2025.10.13
تقارير
الجزائر وتونس.. دفاع مشترك في زمن التحولات الإقليمية

الجزائر وتونس.. دفاع مشترك في زمن التحولات الإقليمية


في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة المغاربية، جاءت زيارة وزير الدفاع التونسي، خالد السهيلي، إلى الجزائر لتشكّل حدثًا استثنائيًا يتجاوز الطابع البروتوكولي إلى عمق الرهان الاستراتيجي.

ففي لحظة إقليمية مشحونة بالتوترات من الساحل إلى المتوسط، التقت إرادتان سياديتان على هدف واحد: بناء جبهة مغاربية متماسكة قادرة على مواجهة التحديات الأمنية والسياسية، بعيدًا عن تأثيرات المحاور الإقليمية والتجاذبات الدولية.

اللقاء الذي جمع الوزير التونسي بالرئيس عبد المجيد تبون والفريق أول السعيد شنقريحة حمل رسائل متعددة الاتجاهات، أبرزها أن الجزائر وتونس اختارتا التنسيق لا التباعد، والتكامل لا التبعية. ومع توقيع الاتفاق الحكومي في مجال الدفاع، بدا واضحًا أن البلدين يمضيان نحو مأسسة شراكة استراتيجية تعيد رسم ملامح الأمن الإقليمي، وتؤسس لمرحلة جديدة من العمل المغاربي المشترك عنوانها: الثقة والسيادة والمصير الواحد.

وفي قراءة معمّقة لهذه الزيارة وما رافقها من دلالات سياسية وأمنية، قدّم عدد من الخبراء والأكاديميين لـ"الأيام نيوز" رؤى تحليلية تؤكد أن الجزائر وتونس بصدد بناء محور مغاربي فاعل، يقوم على الواقعية والتنسيق الميداني والتكامل في مواجهة التحديات العابرة للحدود.

وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي التونسي الطاهر طرابلسي أن تصريحات الفريق أول السعيد شنقريحة عبّرت بوضوح عن رؤية جزائرية متبصّرة تسعى إلى بناء محور مغاربي مستقل القرار، يعيد التوازن إلى المعادلة الإقليمية عبر مقاربة دفاعية منبثقة من الواقع الجغرافي والمصالح المشتركة، لا من الإملاءات الدولية.

المحلل السياسي التونسي الطاهر طرابلسي

ويشير طرابلسي إلى أن الجزائر تنطلق من قناعة راسخة بأن أمنها القومي يرتبط عضويًا باستقرار جيرانها، وخاصة تونس التي تمثل عمقها الاستراتيجي، في وقت تواجه فيه المنطقة ضغوطًا اقتصادية وتهديدات أمنية متنامية.

ويضيف أن الرسائل السياسية المصاحبة للزيارة حملت مؤشرات قوية على وجود إرادة فعلية لبناء منظومة دفاعية مغاربية متكاملة، قادرة على مواجهة الإرهاب وضبط الحدود وتعزيز الاستقرار في الساحل والمتوسط.

فالتاريخ المشترك والنضال المتقاسم بين الشعبين يشكّلان قاعدة صلبة لتأسيس شراكة جديدة تتجاوز العلاقات الثنائية نحو تعاون إقليمي مؤسسي يستند إلى الثقة والمصالح المتبادلة.

ويخلص طرابلسي إلى أن ما تحقق خلال هذه الزيارة يمثل نقلة نوعية في مسار العلاقات الجزائرية–التونسية، ويؤسس لمرحلة جديدة من التكامل السياسي والعسكري تجعل من البلدين أنموذجًا مغاربيًا يحتذى به في بناء فضاء قائم على الأمن والسيادة والاحترام المتبادل

البعد المغاربي للزيارة… قراءة تونسية في سياق التحديات الإقليمية

يرى المحلل السياسي التونسي باسل ترجمان أن الزيارة ولقاء الوزير التونسي بكل من الرئيس عبد المجيد تبون والفريق أول السعيد شنقريحة تمثل حدثًا لافتًا في توقيته ودلالاته، يعكس عمق العلاقات التاريخية بين الجيشين الجزائري والتونسي منذ أيام حرب التحرير الوطني.

المحلل السياسي التونسي باسل ترجمان

ويؤكد ترجمان أن الاستقبال المهيب الذي حظي به الوفد التونسي يترجم متانة العلاقات الثنائية ويجسد مستوى الثقة والتفاهم السياسي بين قيادتي البلدين، في ظل التحديات الأمنية المتصاعدة التي تشهدها المنطقة المغاربية.

ويضيف أن توقيع الاتفاق الحكومي في مجال الدفاع يحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز التعاون الثنائي، إذ يضع أسس تنسيق مغاربي متكامل لمواجهة التهديدات العابرة للحدود، لا سيما الإرهاب وشبكات التهريب والهجرة غير النظامية.

كما يشير إلى أن اللقاءات المكثفة بين الجانبين تعبّر عن رغبة مشتركة في رفع مستوى التنسيق العملياتي بما يتناسب مع طبيعة التحديات الإقليمية، ويعزز قدرة البلدين على حماية حدودهما ومجالهما الحيوي من أي اختراقات خارجية.

ويرى ترجمان أن الزيارة جاءت في لحظة فارقة تشهد تراجع أدوار القوى التقليدية في الساحل الإفريقي وصعود تهديدات جديدة، ما يجعل التعاون الجزائري–التونسي ركيزة أساسية لبناء منظومة أمنية مغاربية فاعلة، تدافع عن مصالح شعوب المنطقة وتضمن استقلال قرارها السيادي.

كما يؤكد أن الحفاوة التي قوبل بها الوفد التونسي تعبّر عن انسجام تام في الرؤى والمواقف تجاه القضايا الإقليمية والدولية، من ليبيا إلى الساحل والبحر الأبيض المتوسط، وتكرّس الجزائر كفاعل محوري في معادلة الأمن المغاربي.

ويختتم ترجمان بالقول إن الزيارة تمثل تحولًا نوعيًا في منطق العلاقات المغاربية، إذ تجاوزت الشعارات إلى فعل ميداني ملموس قائم على الثقة والتعاون، مؤكدًا أن الجزائر وتونس تضعان اليوم أسس تحالف دفاعي متوازن يعيد تعريف مفهوم الأمن الجماعي في المنطقة.

شراكة أمنية برؤية استراتيجية مشتركة

أوضحت الأستاذة نعيمة خلايفية من جامعة الجزائر لـ"الأيام نيوز" أن الزيارة تعبّر عن عمق العلاقات التاريخية التي تجمع البلدين منذ ما قبل الاستعمار، حين كانت الحدود المشتركة فضاءً واحدًا للتواصل والتضامن الشعبي، وصولًا إلى مرحلة الثورة الجزائرية التي مثّلت فيها تونس سندا سياسيا ودبلوماسيا ولوجستيا حاسما.

وترى خلايفية أن التنسيق الأمني بين الجزائر وتونس أصبح اليوم ضرورة إستراتيجية تمليها التحديات المشتركة، مثل الإرهاب والجريمة المنظمة والتطرف والهجرة غير النظامية، ما يستدعي تطوير آليات التعاون الميداني وتكريس دبلوماسية وقائية تقوم على الحوار والاحترام المتبادل.

الأستاذة نعيمة خلايفية _كلية الحقوق والعلوم السياسية _الجزائر

وتضيف أن مواقف البلدين في السياسة الخارجية تعكس انسجاما واضحا يقوم على رفض التدخلات الأجنبية وتغليب الحلول السلمية للأزمات الإقليمية في ليبيا ومنطقة الساحل. وتشير إلى أن الجزائر، بحكم مكانتها الإقليمية ودورها المحوري في شمال إفريقيا، تمثّل ضمانة أمنية لتونس التي تُعدّ بدورها عمقا استراتيجيا لأمن الجزائر، ما يكرّس مفهوم الأمن الجماعي المغاربي القائم على الترابط والمصير المشترك.

كما تعتبر أن الاتفاق الحكومي الأخير في مجال الدفاع خطوة نحو مأسسة التعاون الدفاعي من خلال التدريب المشترك وتأمين الحدود وتبادل المعلومات الاستخباراتية، مؤكدة أنه رسالة إقليمية واضحة تعكس تماسك المحور الجزائري–التونسي في مواجهة التقلبات الخارجية.

من جانبه، يرى الباحث  البروفيسور  نور الدين شعباني أن الاتفاق يشكل امتدادا طبيعيا لمسار التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين، إذ يفرض الموقع الجغرافي والحدود المشتركة والمنظور الجيوإستراتيجي تكاملا أمنيا حتميا بين الجزائر وتونس.

الباحث البروفيسور نور الدين شعباني _الجزائر

ويؤكد أن التحديات الإقليمية – من الإرهاب وتهريب المخدرات إلى الفوضى في ليبيا والهجرة غير الشرعية – تجعل مصير البلدين متشابكا إلى حدّ كبير، مشيرا إلى أن "البلدين الشقيقين كالجسد الواحد، إذا تأذّى طرف تأثر الآخر"، ما يستدعي توحيد الجهود الأمنية والعسكرية ضمن رؤية مشتركة.

ويضيف أن الاتفاق الجديد يفتح آفاقا عملية لتجسيد وحدة المغرب العربي على أرض الواقع، عبر مبادرات ميدانية حقيقية تؤسس لتعاون إقليمي متين، مؤكدا أن الأمن هو الركيزة الأساسية للتنمية المستدامة، وأن الجزائر وتونس بفضل هذا التنسيق تعززان مكانتهما في الفضاءين المغاربي والإفريقي.

ومن جهته يؤكد  الباحث الأستاذ صهيب خزار

الباحث الأستاذ صهيب خزار_الجزائر

أن الجزائر أدركت مبكرا أن أمنها القومي لا يمكن فصله عن استقرار جيرانها، وخاصة تونس، التي تمثل بالنسبة لها عمقا استراتيجيا لا غنى عنه في حماية المنطقة المغاربية من التهديدات المتصاعدة. ويرى أن التجربة التاريخية بين البلدين أثبتت أن التنسيق بين الجزائر وتونس ليس خيارا دبلوماسيا عابرا، بل ضرورة إستراتيجية تفرضها وحدة المصير وتشابك التحديات، سواء ما تعلق بالإرهاب أو شبكات التهريب أو محاولات اختراق الحدود من قبل التنظيمات العابرة للحدود.

ويضيف خزار أن الاتفاق الدفاعي الأخير بين البلدين يجسد هذه القناعة المشتركة، إذ لا يقتصر على تبادل الخبرات العسكرية أو التعاون التقني، بل يهدف إلى ترسيخ أنموذج للتكامل المغاربي الواقعي، يقوم على الثقة المتبادلة والسيادة المشتركة، ويضع أسس مقاربة أمنية جماعية تراعي الخصوصيات الوطنية وتستند إلى المصالح الإقليمية.

ويشير إلى أن الجزائر، بما تمتلكه من قدرات أمنية ومكانة دبلوماسية، تسعى إلى أن يكون هذا التنسيق مع تونس نواة لتعاون أوسع يشمل بقية دول الجوار المغاربي، بما يعزز مفهوم الأمن الجماعي المغاربي القائم على التضامن والتكامل.

ويختتم الأستاذ خزار بأن زيارة وزير الدفاع التونسي إلى الجزائر تمثل تجسيدا عمليا لإرادة البلدين في الانتقال من التنسيق إلى الشراكة الاستراتيجية، ولبناء فضاء مغاربي آمن ومستقرّ، قاعدته الثقة المتبادلة، وهدفه حماية السيادة الوطنية، وترسيخ الاستقرار في شمال إفريقيا.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار