2025.07.17
حديث الساعة
احتياطات ضخمة وجاهزية تصدير عالية.. الجزائر تقود واقع الطاقة في المتوسط

احتياطات ضخمة وجاهزية تصدير عالية.. الجزائر تقود واقع الطاقة في المتوسط


رغم الضجيج الإعلامي الكبير حول اكتشافات الغاز في شرق المتوسط، تكشف دراسة حديثة لوحدة أبحاث الطاقة في واشنطن أن الجزائر ما زالت تحتفظ بموقع متقدم وثابت في سوق الطاقة الإقليمي. مشاريع شرق المتوسط تواجه تحديات جيوسياسية معقدة وبنية تحتية ناقصة، بينما تمتلك الجزائر احتياطيات مؤكدة ضخمة، وبنية تصدير متطورة، وعلاقات دبلوماسية مستقرة مع شركاء دوليين، ما يعزز دورها المحوري والمستدام في أمن الطاقة الأوروبي والعالمي. هذه الفجوة الواضحة بين الطموحات في شرق المتوسط والجاهزية الفعلية للجزائر تؤكد أن الأخيرة لاعب رئيسي لا يمكن تجاهله أو الاستهانة به في سوق الغاز العالمي المتقلب.

تشير وحدة أبحاث الطاقة، في تقريرها الأخير المعنون: "اكتشافات غاز شرق المتوسط لا تضاهي احتياطيات الجزائر.. أرقام ضخمة وميزة تنافسية"، إلى أن موارد شرق المتوسط، على الرغم من حجمها الظاهري، لا تزال تواجه تحديات على مستوى التأكيد، الإنتاج، والتصدير.

وفقًا للدراسة، تُقدّر الموارد القابلة للاستخراج في شرق المتوسط بحوالي 80 تريليون قدم مكعبة، بينما تشير تقديرات منتدى غاز شرق المتوسط إلى احتمال وجود 300 تريليون قدم مكعبة غير مكتشفة. أبرز الحقول تشمل:

حقل ظهر (مصر): 23 تريليون قدم مكعبة (تقديرات حديثة تُخفض الرقم إلى 10). وحقل ليفياثان (إسرائيل): 23 تريليون قدم مكعبة. والمربعات 6 و10 (قبرص): 20 تريليون قدم مكعبة. والركن الجنوبي للمنطقة الاقتصادية اللبنانية: حوالي 25 تريليون قدم مكعبة.

لكن هذه الموارد تواجه عراقيل عديدة، أهمها التوترات الجيوسياسية بين دول المنطقة، وتعثر مشاريع التصدير الكبرى مثل خط أنابيب "إيست ميد"، الذي كان سيصل الكيان الصهيوني باليونان عبر قبرص.

الجزائر.. احتياطيات مؤكدة وبنية تحتية تصديرية فعالة

بالمقابل، تُعد الجزائر من أبرز الدول المنتجة والمصدرة للغاز الطبيعي في إفريقيا والعالم، حيث تمتلك احتياطيات مؤكدة تبلغ حوالي 159 تريليون قدم مكعبة حتى نهاية عام 2024، وفقًا لوحدة أبحاث الطاقة، بالإضافة إلى احتياطيات ضخمة غير مستغلة من الغاز الصخري تقدر بأكثر من 700 تريليون قدم مكعبة، مما يجعلها ثالث أكبر دولة في العالم من حيث هذه الاحتياطيات غير المستغلة، بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

 إلا أن قوة الجزائر في قطاع الغاز الطبيعي لا تقتصر على حجم الاحتياطيات فقط، بل تتمثل أيضًا في بنيتها التحتية المتطورة التي تسمح بتصدير الغاز بسرعة وأمان، حيث تضم الجزائر خطوط أنابيب رئيسية مثل خط أنابيب ترانسميد الذي يمر عبر تونس إلى إيطاليا، وخط أنابيب ميدغاز الذي يصل مباشرة إلى إسبانيا، إلى جانب محطات إسالة حديثة تقع في مدينتي سكيكدة وأرزيو، مما يعزز من قدرتها على إنتاج وتصدير الغاز المسال بكفاءة عالية.

وحسب تقرير الربع الأول من عام 2025 الصادر عن وحدة أبحاث الطاقة، بلغت صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي المسال حوالي 2.24 مليون طن خلال أول ثلاثة أشهر من العام، من إجمالي 11.62 مليون طن تم تصديرها طوال عام 2024، ما يضع الجزائر كثاني أكبر مصدر للغاز المسال في القارة الإفريقية بعد نيجيريا.

وتلعب الجزائر دورًا مهمًا في تغطية احتياجات السوق الأوروبية، حيث ساهمت بنحو 6.84 مليون طن من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز المسال خلال عام 2024، مما يعكس أهميتها الاستراتيجية كمصدر موثوق للطاقة في ظل التحديات العالمية المتزايدة.

هذه العوامل مجتمعة تجعل من الجزائر لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة العالمي، مع إمكانيات مستقبلية واعدة بفضل احتياطياتها الضخمة وبنيتها التحتية الفعالة التي تضمن استمرارية تدفق الغاز إلى الأسواق الدولية.

الجغرافيا السياسية.. نقطة قوة جزائرية في بحر مضطرب

الجغرافيا السياسية تمثل نقطة قوة استراتيجية كبيرة للجزائر في ظل بحر متقلب من الأزمات والتوترات في منطقة شرق المتوسط. بينما تشهد هذه المنطقة تحديات جيوسياسية معقدة ومتشابكة، مثل النزاع التركي-اليوناني الذي يؤجج التوترات حول حقوق التنقيب في البحر، بالإضافة إلى احتلال فلسطين الذي يؤثر على الاستقرار الإقليمي، والأزمة اللبنانية التي تزيد من تعقيد المشهد السياسي، تتميز الجزائر باستقرار سياسي نسبي قوي. هذا الاستقرار الداخلي يعزز ثقة الشركاء الأوروبيين والدوليين في الجزائر، ويجعلها لاعباً موثوقاً به في ملف الأمن الطاقوي والاستقرار الاقتصادي بالمنطقة.

وقد ساعد هذا الاستقرار على ضمان استمرار الإمدادات الطاقوية، حتى في أوقات الأزمات الكبرى مثل الأزمة الطاقوية التي شهدتها أوروبا عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا. إذ شهدت أوروبا مخاوف كبيرة من الاعتماد على مصادر طاقة تقع في مناطق جيوسياسية محفوفة بالمخاطر، ما دفعها للبحث عن بدائل أكثر استقرارًا وأمانًا، ومن هنا برزت الجزائر كنموذج يتمتع بالثقة والموثوقية. فالجزائر توفر إمدادات مستمرة من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، مما يعزز دورها كمورد استراتيجي في الوقت الذي تتذبذب فيه إمدادات الطاقة العالمية.

وعلى عكس مشاريع شرق المتوسط التي تحتاج إلى توافقات إقليمية معقدة، لتأمين خطوط أنابيب الغاز أو تمرير شحنات الطاقة عبر دول أخرى مثل مصر، تتميز الجزائر بنموذج متكامل تمتلك فيه سيادتها الكاملة على مواردها وبنيتها التحتية، ما يجعلها جاهزة للاستجابة لأي تغيرات أو تحديات إقليمية. هذا النموذج يجعل الجزائر مركزًا مهمًا في السياسة الطاقوية الإقليمية والدولية، ويمنحها نفوذاً كبيراً في العلاقات الجغرافية السياسية المعاصرة.

تحديات التحول الأوروبي واستراتيجية الجزائر المستقبلية

يواجه كل منتجي الغاز –بمن فيهم الجزائر– تحديًا متزايدًا يتمثل في التحول الأوروبي نحو الحياد الكربوني بحلول 2050. وقد يحد ذلك من توقيع عقود طويلة الأجل، ما يدفع الدول المصدرة لتحديث قدراتها والتوجه نحو الغاز المسال القابل للتسويق السريع والمرن.

ولمواجهة هذه التغيرات، كشفت سوناطراك عن خطة استثمارية كبرى بقيمة 40 مليار دولار خلال 2023-2027، منها جزء كبير مخصص لتطوير البنية التحتية في قطاع الغاز، وزيادة قدرات التسييل والتخزين.

وفي ظل تحول الطلب العالمي نحو الغاز الطبيعي المسال، تُعد الجزائر مؤهلة للاستفادة بفضل قدرتها على التصدير إلى أسواق متعددة، بعيدًا عن اعتماد أحادي على أوروبا.

توضح البيانات التي أوردتها وحدة أبحاث الطاقة، إلى جانب المصادر الجزائرية الرسمية، أن الجزائر تحتل موقع الصدارة في سوق الغاز، ليس فقط من حيث الكم، بل من حيث الجاهزية، الاستقرار، والقدرة على الوفاء بالتزاماتها الدولية.

أما شرق المتوسط، فرغم ثرواته الواعدة، لا يزال حبيس المعضلات الجيوسياسية وضعف البنية التحتية، ما يجعل الحديث عن "بديل استراتيجي" للغاز الروسي في هذه المرحلة ضربًا من المبالغة، كما خلصت دراسة معهد بيكر للسياسات العامة، المشار إليها في تقرير وحدة أبحاث الطاقة.

وفي زمن أصبحت فيه الثقة والاستقرار عنصرين نادرين في معادلة الطاقة، تواصل الجزائر تأكيد مكانتها كشريك موثوق وطرف لا غنى عنه في أمن الطاقة العالمي.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار