2025.10.13
فسيفساء
لم يكن حبًّا!

لم يكن حبًّا!


كنتُ أسيرُ في طريق الحياة أطوي أيّامي بعناية، أرتّبُ ذكرياتي، ولكن دائمًا ما كانت تَستوقفني تلك اللّحظات الخاطفة، تُرى أَتُعيدنا تلك اللّحظات يومًا ما لنتعرّف إلى أنفسنا من جديد؟

قبل أيّام، كنتُ أنظر في عينيه اللّامعتين، أنظر بتأمّل عميق يشدّني إليهما حتّى أنسلخ من عالمي لأحلّق في عالم الخوف، عينان تحتضنانني برفق، عينان توقّف عندهما الزّمن...

تُرى لماذا كان يحتضنني بعينيه، يَسرح في تفاصيل وجهي بابتسامة حنونة، تُرى هل كان يدري أنّه سيفارقني؟

نظرات حنونة كانت تستوقفني، كانت تدفعني لأغمس عينيّ بدموعي من دون أن أدري، لكنّني كنتُ أشعرُ أنّه لا يريد أن يفارقني، وكانت الصّدمة!

جدران البيت تصدّعت، وأنا، أتلمّسها برفق لعلّي أجد ما يسدّ ظمئي، ذكريات تفوح في أزقّة الزّمن، وعنفوان المكان أبى أن يخون تلك اللّحظات...

صوتٌ يرنّ في قلبي، ضحكات تتلاشى في السّماء، وأزهار يَبست في حضن أبي.

ودّعته، نعم ودّعته، وأنا في صراع مع الواقع، تلك هي الحقيقة التي نهرب منها، وتلاحقنا في كلّ لحظة، ودّعته وفي حنجرتي اختناق، وبين شفتيّ دمعة تجمّدت عند آخر لقاء...

ودّعته وأنا على يقين بالله، أنّه لا يكلّف نفسًا إلّا وسعها، ودّعته وأنا أحاول أن أستكمل مسيري الذي لطالما افتخر به أبي! لكن...

ودّعته، وارتشفتُ عصارة ذكرياتي، وهمستُ في أذن نبضي: لا تَخَف فإنّك ما زلت حيًّا في قلبي... همستُ والكلّ من حولي يُعزّيني، وأنا أبحث بين النّاس عن نبضي، وبصوت خافت أحاول إقناع نفسي: أصحيح أنّ الموت قد غيّب أبي؟

لم يكن حبًّا، فعنده تكسّرت كلّ كلمات الحبّ، وأصبحتُ في غربة حتّى مع نفسي، أبحثُ عن كلمات تصف مشاعري، ولكن...

سَجِّل، فإنّ الخريف قد يَنسى:

أنا ابنة ذلك الجبل الشّامخ الّذي رصّع حياتنا كالفسيفساء!

سجّل:

 ورقةٌ عنوانها الحياة، سقطت...

سقطت من دون أن ترتجف،

سقطت، وخطاها تضجّ في قلبي...

أبي

أتسمعني؟

ما كنتُ أدري

أنّ الفراق بهذه القساوة

ما كنتُ أدري

أنّ الصّمتَ ضجيج

والضّجيج انكسار

كيف حال الهوى

تحتَ الثّرى؟

وذرّات النّدى

تتقطّر كلّ يوم

في الخفا...

أمِنْ بعثٍ

يدغدغ الشّوقَ؟

أمِنْ بعث في رؤيةٍ ترقدُ

في حضن المدى؟

نبضي يتيمٌ

وعقاربُ الفرح

قد غَفَت...

وحده الزّمن

قد رجع

إلى أرجوحتي العتيقة

حيثُ دُميتي

قد اختفت...

ويدُ أبي

يدُ أبي

قد جفّت

بلا صَوت

  بلا خُطى...  

خطواتي ثقيلة، تكاد تخنقني، وعيون جرداء تتفقّد المكان، بلا زمان، وإذ بقلمي ينتحر تحت أجنحة الفَقْد، فلم يكن حُبّا، تُرى ماذا يكون؟

يتصفحون الآن
أخر الأخبار