2025.07.17
حديث الساعة
واشنطن بنسختها الترامبية تُربك بروكسل.. وحدة الغرب على المحك!

واشنطن بنسختها الترامبية تُربك بروكسل.. وحدة الغرب على المحك!


بين مطرقة موسكو وسندان واشنطن الجديد، تجد أوروبا نفسها عالقة في مشهد دولي متشظٍ، حيث تواصل بروكسل ولندن قرع طبول العقوبات ضد روسيا، بينما يعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الطرف المقابل للمشهد بخطاب يوحي بالاعتدال، وكأنه ينهض من رماد السجالات الماضية، حاملاً رسائل تصالحية تُهدّد بتقويض جبهة خصوم موسكو. هذا التباين في الخطاب والسياسات لا يعكس خلافًا عابرًا، بل يكشف عن تصدّع حقيقي في جدار الغرب الذي بدا موحدًا في وقتٍ ما، وقد لا يظل كذلك في المستقبل.

في لحظة محورية من الصراع الدولي الدائر حول الحرب في أوكرانيا، تتكشف بوادر تباين متزايد في مواقف الدول الغربية تجاه روسيا، خصوصاً بين حلفاء واشنطن الأوروبيين، وبين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي عاد ليباغت القادة الأوروبيين بمواقف أقل عدوانية تجاه موسكو. فقد توالت العقوبات الأوروبية والبريطانية ضد الكيانات الروسية بوتيرة متسارعة، بينما أبدى ترامب نزعة تصالحية أثارت استغراب بعض القادة الأوروبيين، ما يطرح علامات استفهام جدّية حول وحدة الغرب في هذه المرحلة الحرجة.

وبالفعل، صادق وزراء خارجية الدول الأعضاء على الحزمة السابعة عشرة من العقوبات المفروضة على روسيا. وقد استهدفت هذه الحزمة الجديدة 17 شخصية و58 كياناً قانونياً، من بينهم مسؤولون بارزون في مؤسسات ثقافية وصناعية. ومن أبرز الأسماء التي شملتها العقوبات، يلينا موروزوفا، المديرة العامة لمتحف "خيرسينوس تافريتشسكي"، وسيرغي كوغوغين، رئيس شركة "كازماز"، بالإضافة إلى أليكسي فيازنيكوف، المدير العام لمعهد "إلكترون".

أما على مستوى الكيانات الاقتصادية، فقد ركّزت العقوبات الأوروبية على شركات عاملة في قطاعات استراتيجية تتعلق بالتكنولوجيا والنقل البحري والطيران والطاقة والتعدين. ومن بين الشركات المستهدفة، تبرز "ستان" القابضة التابعة لمجموعة "روستيخ"، إلى جانب شركة "فولغا للشحن البحري"، وشركة تصنيع الطائرات المسيّرة "الأمير فاندال نوفغورودسكي"، فضلاً عن شركة "أطلس مايننغ" المختصة في استخراج الذهب. ويؤكد هذا الاستهداف أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى تجفيف المنابع الحيوية للاقتصاد الروسي، من خلال إضعاف قدراته الصناعية والتكنولوجية، وحرمانه من مصادر التمويل الأساسية التي يعتمد عليها في تمويل الحرب.

وتأتي هذه العقوبات الجديدة عقب اجتماع مشترك لوزراء خارجية ودفاع الاتحاد الأوروبي، ناقش خلاله المجتمعون ضرورة تعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا، وهو ما يعكس تناغماً متزايداً بين الجهد الدبلوماسي الأوروبي والعمليات الميدانية لدعم كييف. هذا التنسيق المتصاعد بين الجبهتين العسكرية والسياسية يُظهر رغبة أوروبية واضحة في تسريع الضغط على روسيا، أملاً في تقليص قدرتها على الاستمرار في الحرب.

عقوبات بريطانية أكثر صرامة واتساعاً

بالتوازي مع الموقف الأوروبي، أعلنت الحكومة البريطانية عن توسيع نوعي وكمي لعقوباتها المفروضة على روسيا، عبر إضافة أكثر من مئة هدف جديد إلى القائمة السوداء. وقد شملت هذه القائمة الموسعة أكثر من 80 شخصية وكياناً، بالإضافة إلى 18 سفينة يُعتقد أنها تشكل جزءاً من ما يُعرف بـ"أسطول الظل" الذي تستخدمه موسكو للالتفاف على العقوبات المفروضة من قبل الغرب. وتوزعت الأهداف على قطاعات حيوية تشمل الدفاع والطاقة والمالية، إلى جانب كيانات تتهمها لندن بلعب أدوار مؤثرة في "الحرب الإعلامية الروسية".

وضمن الأسماء والجهات التي طالتها هذه العقوبات، تبرز شركة "إم تي-سيستيمز" المتخصصة في توزيع المكونات الإلكترونية، إلى جانب مؤسسات مصرفية مثل "في تي بي ريغستراتور" و"في تي بي سبيتسديبوزيتاري"، بالإضافة إلى بورصة سان بطرسبورغ للعملات ووكالة تأمين الودائع الروسية. وتعكس هذه الحزمة التوجه البريطاني نحو استهداف الأدوات المالية التي تشكل عصب الاقتصاد الروسي، لا سيما ما يتعلق منها بتداول العملات وعائدات الطاقة، وذلك ضمن استراتيجية تهدف إلى إنهاك القدرات الاقتصادية لموسكو.

محادثة ترامب-بوتين تربك العواصم الأوروبية

وفي الوقت الذي تتكثف فيه الضغوط الغربية على روسيا، جاءت محادثة هاتفية مطولة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتقلب المعادلة وتثير قلقاً واسعاً في أوساط صناع القرار الأوروبي. فترامب، المعروف بموقفه المتحفظ تجاه سياسة العقوبات، وصف المحادثة بأنها "ممتازة"، ودعا إلى ضرورة الدخول في مفاوضات عاجلة لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وهو ما اعتُبر تحولاً لافتاً في الموقف الأمريكي المحتمل.

بوتين، من جانبه، أشاد بالمحادثة واعتبرها "صريحة وبنّاءة"، مؤكداً أن بلاده لا ترفض الحوار، بل تدعو إلى معالجة الأسباب الجوهرية التي قادت إلى الأزمة الأوكرانية. وأوضح المتحدث باسم الكرملين أن ترامب أبدى رغبة حقيقية في إيجاد تسوية سياسية، وهو ما فُهم على أنه استعداد أمريكي محتمل لتخفيف الضغط، في حال عاد ترامب إلى سدة الحكم.

هذا التغيير في اللهجة أثار صدمة لدى العديد من القادة الأوروبيين الذين تواصلوا لاحقاً مع ترامب، حيث نقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" أن عدة قادة عبّروا عن دهشتهم من نبرة ترامب التصالحية، ورفضه الصريح لفكرة فرض عقوبات إضافية على روسيا. وقد ظهر هذا التباين بوضوح خلال محادثاته مع زعماء دوليين بارزين، من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وزعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.

خطر تفكك الموقف الغربي الموحد

الاختلاف المتنامي بين الموقف التصعيدي لأوروبا، والتوجه البراغماتي الذي يميل إليه ترامب، قد لا يُعتبر مجرد تباين ظرفي في السياسات، بل مؤشراً على تصدع عميق في البنية الغربية التي بدت متماسكة نسبياً في مراحل سابقة من الحرب. وبينما تواصل إدارة الرئيس جو بايدن السير في نهج العقوبات بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين، فإن عودة ترامب إلى الواجهة كمرشح رئاسي قوي قد تعيد تشكيل أولويات السياسة الأمريكية تجاه روسيا.

ترامب، الذي لطالما أبدى ميلاً لإعادة النظر في التحالفات التقليدية، قد يفضّل المضي في تسويات منفردة تقوم على مبدأ "الصفقة" بدلاً من التصعيد الجماعي. وقد أشار إلى هذا النهج يوري أوشاكوف، أحد كبار مساعدي الرئيس بوتين، حين صرّح بأن ترامب لا يدعم سياسة العقوبات، بل يفضل مقاربة تفاوضية تستند إلى تحقيق المصالح المتبادلة.

انعكاسات محتملة على الحرب وعلى كييف

في حال استمرت أوروبا في تشديد العقوبات، بينما اعتمدت الولايات المتحدة نهجاً أكثر ليونة في ظل عودة محتملة لترامب، فإن وحدة الموقف الغربي ستكون موضع اختبار حقيقي. هذا التفاوت قد تستغله موسكو لتعزيز موقعها التفاوضي، خاصة أن العقوبات الغربية لم تنجح حتى الآن في وقف الحرب أو كسر شوكة الاقتصاد الروسي بشكل حاسم.

أما أوكرانيا، فقد تجد نفسها أمام مشهد جديد يتسم بتراجع الدعم الأمريكي لصالح نهج التهدئة، في وقت تزداد فيه وطأة الحرب على الأرض. ومع تمسك أوروبا بموقفها المتشدد، فإن انفصال الولايات المتحدة عن هذا النهج سيؤدي إلى خلل استراتيجي قد يُضعف قدرة الغرب على مواصلة الضغط المتكامل ضد روسيا.

إن العقوبات لم تعد مجرّد وسيلة للضغط الاقتصادي، بل تحوّلت إلى مقياس لمتانة التحالفات الغربية ووحدة جبهتها السياسية. وبينما يواصل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا إحكام الطوق على موسكو اقتصادياً، يبرز موقف ترامب كعامل حاسم قد يعيد رسم معالم السياسة الغربية تجاه الحرب في أوكرانيا. وفي ظل هذا التداخل بين العوامل الداخلية والدولية، يبدو أن المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات، بين مزيد من التصعيد أو بداية مسار انفراجي، لكن المؤكد أن الأزمة الأوكرانية باتت محكّاً حقيقياً لاختبار صلابة التحالفات الدولية ومصداقية الرهانات الغربية.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار