2025.10.13
تقارير
بورتسودان في السودان.. رسائل السياسة وحسابات النفط

بورتسودان في السودان.. رسائل السياسة وحسابات النفط


تعيش الساحة السودانية تحولات ميدانية متسارعة ترجّح كفة القوات المسلحة بعد سلسلة من الانتكاسات القاسية التي منيت بها مليشيات الدعم السريع في مناطق عدة، ما أعاد تشكيل موازين القوة داخل البلاد وفرض واقعًا جديدًا على الأطراف الإقليمية، وفي مقدمتها جنوب السودان، التي تجد نفسها أمام ضرورة إعادة حساباتها السياسية والعسكرية في ظل المتغيرات المتلاحقة.

وفي هذا السياق، يؤكد المحلل الإعلامي السوداني يس عمر حسن عمر أن جوبا تتابع بقلق الانهيارات المتتالية التي طالت قوات الدعم السريع، خاصة في جبل موية، المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية التي تربط ولايات الجزيرة والنيل الأبيض وسنار والقضارف والنيل الأزرق. كما أشار إلى أن المليشيا تكبدت خسائر كبيرة في مدينة ود مدني، ما اضطر قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى إطلاق تصريحات واهية لمواساة فلول قواته المنهارة في إقليم الوسط.

المحلل الإعلامي السوداني يس عمر حسن عمر مع الفريق الأول ياسر العطا  وعضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان 

وأضاف المتحدث يس عمر حسن عمر أن الانهيارات لم تتوقف عند هذا الحد، إذ طُردت المليشيا من تخوم ولاية نهر النيل ومصفاة الجيلي التي كانت تتخذها قاعدة عسكرية مكتملة، قبل أن تُمنى بهزيمة أخرى في منطقة الصالحة جنوب الخرطوم رغم امتلاكها أكثر من 700 مركبة قتالية، إلى جانب معارك الخوي وبارا في إقليم كردفان التي كشفت حجم الضعف الميداني في صفوف التمرد.

 هذه التطورات العسكرية دفعت جوبا إلى مراجعة حساباتها، خصوصًا مع تزايد كلفة الارتباط بالدعم السريع وتراجع جدواه، مقابل الحاجة الملحة للحفاظ على استقرارها الداخلي ومصالحها الاقتصادية في ملف النفط والتجارة الحدودية. ويؤكد أن "بضاعة الدعم السريع باتت مزجاة وضررها أكثر من نفعها، ما يستوجب على جنوب السودان الخروج من حالة الحياد الزائف وإعادة تموضعها الإقليمي بعقلانية واقعية".

 زيارة بورتسودان… بين رسائل الدبلوماسية وحسابات النفط

تأتي زيارة وزير خارجية جنوب السودان إلى بورتسودان في توقيت بالغ الحساسية، حيث تحاول جوبا ترميم علاقتها مع الخرطوم بعد شهور من الارتباك السياسي والغموض في مواقفها من الحرب الدائرة. الزيارة حملت رسالة خطية من الرئيس سلفاكير ميارديت إلى رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، تتحدث عن "تعزيز العلاقات" والتعاون المشترك، غير أن خلفياتها تتجاوز المجاملات الدبلوماسية إلى حسابات اقتصادية وأمنية دقيقة.

ويشير المحلل الإعلامي السوداني يس عمر حسن للأيام نيوز إلى أن هذه الزيارة ليست حدثًا معزولًا، بل تأتي امتدادًا للقاء سابق جمع وزيري خارجية البلدين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، حيث جرى الاتفاق على تنشيط التعاون الاقتصادي وزيادة إنتاج النفط وفتح المعابر الحدودية. ويوضح أن "ما يدفع جوبا اليوم إلى تسريع خطواتها نحو الخرطوم هو الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها، وحاجتها الماسة إلى تدفق العائدات النفطية والدولارات لإنعاش اقتصادها المترنح".

كما يرى يس أن الجنوب يسعى عبر هذا التقارب إلى ضمان استقرار خطوط نقل النفط التي تمر عبر الأراضي السودانية، خصوصًا بعد تزايد الهجمات والانفلات الأمني في مناطق العبور. لكنه في المقابل يحذر من أن استمرار جوبا في اللعب على الحبلين — بين الخرطوم وأبوظبي — قد يفقدها ثقة الشمال ويعرض مصالحها الحيوية للخطر.

ويختتم المحلل تصريحه بالقول:

 "زيارة وزير الخارجية إلى بورتسودان هي محاولة لإعادة التوازن، لكنها ستفقد معناها إن لم تُترجم إلى مواقف واضحة تدعم وحدة السودان واستقراره، بعيدًا عن ازدواجية المعايير والرهانات الخاطئة على مليشيا تتهاوى ميدانيًا وسياسيًا".

يتصفحون الآن
أخر الأخبار