2025.07.17
حديث الساعة
رمال الصحراء الغربية.. ذاكرة جماعية من الدماء والأطراف المبتورة

رمال الصحراء الغربية.. ذاكرة جماعية من الدماء والأطراف المبتورة


تحت رمال الصحراء الغربية، يرقد نحو عشرة ملايين لغم، تنتظر الخطوة الخاطئة لتقضي على حياة المدنيين، ومع ذلك يواصل الاحتلال المغربي إطلاق الأكاذيب مُدّعيا نزع تلك الألغام، بينما الواقع يصنع مأساة حقيقية على طول ما يعرف بـ"جدار العار"، الذي أقامته سلطات المخزن لتقسيم الشعب الصحراوي ومنعه من العودة إلى أرضه. فهذه الألغام ليست أرقاما على الورق، بل أقدارا مُعلّقة يوميا فوق رؤوس الأبرياء، وهو يؤكد خلاصة تقرير حول "الألغام في الصحراء الغربية" أن الأرقام المغربية مجرد دعاية بلا تحقق ميداني مستقل، ويطالب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالوقوف على الأرض لكشف الحقيقة المرعبة التي تخفيها البيانات الرسمية المزيفة.

أكد المكتب الصحراوي لتنسيق الأعمال المتعلقة بالألغام (سماكو) أن تصريحات الاحتلال المغربي والأرقام التي يسوقها حول تدمير الألغام في الصحراء الغربية المحتلة لا تعكس الواقع، بل تشكل جزءا من الدعاية السياسية والتضليل الإعلامي. ودعا المكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المستقلة للقيام بالتحقق الميداني من أي عمليات مزعومة لنزع الألغام في الإقليم المحتل، مستندا إلى الواقع الصحراوي الصادم حيث تنتشر ملايين الألغام التي تعرض المدنيين لخطر دائم، ويظل من المستحيل إخفاء هذه المأساة باستخدام الأرقام المزيفة أو الصور المسروقة التي يروج لها الاحتلال.

وفي تقريره بعنوان "من الدعاية إلى التضليل: حقيقة مزاعم المغرب في ملف الألغام بالصحراء الغربية"، أشار "سماكو" إلى الكم الهائل من المغالطات التي تروجها الرواية المغربية حول عمليات تدمير الألغام، مؤكدا ضرورة توعية الرأي العام الصحراوي والدولي وكشف التناقضات الواضحة في هذه المزاعم. وأوضح التقرير أن الاحتلال المغربي عاجز عن تقديم الوثائق اللازمة أو تمكين الجهات المستقلة من التحقق الميداني، كما تتعارض تصريحاته مع أبسط قواعد المنطق الحسابي والتقني في مجال مكافحة الألغام.

يزعم المغرب أنه دمر نحو 97 ألف لغم حتى عام 2019، ثم أعلن عن تدمير 135 لغما إضافيا فقط بين 2019 و2023، ما دفع المختصين إلى رفض هذه الأرقام باعتبارها لا تعكس واقع العمليات الميدانية، وتقتصر على قفزات رقمية غير منطقية تهدف إلى خداع الرأي العام وإيهامه بأن الوضع تحت السيطرة. وتتعارض هذه الأرقام مع شهادات المتطوعين والصحافيين الذين زاروا الصحراء الغربية، إذ سجلت المصادر المستقلة وجود نحو عشرة ملايين لغم مضاد للأفراد والدبابات، موزعة على طول ما يعرف بـ"جدار العار"، الذي أقامه المغرب في الثمانينيات لتقسيم الشعب الصحراوي ومنعه من العودة إلى أرضه.

تشير التقارير الميدانية إلى أن هذه الألغام تشمل 72 نوعا مختلفا من 14 بلدا، ما يجعل الصحراء الغربية ثالث أكثر المناطق تلوثا بالألغام بعد لاووس وأفغانستان. يضع هذا الواقع المدنيين أمام مواجهة يومية مع الموت، ويجعل العمل الإنساني في المنطقة شديد الخطورة. تؤكد شهادات المتطوعين، مثل الشابة الصحراوية زوينوهة شيخ علي، المخاطر العاطفية والتاريخية المرتبطة بهذه المهمة، فهي تطوعت لإزالة الألغام بعد أن أصيب والدها في عام 1985 وبترت أطرافه، لتواصل مواجهة مخاطر الموت يوميا دفاعا عن المدنيين، وقد بدأت مهمتها رغم وجود رضيع لديها، مؤكدة أن الالتزام بهذه المهمة ينبع من الواجب الوطني والتاريخ العائلي.

يشير تقرير "سماكو" إلى أن المغرب يمنع الجهات الدولية المستقلة من مراقبة عملياته، ويحتفظ بالخرائط والمخططات التي تساعد في نزع الألغام، ما يحرم المجتمعات الصحراوية والهيئات الإنسانية من المعلومات الضرورية لحماية الأرواح. كما يوضح المكتب أن الصور القليلة التي ينشرها الاحتلال في المنتديات الدولية، مثل كتيب أوسلو 2019، تتضمن صورا مسروقة أو مزيفة، بما في ذلك صور لجنود صهاينة في تدريبات عسكرية، ما يعكس غياب الشفافية ووجود نية للتلاعب الإعلامي.

على النقيض من ذلك، اتبعت جبهة البوليساريو خطوات غير مسبوقة على صعيد الالتزام بالاتفاقيات الدولية، فهي تمنع استخدام الألغام المضادة للأفراد، تلتزم بالنصوص الدولية، تتعاون مع الحملة الدولية لحظر الألغام، وتدمر علنا مخزونها من الألغام المضادة للأفراد الذي بلغ 20.493 لغما، بجهود وإمكانيات جيش التحرير الشعبي الصحراوي وبحضور مراقبين دوليين. تؤكد هذه الخطوات أن الالتزام الصحراوي بحماية المدنيين والحد من المآسي الإنسانية يمثل ممارسة عملية مستمرة وليس شعارات فقط، حتى في ظل ظروف الحرب.

مع تصاعد الصراع منذ استئناف الحرب في 2020 بين جبهة البوليساريو والمغرب، ازدادت خطورة الوضع، إذ استخدم الجيش المغربي طائرات بدون طيار قتالية زوده بها الكيان الصهيوني، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 127 مدنيا صحراويا في الأراضي المحررة منذ ذلك التاريخ. وقد أوقفت العديد من المنظمات غير الحكومية نشاطها في نزع الألغام خوفا على حياة فرقها، ما يوضح حجم الخطر اليومي الذي تواجهه هذه المهمة الإنسانية.

تبرز شهادة المتطوعة زوينوهة شيخ علي المأساة الإنسانية بوضوح، فهي انطلقت في المهمة عام 2018 رغم وجود رضيع لديها، وكانت تدرك أن احتمال عودتها على قيد الحياة ضعيف، وتوضح روحها الوطنية والتاريخ العائلي الذي دفعها للمخاطرة بحياتها أن إزالة الألغام تمثل التزاما وطنيا وإنسانيا ينبع من قلب المعاناة الصحراوية اليومية، وليس مجرد عمل تقني. وأكدت أن آلاف المدنيين يعتمدون على المتطوعين في نزع الألغام، وأن أي توقف عن العمل يزيد من حجم الخطر الذي يواجه السكان.

ويشير "سماكو" إلى أن الأرقام المغربية حول تدمير الألغام تفتقر إلى ثلاثة عناصر أساسية: الأدلة البصرية، التحقق المستقل، والتماسك الحسابي. ولهذا طالب المكتب المغرب بالكشف عن جميع الخرائط والمخططات المتعلقة بحقوله المزروعة بالألغام، وتوفير الحماية والدعم للمدنيين المتضررين، وضمان حقهم في التعويض والرعاية.

يجمع الواقع بين الدعاية الرسمية المغربية والأرقام المزيّفة من جهة، وبين شهادات المتطوعين والمراقبين الدوليين من جهة أخرى، ليكشف الخطر الحقيقي الذي يواجه حياة الصحراويين. فبينما يدّعي الاحتلال إزالة آلاف الألغام، تنتشر الملايين منها على امتداد 2700 كلم في الصحراء الغربية، ويتعرض المدنيون لخطر يومي متواصل. هذا التناقض بين الدعاية والواقع الميداني يؤكد أن الحل الإنساني يتطلب مشاركة دولية فاعلة، شفافية مطلقة، والتزاما قانونيا ملموسا من جانب سلطة الاحتلال المغربي.

وهكذا فإن مأساة الصحراء الغربية ظلت تتجسد في واقع مميت يعيشه المدنيون يوميا، حيث كل خطوة على الرمال قد تكون مصيرية، وكل تجربة ميدانية تكشف عن حجم الكارثة الحقيقية، بعيدا عن الدعاية والصور المزيفة. وفي هذا السياق، يظل الشعب الصحراوي، من خلال متطوعيه ومنظماته، الصوت الوحيد الذي يطالب العالم بالتحقق والمساءلة، مؤكدا أن حماية الأرواح وإنهاء معاناة المدنيين ليست خيارا سياسيا، بل واجب إنساني وأخلاقي لا يمكن تأجيله.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار