2025.10.13
قصاصات لاجئة
الأسير المُحرَّر \

الأسير المُحرَّر "أسامة محمد علي أشقر" (9)


تُعرف الشاعرة الفلسطينية "نهى شحادة عودة" في المجتمع الأدبي العربي باسم "ياسمينة عكَّا"، أبصرت النور في مُخيّمات اللاجئين في لبنان ذات يوم مُندسٍّ بين أعوام ثمانينيات القرن الماضي، وتعود أصولها إلى قرية شعب في قضاء عكّا بفلسطين.. هي ناشطة ومناضلة من أجل الحفاظ على الثقافة والذاكرة الفلسطينية وضمان توريثها لأجيال اللاجئين.. نشرت رواية واحدة وعددا من الدواوين الشعرية، وخصّت جريدة "الأيام نيوز" بمجموعة من القصاصات التي أودع فيها الأسرى المُحرّرون الفلسطينيون بعض ذكرياتهم في رحلة العذاب..

بعد أيام من السابع أكتوبر، بدأت الإجراءات الفعلية ضد الأسرى، فقد سخّرت إدارة سجون الاحتلال قوات مدججة بالأسلحة نفّذت هجمات على كافة أقسام السجون، انطلقوا من سجن النقب، ثم توالت الهجمات على سجون أخرى حتى وصلت إلى سجن عوفر حيث كنا.

بداية أخبرونا بأنه سيتم مصادرة جميع الأدوات الكهربائية، بعد ذلك أواني الطعام (الطناجر والملاعق والصحون وأغراض كثيرة)، وبعدها قالوا بأنه سيتم مصادرة الملابس، ثم مصادرة كل شيء لدى الأسير.

كانت القوة العسكرية تحضر إلى السجن، وتبدأ في إخراج الأسرى من غرفهم بشكل مهين، بعد أن يتم وضع القيود في أيديهم. ويتعرّض الأسرى أثناء إخراجهم إلى السبّ والشّتم والضرب والرشّ بالغاز وأحيانا السّحل على الأرض.

 ثم تقوم قوة من شرطة السجن بالدخول إلى الغرفة ويتم مصادرة كل شيء فيها. كنا نخفي الملابس الداخلية على أجسادنا، فنرتدي الكثير منها حتى نستطيع أن نهرّب بعضها من المصادرة.. وبالفعل لم يبق لدينا داخل غرف السجون أيّ شيء يُذكر، فلم ينج منهم إلا قليلٌ من الكراتين والأكياس.. وحتى ما استطعنا إخفاءه كانوا يأخذونه في التفتيش الآخر.

استطعنا إخفاء بعض الأشياء (ساعة، مذياع)، وبقي معنا بعضها لأيام أو أسابيع ثم يكتشفونها وتُصادر منّا، فأنا استطعت إخفاء مذياع إلى غاية يوم 29 كانون الثاني/ ديسمبر 2023. في هذا اليوم، أي بعد ثلاثة أشهر من السابع أكتوبر، قامت إدارة السجن بأكبر حملة، حيث فتّشوا الغرف غرفةً غرفة، وضربوا الأسرى، وعبثوا بكل ما وجدوه من أشياء وأغراض ولم تسلم حتى الصور والرسائل التي كان الأسرى قد تلقوها من ذويهم، فقاموا بإتلافها.. صُدمنا من درجة الوحشية التي تعاملت بها إدارة السجن معنا ومع أغراضنا، واعتقدنا بأن

الأمر سينقضي بعد شهر أو شهرين، لكن الأمر طال وازدادت الإجراءات تضييقًا وتوحّشًا، فطيلة أشهرٍ عديدة لم يستطع الأسرى الخروج من الغرف إلا للتفتيش فقط، وكانت حركتهم محصورة داخل الغرف. أما عن الطعام الذي كان يُقدّم إلى الأسرى خلال هذه الفترة، فهو جريمة أخرى تُضاف إلى الجرائم الأخرى ضد الأسرى في سجون الاحتلال. كنّا حوالي 11 أسيرا في الغرفة الواحدة، يقدّمون لنا صحنين صغيرين من الفاصوليا الخضراء أو البيضاء، أو الحمص، غير مطبوخين بل منقوعين في الماء الساخن فقط، وبلا ملاعق فقد جرّدونا من كل شيء.

أترك للقارئ أن يتخيّل 11 أسيرا عليهم أن يتقاسموا وجبة غداء فيها نصف صحن رز، ونصف رغيف، وربع كأس ماء، ونصف خِيار، ونصف حبّ بندورة.. وهذا ما تسبّب في حالة من الجوع الرهيب أثّرت في صحة الأسرى وخفّضت أوزانهم، وقد صار كوب الشاي أمنيةً كبرى في ظروف مأساوية أثّرت على معنويات بعض الأسرى.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار