في الوقت الذي شددت فيه واشنطن ضغوطها التجارية على نيودلهي بفرض رسوم إضافية وصلت إلى 25% فوق الرسوم الأساسية على السلع الهندية، أكدت موسكو استمرارها في تزويد الهند بالنفط الخام والمنتجات النفطية، مانحةً إياها خصماً يقارب 5% مقارنة بالأسعار العالمية.
خطوة تكشف عمق تشابك معادلة الطاقة بالسياسة، وتضع الهند أمام اختبار صعب بين أمن الطاقة والعلاقات مع شركائها الغربيين.
شريان روسي لا ينقطع
خلال اجتماع اللجنة الحكومية الروسية–الهندية في موسكو، أعلن النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي، دينيس مانتوروف، أن بلاده تواصل تزويد الهند بالنفط والمنتجات النفطية والفحم، مع إمكانية التوسع في صادرات الغاز الطبيعي المسال. وأكدت السفارة الروسية في نيودلهي أن هذه الإمدادات “لا بدائل حقيقية لها حالياً”، وأن الخصم الممنوح للهند يجعل الخام الروسي “الأكثر تنافسية”.
الهند، التي تعد ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، تعتمد على موسكو لتأمين نحو ثلث احتياجاتها من الخام، في وقت تسعى فيه لتقليل فاتورة الطاقة المرتفعة. ويقول خبراء إن الخصم الروسي، وإن تقلص مقارنة بالعامين الماضيين، يظل جذاباً بما يكفي لمصافي التكرير التي تعيد تصدير جزء من المنتجات المكررة إلى أسواق أخرى.
وفي ذات السياق قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الهندي سوبرامانيام جايشانكار: "نحقق نتائج جيدة في التعاون بقطاع الطاقة، خصوصاً في إمدادات النفط الروسي إلى السوق الهندية، ولدينا مصلحة مشتركة في تنفيذ مشروعات لاستخراج الموارد، سواء في أقصى الشرق الروسي أو على الجرف القاري في القطب الشمالي".
فيما شدد جايشانكار على أن العلاقات بين نيودلهي وموسكو تُعد من بين "الأكثر استقراراً" بين القوى الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية، مشيراً إلى الصداقة التاريخية التي تعود إلى حقبة الاتحاد السوفييتي. اعد صياغتها دون المساس بها
ضغوط أميركية متصاعدة
على الجانب الآخر، ترى واشنطن أن استمرار نيودلهي في استيراد النفط الروسي يقوّض العقوبات الغربية المفروضة على موسكو منذ غزو أوكرانيا. لذلك لجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سلاح الرسوم الجمركية، فارضاً شريحة إضافية بنسبة 25% على المنتجات الهندية المصدّرة إلى السوق الأميركية، في رسالة واضحة مفادها أن “حياد الهند له ثمن”.
الرسوم الجديدة أثارت مخاوف داخل قطاعات اقتصادية هندية تعتمد على السوق الأميركية مثل الأدوية والمنسوجات والخدمات الرقمية.
ورغم ذلك، تؤكد الحكومة الهندية أن قرار شراء النفط الروسي “قائم على اعتبارات اقتصادية بحتة”، وأنها لن تتخلى عن مصادر طاقة توفر لها الاستقرار وتدعم النمو الصناعي.
لم تقتصر الضغوط على واشنطن. ففي جوان الماضي، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على شركة “نايارا إنرجي” الهندية المدعومة روسياً، ما أدى إلى تقليص عملياتها واضطرارها للاعتماد على ما يُعرف بـ “الأسطول المظلم” لنقل الخام، وسط مخاطر تأمينية وارتفاع تكاليف الشحن. هذه العقوبات أظهرت أن استمرار الاعتماد على النفط الروسي يضع نيودلهي أمام تحديات لوجستية إضافية، حتى وإن ظل الخام نفسه متاحاً.
تسعى حكومة ناريندرا مودي إلى الحفاظ على ما تصفه بسياسة “الحياد النشط”، إذ تواصل شراء النفط الروسي بكميات كبيرة لضمان أمن الطاقة، لكنها في الوقت نفسه تنفتح على شركاء آخرين من الخليج والولايات المتحدة لتفادي الارتهان الكامل لموسكو. .
المعادلة الهندية معقدة، خصم روسي مغرٍ يقابله ضغط أميركي مرتفع الكلفة، وعقوبات أوروبية ترفع تكاليف النقل والتأمين.