2025.10.13
تقارير
غزة بين نار الدمار ودخان السياسة

غزة بين نار الدمار ودخان السياسة


عيش غزة منذ عدوان 1967, تحت نيران احتلال غاشم وحصار ظالم وغير إنساني، تحوّل بعد السابع من أكتوبر 2025 إلى حرب إبادة مفتوحة في حق الأطفال والنساء، حيث يختنق القطاع تحت القصف العشوائي اليومي، وتغيب مقومات الحياة الأساسية من ماء وغذاء ودواء. وفي قراءة لهذا المشهد القاتم، يرى الباحث المصري في الشؤون الأمريكية  البروفيسور رسلان إبراهيم أن الحرب على غزة تركت آثارا عميقة تتجاوز الميدان العسكري لتطال بنية المجتمع الفلسطيني، إذ أعادت ملحمة طوفان الأقصى، وما تلاها من وحشية وهمجية صهيونية ضد سكان غزة، تشكيل وعيه الجمعي بقضيته، تماما مثلما شكّل تاريخ السابع من أكتوبر 2025، منعطفا تاريخيا في تفكير "مجتمع" الشتات اليهودي، الذي يعيش حالة صدمة نفسية جماعية أثّرت على وعيه السياسي ونظرته لمستقبل وجوده على أرض فلسطين. ويوضّح الباحث رسلان أن من المبكر تقدير حجم التحولات التي ستفرزها هذه الحرب على المديين القريب والبعيد، غير أن المؤشرات الراهنة تكشف عن أزمة دبلوماسية وشرعية خانقة تواجهها "إسرائيل" على الساحة الدولية، نتيجة حجم الدمار والضحايا في غزة، تجلّت في مظاهرات التضامن الواسعة حول العالم. كما يطرح الباحث تساؤلات حول ما إذا كان وقف الحرب قد يتيح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب توسيع اتفاقات أبراهام لتشمل دولًا عربية مثل السعودية، مشددًا على أن أي مسار من هذا النوع سيواجه برفض شعبي عربي واسع بعد ما خلفته الحرب من مآسٍ. ويؤكد أن المنطقة تشهد صراعًا متجددًا على إعادة بناء نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط بعد تراجع النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان وفلسطين، وهو ما سيجعل من نتائج هذه الحرب عاملًا مفصليًا في رسم خريطة التوازنات المقبلة

حرب "إسرائيل" العميقة

تحتدم النقاشات حول الأبعاد الحقيقية للحرب "الإسرائيلية" على غزة، بين من يراها مواجهة عسكرية محدودة، ومن يعتبرها محاولة لإعادة صياغة المشهد الفلسطيني بأكمله.

وفي هذا السياق، يبرز تحليل الباحث رسلان إبراهيم الذي يرى أن الهدف الأعمق لـ"إسرائيل" هو عزل حماس عسكريا وسياسيا ضمن مشروع استراتيجي طويل المدى.

الباحث في الشؤون الأمريكية  البروفيسور رسلان إبراهيم

يرى الباحث رسلان إبراهيم، المختص في الشؤون الأمريكية، أن أحد الأهداف المركزية لـ"إسرائيل" في حربها الراهنة هو إنهاء حكم حماس في غزة عسكريا وسياسيا، بما يضمن إعادة رسم حدود السلطة الفلسطينية وفق التصور "الإسرائيلي" المدعوم من واشنطن.

ويوضح أن هذا المسار ليس مجرد عملية عسكرية تقليدية، بل مشروعا سياسيا طويل المدى يسعى إلى إعادة إنتاج بيئة جديدة في القطاع تتوافق مع "المصالح الأمنية الإسرائيلية".

ويضيف إبراهيم أن حكومة نتنياهو تدرك أن حسم المعركة ميدانيا لا يعني بالضرورة القضاء على حماس كفكرة أو تنظيم، ولذلك تركز "تل أبيب" على الجمع بين الاستنزاف العسكري والاحتواء السياسي عبر منع الحركة من استعادة قوتها التنظيمية، وعزلها عن أي دعم إقليمي.

ويرى أن “نتنياهو يستثمر الحرب سياسيا في الداخل "الإسرائيلي" ليعيد بناء صورته كرجل أمن قوي قادر على تحقيق ما فشلت فيه الحكومات السابقة”، خاصة أنه يواجه أزمات فساد ومحاكمات تهدد مستقبله السياسي.

ويشير الباحث إلى أن “تحقيق هذه الأهداف يتطلب ترجمة دقيقة على أرض الواقع، وهو ما يصطدم بعقبات إنسانية وأمنية، إذ إن حجم الدمار في غزة والضغط الدولي المتزايد يفرضان على "إسرائيل" مراجعة خطواتها الميدانية”. ويضيف أن “نجاح نتنياهو في عزل حماس سيمنحه دعما شعبيا داخل "إسرائيل"، لكنه في الوقت نفسه سيخلق فراغا سياسيا خطيرا في غزة، قد تملؤه قوى متشددة أو فوضى أمنية، وهو ما تخشاه الولايات المتحدة”.

الضغوط العربية ومعادلة العدالة والسلام

وفي ظل استمرار الحرب على غزة وتباين المواقف العربية منها، تتزايد التساؤلات حول طبيعة الدور العربي وحدود تأثيره في مسار الصراع. أوضح الباحث في الشؤون الأمريكية رسلان إبراهيم لـ"الأيام نيوز" أن الموقف العربي يعيش ازدواجية معقدة بين ضغط إنساني وسياسي، تعكس مأزقا عميقا في مقاربة الأزمة.

يؤكد الباحث رسلان إبراهيم أن العالم العربي يعيش حالة ازدواج في المواقف بين الضغط على حماس لإنهاء الحرب بسبب الكارثة الإنسانية، وبين الضغط الشعبي على الأنظمة العربية من أجل الدفاع عن الحقوق الفلسطينية. ويشرح أن هذه الازدواجية تعكس مأزقا عميقا في الموقف العربي بين الواقعية السياسية ومتطلبات الرأي العام.

ويضيف إبراهيم أن “الدول العربية تمارس ضغوطا غير معلنة على حماس لوقف القتال، باعتبار أن استمرار الحرب يفاقم الأزمة الإنسانية في غزة ويحرج الأنظمة أمام شعوبها، لكنها في الوقت ذاته تخشى أن يؤدي سقوط حماس إلى فراغ أمني تستفيد منه قوى متطرفة أو تتدخل فيه "إسرائيل" بشكل مباشر”.

ويشير إلى أن بعض الأنظمة العربية “تتعامل مع خطة ترامب أو التصورات الأمريكية اللاحقة من زاوية المصالح الإقليمية، معتبرة أن القبول ببعض بنودها قد يحول دون سيناريوهات أكثر خطورة مثل التهجير الجماعي أو بناء مستوطنات جديدة في القطاع”.

وفي المقابل، يرى إبراهيم أن “الشارع العربي يطالب بموقف واضح يدعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة”، موضحا أن “الأنظمة العربية تواجه صعوبة في التوفيق بين هذه المطالب والالتزامات الدولية التي ترتبط بها أمنيا واقتصاديا”.

ويضيف الباحث أن “السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق في المنطقة من دون عدالة. فالعدالة هي الأساس لأي أمن مستدام، وأي تسوية لا تضمن الحقوق الفلسطينية ستبقى هشة وعرضة للانفجار”.

ويختتم إبراهيم تصريحه بالقول إن “العبرة ليست في إنهاء الحرب فقط، بل في كيفية تحويل هذا التوقف إلى عملية سياسية متوازنة تفتح أفقا جديدا للسلام القائم على العدالة وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، بعيدا عن منطق القوة والهيمنة”.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار