2025.10.13
قصاصات لاجئة
الأسير المُحرَّر \

الأسير المُحرَّر "أسامة محمد علي أشقر" (13)


تُعرف الشاعرة الفلسطينية "نهى شحادة عودة" في المجتمع الأدبي العربي باسم "ياسمينة عكَّا"، أبصرت النور في مُخيّمات اللاجئين في لبنان ذات يوم مُندسٍّ بين أعوام ثمانينيات القرن الماضي، وتعود أصولها إلى قرية شعب في قضاء عكّا بفلسطين.. هي ناشطة ومناضلة من أجل الحفاظ على الثقافة والذاكرة الفلسطينية وضمان توريثها لأجيال اللاجئين.. نشرت رواية واحدة وعددا من الدواوين الشعرية، وخصّت جريدة "الأيام نيوز" بمجموعة من القصاصات التي أودع فيها الأسرى المُحرّرون الفلسطينيون بعض ذكرياتهم في رحلة العذاب..

في إحدى المرّات، اشتكى أسير مريض إلى ضابط مسؤول بأنه لا يتلقّى الدواء، وأن الممرّض لا يزوره. فماذا حدث؟ في اليوم التالي، عند الساعة السادسة صباحًا، وقت تعداد الصباح، وفي أشد أيام الشتاء، وفي أقسى درجات البرد، أُحصي عدد من الأسرى، ثم أُعيدوا إلى الغرفة. بعدها، كُبّلت أيديهم جميعًا، وأُخرجوا من الزنازين. أُخرج الأسرى بطريقة مذلّة مهينة، وسط صراخ، وضرب، وإهانات، وأُلقي بهم في الساحة، وجوههم على الأرض، بطونهم على الأرض، مكبّلين بالأيدي والأقدام. تُركوا هناك، في الساحة المفتوحة، من الساعة السادسة صباحًا حتى العاشرة صباحًا. أربع ساعات في قسوة البرد القارس، فقط لأنهم اشتكوا على الممرّض.

فوق أنه اشتكى، عُوقب لأنه اشتكى. كثير، كثير من الحالات من الضرب، والإهانات، والشتائم، والوجع... هذا لا يُعدّ ولا يُحصى. لدينا حالة وقعت أمامنا في سجن ريمون، في قسم 4، غرفة 15: الشهيد معتز أبو زنيد.

الشهيد معتز أبو زنيد كان يعاني من عدة أمراض، مع أنه قبل دخوله السجن لم يكن يشكو من أي مرض. دخل السجن إداريًّا، وأثناء وجوده فيه، بدأت حالته الصحية بالتدهور، وكان ذلك منذ بداية هذا العام، وتحديدًا بعد أكتوبر.

بدأت حالته تتراجع، وظهرت عليه أمراض متلاحقة، كان آخرها مرض يُعرف باسم "السكابيوس"، أو كما يُطلق عليه: الجرَب. أخونا معتز أبو زنيد كانت حالته صعبة جدًا. كان الأسرى يطالبون بعلاجه كل يوم. كل يوم يطلبون له الدواء. كل يوم يتحدثون مع الطبيب. كل يوم يتحدثون مع ضباط الإدارة. كل يوم يتحدثون مع الشرطة. ولا نتيجة.

بدأ جلده يتساقط أمام الأسرى، وهو داخل الزنزانة، في غرفة 15. الإدارة حضرت، شاهدت، وصوّرت. ضابط القسم حضر، شاهد، وصوّر. ومع ذلك، لم يُقدَّم له أيّ علاج.

وبعد أيام، أخرجوه وزعموا أن إخراجه من أجل "العلاج"، لكنّه استُشهد مباشرة.

الأسرى أصيبوا بحالة هستيرية. أخوهم، زميلهم، جلده يتساقط أمامهم، داخل الزنزانة، ولا يستطيعون فعل شيء. طالبوا فقط من الشرطة أن تُحضِر مكانس أو فرشات، ليزيلوا الجلد المتساقط من الأرض. هذا كان أقصى ما طلبوه. لكن لم يُقدَّم له شيء.

واستُشهد معتز أبو زنيد، دون أن يُعالج. وهناك عشرات الحالات، عشرات الأسرى الذين تعرّضوا للقتل، لـلموت البطيء، للإهمال الطبي المتعمّد، واستُشهدوا..

يتصفحون الآن
أخر الأخبار