود ترامب فاقدة للاستقرار والمصداقية، ولا يمكن النظر إليها كضمان دائم أو قاعدة يمكن البناء عليها سياسيا. ويضيف داوود – في تصريح لـ«الأيام نيوز» أن إدخال الكميات المطلوبة من المواد الغذائية والوقود والإمدادات الطبية والمستلزمات للمستشفيات لن يكون أمرا مضمونا، لأن ذلك يحرر «إسرائيل» من أهم أدواتها في ممارسة التجويع والضغط على السكان الفلسطينيين وعلى حماس وباقي التشكيلات، أدوات تتباهى بها علنا وتستخدمها كرافعة ضغط استراتيجية وستحرص على الاحتفاظ بها كلما سنحت لها الفرصة.

ويؤكد أن لا قوة فاعلة قادرة حاليا على منع ما يصفه بـ"الغدر الإسرائيلي" الذي تستغله "تل أبيب" بحجة الدفاع عن أمنها؛ والأدلة على ذلك كثيرة، من الاتفاقات التي تُخرق يوميا على الحدود اللبنانية، إلى تفاهمات سابقة مع دمشق التي لم توقف العبث الإسرائيلي في جنوب سورية أو تحركاته التي تثير انقسامات محلية.

ويختم داوود تحليله بملاحظة عن توازن القوى الدولي: لا يوجد من يضغط على «إسرائيل» فعليا سوى الولايات المتحدة، ومع ذلك تأثير «إسرائيل» على السياسة الأمريكية قوي إلى حد الالتحام في كثير من الملفّات، بينما تبدو الوساطات العربية، القطرية والمصرية، ضعيفة أو مشلولة. دخول تركيا مفاجئا كـ"نصف وسيط" قد يمد بعض القوة للجهود المصرية، لأن أنقرة تملك حضورا إقليميا قد يعيد خلط الأوراق.

ويشدّد داوود على أن النظام الدولي الحالي معيب وانحيازه يجعل تقدم قضية فلسطين مرهونا بمتغيرات مفاجئة على الأرض، وأقوى تلك المتغيرات قد تأتي من الحدود الأردنية الطويلة (حوالي 600 كلم)، حيث يقطن الأردن نسبة كبيرة من الفلسطينيين؛ إذ إن تحركا شعبيا أو عسكريا من هناك، أو فتح ثلاثة جبهات مع إضافة نصف جبهة في الضفة، قد يشكل مفاجأة تغير معادلات الصراع وتدفع جبهات إقليمية أخرى إلى التحرك.

بعد أكثر من 24 شهرا.. احذروا الهدنة التي تقتل

منصور قدور بن عطية - محلل سياسي – الجزائر

يصف المحلل السياسي الجزائري منصور قدور بن عطية ما جرى في غزة بأنه استراحة قسرية لا نهاية حرب، موضحا أن جيش الاحتلال المنهك اضطر إلى التراجع أمام شعب محاصر لم يفقد إرادته. ويؤكد أن الهدنة الأخيرة ليست خيارا إسرائيليا نحو ما يوصف بـ"السلام"، بل نتيجة عجز ميداني وانهيار نفسي وسياسي داخل الكيان.

منصور قدور بن عطية - محلل سياسي – الجزائر

يؤكد المحلل السياسي الجزائري منصور قدور بن عطية أن ما حدث في غزة ليس نهاية حرب، بل استراحة قسرية لجيش متهالك فقد توازنه أمام شعب محاصر لم يفقد إرادته. ويقول إننا نتحدث عن حرب استمرت أكثر من عامين، دفعت المنطقة كلها ثمنها؛ من لبنان إلى إيران واليمن، لكن الوجع الأكبر كان نصيب غزة، التي واجهت آلة الدمار الإسرائيلية بصلابة أذهلت العالم وكشفت هشاشة الصورة العسكرية التي طالما حاول الكيان ترسيخها.

ويشير بن عطية إلى أن وقف إطلاق النار الأخير يُعدّ الأطول في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي، ليس لأن "تل أبيب" أرادت السلام، بل لأنها عجزت عن الاستمرار في حرب استنزفت جنودها، وأربكت قادتها، وأظهرت عجز منظوماتها الدفاعية أمام مقاتلين يفتقرون إلى كل شيء إلا الشجاعة. "إنها هدنة جاءت تحت وطأة الهزيمة لا برغبة في التهدئة"، على حد قوله.

ويضيف المحلل الجزائري الذي استطلعت رأيه «الأيام نيوز» أن الخسائر التي مُني بها الكيان خلال هذه الحرب لم تكن ميدانية فحسب، بل نفسية وسياسية وأخلاقية؛ فالمجتمع الإسرائيلي يعيش حالة من التآكل الداخلي، والانقسام بلغ ذروته، والجنود الذين عادوا من جحيم غزة يعودون محملين بالهزيمة والرعب، فيما تتهاوى صورة "الجيش الذي لا يُقهر" أمام الرأي العام العالمي.

أما عن الموقف الأمريكي، فيصف بن عطية تصريحات ترامب بأنها "ذروة النفاق السياسي"، موضحا أن ترامب الذي ادّعى دعم الكيان باسم الديمقراطية هو ذاته الذي أدار حرب إبادة على المدنيين في غزة بغطاء دبلوماسي أمريكي فاضح، ثم عاد ليقول إن "العالم سيحب الكيان الصهيوني في المستقبل"، وهي عبارة يراها بن عطية "صفاقة سياسية تحاول تجميل القبح بالدم".

ويتابع قائلا: "ربما أراد ترامب أن يصنع مجدا شخصيا على أنقاض غزة، لكنه لم يدرك أن صور الأطفال تحت الركام ستمحو كل روايته الكاذبة عن السلام، وأن العالم بدأ يرى الحقيقة عارية: «إسرائيل» "تعيش على العنف، وأمريكا تحرسها بسلاح الكذب."

ويختم بن عطية تصريحاته قائلا: "وقف إطلاق النار ليس نصرا للكيان كما يدّعون، إنما اعتراف ضمني بفشلهم في كسر إرادة الفلسطينيين. غزة اليوم ليست فقط رمزا للمقاومة، بل مرآة تعكس انهيار المشروع الصهيوني أمام شعب لا يملك إلا الكرامة، لكنها كانت السلاح الأقوى في هذه الحرب."

موازنة دقيقة.. الجزائر بين دعم غزة والتحذير من خطة ترامب

عثمان لحياني – محلل سياسي - الجزائر

في ضوء التطورات الأخيرة في غزة، برز الموقف الجزائري مرة أخرى كصوت متّزن يجمع بين الدعم الإنساني للتهدئة والحذر السياسي من المشاريع الغامضة. فبينما رحّبت الجزائر بوقف إطلاق النار باعتباره خطوة ضرورية لإنقاذ الأرواح، اختارت في المقابل الاحتفاظ بمسافة سياسية محسوبة تجاه ما يُعرف بـ"خطة ترامب للسلام"، تجنّبا للانخراط في مسارات غير مضمونة النتائج.

عثمان لحياني – محلل سياسي - الجزائر

يصرّح المحلل السياسي الجزائري عثمان لحياني بأن بيان وزارة الخارجية الجزائرية حول وقف إطلاق النار في غزة يعكس دعم الجزائر للاتفاق والخطوة التي تم التوصل إليها في شرم الشيخ، معتبرا أن هذا الدعم يأتي انسجاما مع أبرز المطالبات الجزائرية طوال العامين الماضيين خلال الحرب، ويحقق للشعب الفلسطيني الهدف الأساسي المتمثل في وقف حملة الإبادة المستمرة. ويضيف: "كل خطوة نحو وقف الحرب تحظى بالتأكيد بتقدير الجزائر، باعتبارها تصبّ في مصلحة المدنيين وتحفظ ما تبقى من حياة السكان."

لكن لحياني يوضح أن القراءة السياسية للبيان تكشف عن تمييز واضح بين مسألتين: الأولى تتعلق بوقف إطلاق النار، والثانية بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام. ويقول إن الجزائر اتخذت موقفا حذرا وغير مطمئن من الخطة، إذ لم تُعلن دعمها المباشر لها، وفضّلت الحفاظ على مسافة سياسية واضحة تجنّبها الوقوع في فخّ التأييد لمبادرة غير مكتملة المعالم.

ويفسر لحياني أن لغة البيان تعكس هذا التوجس، إذ استخدمت الجزائر مفردة "تسجل" عند الإشارة إلى بدء تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة، أي أنها أخذت علما بما تم التوصل إليه دون أن تمنح تأييدا صريحا، معتبرة أن الخطة لا تزال غامضة في مآلاتها وتشمل عناوين عامة لا تضمن تحقيق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني.

ويضيف أن هذا الموقف ينسجم مع ثوابت السياسة الخارجية الجزائرية التي ترفض الانخراط في صفقات أو مبادرات مبهمة حتى وإن بدت إيجابية من حيث الشكل، مذكّرا بموقف الجزائر خلال قمة القاهرة حين رفضت المشاركة في تصورات لم تُترجم على أرض الواقع.

ويشير لحياني إلى أن التجارب السابقة أثبتت أن واشنطن والكيان الإسرائيلي لم يكونا يوما ملتزمين بتعهداتهما السياسية أو بالاتفاقات الموقعة، وهو ما يفسر التحفّظ الجزائري الدائم من أي خطة لا تحمل ضمانات واضحة.

ويختم قائلا إن استمرار القصف الإسرائيلي على غزة رغم بدء تنفيذ قرار وقف إطلاق النار يؤكد صوابية الموقف الجزائري، ويبرهن أن أي خطة سلام حقيقية يجب أن تكون ملموسة، قابلة للقياس، ومبنية على ضمانات واضحة قبل منحها أي دعم سياسي.

العين التي ترى عن قرب.. الموقف المصري يتجاوز دور الوسيط التقليدي

أنس قاسم المرفوع - باحث في مركز دراسات الشرق للسلام

كما في كل مرة، تعود القاهرة إلى واجهة المشهد الفلسطيني – لا كوسيط فحسب، بل كركيزة تاريخية للاتزان العربي ورمز للدبلوماسية الواقعية التي تجمع بين المبدأ والمصلحة. ومع تصاعد التحركات السياسية عقب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، برز الدور المصري مجددا باعتباره الضامن الأكثر قدرة على ترجمة التهدئة إلى مسار سياسي مستدام. ويرى الأستاذ أنس قاسم المرفوع أن إشادة السفير الفلسطيني رياض منصور بالدور المصري ليست مجاملة دبلوماسية، وإنما اعتراف بواقع تكرّس عبر التاريخ والجغرافيا والسياسة معا. فمصر، كما يؤكد، لم تغب يوما عن قلب القضية الفلسطينية، بل ظلّت حاضرة في كلّ مفصل مصيري من تاريخها، حاملة ثقلها الأخلاقي والدولي ومسؤوليتها القومية تجاه شعب يعتبر أمنه واستقراره امتدادا لأمنها القومي.

أنس قاسم المرفوع - باحث في مركز دراسات الشرق للسلام

في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أكد الأستاذ أنس قاسم المرفوع، الباحث في مركز دراسات الشرق للسلام، أن تثمين السفير الفلسطيني رياض منصور للدور المصري في هذا التوقيت بالذات لا يعدو كونه اعترافا بواقع ثابت جغرافيا وتاريخيا وسياسيا. وأضاف أن مصر لم تغب يوما عن قلب المعادلة الفلسطينية، مشددا على أن التأكيد الحالي لدورها يأتي في لحظة حرجة تتطلب راع إقليميا يحمل ثقلها التاريخي ومكانتها الأخلاقية والدولية.

ولفت إلى أن زعامة القاهرة ليست منحة من أحد، بل هي مسؤولية تاريخية تفرضها الجغرافيا والسياسة، وأن المدرسة المصرية في التعامل مع القضية الفلسطينية، كما جسدها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، آمنت دائما بأن ما يتحقق بالسلام والدبلوماسية الواقعية يكون أكثر استدامة من ما يفرض بالسلاح. وأوضح أن الرئيس السادات اختار الطريق الأصعب طريق السلام، مؤكدا أنه ليس تخليا عن الحقوق بل سعيا لتحقيقها على أرض الواقع، مضيفا أن معركة السلام أشرس من الحرب وتتطلب شجاعة لا تقل عنها.

وأشار إلى أن مصر كانت حاضرة في كل محطة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، من تقديم الدماء في حرب 1948 واستقبال اللاجئين، إلى دورها المحوري في حرب 1973 والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية، فضلا عن تمسكها بالدفاع عن الشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية. وأضاف أن أي محاولة لتحويل التحالفات بعيدا عن المحور المصري لم تخدم سوى مصالح ضيقة، وأن مصر تظل الحليف الاستراتيجي الذي يفهم أن إدارة ظهر الفلسطينيين لها تعني خسارة ركيزة أساسية.

وذكر أن الرئيس السادات لخص العقيدة المصرية بقوله: "نحن لا نفرط في ذرة من تراب فلسطين، لكننا نريد أن نسترد هذا التراب بالحكمة وبسلام الشجعان"، مؤكدا أن التثمين الفلسطيني الحالي للدور المصري يمثل عودة إلى الجذر الاستراتيجي وإعلانا بأن القاهرة ستظل الراعي الأمين للقضية الفلسطينية وكل القضايا العربية.

حول دعوة الرئيس السيسي لنظيره الأمريكي لحضور توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، أكد الباحث أن ذلك يعكس عمق وتميز العلاقات المصرية–الأمريكية، ويظهر أن القاهرة حلقة الوصل الأساسية والجسر الموثوق بين واشنطن والعالم العربي. وأوضح أن استضافة الحلول على أرض مصر تؤكد أن الحلول الحقيقية والدائمة لا تفرض من الخارج، بل تنبع من صميم المنطقة، وأن مصر قادرة على صياغة هذه الحلول بفعل قوتها التاريخية وديبلوماسيتها المتوازنة. وأكد أن هذا الدور المصري قائم على الأخوة والمسؤولية التاريخية، وأن دعم مصر للشعب الفلسطيني ليس مساومة بل واجب قومي وإنساني، وأن أمن مصر مرتبط ارتباطا وثيقا باستقرار المنطقة وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.

وأشار إلى أن التدخل الشخصي للرئيس السيسي في جهود التهدئة يجسد عقيدة دبلوماسية مصرية راسخة تقوم على الحلول السياسية لا العسكرية، مؤكدا أن الموقف المصري لا ينطلق من رد الفعل، بل من رؤية استراتيجية ترى في الحلول السياسية السبيل المستدام لإنهاء الأزمات. وأضاف أن تدخل الرئيس السيسي يرسل رسالة واضحة إلى الداخل والخارج بأن القضية الفلسطينية ليست ملفا عابرا، وأن دماء المدنيين أغلى من أي حسابات سياسية ضيقة، وأن السلام الحقيقي لا يبنى على أنقاض المنازل أو دموع الأطفال، بل على الحوار والتفاهم واحترام الحقوق المشروعة.

كما أشار إلى أن سياسة مصر تجاه قطاع غزة تجمع بين الثبات على المبادئ والحرص على المصالح الوطنية، وأن دعمها التاريخي للقضية الفلسطينية يسير جنبا إلى جنب مع حماية أمنها القومي وحدودها، مؤكّدا أن القاهرة تعمل بلا كلل لرفع المعاناة الإنسانية عن أهل غزة، وتعزز منظومتها الأمنية على الحدود لمنع التهريب والاختراقات، في إطار حماية الطرفين معا.

حول التنسيق بين مصر والسلطة الفلسطينية في مرحلة ما بعد الحرب، أكد الباحث أن هذا التنسيق قائم وفعال منذ اندلاع الحرب، سياسيا وأمنيا، ويهدف إلى توحيد الصف الفلسطيني والحفاظ على استقرار غزة كمدخل لاستقرار فلسطين بالكامل. وأوضح أن مصر تجري اتصالات مكثفة مع جميع الأطراف لضمان إعادة الإعمار وبناء مؤسسات السلطة الوطنية في القطاع وفق رؤية وطنية جامعة.

ولفت إلى أن الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس والجهاد، تنظر إلى الدور المصري المتصاعد بعين الاحترام والتقدير، معتبرة القاهرة البيت الكبير الذي لا يُستغنى عنه، وأن الوساطة المصرية ناجحة لأنها لا تفرض شروطا، بل تعمل بصبر وحكمة لتقريب وجهات النظر من منطلق مصلحة الشعب الفلسطيني العليا، خلافا لأدوار إقليمية أخرى استخدمت القضية كورقة صراع.

وأشار إلى أن إشادة رياض منصور بجهود ترامب ترتبط بالمبادرات الإنسانية العاجلة، وأن أي دور دولي مستقبلي يجب أن يستند إلى حيادية وعدالة واحترام قرارات الأمم المتحدة، مؤكّدا أن مصر تمتلك القدرة على ضمان مصداقية أي وساطة دولية.

وفيما يخص الرسائل الموجهة إلى الأطراف الإقليمية مثل قطر وتركيا وإيران، شدد الباحث على أن استضافة القاهرة لتوقيع الاتفاق تؤكد مصداقية الدور المصري وحياديته، وتعيد القضية الفلسطينية إلى جوهرها بعيدا عن المناورات الإقليمية.

وأخيرا، أكد أن استمرار الدور المصري في غزة يعزز مكانة القاهرة عربيا ودوليا، ويمهد الطريق لاستعادة ريادتها في ملفات إقليمية أخرى مثل ليبيا وسوريا والسودان، معتبرا أن العلاقات الفلسطينية–المصرية تدخل مرحلة نوعية من الشراكة الاستراتيجية تشمل التنمية والأمن والسيادة، لتظل مصر دائما سندا قويا للشعب الفلسطيني وأحد أعمدة الاستقرار في المنطقة.

من الميدان إلى المنبر الدولي.. خطاب حماس الجديد يعيد صياغة المعادلة

جمال مارس - محلل سياسي تونسي

وسط مشهد إقليمي متشابك وضباب سياسي كثيف يلفّ مستقبل قطاع غزة، يطفو على السطح الاتفاق الذي أعلنت عنه حركة حماس بوصفه محطة مفصلية قد تعيد رسم معادلات الصراع بعد عام من الحرب المفتوحة. فالإعلان – إذا ما تكرّست بنوده فعليا – لا يُعد مجرّد خطوة ميدانية نحو التهدئة، بل تحولا سياسيا عميقا ينقل الحركة من مربع "المقاومة النشطة" إلى فضاء "التفاوض على ترتيبات ما بعد الحرب"، وفي قراءة تحليلية، يرى المحلل السياسي جمال مارس أن هذا الاتفاق يمثل لحظة دقيقة في ميزان الصراع، إذ يختزن في مضمونه أبعادا تتجاوز حدود غزة إلى ما هو أوسع من المشهد الفلسطيني نفسه، جامعا بين البراغماتية السياسية والسعي إلى تثبيت الشرعية التفاوضية لحماس كفاعل لا يمكن تجاوزه في أي تسوية قادمة. ويؤكد مارس أن الإعلان يعبّر عن نقطة انعطاف استراتيجية: فبعد حرب استنزاف قاسية وتبدّل في موازين القوى الإقليمية والدولية، تبدو حماس أمام اختبار التحوّل من منطق البندقية إلى منطق الدبلوماسية، في مسعى لانتزاع اعتراف سياسي يوازي صمودها الميداني، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها "من الصراع إلى إدارة الواقع".

جمال مارس - محلل سياسي تونسي

في قراءته لما يُعرف بـ«إعلان وقف الحرب» بين حماس والكيان المحتل، يصرّح المحلل السياسي جمال مارس لـ«الأيام نيوز» قائلا: إنّ الإعلان الأخير "يمثل، إذا تأكدت بنوده فعليا، أول اعتراف ضمني بانتهاء مرحلة عسكرية مفتوحة بدأت منذ أكتوبر 2023". ويضيف أن هذا الإعلان لا يمكن اعتباره مجرد حدث ميداني، بل يُعد "تحولا سياسيا استراتيجيا من حالة "المقاومة النشطة" إلى (التفاوض على ترتيبات ما بعد الحرب)".

ويُوضح مارس أنّ دلالات هذا الإعلان أعمق مما يبدو في ظاهرها، إذ "يمثل إقرارا ضمنيا بأن المعركة وصلت إلى نقطة تشبّع عسكري، وأن استمرارها يستنزف المجتمع الغزّاوي ويزيد من الكلفة الإنسانية والسياسية"، معتبرا أن "التحول نحو المسار التفاوضي يُقرأ كقرار استراتيجي لإدارة الصراع، لا لإنهائه نهائيا".

ويشير مارس إلى أن هذا الإعلان يتضمّن كذلك رسالة موجهة إلى الرأي العام الدولي وليس إلى الكيان المحتل فقط، موضحا أن حركة حماس "تسعى من خلاله إلى القول: لسنا الطرف الرافض للسلام، نحن مستعدون لوقف النار وفق شروط عادلة ". ويرى أن الظرفية العالمية الحالية تصب في صالح حماس بالنظر إلى حجم التعاطف الشعبي الذي شهدته عواصم ومدن العالم في الفترة الأخيرة، مقابل العزلة الدولية المتفاقمة التي يعيشها الكيان المحتل، والتي يعتبرها مارس أحد الدوافع المباشرة للمبادرة بهذا الاتفاق.

أما الدلالة الثالثة والأخيرة في تقديره، فهي أن هذا الإعلان يمكّن حماس من التحول من "فاعل عسكري" إلى "فاعل سياسي"، وهو ما يمنحها صفة "الشرعية التفاوضية" ويجعلها طرفا لا يمكن تجاوزه في أي تسوية مستقبلية، خاصة وأن منظمة التحرير الفلسطينية طالما أكدت عبر العقود الماضية أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

ويتابع مارس تحليله مؤكدا أن فهم الإعلان لا يكتمل دون النظر في مضمونه العملي، موضحا أن "أولى النقاط الجوهرية فيه هي إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار، وهو ما يعني من الناحية الواقعية العودة إلى الوضع ما قبل الحرب، لكن هذا مشروط عادة بتفاهمات أمنية وضمانات دولية وربما وجود آلية مراقبة ميدانية".

ويضيف أن وقف الحرب لا يعني نهاية الصراع، بل تجميد الاشتباك، وهو ما قد يتحول إلى هدنة طويلة الأمد، لافتا إلى أن "حماس تسعى إلى وقف الحرب بشروط تحفظ ماء الوجه بعد معركة استنزاف قاسية، بينما يحاول الكيان المحتل ربط الهدنة بمطالبه الأمنية مثل تقليص قدرات حماس العسكرية أو فرض ترتيبات حدودية جديدة".

ويشير مارس كذلك إلى أن الاتفاق يحمل بندا محوريا يتمثل في انسحاب الاحتلال من غزة، معتبرا أن تحديد طبيعة هذا الانسحاب هو ما سيُحدد دلالته السياسية. "فإذا كان انسحابا كاملا من القطاع، فهذا يعني أن الكيان المحتل فشل في تحقيق هدفه المعلن بالقضاء على حماس، أما إذا كان انسحابا جزئيا أو (إعادة تموضع) عبر بقاء قوات في محيط رفح أو المناطق الحدودية، فسيُعد ذلك نصف انتصار لكل طرف".

ويُرجّح مارس أن الكيان المحتل سيقبل بـ"انسحاب تكتيكي" لا استراتيجي، أي الخروج من مراكز المدن مع الحفاظ على السيطرة الجوية والاستخباراتية، بينما ستعتبر حماس أي انسحاب ميداني انتصارا سياسيا ورمزيا يمكن استثماره إعلاميا وسياسيا لتعزيز خطابها الداخلي والخارجي.

ويُوضح مارس أن الاتفاق يتضمّن أيضا بندا خاصا بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، مشددا على أن هذا البند "رغم طابعه الإنساني الظاهر، يحمل في جوهره بعدا سياسيا بالغ الأهمية، لأن من يتحكم بتوزيع المساعدات سيتحكم بالإدارة الفعلية لغزة في المرحلة المقبلة". ويرى أن هذا الجانب سيُشكل "اختبارا مبكرا لمن سيدير غزة بعد الحرب"، موضحا أن "حماس ستحاول استعادة بعض نفوذها عبر الهيئات المدنية المحلية، بينما ستسعى أطراف أخرى إلى فرض إدارة محايدة تحت غطاء دولي".

كما يلفت مارس إلى أن موضوع تبادل الأسرى يمثل العصب الأساسي للاتفاق، موضحا أنه "يشكل نقطة توازن رمزية بين الطرفين: فالكيان المحتل يريد استعادة أسراه لتخفيف الضغط الداخلي، فيما تسعى حماس إلى إطلاق سراح أكبر عدد من الأسرى الفلسطينيين لتأكيد (النصر الإنساني)".

ويعتبر مارس أن صفقة بهذا الحجم "قد تكون أكبر عملية تبادل منذ صفقة شاليط عام 2011"، مشيرا إلى أنها ستُستخدم من كلا الجانبين "لتسويق الاتفاق داخليا؛ في غزة باعتباره انتصارا للثبات والمقاومة، ولدى الكيان باعتباره صفقة ضرورية لإنقاذ حياة مواطنيه".

ويخلص مارس في سياق هذا الطرح إلى التأكيد على أن "مجمل المعطيات الدولية والإقليمية دفعت حماس إلى القبول بهذا الاتفاق والدخول في المفاوضات"، معتبرا أن ذلك يُمكن الحركة من الانتقال من "معركة البقاء" إلى "معركة الشرعية السياسية". ويرى أن حماس قادرة على الاستفادة من الاتفاق في جميع الحالات: "فإذا تم تنفيذ بنوده فستكون قد نجحت في البقاء كفاعل رئيسي رغم الحرب، وهذا بحد ذاته إنجاز استراتيجي. أما إذا تراجع الاتفاق أو لم ينفذه الكيان الإسرائيلي، فسيُستخدم الإعلان لتسجيل نقطة أخلاقية وسياسية ضد "تل أبيب" أمام المجتمع الدولي".

حماس تمارس السياسة بلغة القانون الدولي

يشير المحلل السياسي جمال مارس إلى أن عبارة "ندعو الرئيس ترامب والدول الضامنة إلى إلزام الاحتلال بتنفيذ الاتفاق كاملا"، التي وردت في نص البيان، تمثّل إشارة سياسية بالغة الدلالة، تعكس – كما يوضح – إدراك حركة حماس لتغيّر موازين التأثير داخل واشنطن بعد عودة ترامب إلى الحكم. ويرى مارس أن اختيار الحركة مخاطبته بالاسم ليس صدفة، بل هو رسالة مزدوجة الاتجاه تحمل أبعادا دبلوماسية عميقة ومتعددة المستويات.

ويُفسّر مارس الرسالة الأولى بأنها موجهة إلى الإدارة الأمريكية ذاتها، ومفادها أن «حماس تعتبر ترامب الطرف الوحيد القادر فعليا على الضغط على الكيان المحتل»، خصوصا بعد أن أظهر الرئيس الأمريكي الجديد استعدادا أكبر للانخراط المباشر في ملفات الشرق الأوسط بسياسة أكثر براغماتية وأقل التزاما بمواقف الإدارات السابقة.

أما الرسالة الثانية – بحسب مارس – فهي موجهة إلى الرأي العام العربي والإسلامي، لتؤكد أن الحركة منفتحة على التعامل مع أي إدارة تمتلك مفاتيح النفوذ الدولي، بصرف النظر عن خلفياتها السياسية أو الأيديولوجية، طالما أن تلك العلاقة تخدم حقوق الشعب الفلسطيني وتضمن تنفيذ الاتفاق.

ويُبرز مارس أن هذه الدعوة تكشف في عمقها عن تحول نوعي في البنية السياسية لحماس، إذ يُلاحظ أن الحركة تنتقل تدريجيا من خطاب المقاومة المسلحة إلى خطاب الشرعية الدولية. فدعوتها إلى “الدول الضامنة” وواشنطن معا، كما يوضح، لا تعبّر عن تخلّ عن المقاومة بقدر ما تعبّر عن نضج سياسي ورغبة في ترسيخ موقعها كفاعل دبلوماسي لا يمكن تجاوزه في المعادلة الإقليمية المقبلة.

كما يشير مارس إلى أن حماس تتحدث للمرة الأولى بلغة القانون الدولي والالتزام بالاتفاقات، ساعية إلى أن تُقدّم نفسها أمام المجتمع الدولي كطرف منضبط يسعى إلى الاستقرار لا كتنظيم يعمل في الهامش. ويرى أن هذا التحول الخطابي يؤسس لمرحلة جديدة في مسار الحركة، حيث تجمع بين منطق المقاومة حين تفرضها الظروف، ومنطق السياسة حين تخدمها المصلحة الوطنية الفلسطينية، بما يرسّخ شرعية تفاوضية جديدة تُكسبها مكانا ضمن المعادلة الإقليمية المتحوّلة.

يقول المحلل السياسي – خلال تناوله لعبارة "ندعو أيضا إلى عدم السماح للاحتلال بالتنصل أو المماطلة في تطبيق ما تم الاتفاق عليه" – إنها تُعد – في تقديره – من أهم الجمل السياسية في البيان الأخير لحركة حماس، لأنها تمسّ جوهر معضلة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والمتمثلة أساسا في مسألة الالتزام والتنفيذ.

ويُوضح مارس أن الحركة، انطلاقا من تجاربها الطويلة مع الاحتلال، تدرك تماما أن كل اتفاق لوقف إطلاق النار يتبع النمط نفسه: تهدئة أولية، ثم إدخال محدود للمساعدات، لتبدأ بعدها مرحلة المماطلة الإسرائيلية في تنفيذ البنود السياسية أو الاقتصادية، قبل أن تُستأنف المواجهة من جديد بذريعة “الرد على خرق فلسطيني”. ومن هذا المنطلق، يرى مارس أن التحذير الذي تضمّنه البيان يعكس وعيا استباقيا بسلوك الاحتلال، ومحاولة واضحة لتحصين الاتفاق قبل أن يبدأ ما يصفه بـ"الاستنزاف البيروقراطي" الذي اعتادت "تل أبيب" ممارسته في مثل هذه الحالات.

كما يؤكد مارس أن العبارة لا تُوجَّه فقط إلى "تل أبيب"، بل أيضا إلى الوسطاء والدول الضامنة مثل مصر وقطر والأمم المتحدة، وربما واشنطن كذلك. فهي، كما يفسّر، رسالة مزدوجة المعنى مفادها أن هؤلاء الأطراف يتحمّلون مسؤولية سياسية مباشرة عن إلزام الاحتلال، وأن دورهم لا يجب أن يقتصر على إصدار بيانات عامة، بل ينبغي أن يتحوّل إلى آلية رقابة فعلية بجدول زمني محدد ومتابعة ميدانية دقيقة. وبذلك، يرى مارس أن حماس تسعى إلى تدويل عملية المتابعة، وتحويل الاتفاق من مجرد "إعلان نوايا" إلى التزام موثّق ومُلزم دوليا.

وفي البُعد الداخلي، يضيف مارس أن هذه العبارة تحمل رسالة موجّهة إلى الشارع الفلسطيني نفسه، إذ تُدرك الحركة حجم القلق الشعبي من تكرار تجارب سابقة غير متكافئة. ومن خلال تأكيدها أنها "لن تسمح بالمماطلة"، تحاول حماس – بحسب تحليله – طمأنة قواعدها وجمهورها بأنها لم توقّع لتُخدع، بل لتنتزع التزامات حقيقية من العدو، مع الحفاظ في الوقت ذاته على وهج المقاومة كعنصر معنوي حاضر حتى في ظل هدنة طويلة الأمد.

ويُبيّن مارس أن هذه الصيغة تمثل أيضا تكتيكا وقائيا ذكيا على المستوى السياسي، إذ تُحوّل الالتزام إلى "وثيقة سياسية مسبقة" يمكن استخدامها لاحقا كأداة إدانة لأي خرق إسرائيلي محتمل. كما يرى أن هذه المقاربة تكشف عن نضج سياسي متزايد داخل الحركة، التي باتت – وفق تعبيره – تتحرك بعقل مؤسسي يسعى إلى تحصين الاتفاق قبل تنفيذه، لا بعد فشله، في خطوة تعكس فهما أعمق لقواعد اللعبة السياسية والدبلوماسية في المرحلة المقبلة.

من الميدان إلى الوجدان.. كيف نقرأ البعد النفسي لخطاب حماس؟

وخلال تحليله لعبارة "نحيي شعبنا العظيم الذي سجل مواقف عزّ وبطولة وشرف لا نظير لها"، أوضح المحلل السياسي – في سياق حديثه لـ«الأيام نيوز» أنها تبدو للوهلة الأولى جملة عاطفية أو خطابا تعبويا تقليديا، لكنها في جوهرها – كما يفسّر – تحمل وزنا سياسيا ونفسيا بالغ العمق، وتعكس تحوّلا ملحوظا في الخطاب الداخلي لحركة حماس بعد حرب مدمّرة وطويلة الأمد.

فالحركة، كما يرى مارس، وجدت نفسها بعد شهور من الدمار الهائل، وفقدان آلاف المدنيين، وانهيار البنية الحياتية في غزة، أمام ضرورة إنتاج خطاب يعيد للناس إحساس الكرامة والانتصار الرمزي، حتى في غياب نصر عسكريّ حاسم. ومن ثم، تمثل هذه الجملة – بحسب تحليله – محاولة لترميم الوعي الجمعي وإعادة بناء الثقة بين القيادة والجمهور، من خلال تحويل الألم والمعاناة إلى بطولة وشرف بدل أن تُترجم إلى مأساة وانكسار.

ويُضيف مارس أن هذا البُعد العاطفي ليس معزولا عن الاعتبارات السياسية، إذ تسعى حماس من خلال هذه الصياغة إلى تثبيت سردية “الصمود بدل الهزيمة”. فالمعركة، كما يوضح، لا تُحسم فقط في الميدان العسكري، بل أيضا في ميدان السرد والرواية؛ ومن يمتلك القدرة على صياغة الرواية بعد الحرب هو من يحسم النتيجة فعليا في الوعي الجمعي. ومن خلال تمجيدها للشعب، تعمل الحركة – بحسب رأيه – على نقل مركز البطولة من القيادة إلى الناس، لكنها في الوقت ذاته تربط بين شرعية الشعب وشرعية القيادة، في معادلة رمزية ذكية تجدد رصيدها الشعبي وتمنحها موقعا معنويا متقدما بعد معركة قاسية وطويلة.

أما على المستوى الاستراتيجي، فيرى مارس أن هذه العبارة تمهّد بوضوح لمرحلة ما بعد الحرب، إذ تتضمن دعوة ضمنية إلى الصبر وإعادة البناء، ورسالة مفادها أن زمن الإعمار يحتاج إلى روح جماعية موحّدة تؤمن بأن ما تحقق من صمود لم يكن عبثا ولا تضحيات مجانية. كما يشير إلى أن هذا الخطاب يغلق الباب أمام الانتقادات الداخلية، لأن أي انتقاد للقيادة قد يُفهم – ضمنيا – على أنه انتقاص من تضحيات الشعب نفسه. وفي المقابل، تفتح الجملة المجال أمام مرحلة سياسية جديدة توحي بأن الشعب، الذي صمد وتحمّل، يستحق في المقابل ثمارا سياسية ملموسة في المستقبل القريب.

ويخلص مارس إلى أن هذه العبارة، رغم بساطتها الظاهرية، ليست مجرد تحية للشعب، بل بيان سياسي–نفسي متكامل يعيد ترميم المعنويات الجماعية، ويؤسس لسردية انتصار رمزي رغم الألم، مثبتا موقع حماس في الوجدان الفلسطيني كقوة صمود متجذّرة لا كتنظيم عابر لمرحلة الحرب.

خطاب حماس الجديد.. من الميدان إلى المنبر الدولي

يُفسّر المحلل السياسي جمال مارس عبارة حركة حماس:"نؤكد أن تضحيات شعبنا لن تذهب هباء وسنبقى على العهد ولن نتخلى عن حقوق شعبنا حتى الحرية والاستقلال وتقرير المصير»، على أنها إعادة تأكيد للشرعية الشعبية والسياسية للحركة بعد حرب قاسية، وربط مباشر بين التضحيات والمطالب الوطنية، لتؤكد – كما يوضح – أن الحركة تريد أن تقول لجمهورها: "تضحياتكم لم تكن عبثا، وشرعيتنا نستمدها منكم ومن ثباتكم."

ويرى مارس أن هذا الربط بين الدم والمطلب السياسي يُحوّل المعاناة إلى رأسمال تفاوضي، ويؤسس لما يمكن وصفه بـ"معادلة جديدة" مفادها أن أي هدنة أو تسوية لا تتقدّم خطوات نحو الحرية والاستقلال ستكون، من منظور حماس، انتقاصا من حقوق الشعب الفلسطيني. وهو بذلك – كما يشير – خطاب شرعية مضاعفة: شرعية مستمدّة من الصمود الميداني، وأخرى من تبنّي الخطاب الأممي لحق الشعوب في تقرير مصيرها.

ويشرح مارس أن هذه العبارة تؤدي ثلاث وظائف سياسية متوازية:

- أولا، تحافظ على التماسك الداخلي وتمنع أي شرخ بين القيادة والشارع بعد الكلفة البشرية الهائلة، من خلال تحويل النقد الداخلي إلى تهديد رمزي للوحدة الوطنية.

- ثانيا، توظفها حماس كورقة تفاوضية أمام الوسطاء والضامنين للمطالبة بخطوات ملموسة مثل رفع الحصار وفتح المعابر وإعادة الإعمار وتبادل الأسرى، تحت شعار "احترام تضحيات الشعب".

- وثالثا، تمنحها العبارة شرعية إقليمية ودولية، بفضل استخدامها مفردات تتماشى مع الخطاب الأممي لحقوق الشعوب مثل "الحرية والاستقلال وتقرير المصير"، ما يجعل خطابها السياسي أكثر قبولا في الساحات الدولية.

ويضيف مارس أن هذا الخطاب القوي لا يخلو من المخاطر، إذ إن رفع سقف التوقعات دون تحقيق إنجازات ملموسة قد يولّد إحباطا شعبيا ويضع الحركة أمام ضغط مزدوج من الشارع والوسطاء معا. أما بالنسبة للكيان المحتل، فسيقرأ الخطاب على أنه محاولة لحشد التأييد الداخلي وتمديد نفوذ حماس السياسي، في حين سيعتبره الوسطاء إشارة إلى ضرورة وضع آليات تنفيذ دقيقة قابلة للقياس والمراقبة الدولية.

ويُشير مارس في تحليله الختامي إلى أن هذه العبارة ليست مجرد شعار تعبوي، بل صياغة ذكية لشرعية سياسية جديدة تربط بين التضحيات والإنجازات، وتُخضع نجاح الحركة لقدرتها على تحويل الخطاب إلى أفعال واقعية، وإشراك أطراف ضامنة قادرة على فرض التنفيذ. أما فشلها في ذلك، فقد يُحوّل الرصيد المعنوي الكبير إلى عبء سياسي يصعب تجاوزه.

أما بالنسبة إلى تصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي دعا فيه إلى "اغتنام هذه الفرصة لإرساء مسار سياسي موثوق نحو إنهاء الاحتلال"، فيرى مارس أن هذا التصريح ليس مجرد تذكير دبلوماسي عابر، بل رسالة استراتيجية عميقة تعبّر عن إدراك دولي لخطورة المرحلة وندرة الفرص السياسية بعد حرب غزة.

ويُبيّن أن هذا النداء يحمل ثلاث دلالات مركزية:

- أولا، يمنح التهدئة شرعية دولية، فيحوّلها من مجرد وقف لإطلاق النار إلى فرصة سياسية يجب البناء عليها لإطلاق مسار دائم ينهي عقود الاحتلال.

- ثانيا، يربط الهدنة بالمسار السياسي، فيُذكّر بأن استمرارها دون أفق واضح سيكون تكرارا لأخطاء الماضي.

- وثالثا، يُحمّل جميع الأطراف – من الكيان المحتل والفصائل الفلسطينية إلى الوسطاء الإقليميين والمجتمع الدولي – مسؤولية مشتركة عن استثمار هذه اللحظة وعدم تركها تتبخّر كغيرها من الفرص السابقة.

ويُضيف مارس أن غوتيريش، بعبارة "اغتنام الفرصة"، يُحيل ضمنا إلى إخفاقات سابقة مثل أوسلو وسلسلة اتفاقات التهدئة المتكررة التي انتهت إلى جمود طويل، محذرا من العودة إلى الدائرة المفرغة المألوفة: وقف إطلاق نار، فهدوء مؤقت، ثم انفجار جديد. كما يرى أن دعوة الأمين العام تحمل ضغطا ضمنيا لإخضاع الاتفاق لرقابة أممية مباشرة، وتحويل ترتيبات ما بعد الحرب إلى مشاريع خاضعة للشرعية الدولية لا لتفاهمات ثنائية محدودة.

وبحسب تحليل مارس، فإن النداء الأممي يمثل دعما غير مباشر للموقف الفلسطيني، إذ يمنح الفصائل – وعلى رأسها حماس – مبررا للمطالبة برقابة دولية وضمانات تنفيذ حقيقية. وإذا تم التعامل مع هذا الموقف بجدية، فقد يفتح الباب أمام دور أممي في إدارة المعابر، وتنسيق المساعدات، وإعادة الإعمار، وربما مراقبة الهدنة نفسها.

وفي المحصلة، يرى مارس أن دعوة غوتيريش تحوّل التهدئة من تسوية ظرفية إلى مسؤولية عالمية، وتُلزم المجتمع الدولي قبل الأطراف المحلية بترجمة الصمود الفلسطيني إلى مسار سياسيّ موثوق يقود في النهاية إلى إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره.

انسحاب «إسرائيل» من غزة.. تكتيك أم اعتراف بالهزيمة؟

أحمد البحري - محلل سياسي يمني

الانسحاب الإسرائيلي من غزة لا يعكس نهاية الحرب، بل خطوة تكتيكية اضطرارية فرضتها الضغوط الدولية والداخلية وتراجع قدرات جيش الاحتلال، فيما تحاول «تل أبيب» الاحتفاظ بوجود رمزي داخل القطاع لتفادي الإقرار بالهزيمة، وفقا للمحلل اليمني أحمد البحري.

أحمد البحري - محلل سياسي يمني

يؤكد المحلل اليمني أحمد البحري في تصريحات لـ«الأيام نيوز» أن انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة لا يمكن وصفه بأنه انسحاب كامل أو نهائي، بل هو انسحاب تكتيكي واضطراري جاء نتيجة ضغوط متعددة وتدهور في قدرات جيش الاحتلال داخل القطاع.

ويقول البحري إن "القوات الإسرائيلية لم تغادر جميع مناطق قطاع غزة، فهي لا تزال متمركزة في نقاط محددة مثل بيت لاهيا وغيرها من المواقع داخل القطاع"، موضحا أن هذا الانسحاب الجزئي يعكس محاولة من "تل أبيب" لتخفيف الضغط عنها دون الاعتراف بالهزيمة الميدانية.

ويضيف أن "الأيام القليلة الماضية شهدت ضغوطا كبيرة على الكيان من جهات مختلفة؛ من الولايات المتحدة والرئيس ترامب، ومن المجتمع الدولي الذي طالب بوضوح بإنهاء العدوان والقبول بالصفقة المطروحة، فضلا عن الضغوط الداخلية المتزايدة من عائلات الأسرى والمعارضة داخل «إسرائيل» نفسها".

ويتابع البحري أن "جيش الاحتلال وصل إلى مرحلة متقدمة من الإنهاك الجسدي والنفسي بسبب المقاومة الشرسة داخل غزة، حيث يعاني العديد من الجنود من اضطرابات نفسية نتيجة ما يواجهونه من تصد متواصل، بالإضافة إلى الخسائر البشرية اليومية التي تكبدها الجيش في المعارك".

ويشير إلى أن "هذه العوامل مجتمعة دفعت القيادة الإسرائيلية، سواء العسكرية أو السياسية، إلى الموافقة على الانسحاب، مع الحرص على إبقاء وجود رمزي أو موطئ قدم داخل القطاع لحفظ ماء الوجه أمام الرأي العام الإسرائيلي".

ويختم البحري بالتحذير من أن هذا الانسحاب لا يعني نهاية الحرب، بل قد يكون مقدمة لجولة جديدة من الصراع، قائلا: "الأيام القليلة القادمة ستكون اختبارا حقيقيا للجميع "للكيان الإسرائيلي" وللوسطاء، وللفلسطينيين أنفسهم وأعتقد أن الحرب ستعود بصورة أشد وأوسع، ليس فقط في غزة، بل ربما تمتد إلى لبنان أو اليمن أو حتى إيران."

7 أكتوبر.. الطوفان الذي أعاد فلسطين إلى ضمير الأمة

الدكتور عصام عبد الشافي – باحث ومفكر - مصر

بعد مرور سنتين على اندلاع ملحمة طوفان الأقصى، ما زال صداها يتردّد في الوجدان العربي والإسلامي، بوصفها لحظة مفصلية أعادت تعريف الوعي الجمعي تجاه فلسطين، وكسرت صورة التفوّق المطلق التي روّجت لها آلة الاحتلال لعقود، إذ كان السابع من أكتوبر 2023 أكثر من حدث عسكري؛ كان صرخة في وجه النسيان، وإعلانا بأن إرادة الشعوب لا تُقهر مهما طال زمن الهزيمة. من هذا المنطلق، يؤكد الباحث والمفكر المصري الدكتور عصام عبد الشافي أن ذكرى ذلك اليوم ستبقى علامة فارقة في تاريخ الأمة، لأنها أعادت للأجيال معنى العزة والكرامة، وكشفت زيف أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، لتفتح مرحلة جديدة من الوعي والمقاومة تعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها في ضمير العالم العربي والإسلامي.

الدكتور عصام عبد الشافي – باحث ومفكر - مصر

أكد الباحث والمفكر المصري الدكتور عصام عبد الشافي في تصريح لـ«الأيام نيوز» أن ذكرى السابع من أكتوبر 2023، يوم ملحمة طوفان الأقصى، ستبقى محطة تاريخية فارقة في الوعي العربي والإسلامي، لأنها أعادت للأمة جزءا من ذاكرة العزة والكرامة، وكشفت زيف أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر" وعرّت المنظومة الصهيونية أمام العالم.

وأوضح عبد الشافي أن طوفان الأقصى لم يكن مجرد عمل عسكري، بل كان فعلا تحرريا مقاوما أعاد الاعتبار لقضية فلسطين في ضمير الشعوب، بعد عقود من محاولات التهميش والتطبيع والخذلان الرسمي. وقال إن هذا اليوم أعاد تعريف مفهوم القوة، فالقوة الحقيقية ليست في السلاح المتطور ولا في الدعم الغربي غير المحدود، بل في الإرادة والصمود والإيمان بعدالة القضية.

وأشار إلى أن ما حدث في السابع من أكتوبر مثّل نقطة تحول في معادلات الردع الإقليمي، وأعاد رسم خطوط الصراع بين محور المقاومة ومحور التطبيع، مبرزا أن المقاومة الفلسطينية استطاعت أن تفرض معادلة جديدة عنوانها “الكرامة قبل السلام”، رغم حجم العدوان والتواطؤ الدولي.

وأضاف الباحث المصري أن الأنظمة التي هرولت نحو التطبيع خسرت ما تبقّى من مصداقيتها أمام شعوبها، لأن طوفان الأقصى فضح التناقض بين خطاب المقاومة الشعبي وخطاب الاستسلام الرسمي، مؤكدا أن التاريخ لن يرحم من تواطأ أو صمت أمام الجرائم الصهيونية.

وشدد عبد الشافي على أن ذكرى الطوفان يجب أن تُستحضر دائما لتذكير الأجيال القادمة بأن الحرية تُنتزع ولا تُمنح، وأن الشعوب التي تملك إرادتها لا تُهزم مهما تكالبت عليها قوى الاستعمار والهيمنة. كما دعا إلى تحويل هذه الملحمة إلى منهج وعي ومقاومة في كل ميادين الفكر والسياسة والإعلام، لتبقى فلسطين في قلب الأمة، رمزا للوحدة والصمود. وختم عبد الشافي تصريحه بالقول: "ذكّروهم دائما بأيام مجدنا، بأيام عزتنا وكرامتنا، فملحمة طوفان الأقصى ليست حدثا عابرا، بل بداية وعي جديد يعيد للأمة ثقتها بنفسها ويؤكد أن زمن الهزائم قد ولّى".

غزة على مفترق الحلول الصعبة.. هل الانسحاب الجزئي يضمن نهاية الحرب؟

حسين قنبر - مدير مركز دراسات الشرق للسلام

تبدو اللحظة مشحونة بالتحولات السياسية والتجاذبات الإقليمية، حيث يبرز القرار المتعلّق بالانسحاب التدريجي للقوات "الإسرائيلية" من قلب غزة كإشارة تحمل في طيّاتها مزيجا من الوعود بالتهدئة ومخاوف إعادة إنتاج الأزمة. ويرى المفكّر والباحث الأستاذ حسين قنبر، مدير مركز دراسات الشرق للسلام، أن هذا التطوّر لا يمكن التعامل معه كحدث عابر في مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، بل كمنعطف حاسم يستدعي إعادة قراءة المشهد برمّته، وفرصة حقيقية لإعادة توجيه بوصلة الفعلين العربي والدولي نحو تحقيق العدالة ورفع المظالم التاريخية عن الشعب الفلسطيني. ومن هذا المنطلق، يقدّم قنبر رؤية نقدية تدعو إلى تجاوز منطق إدارة الصراع نحو إنهائه جذريا، مؤكدا أن "السلام" الحقيقي لا يمكن أن يقوم على بقاء الاحتلال، بل على تفكيك منظومته وتمكين الفلسطينيين من ممارسة سيادتهم الكاملة على أرضهم وفق قرارات الشرعية الدولية.

حسين قنبر - مدير مركز دراسات الشرق للسلام

أكد المفكر والباحث الأستاذ حسين قنبر، مدير مركز دراسات الشرق للسلام لـ«الأيام نيوز»، أن القرار المعلن بشأن الانسحاب يمثل لحظة فارقة في مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وفرصة حقيقية لإعادة تصويب بوصلة العمل الإقليمي نحو تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، واستعادة حقوقه المشروعة وفق قرارات الشرعية الدولية.

وأوضح قنبر أن أي انسحاب من الأراضي الفلسطينية لا يمكن اعتباره خطوة سياسية شكلية، بل يجب أن يكون تحولا استراتيجيا نحو إنهاء الاحتلال بكل مظاهره، ووقف سياسة الاستيطان والتهجير القسري والحصار التي تمثل خرقا فاضحا للقانون الدولي الإنساني، مؤكدا أن السلام الحقيقي لا يقوم على بقاء المحتل، بل على إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته الكاملة على أرضه.

وأشار إلى أن المرحلة الراهنة تتطلب إجماعا عربيا ودوليا صادقا على دعم الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حق العودة، وحق إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وقال إن هذه اللحظة تستدعي من المجتمع الدولي أن يتجاوز سياسة البيانات إلى إجراءات عملية تضمن حماية المدنيين ووقف العدوان المستمر على غزة، معتبرا أن استمرار المعاناة الإنسانية هو نتيجة مباشرة لعجز المنظومة الدولية عن فرض التزاماتها القانونية والأخلاقية على الاحتلال.

وشدد مدير مركز دراسات الشرق للسلام على أن المطلوب اليوم ليس إدارة الصراع، بل إنهاؤه جذريا عبر تسوية عادلة وشاملة تضع حدا لدوامة العنف وتعيد الثقة بالعدالة الدولية، موضحا أن القضية الفلسطينية ليست ملفا إنسانيا فحسب، بل قضية تحرر وطني وكرامة إنسانية تمثل معيارا لمصداقية النظام الدولي بأسره.

وأضاف قنبر أن التحركات الإقليمية والدولية يجب أن تنطلق من رؤية سياسية واضحة تعتبر فلسطين محور الاستقرار لا مصدر التوتر، داعيا إلى تفعيل الدبلوماسية الوقائية وتعزيز مسارات الحوار العربي المشترك لحماية المكتسبات الفلسطينية من أي محاولات للالتفاف أو التطبيع المجاني الذي يمنح الاحتلال شرعية زائفة.

وختم قنبر تصريحه بالتأكيد على أن مركز دراسات الشرق للسلام سيواصل أداء دوره في دعم كلي مبادرة تخدم السلام العادل والمستدام القائم على إنهاء الاحتلال، وتعزيز ثقافة المقاومة السلمية، وبناء وعي استراتيجي عربي يوحّد الجهود لنصرة فلسطين. وقال: "إن الدفاع عن فلسطين ليس موقفا سياسيا عابرا، بل التزام أخلاقي وإنساني تجاه أعدل قضايا القرن، ولن يكون هناك سلام حقيقي في المنطقة ما لم يتحقق العدل للفلسطينيين أولا".

خطة من 20 بندا.. ماذا بين السطور؟

منير شحادة – عميد سابق في الجيش اللبناني

يقدّم الخبير العسكري منير شحادة، العميد السابق في الجيش اللبناني، قراءة نقدية لما يُعرف بـ«خطة ترامب» الخاصة بقطاع غزة، معتبرا أن ما يبدو منها مبادرة لوقف الحرب يخفي في جوهره ترتيبا مؤقتا يخدم مصالح واشنطن و"تل أبيب" أكثر مما يؤسّس لوضع دائم تتحقّق فيه ملامح الاستعادة الفعلية للسيادة الفلسطينية. وقد أُعلن عن هذه الخطة المؤلّفة من عشرين بندا في 29 سبتمبر 2025، لتُعدّ أول مقترح أمريكي يتناول مرحلة ما بعد الحرب بتفاصيل دقيقة، الأمر الذي أثار جدلا واسعا حول بنودها التنفيذية، ولا سيما ما يتعلّق بنزع السلاح، والإدارة المؤقتة، وإجراءات تبادل الأسرى.

صرّح العميد السابق في الجيش اللبناني منير شحادة لـ«الأيام نيوز» بأن ما يُعرف بـ"خطة ترامب" لقطاع غزة تمثل في ظاهرها مبادرة سياسية لوقف الحرب، لكنها في جوهرها ترتيب مؤقت يخدم المصالح "الإسرائيلية" والأمريكية أكثر مما يخدم الفلسطينيين أو يرسّخ سلاما دائما.

منير شحادة – عميد سابق في الجيش اللبناني

وقال شحادة إن الخطة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 29 سبتمبر 2025 إلى جانب رئيس وزراء سلطة الاحتلال "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، والمكوّنة من عشرين بندا، تُعدّ أول وثيقة أمريكية تتعامل بشكل مباشر مع ما بعد الحرب في غزة، غير أن مضمونها – كما أوضح – يعيد إنتاج الواقع تحت غطاء إنساني دون الاعتراف الصريح بحقوق الفلسطينيين السيادية أو السياسية.

وأوضح أن أبرز بنود الخطة تتضمن وقفا فوريا للأعمال القتالية مقابل قبول الطرفين بالشروط، وسحب القوات "الإسرائيلية" إلى خطوط متفق عليها، وتعليق العمليات الجوية والبرية، إضافة إلى إعادة جميع الرهائن الأحياء والأموات خلال 72 ساعة من قبول «إسرائيل» للخطة علنا، إلى جانب إطلاق سراح نحو ألفي أسير فلسطيني بينهم 250 محكوما بالمؤبد.

وأشار شحادة إلى أن إدارة القطاع مؤقتا من قبل لجنة تكنوقراطية فلسطينية تحت إشراف دولي، ومن دون أي دور مباشر لحركة حماس أو السلطة الفلسطينية، يمثل جوهر الخطة الأمريكية التي تسعى إلى نزع البعد المقاوم عن غزة، وإعادة تشكيل بنيتها السياسية والأمنية بما يتلاءم مع الرؤية الأمريكية – "الإسرائيلية" لما بعد الحرب.

وأضاف أن البنود المتعلقة بـنزع السلاح وتفكيك الأنفاق والبنى التحتية العسكرية تحت إشراف مراقبين دوليين تُعدّ من أكثر النقاط حساسية، لأنها تمس جوهر قدرة المقاومة الفلسطينية على الردع، وتجعل القطاع منطقة منزوعة الإرادة والسيادة، مهما كانت العناوين المعلنة حول "الأمن والاستقرار".

وأوضح شحادة أن الخطة تنص على انسحاب تدريجي للقوات "الإسرائيلية" مع بقاء مناطق أمنية تحت السيطرة المباشرة عند الحدود والمحاور، بما يعني أن الاحتلال سيستمر بشكل غير مباشر عبر "حزام أمني" يتيح له العودة السريعة متى شاء، مؤكدا أن هذا البند وحده كاف لتقويض مفهوم السيادة الفلسطينية تماما.

وفي ما يتعلق بالشق الإنساني، لفت العميد شحادة إلى أن الخطة تَعد بتدفق واسع للمساعدات وإعادة إعمار البنى التحتية من كهرباء ومياه ومستشفيات، لكنها تضع ذلك في إطار الرقابة السياسية، ما يجعل المساعدات وسيلة ضغط بيد واشنطن و"تل أبيب" لإخضاع سكان غزة وإضعاف قدرتهم على الصمود.

وبيّن أن تشكيل قوة دولية مؤقتة (ISF) بالتعاون مع الشرطة الفلسطينية الممنوحة الشرعية سيكون له دور مزدوج: من جهة، تأمين الاستقرار ومنع تهريب الأسلحة؛ ومن جهة أخرى، فرض واقع أمني يخدم مصالح «إسرائيل» الحدودية، مشيرا إلى أن أي إشراف دولي لا يتضمن ضمانات حقيقية للجانب الفلسطيني سيحوّل القطاع إلى منطقة انتداب جديد تحت ستار السلام.

وتابع شحادة أن ما يزيد الغموض هو ما ورد في نصوص الخطة حول تنفيذ بعض البنود حتى لو رفضتها حماس، مثل دخول المساعدات وإنشاء المناطق الآمنة، ما يعني أن «إسرائيل» ستُمنح صلاحية فرض واقع ميداني أحادي الجانب في أي جزء من القطاع، وهو ما يشكل خطرا استراتيجيا على وحدة غزة السياسية والجغرافية.

وانتقل العميد شحادة للحديث عن التحديات التي تواجه التنفيذ، موضحا أن أولها الشرعية والمصداقية، فالفلسطينيون يعتبرون الخطة أداة لتكريس السيطرة "الإسرائيلية" وليس لإنهائها، خصوصا أنها تهمّش حماس والسلطة معا، وتُلزم الفلسطينيين بنزع سلاحهم مقابل وعود فضفاضة بالسلام والإعمار.

وأشار إلى أن أي إخلال "إسرائيلي" ببنود الخطة، أو تأخير في تنفيذ تبادل الأسرى أو إدخال المساعدات، سيؤدي إلى انهيار سريع للثقة وعودة القتال مجددا، مضيفا أن «إسرائيل» لم تُعرف تاريخيا بالالتزام الدقيق بتعهداتها.

وأوضح أن الضغوط الداخلية داخل «إسرائيل» ستلعب دورا أساسيا في تقويض الاتفاق، فالأحزاب المتطرفة لن تقبل بانسحاب فعلي أو بتجميد الاستيطان، كما أن ملف تبادل الجثامين والرهائن سيُستغل سياسيا في الداخل "الإسرائيلي" لابتزاز الحكومة أو تأجيل التنفيذ.

أما بالنسبة إلى موقف حماس والفصائل الفلسطينية، فقال شحادة إن القبول بالخطة سيكون مشروطا بضمانات واضحة تتعلق بالسيادة والأمن والمساعدات، مضيفا أن أي محاولة لفرض واقع سياسي جديد دون توافق وطني فلسطيني ستفشل حتما.

وشدّد على أن آليات المراقبة الدولية ستكون اختبارا حقيقيا للخطة، لأن غياب جهاز رقابي محايد وفاعل سيجعل «إسرائيل» قادرة على الالتفاف على البنود بحجة "الاعتبارات الأمنية"، وهو ما حدث مرارا في تجارب سابقة منذ اتفاق أوسلو وحتى تفاهمات التهدئة الأخيرة.

وأشار شحادة إلى أن الضغوط الإقليمية والدولية تلعب دورا مزدوجا؛ فمصر والأردن يرفضان أي تهجير جديد أو انتهاك لسيادتهما، في حين تحاول واشنطن استخدام الخطة لإعادة تموضع دبلوماسي في المنطقة. أما داخل الولايات المتحدة، فقد تواجه إدارة ترامب اعتراضات في الكونغرس أو من الحلفاء الأوروبيين بسبب غموض البند المتعلق بالقوة الدولية وطبيعة تفويضها.

وفي ما يتعلق بالعوامل الأمنية الميدانية، حذّر شحادة من أن استمرار الخلايا النائمة أو الهجمات الفردية سيهدد الاستقرار الهش، كما أن أي محاولة من فصائل المقاومة لإعادة التسلح أو التحرك العسكري قد تُستخدم ذريعة من «إسرائيل» لاستئناف العمليات تحت شعار "مكافحة الإرهاب".

وردا على سؤال حول مدى التزام «إسرائيل» بالخطة، قال شحادة إن التجارب السابقة تؤكد أن «إسرائيل» تلتزم بالاتفاقيات مرحليا وبشكل جزئي عندما تخدم مصالحها، ثم تنسحب منها تدريجيا أو تُفرغها من مضمونها. وأضاف أن "تل أبيب" ستلتزم مبدئيا بالمرحلة الأولى، خصوصا ما يتعلق بالإفراج عن الرهائن والمساعدات، لكنها لن تنفذ المراحل اللاحقة التي تتضمن الانسحاب الكامل أو تسليم السيطرة الأمنية.

وأوضح أن «إسرائيل» قد تستخدم الخطة كـ"غطاء سياسي ودبلوماسي" لإعادة تحسين صورتها بعد شهور من الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، وكوسيلة لالتقاط أنفاسها ميدانيا وإعادة تنظيم صفوفها قبل جولة جديدة من التصعيد العسكري.

ورأى شحادة أن السيناريو الأكثر ترجيحا هو تنفيذ المرحلة الأولى بنجاح نسبي، حيث سيتم تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار المؤقت وتدفق المساعدات، لكن مع بداية المرحلة الثانية المتعلقة بنزع السلاح والإدارة المؤقتة ستظهر الاعتراضات والتأجيلات، ما سيؤدي إلى تجميد العملية السياسية أو انهيارها كليا.

وختم العميد منير شحادة تصريحه لـ«الأيام نيوز» بالقول: "لا أرى في خطة ترامب مشروع سلام بقدر ما هي أداة لإدارة الأزمة.. ستنفذ «إسرائيل» ما يخدمها فقط، ثم تعود إلى الحرب جزئيا أو كليا لتحقيق أهدافها القديمة: القضاء على المقاومة وتفريغ غزة من سكانها تدريجيا، ما لم يتوفر ضمان دولي صارم ووجود إرادة فلسطينية موحدة، فإن هذه الخطة لن تصمد طويلا، بل ستتحول إلى استراحة قصيرة في حرب مفتوحة على الوجود الفلسطيني".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يتصفحون الآن
أخر الأخبار