2025.10.13
في عصر الجسد وافتقاد الروح.. ثرثرة القلم.. شفاء النفوس!

في عصر الجسد وافتقاد الروح.. ثرثرة القلم.. شفاء النفوس!


لا تشرق الرُّوح إلّا من دُجى ألمٍ -- هل تزهرُ الأرض إلّا إنْ بكى المطرُ

(جلال الدين الرُّومي).

تتعقّد الحياة يومًا بعد يوم، وتزداد شجون النَّاس واضطراباتهم في زمنٍ جوهرُه المادَّة. لم تعد التربيَّة النَّفسية ترفًا روحيًّا بل أصبحت أمرًا ضروريًّا كلَّما توالت الأيَّام وازدادت تشابكا.

عصر المادَّة، عصر الجسد، عصر التَّرفِ والشَّكليات، عصر السُّلوكيات... سمِّهِ ما شئتَ؛ كلَّها دلالات على أنَّنا افتقدنا الحسَّ الرُّوحي وتهذيب النَّفس.

والتَّربية النّفسيّة ليست منتجًا غربيًّا تمَّ تسويقهُ إلينا، بل على العكس فقد نشأت في قلب المجتمع العربيّ وتطوّرت. فلو استرقنا نظرة إلى الأدب الصُّوفي نجدهُ يتغنّى بالتَّزكية بالنَّفس وكبحِ الشَّهوات، وكذلك الأمر بالنِّسبةِ للشِّعر العربي والأدب الشَّعبيّ المتخم بالحكم والاتزان بين العقل والقلب.

فالأدب جسر عبور إلى محطّةِ الرُّوح وغسل النَّفس من براثنِ المادَّة وأوساخها.

الكاتب بين المادة والرّوح

يمكن للكاتب أنْ يطهّرَ الرُّوح وينقِّيها لو استطاع أن يضعَ قلمَه في خضمِّ هذه المشكلة، لا أن يزيدها تعقيدًا بتمجيدِ الفرديّةِ وفوضى العبثيَّة وإرهاق الرُّوح بتساؤلاتٍ تزيدنا اضطرابًا. ومن إيمانِنا بالكلمةِ، فإنَّ النَّفس المتألِّمة تجد شفاءها بين أغلفة الكتبِ، وبين انزياحاتِ القلمِ وهو يعبِّرُ بثرثرةٍ أشبهُ بالهمسِ عن أوجاعها وقضاياها عندما يفتح لنا بوَّابة التَّفكير النَّقدي وتأمَّل تجارب الآخرين.

"الإنسان معادلةُ روحٍ وجسد" وعليها أن تبقى متوازنة من أيِّ خللٍ، فلا يجوزُ الفصلُ بينهما. الرُّوح زائلة والجسدُ فانٍ، وكلاهما يحدِّدان طبيعة الإنسان.

دور الأدب يتجلّى في تكريس الوعي ونشر الثّقافة وتهذيب النُّفوسِ، والقراءة والكتابة طقسان من طقوسِ التَّربية النَّفسية فمن خلالهما يمكن للمرء أن يغوص في أغوارِ ذاتِه ويكشف مكنونات أعماقهِ فيذهبُ بروحِهِ نحو التأمّل والتَّفكر بعيدًا عن ضجيجِ المادِّياتِ وصخب السُّلوكياتِ الغريبة.

"جلال الدّين الرومي" رمز السَّكينة الرُّوحيّة وعلمها، ولا يراها مشرقة إلا من دجى التَّعب، فلولا المشقَّة لما أشرقت شمسنا ولا أمطر الغيم فوق حقولِ يبابِ النَّفس، حتَّى أنَّنا قد نفنى في البحثِ عنها خلف مخلّفاتِ الدّهر. وينادي قائلاً:" أعطيتُ الرُّوح أُذنًا خاصّة بها لتسمعَ أمورًا لا يفهمها العقل". وانطلاقًا من هنا نرى إيمانه الرَّاسخ بقيمةِ الرُّوح وأهميَّتها، فهي عينُ وأذن العقل نقطع بهما سبلاً وعرةً لا يجيدُ القلب السَّير فيها، فإن أصغينا لزقزقتها بصمتٍ وعينين مغمضتين قادتنا نحو الخلاص، وإن تمسكّنا بما يتخبَّطه عقلُ الفرد لكنَّا نُصرَعُ في المهالكِ.

ورغم ذلك يؤكّد ضرورة ارتباط الفرد بمجتمعه، فالاضطراب والأمراض النَّفسية خُلقت من رَحمِ الوحدة، لذا على المرء أن يتمسَّكَ بيدِ صاحبِهِ في زمنٍ قلَّ فيه ترابط الأخوّة والمحبَّة.

"ذلك أنَّ الرُّوح عندما لا تكون متّصلة بالمحبة تصبحُ إلى الأبدِ مع ذاتِها عمياء وحزينة".

لندع الأدب يحملنا معه من فوضى العالم إلى سكينة الرُّوح، فهو تأشيرة الخلاص؛ يوقظنا من غفلتنا ويحثّنا بأنَّ جوهر الإنسان ليس مادياته إنَّما ذلك النُّور المنسوج في ظلمةِ داخله.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار