في الوقت الذي تحذّر فيه الأمم المتحدة من كارثة إنسانية وشيكة في قطاع غزة، خرجت عشرات المدن المغربية في مظاهرات شعبية حاشدة، أمس الجمعة، لتجديد رفضها القاطع للتطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي يواصل ارتكاب جرائم الإبادة والتجويع بحق سكان القطاع المحاصر منذ أشهر.
فقد شهدت مدن مغربية عديدة، منها أغادير، وطنجة، والدار البيضاء، ومراكش، وفاس، والحسيمة، والقنيطرة، وجدة، ومكناس، وبني ملال، وغيرها، وقفات احتجاجية عقب صلاة الجمعة، استجابة لدعوة أطلقتها كل من "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين"، و"الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة".
وفي العاصمة الرباط، احتشدت الجماهير أمام مقر البرلمان في ساحة البريد، مرددين شعارات منددة بالعدوان الصهيوني على غزة والضفة الغربية، ومعبرين عن غضبهم من استمرار العلاقات الرسمية بين المغرب و"الكيان الصهيوني"، الذي وصفوه بـ"القاتل والمجرم والمُطبّع مع الجريمة".
وقال محمد الرياحي الإدريسي، الكاتب العام للهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، إن 58 مدينة مغربية أعلنت مشاركتها في هذه الاحتجاجات، التي نظمت عبر 95 مظاهرة ووقفة تضامنية، جدد خلالها المشاركون مطالبتهم بـ"الإسقاط الفوري للتطبيع"، و"طرد الصهاينة من المغرب"، والتعبير عن التضامن الكامل مع الشعب الفلسطيني في معركته من أجل التحرر والكرامة.
كما شدد المتحدث على أن هذه التعبئة الشعبية تأتي في وقت يواصل فيه الاحتلال الصهيوني عدوانه، ليس فقط على غزة، بل على سوريا أيضًا، داعيًا الدولة المغربية إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا وحزمًا ضد الجرائم المتواصلة بحق الشعوب العربية.
غزة تموت جوعًا... والأمم المتحدة تطلق نداء استغاثة
في سياق متصل، أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، اليوم السبت، تحذيرًا شديد اللهجة بشأن الأوضاع الكارثية في قطاع غزة، مؤكدًا أن الحرمان الجماعي من الغذاء بات "يتحول إلى أمر طبيعي"، في ظل تفشي كبير لسوء التغذية، والجوع الحاد، وانعدام الأمن الغذائي، خصوصًا بين النساء والأطفال.
وأشار المكتب في بيانه إلى أن سلطات الاحتلال الصهيوني أصدرت أمرًا جديدًا للنزوح القسري في أجزاء من شمال القطاع، ما يعني مزيدًا من المعاناة للأهالي، الذين باتوا يعانون من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء، وسط انهيار كامل للخدمات الصحية.
وأورد التقرير أن هناك تقارير مقلقة للغاية واردة من مستشفيات القطاع، تؤكد تسجيل حالات عديدة من سوء التغذية الحاد بين الأطفال والبالغين، في ظل عجز المنشآت الصحية عن توفير العلاج، نتيجة الافتقار التام للموارد والوقود.
وفي هذا السياق، أكد المكتب أن أزمة الطاقة ما تزال تتفاقم رغم استئناف واردات الوقود المحدودة جدًا، حيث تسبب نفاد الوقود في توقف عمليات جمع النفايات الصلبة خلال اليومين الماضيين، إلى جانب إغلاق مزيد من آبار المياه، لاسيما في منطقة دير البلح.
وأشار البيان إلى أن خدمات حيوية كغسيل الكلى قد تم تقليصها أو إغلاقها بالكامل، ومن المتوقع أن يتم إيقاف خدمات أخرى بسبب العجز التام في الوقود، مع توجيه ما تبقى منه نحو تشغيل بعض المرافق الأساسية في مجالات الصحة، والمياه، والاتصالات، والنقل الإنساني.
ورغم هذه الظروف الصعبة، لا تزال حركة المساعدات الإنسانية داخل غزة مقيدة بشدة، حيث تم السماح فقط لـ7 من أصل 13 محاولة لتنسيق مرور عمال الإغاثة والإمدادات عبر نقاط الاحتلال، ما يعكس حجم التضييق المقصود على تدفق المساعدات.
وفي شهادة مباشرة من موظفي الأمم المتحدة في الميدان، أكد العاملون في المجال الإنساني أن الواقع اليومي في غزة أصبح يجسّد مأساة مركبة من الأعمال العدائية المتواصلة، الوفيات التي كان من الممكن منعها، والنقص الحاد في الوقود، والنزوح، في مشهد وصفوه بأنه "تطبيع للموت البطيء الجماعي".
مجاعة تلوح في الأفق.. وصمت دولي مخزٍ
وأوضحت منظمات إنسانية دولية، بينها برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية، أن نقص الغذاء في غزة بلغ مستويات غير مسبوقة، بسبب الإغلاق الكامل لجميع المعابر الذي يفرضه الاحتلال الصهيوني منذ أشهر، مما جعل مشهد المجاعة ليس مجرد خطر محتمل، بل واقعًا يوميًا مريرًا يعيشه سكان القطاع دون أدنى استجابة فعالة من المجتمع الدولي.