2025.10.13
قصاصات لاجئة
الأسير المُحرَّر \

الأسير المُحرَّر "أسامة محمد علي أشقر" (8)


تُعرف الشاعرة الفلسطينية "نهى شحادة عودة" في المجتمع الأدبي العربي باسم "ياسمينة عكَّا"، أبصرت النور في مُخيّمات اللاجئين في لبنان ذات يوم مُندسٍّ بين أعوام ثمانينيات القرن الماضي، وتعود أصولها إلى قرية شعب في قضاء عكّا بفلسطين.. هي ناشطة ومناضلة من أجل الحفاظ على الثقافة والذاكرة الفلسطينية وضمان توريثها لأجيال اللاجئين.. نشرت رواية واحدة وعددا من الدواوين الشعرية، وخصّت جريدة "الأيام نيوز" بمجموعة من القصاصات التي أودع فيها الأسرى المُحرّرون الفلسطينيون بعض ذكرياتهم في رحلة العذاب..

بعد السابع من أكتوبر 2023، انقلب حال السجون رأسًا على عقب، فقد ازداد توحّش الكيان الصهيوني وأكدّ بأنه مجرد عصابة مجرمة فاشية. أما يوم السابع أكتوبر فقد اختلطت مشاعرنا، حلّقنا في السماء عاليًّا، فرحنا وطربنا ورقصنا، شعرنا أن الفلسطيني قد عاد بعد غياب طويل ليتصدر مشاهد العالم بأسره من جديد.  كان أشبه بالحلم، شعرنا أن الفلسطيني عاد لينفض عن كاهله الغبار، شعرنا بأن اسم فلسطين كتب بالذهب والدم والنار ولا يُمكن لقوى الشرّ أن تمحوه أو تعبث بوجوده في دفتر الخلود.

حينما اجتاز الفلسطينيون الحدود الوهمية المُسمّاة بـ (حدود 48)، واقتحموا المواقع العسكرية للاحتلال، وزلزلوا قلوب جنوده رغم ما بأبيدهم من أسلحة متطوّرة، حينما أثبتوا قدرةَ الفلسطيني على محاربة أعتى الجيوش توحّشًا وطغيانا، وقدّموا البرهانَ على العبقرية الفلسطينية في التخطيط والإعداد والتنفيذ، وأعلنوا لكل العالم بأن إرادة الحياة للشعب الفلسطيني أقوى من كل قوى الظلم والطغيان.

يومها اختلطت في كياننا كل مشاعر العز والفخر والبطولة، فقد كان يومًا تاريخيًّا أثّر في حياة الأسرى وفي كل الشعب الفلسطيني. ولا أستطيع توصيف شعور الأسير الفلسطيني، فكأنما أبرق الأمل بالتحرّر في أعماقه فراح يرتّب أوراقه وكأنه عائد إلى أهله قريبًا، وأصبح يخطط لليوم التالي، يوم التحرّر، لاسيما حينما ظهرت صور جنود الاحتلال المخطوفين في غزّة، كان الأمر أشبه بالخيال فلم نتوقّع يأن نصل يومًا من الأيام إلى هذه اللحظة التاريخية.

يوم السابع من أكتوبر 2023، كنت أنا والأخوة: مروان البرغوثي (أبو القسام)، أمجد يحيي، باسم الخندقجي، داخل غرفة واحدة وقلت لهم بالحرف: خلصت، خلصت.

رغم إيماننا المطلق بالنصر والحرية، إلّا أن قيود الأحكام بالسجن المؤبد كانت تحرّم علينا حتى النطق بكلمات تعبّر عن الأمل في التحرّر من الأسر والسجن.

لم نفوّت لحظة في متابعة الأخبار عبر التلفاز والراديو، لا سيما وأن إدارة السجن غابت تحت وقع الصدمة والذهول مما حدث لجنودهم، ولم يكن لها أيّ ردّة فعل خلال الأيام الأولى التي تلت السابع أكتوبر، ثم أدركنا بأنهم

كانوا يتجهّزون للمجزرة الأولى.. كانوا يعيدون ترتيب وتنظيم أنفسهم، وسرعان ما بدأت أيام العقاب والإجراءات العقابية ضد الأسرى، فقد ضيّقوا علينا الحركة، وقاموا بتسكير مرافق العمل الموجودة في السجون مثل الكانتينا والمغسلة وغرفة الطعام.. بصراحة كنا نتوقع أن يحصل ردّة فعل عقابية ضدنا، ولكن لم نتخيّل أن هذا الوحش المفترس سينهش لحومنا وعظامنا وسيصل إلى هذه الدرجة من الإجرام.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار