2025.07.17
حديث الساعة
مكالمة هاتفية تقرّب أوكرانيا من نهاية الحرب.. خط أحمر يرسم ملامح نظام جديد

مكالمة هاتفية تقرّب أوكرانيا من نهاية الحرب.. خط أحمر يرسم ملامح نظام جديد


في منعطف حاسم من الصراع الروسي الأوكراني، جاءت المحادثة الهاتفية المطولة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب لتكسر حالة الجمود وتفتح الباب أمام احتمالات جديدة للتسوية. المحادثة، التي استغرقت أكثر من ساعتين، لاقت ترحيباً مشروطاً من الأمم المتحدة وأثارت موجة من الترقب في الأوساط الدبلوماسية، باعتبارها تطوراً غير مسبوق منذ أشهر في مشهد دولي اتسم بالجمود والمواقف المتصلبة.

في تطور دبلوماسي لافت يحمل مؤشرات على تغيّر محتمل في مسار الأزمة الأوكرانية، وصف كلٌّ من بوتين وترامب مكالمتهما الأخيرة بأنها كانت "ذات مغزى"، و"صريحة"، و"مفيدة للغاية". وبحسب التصريحات الرسمية الصادرة عن الجانبين، فإن المكالمة لم تكن مجرّد تبادل روتيني لوجهات النظر، بل جسدت بداية فعلية لمبادرة متكاملة ترمي إلى إعادة بعث مسار السلام، الذي عرف جموداً منذ انهيار مفاوضات إسطنبول.

أكد الطرفان خلال المكالمة على ضرورة عاجلة لاستئناف الحوار المباشر بين موسكو وكييف، مع التركيز على أهمية التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار كخطوة أولى نحو وقف دائم للعمليات العسكرية، وإرساء أسس تفاهم مستقبلي قد يُفضي إلى معاهدة سلام. هذه المبادرة، التي وُصفت بأنها ثمرة توافق نادر في خضم تصعيد خطير، أعادت إلى الأذهان البدايات الأولى للمساعي الدبلوماسية التي أُجهضت بعد تعثر قنوات الوساطة التركية.

وفي أعقاب الاتصال، صرّح ترامب قائلاً: "روسيا وأوكرانيا ستشرعان فوراً في مفاوضات لبحث إمكانية وقف إطلاق النار، والأهم من ذلك هو إنهاء الحرب بصورة شاملة". ولم يكتف الرئيس الأمريكي بهذا الإعلان، بل باشر فوراً بنقل تفاصيل المبادرة إلى عدد من القادة الأوروبيين المؤثرين، في محاولة لحشد دعم غربي لها. وشملت هذه الاتصالات كلاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، والمستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس، والرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب.

رمزية دينية ومحاولة لإنعاش الدور الأوروبي

وفي بُعد رمزي مهم، أعربت دولة الفاتيكان عن استعدادها لاستضافة المحادثات بين الطرفين، في مبادرة تنطوي على بعد روحي وإنساني يعكس عمق الرغبة في تجاوز منطق السلاح والدماء نحو أفق قيمي يسعى لترميم العلاقات الدولية الممزقة. ويُعد هذا الموقف بمثابة تذكير بأدوار الفاتيكان التاريخية في الوساطة بين الدول، خاصة في لحظات الانقسام الحاد والتوتر المتصاعد.

من جانبه، أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن إمكانية وقف إطلاق النار تظل قائمة، ولكنها رهينة بالتوصل إلى "اتفاقات ذات طابع شامل" تضمن المصالح الحيوية لروسيا. وفي هذا السياق، جدد بوتين استعداد موسكو للانخراط في صياغة مذكرة تفاهم تمهيداً لمعاهدة سلام مستقبلية، تستند إلى مبادئ واضحة تتناول أسباب النزاع والضمانات الأمنية اللازمة.

ومع ذلك، لم يُخفِ الزعيم الروسي قناعته بأن الحلول المؤقتة لن تكفي لإنهاء الأزمة. فقد شدّد على أن "القضاء على الأسباب الجذرية للصراع هو الأساس لأي سلام حقيقي"، في إشارة إلى المخاوف الروسية المتكررة من تمدد حلف الناتو نحو الشرق، والتدخل الغربي المكثف في فضاء روسيا الجيوسياسي، خصوصاً في أوكرانيا التي يعتبرها الكرملين جزءاً من حزامه الأمني التاريخي.

ويبدو أن بوتين يراهن على أن عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض قد تُحدث تحوّلاً في طريقة تعاطي واشنطن مع الملف، على خلاف الإدارة الحالية التي تعتمد نهجاً أكثر تشدداً. ووفقاً لما صرح به المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، فإن ترامب أبدى خلال الاتصال "تفهماً أكبر" للهواجس الروسية، وظهر أكثر ميلاً إلى تبني مقاربة براغماتية تركّز على مصالح بلاده، دون تبنٍ كلي للرؤية الأوكرانية – الغربية.

دبلوماسية الظل تعود إلى الواجهة

ولعل ما يضفي مصداقية أكبر على هذه المبادرة هو إعلان الكرملين عن وجود قناة اتصال آمنة بين موسكو وواشنطن، تُعرف باسم "الخط الأحمر"، الذي صُمم خصيصاً لتبادل الرسائل الحساسة في اللحظات الحرجة، يشكل دليلاً على استمرار التنسيق بين القوتين العظميين، حتى في ظل التوترات الحادة والاتهامات المتبادلة.

وصرّح بيسكوف بأن "ترامب يتابع بشكل فعلي تطورات الأزمة الأوكرانية، ويتفاعل مع تطوراتها بروح مختلفة عن تلك التي سادت في عهد إدارة بايدن"، مضيفاً أن بعض القادة الأوروبيين يحاولون ممارسة ضغوط عليه لتبني مواقف أكثر تشدداً تجاه موسكو، دون أن ينجحوا في ذلك حتى الآن.

في جانب آخر من الاتصال، طرح ترامب تصوراً متقدماً لمرحلة ما بعد النزاع، إذ دعا إلى تحويل الدمار الناتج عن الحرب إلى فرصة اقتصادية ضخمة، من خلال الانخراط في مشاريع إعادة الإعمار وتعزيز التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وروسيا، وكذلك بين أوكرانيا والغرب. وقال: "ثمة إمكانية هائلة أمام روسيا لخلق فرص عمل ضخمة وتحقيق ثروات، في حين يمكن لأوكرانيا أن تكون شريكاً اقتصادياً قوياً في مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية".

هذا التصور يعكس رؤية أوسع لدى ترامب لمفهوم السلام، حيث لا تقتصر التسوية على وقف إطلاق النار أو تحقيق المكاسب العسكرية، بل تمتد لتشمل آفاق التكامل الاقتصادي كضامن حقيقي لاستقرار طويل الأمد، يقوم على المصالح المتبادلة بدلاً من الاستقطاب والعداء.

الموقف الأوروبي.. الحذر والجمود في وجه مبادرة جديدة

على الرغم من محاولة ترامب إشراك القادة الأوروبيين في تفاصيل مبادرته منذ اللحظات الأولى، إلا أن المواقف الصادرة من العواصم الأوروبية لم تعكس حماسة تُوازي حجم الطموح الأمريكي الروسي. لا يزال الموقف الأوروبي، في مجمله، محكوماً بمرجعيات أخلاقية ومبدئية ترى في أي اتفاق لا يفضي إلى انسحاب روسي كامل من الأراضي الأوكرانية نوعاً من "شرعنة العدوان".

وقد كشفت الأزمة، مجدداً، عن محدودية النفوذ الأوروبي في الملفات الاستراتيجية الكبرى، لا سيما عندما تتصدر واشنطن وموسكو المشهد الدبلوماسي المباشر، في ظل ضعف أداء المؤسسات متعددة الأطراف كالأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وربما يشكل دخول الفاتيكان على خط الوساطة محاولة لإنقاذ ماء وجه أوروبا الرمزية، عبر تفعيل دور غير سياسي لا يصطدم بالحساسيات القائمة.

هذه المبادرة، تضع العالم أمام مفترق حاسم. فإما أن تتطور إلى عملية تفاوضية شاملة تعيد رسم ملامح النظام الأمني الأوروبي، أو تعود الأزمة إلى مربعها الدموي الأول، وسط انقسام حاد بين منطق الحوار ومنطق التصعيد. وفي حال تحققت انفراجة جدية، فقد تمثّل هذه اللحظة نقطة انعطاف تاريخية، تعيد إلى الدبلوماسية دورها كأداة فعالة لتسوية النزاعات الكبرى، وتفتح الباب أمام جيل جديد من التفاهمات الدولية، تكون أكثر واقعية، وأقل ارتهاناً للاعتبارات الإيديولوجية والمصالح الضيقة.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار