2025.07.17
حديث الساعة
من المختبر إلى الحقيبة.. شمس الجزائر في خدمة المواطن

من المختبر إلى الحقيبة.. شمس الجزائر في خدمة المواطن


لم يكن استقبال وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، محمد عرقاب، للباحث الجزائري عبد الرحمان عبان، مبتكر "الحقيبة الشمسية"، مجرد بروتوكول عادٍ بقدر ما كان فرصة لتسليط الضوء على ابتكار محلي يطرح حلولًا عملية ومباشرة في مجال الطاقات النظيفة. هذا اللقاء يعكس كيف يمكن للأفكار الفردية أن تدخل ضمن النقاش الوطني حول الانتقال الطاقوي، حتى وإن كانت في شكل مبادرات صغيرة بحجم حقيبة.

يتمثل الابتكار في حقيبة ذكية مزودة بألواح شمسية صغيرة، قادرة على توليد الكهرباء الكافية لشحن الهواتف والأجهزة الإلكترونية وتلبية بعض الحاجيات اليومية، خصوصًا في المناطق النائية حيث يصبح الوصول إلى الكهرباء تحديًا يوميًا. هذه الحقيبة لا تقدم مجرد خدمة تقنية، بل تحمل معها فكرة جديدة عن علاقة المواطن بالطاقة، حيث لم يعد إنتاج الكهرباء حكرًا على محطات ضخمة أو شركات كبرى، بل صار بإمكان الفرد أن يحمل مصدرًا نظيفًا ومستدامًا للطاقة بين يديه.

ورغم بساطة الفكرة في مظهرها الأول، إلا أنها تفتح الباب أمام تصور مغاير لمستقبل الطاقة في الجزائر: تصور يقوم على حلول لامركزية، متنقلة، وقريبة من حياة المواطن. فبدل انتظار ربط قرى نائية بالشبكة الوطنية، أو الاعتماد الكلي على المولدات التقليدية الملوثة والمكلفة، يمكن لحقيبة واحدة أن توفر بديلاً عمليًا ومستدامًا. هذا التحول من المركزية إلى اللامركزية في إنتاج الطاقة يمثل أحد أبرز ملامح الانتقال الطاقوي الذي يشهده العالم اليوم.

اللافت أن هذا الابتكار لم يبق محصورًا في قاعات البحث العلمي ولا في سجلات براءات الاختراع، بل وجد طريقه إلى النقاش على أعلى مستوى من وزارة الطاقة. استقبال الوزير محمد عرقاب للباحث عبد الرحمان عبان يعكس أن الابتكار الفردي يمكن أن يجد موقعه ضمن الرؤية الوطنية، وأن الحلول الصغيرة باتت جزءًا من التفكير في مستقبل الطاقة، جنبًا إلى جنب مع المشاريع الكبرى والاستراتيجيات طويلة المدى.

بهذا المعنى، لا يمكن النظر إلى الحقيبة الشمسية كاختراع تقني فحسب، بل كإشارة رمزية على أن الانتقال الطاقوي ليس حكرًا على الحكومات والمؤسسات العملاقة، بل هو أيضًا نتاج لمبادرات مبتكرة قابلة للتجسيد الميداني، إنها نموذج على أن الإبداع المحلي قادر على إنتاج حلول ملموسة تتفاعل مع واقع الناس، وتلبي حاجاتهم اليومية، وتفتح أفقًا جديدًا أمام فكرة الطاقة كمورد في متناول الجميع.

الطاقة في متناول اليد

الحقيبة الشمسية تقدم نموذجًا عمليًا على كيفية تحويل الطاقة الشمسية من مجرد خيار استراتيجي بعيد المدى إلى أداة يومية ملموسة تخدم الأفراد في حياتهم العادية، فهي تسمح للطالب الجامعي، على سبيل المثال، بأن يشحن حاسوبه أو هاتفه أينما كان دون الاضطرار للبحث عن مقبس كهربائي، كما تمنح للمسافر أو السائح إمكانية الاعتماد على مصدر نظيف ومستقل للطاقة خلال تنقلاته، أما في المناطق الجبلية أو الصحراوية البعيدة عن الشبكة الوطنية، فإنها تتحول إلى وسيلة أساسية لضمان حد أدنى من الاستقلالية الطاقوية.

بهذا المعنى، لا يمكن النظر إلى الحقيبة الشمسية فقط كوسيلة تقنية لشحن الأجهزة، بل كأداة تحررية تمنح الفرد مرونة في التعامل مع الطاقة، وتكسر التبعية المطلقة للشبكات المركزية، إنها تجسد جوهر الطاقات المتجددة: تمكين المواطن العادي من الوصول إلى الكهرباء بطريقة مستدامة، آمنة، وبكلفة معقولة. ومن هنا تبرز قيمتها الرمزية؛ فهي تجعل من الطاقة موردًا متاحًا للجميع، في المدينة كما في القرية، وفي الحاضر كما في المستقبل.

من المخابر إلى الحياة اليومية.. رسالة إلى الشباب المبدع

إدراج هذا الابتكار ضمن لقاء رسمي مع وزير القطاع يفتح نافذة أمل واسعة أمام الباحثين الشباب في الجزائر، ويبعث برسالة مفادها أن الجهد العلمي الفردي قادر على أن يجد موقعًا في النقاش العمومي والرسمي متى أثبت جدواه. فالحقيبة الشمسية لا تمثل مجرد فكرة تقنية، بل مثالًا حيًا على أن الابتكارات المحلية قادرة على الخروج من حدود الجامعة والمخابر، والتحول إلى أدوات عملية تلبي حاجات المجتمع.

هذا الاعتراف الرسمي، حتى وإن كان رمزيًا في البداية، يساهم في كسر الصورة النمطية التي تحاصر الكثير من الباحثين، والتي تجعلهم يعتقدون أن عملهم سيظل حبيس الأدراج. وبدل أن يبقى البحث العلمي مجرد إنتاج نظري معزول، يمكن لمثل هذه المبادرات أن تؤكد إمكانية ربط الأفكار بالتطبيقات العملية، وأن تدفع الشباب إلى التفكير في مشاريع ذات أثر مباشر على الحياة اليومية للمواطن.

كما أن هذا الأفق يتجاوز البعد الفردي، إذ يفتح النقاش حول أهمية خلق منظومة وطنية حاضنة للابتكار، قادرة على تحويل الجهود البحثية المتفرقة إلى مسار منظم يربط الجامعة بالمؤسسة، والفكرة بالسوق. في هذا السياق، تصبح الحقيبة الشمسية أكثر من مجرد منتج؛ إنها إشارة إلى أن طريق الانتقال الطاقوي في الجزائر يمر حتمًا عبر تشجيع عقول شابة تملك القدرة على تقديم حلول مبتكرة، واقعية، وملتصقة بالواقع المحلي.

"الحقيبة الشمسية" قد لا تغيّر خريطة الإنتاج الطاقوي في الجزائر بين ليلة وضحاها، لكنها تمثل خطوة رمزية وعملية في آن واحد. فهي تذكّر بأن مسار الانتقال الطاقوي لا يقاس فقط بحجم المحطات أو بمليارات الدولارات المستثمرة، بل أيضًا بالقدرة على تحويل الأفكار البسيطة إلى حلول ملموسة تخدم المواطن مباشرة.

استقبال وزير الطاقة لهذا الابتكار يكشف إدراكًا متزايدًا بأن المستقبل الطاقوي للجزائر لن يُبنى فقط بالمشاريع العملاقة، بل أيضًا بالأفكار الذكية، القريبة من الناس، والتي تترجم التكنولوجيا إلى خدمات يومية. فالمبادرات الصغيرة، مثل الحقيبة الشمسية، تؤكد أن الابتكار المحلي قادر على فتح مسارات جديدة أمام الاستقلالية الطاقوية، وعلى جعل المواطن جزءًا من الحل بدل أن يبقى مجرد متلقي للخدمة.

والأهم أن هذه المبادرة تحمل رسالة أوسع: أن الانتقال الطاقوي ليس شعارًا مؤسساتيًا فحسب، بل هو ثقافة جديدة يجب أن تتجذر في تفاصيل الحياة اليومية، من القرى النائية إلى المدن الكبرى. فحين يستطيع الفرد أن يحمل طاقته معه في حقيبة، فإن مفهوم الطاقة نفسه يتغير، ويتحول من خدمة مركزية إلى مورد شخصي متجدد، ومن عبء اقتصادي إلى فرصة للابتكار.

بهذا المعنى، تصبح الحقيبة الشمسية أكثر من مجرد ابتكار تقني؛ إنها دعوة لإعادة التفكير في علاقتنا بالشمس، وفي كيفية جعلها شريكًا أساسيًا في التنمية المستدامة. ولعلها تفتح الطريق أمام جيل جديد من الحلول التي تجعل الانتقال الطاقوي عملية تراكمية تبدأ من التفاصيل الصغيرة، وتبني تدريجيًا صورة أوسع لمستقبل نظيف وآمن.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار