تُعرف الشاعرة الفلسطينية "نهى شحادة عودة" في المجتمع الأدبي العربي باسم "ياسمينة عكَّا"، أبصرت النور في مُخيّمات اللاجئين في لبنان ذات يوم مُندسٍّ بين أعوام ثمانينيات القرن الماضي، وتعود أصولها إلى قرية شعب في قضاء عكّا بفلسطين.. هي ناشطة ومناضلة من أجل الحفاظ على الثقافة والذاكرة الفلسطينية وضمان توريثها لأجيال اللاجئين.. نشرت رواية واحدة وعددا من الدواوين الشعرية، وخصّت جريدة "الأيام نيوز" بمجموعة من القصاصات التي أودع فيها الأسرى المُحرّرون الفلسطينيون بعض ذكرياتهم في رحلة العذاب..
عاد "أبو عمار" من قمة "كامب ديفيد"، التي عقدت في ولاية "ماريلاند" الأميركية (من 11 إلى 25 تموز/ جويلية 2000)، بعد محاولة لإيجاد حلّ الوضع النهائي (حدود، القدس، اللاجئين، الأمن)، غير أن القمة باءت نتيجتها بالفشل، حيث رفض الرئيس الشهيد "ياسر عرفات" تقديم تنازلات جوهرية، خاصة بشأن حق عودة اللاجئين والقدس.
إثر فشل المفاوضات والمناقشات، تراجعت آمال السلام.. ونزل القائد "أبو عمار" من طائرته حاملا سلاحَه، فكانت إشارة واضحة للمقرّبين بأنه ذاهبٌ إلى التصعيد، وهذا لم يكن في الحسبان وقتها، لكنه أبلغ إقليم حركة "فتح" بالاستعداد والجاهزية لمواجهة قوات الاحتلال، فقامت الأقاليم الفلسطينية مباشرة بإقامة دورات تدريبية للشبيبة الفتحاوية وتعليمهم حمل واستخدام السلاح.
كانت الدورات قبل اقتحام المُجرم "شارون" للمسجد الأقصى، غير أن الفدائيين الفلسطينيين كانوا مستعدّين للمواجهة تقريبا بما يتناسب مع قدراتهم العسكرية. أما الشباب، فكان جزء منهم في الأجهزة الأمنية مثل: رائد الكرمي وفراس الجبر كانا في البحرية، زياد الدعاس كان في المباحث الجنائية، ومجموعة أخرى في المخابرات.. وأنا كنت في الأمن الوقائي.
وفعليًّا، عندما انطلقت الانتفاضة الثانية كانت نتائجها وخسائرها على حساب الأجهزة الأمنية وشباب حركة "فتح"، بينما كانت الفصائل الأخرى من النسيج الفلسطيني مُتردّدة بأن تدخل في تلك المواجهات. قامت كتائب "شهداء الأقصى" بالكثير من العمليات قبل دخول الفصائل الأخرى وانخراطها في الانتفاضة.
كنّا ضمن المجموعات الأولى، وذلك بتصريح من الشهيد "أبو عمار" رحمه الله، وكان هناك توجيه مُركّز على استهداف المستوطنين ضمن حدود الـ 67 من أجل أن يكون هناك غطاء دولي حيث أننا كنا نتحرك في النطاق المسموح لنا فيه. قبل "كتائب شهداء الأقصى"، لم يكن لدينا هيكلية مُنظّمة، فكان الشباب الذين اشتغلوا في "طولكرم" وخاضوا معارك ضارية ضد قوات الاحتلال، يمتلكون شبكة علاقات قوية فيما بينهم بُحكم أنهم يعرفون بعضهم في الحياة العامة أو في السجون، في مناطق: نابلس، جنين، طولكرم، رام الله، والكثير من المناطق والبلدات الفلسطينية.. أولئك الشباب شكّلوا بدايةً مجموعات بسيطة اشتغلت وفق قدراتها وإمكانياتها، ثم طوّروا تلك المجموعات فمثلا في "طولكرم": مجموعات ثابت ثابت، وفي جنين مجموعات أخرى، وفي نابلس مجموعات بأسماء أخرى.. ثم تم تطوير الفكرة من خلال العلاقات لتنطلق "كتائب شهداء الأقصى"، وتمّ تجهيز الشِّعار وما إلى هنالك من الشؤون التنظيمية لخوض المعركة بطريقة منظمة.
أولئك الشباب كانوا يعملون في العلن، بينما أنا ورفيق دربي الذي اعتقلت معه الأخ محمد نايفة المعرف باسم: "أبو ربيعة"، والأخ منصور شريم، ومجموعة كبيرة من الشباب.. كنّا نعمل تحت شبه غطاء من السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" وتحديدا بتعليمات الرئيس الشهيد "أبو عمار".
لم يستطع الشباب الاستمرار في العمل في مقر الأمن الوقائي في "رام الله" وقد أخبرني الشهيد "رائد الكرمي" عن قراره بالذهاب إلى "طولكرم". ولما ذهب إلى هناك، التحقتُ به، وبدأت مرحلةٌ جديدة تُعتبر هي المرحلة الحقيقية في العمل التنظيمي والأهداف والعمليات وذلك تحديدا في بداية عام 2001، وتم تنفيذ عددٍ من العمليات ضد المستوطنين والجنود "الإسرائيليين". وظلت العمليات تتطوّر إلى بداية اجتياح الصهيوني لـ "طولكرم" في شهر مارس 2002.
أصبتُ في اجتياح "طولكرم" بخمس رصاصات أثناء محاصرتنا في مخيم "طولكرم" وذلك في سبعة آذار/ مارس 2002، حيث استمر الحصار لمدة خمسة أيام، وتمكّنا بعدها أن نخرج من المخيم. وقد تلقّيت العلاج الأولي في مستشفى "طولكرم"، ومن بعدها تابعت العلاج في دارٍ بعيدة.. ثم في عدة أماكن متفرقة حتى شُفيت تماما.
استشهد البطل "رائد الكرمي"، وبدأت مرحلةٌ جديدةٌ في مسيرتي النضالية هي التي حاكمني عنها الاحتلال "الإسرائيلي".