2025.07.17
سياسة
هكذا تعاقب واشنطن غزة المعاقبة

هكذا تعاقب واشنطن غزة المعاقبة


في خطوة وُصفت بأنها تحمل بصمات العقاب الجماعي أكثر مما تعكس مراجعة بيروقراطية، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية وقف جميع تأشيرات الزيارة للقادمين من قطاع غزة، بما فيها تلك المخصصة للحالات الطبية والإنسانية. القرار جاء تحت غطاء “مراجعة شاملة ودقيقة”، لكنه بدا في توقيته استجابة مباشرة لحملة ضجيج قادتها الناشطة اليمينية المتطرفة لورا لومر، التي زعمت على منصات التواصل أن “لاجئين” فلسطينيين دخلوا الولايات المتحدة هذا الشهر.

خلال ساعات، تبنى بعض النواب الجمهوريين هذه الادعاءات وحولوها إلى قضية أمن قومي، لترد الخارجية بقرار يقطع شريانًا إنسانيًا نادرًا في وقت يعيش فيه القطاع واحدة من أسوأ الكوارث الصحية في تاريخه.

الواقع أن ما جُمّد لم يكن تأشيرات سياحة أو أعمال، بل في معظمها تصاريح قصيرة الأجل تتيح لمصابين وأطفال مرضى تلقي العلاج في مستشفيات أميركية. فمنذ بداية العام، أصدرت واشنطن أكثر من 3800 تأشيرة من فئتي B1 وB2 لحاملي وثائق سفر فلسطينية، بينها مئات لأغراض طبية وإنسانية.

واللافت أن منظمة HEAL Palestine كانت قد نجحت قبل أسابيع فقط في تنظيم أكبر عملية إجلاء طبية من غزة نحو الولايات المتحدة، نقلت فيها 148 شخصًا بينهم 63 طفلًا لتلقي علاج منقذ للحياة.

لكن هذه القناة الإنسانية أُغلقت فجأة بقرار سياسي لا يحدد سقفًا زمنيًا ولا يقدّم ضمانات بالاستثناء.

ردود الفعل جاءت غاضبة من المؤسسات الحقوقية والإغاثية،مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية اعتبر الخطوة دليلاً إضافيًا على “القسوة المتعمدة” لنهج إدارة ترامب، فيما قالت منظمات إنسانية إن القرار سيحرم آلاف المرضى والجرحى من العلاج، في وقت تؤكد فيه منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 14 ألف مريض في غزة بحاجة عاجلة إلى إخلاء طبي.

 لكن على الضفة الأخرى، رقصت بعض الأصوات اليمينية على وتر “الأمن القومي”، متجاهلة أن المستهدفين هم في الأساس أطفال محروقون أو مرضى أورام، لا “مهاجرين غير شرعيين” أو “خلايا نائمة”.

هكذا، يتحول ملف التأشيرات من أداة إنسانية إلى ورقة سياسية. فبدل أن تُحصَر المراجعة في التدقيق الفني، اختارت واشنطن تعليقًا شاملًا يساوي بين مريض على سرير الإنعاش وبين تهديد مزعوم على منصة افتراضية. القرار يفضح هشاشة السياسة حين تنقاد خلف خطاب غوغائي بدل أن تستند إلى معايير القانون والإنسانية.

 والنتيجة أن أبواب المستشفيات الأميركية تُغلق في وجه أطفال من غزة يحتاجون إلى عمليات عاجلة، فقط لأن تغريدة أثارت فزع بعض المشرّعين.

إنه مشهد يلخّص مأساة السياسة الأميركية في التعاطي مع غزة؛ مراجعة تُسوَّق كإجراء إداري، لكنها تُمارَس كسلاح ضغط، وتترك خلفها ضحايا حقيقيين بلا بديل. ويبقى السؤال معلقًا: كيف لقوة عظمى تدّعي حماية القيم الإنسانية أن تبرّر حرمان أطفال جرحى من حق العلاج بذريعة الأمن القومي؟ الجواب يتبدى في سياسة تنحاز دومًا إلى القوة المحتلة على حساب الضحايا، فتتحول من إدارة للعلاقات الدولية إلى إدارة للأحقاد، ومن لغة المصالح إلى منطق العقاب الجماعي الذي يخدم بقاء الاحتلال ويطيل عمر مأساته.

 

يتصفحون الآن
أخر الأخبار