2025.07.17
رسائل مشفرة تحت ظلال وداع البابا.. ما الذي دار بين ترامب وزيلينسكي ؟

رسائل مشفرة تحت ظلال وداع البابا.. ما الذي دار بين ترامب وزيلينسكي ؟


بين أروقة روما القديمة وتحت ظلال وداع البابا فرنسيس، اجتمع ترامب وزيلينسكي بعيداً عن الأضواء في لقاء سري حبس أنفاس العواصم الكبرى. هناك، حيث تمتزج رهبة الموت بثقل القرارات المصيرية، بدأت ملامح مشهد جديد تتشكل لحرب لم تترك لأوروبا فرصة للتنفس. إشارات متبادلة، تلميحات ووعود مبطنة انسلت بين الكلمات، بينما العالم يترقب على حافة صمت ثقيل: فهل سيقلب هذا اللقاء موازين الحرب؟ أم أن الزلازل السياسية القادمة ستسحق ما تبقى من استقرار هش؟

وفي التفاصيل، شهدت العاصمة الإيطالية روما مؤخرا تطورا لافتا في مسار العلاقات الأمريكية-الأوكرانية، تمثل في لقاء سري وصف بـ"المثمر للغاية" بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، على هامش جنازة بابا الفاتيكان فرانسيس. وأعلن ستيفن تشيونغ، مسؤول الاتصالات بالبيت الأبيض، أن الرئيسين اجتمعا على انفراد وأجريا نقاشا عميقا حول قضايا عدة، مشيرا إلى أن تفاصيل إضافية سيتم الكشف عنها لاحقا. مكتب زيلينسكي بدوره أكد اللقاء دون الخوض في تفاصيل، في حين نقلت قناة "سكاي نيوز" عن مصادر مطلعة أن الطرفين اتفقا على عقد لقاء آخر بعد انتهاء مراسم الجنازة، مما يعكس رغبة متبادلة في استكمال محادثات بدأت قبل نحو شهرين في البيت الأبيض، والتي كانت قد شهدت توترا ملحوظا وانتهت بتوبيخ علني من ترامب لزيلينسكي، أثار الكثير من الجدل في الأوساط السياسية. في هذه الأثناء، كتب ترامب منشورا على منصة "تروث سوشيال" أعرب فيه عن تفاؤله بمفاوضات السلام الشاملة بين روسيا وأوكرانيا، مشيرا إلى أنها تسير بسلاسة. كما أشاد بلقاء مبعوثه الخاص ستيفن ويتكوف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واصفا الاجتماع الذي استمر ثلاث ساعات في الكرملين بـ"الجيد"، في إشارة إلى وجود أرضية مشتركة قد تُمهّد لإنهاء الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين. رغم التصريحات المتفائلة التي تطلقها بعض الأطراف المعنية بالنزاع الأوكراني، إلا أن المشهد العام يبدو أكثر تشابكاً وتعقيداً مما قد توحي به تلك الإشارات الإيجابية. فثمة تحذيرات جادة من مغبّة الاستهانة بالعواقب المحتملة في حال فشل المساعي الجارية لتسوية النزاع، خصوصاً مع استمرار التصعيد السياسي والعسكري في أكثر من جبهة. في هذا السياق، أطلق الخبير الاقتصادي المعروف، توماس مالينين، أستاذ الاقتصاد في جامعة هلسنكي، تحذيراً لافتاً من خلال منشور عبر منصة "إكس"، أكد فيه أن العالم بات قاب قوسين أو أدنى من "لحظات حاسمة" قد تحدد مستقبل النظام الدولي برمته. وحذّر مالينين من أن استمرار الحرب دون التوصل إلى تسوية سياسية قد يؤدي إلى انفجار الأوضاع بشكل كارثي، ليس فقط على الساحة الأوروبية، بل أيضاً في منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني أصلاً من اضطرابات مزمنة. ولم يقتصر تحذيره على الجوانب الأمنية، بل ذهب أبعد من ذلك، متوقعاً أن يمتد تأثير النزاع ليصيب الاقتصاد العالمي في مقتل، ما قد يؤدي إلى انهيارات مالية شاملة وأزمات معيشية واسعة النطاق. وفقاً لما طرحه مالينين، يقف العالم اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما السعي الجاد لتحقيق السلام، مع القبول بركود اقتصادي محدود التأثير، أو الانزلاق نحو كارثة جيوسياسية كبرى قد تعيد رسم خريطة النفوذ الدولي لعقود قادمة. وفي خضم هذه الأجواء المشحونة، أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن معظم نقاط التسوية المتعلقة بالنزاع الأوكراني قد تم الاتفاق عليها مبدئياً، معرباً عن عزمه تقديم كامل الدعم الأمريكي اللازم لإتمام عملية إنهاء الحرب. وأشار ترامب إلى أن موسكو أبدت مرونة لافتة، حيث قدمت ما وصفه بـ"تنازلات كبيرة" من أجل تحقيق السلام، موضحاً أن قبول روسيا بالتخلي عن السيطرة الكاملة على الأراضي الأوكرانية يعتبر تنازلاً جوهرياً من جانبها. ومع ذلك، لم يتوانَ ترامب عن توجيه انتقادات حادة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، محمّلاً إياه مسؤولية عرقلة المفاوضات بسبب تصريحاته الأخيرة المتعلقة بشبه جزيرة القرم، والتي رأى ترامب أنها تشكل تهديداً جدياً للعملية السلمية. بل ذهب إلى التحذير من سيناريو خطير قد تواجهه أوكرانيا، يتمثل في فقدانها لمقومات وجودها كدولة مستقلة خلال السنوات الثلاث المقبلة، إذا لم يتم التوصل سريعاً إلى اتفاق يضع حداً للحرب. من ناحية أخرى، أماطت صحيفة "نيويورك تايمز" اللثام عن تفاصيل حساسة تتعلق بجولة مفاوضات دبلوماسية أجريت مؤخراً في باريس بين مسؤولين أمريكيين وممثلين عن الحكومة الأوكرانية. وكشفت الصحيفة أن الجانب الأمريكي أبلغ كييف بأن ملف انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) قد لا يحظى بدعم غير مشروط في المستقبل، بل قد يخضع لمراجعة شاملة من قبل الإدارة الأمريكية القادمة. ونقلت الصحيفة عن مصادر حضرت الاجتماع أن ترامب، رغم معارضته الشديدة لانضمام أوكرانيا إلى الناتو، أبقى الباب موارباً أمام الإدارات الأمريكية المستقبلية لاتخاذ مواقف مغايرة حسب التطورات. وتُعزز هذه المعطيات من الشكوك المحيطة بمستقبل علاقة كييف بالحلف الغربي، لا سيما وأن تقرير الناتو السنوي لعام 2024 خلا من أي إشارة صريحة لانضمام أوكرانيا، على عكس تقرير عام 2023 الذي تضمن تلميحات أوضح لدعم هذا المسعى. لطالما اعتبر ترامب أن سعي أوكرانيا الحثيث للانضمام إلى الحلف الأطلسي شكّل أحد الأسباب الجوهرية التي فجرت النزاع مع روسيا، وهو موقف لا يخفي قلق القيادة الأوكرانية التي ترى في عضوية الناتو الضمانة الأساسية لأمنها القومي واستقلالها السياسي. وفي خضم هذا التصعيد السياسي والدبلوماسي، لجأت صحيفة "التايمز" البريطانية إلى السخرية الفنية للتعليق على الوضع، حيث نشرت رسماً كاريكاتورياً مؤثراً استلهم مشهد "خلق آدم" الشهير لمايكل أنجيلو في سقف كنيسة السيستين. يظهر في الكاريكاتير الرئيس ترامب في هيئة الإله، محاطاً بكبار مساعديه مثل نائب الرئيس جي دي فانس، وزير الخارجية ماركو روبيو، ورئيس وزارة الدفاع بيت هيغسيت، الذين رُسموا في هيئة ملائكة. في المقابل، تجسد زيلينسكي في هيئة آدم، مرتدياً قميصاً أخضر مزيناً بشعار أوكرانيا، وهو يمد يده بتوسل نحو ترامب، الذي رد عليه برفع إصبعه الأوسط في وجهه تعبيراً عن الرفض والسخط. وأرفقت الصحيفة الرسم بمثل إنجليزي شهير: "عندما تكون في روما، افعل كما يفعل الرومان"، في تلميح ساخر إلى أن زيلينسكي، رغم تطلعاته، بات مضطراً للتكيف مع الواقع السياسي الجديد الذي يفرضه ترامب، خاصة مع تراجع مستويات الدعم الأمريكي غير المشروط الذي كانت كييف تحظى به في مراحل سابقة من النزاع. وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن الإدارة الأمريكية الحالية أبدت مؤخراً استياءً متزايداً من تصلب الموقف الأوكراني، ورفضه القاطع لمناقشة أي تنازلات إقليمية محتملة كجزء من تسوية النزاع. ووفقاً لما نقلته الصحيفة، فإن واشنطن باتت تميل أكثر إلى فكرة السعي نحو وقف إطلاق نار شامل كأولوية قصوى، على أن يتم بحث الملفات السياسية الحساسة لاحقاً في أجواء أكثر هدوءاً. وأكد ترامب بدوره هذه الرؤية في تصريحاته الأخيرة، مشدداً على أن تحقيق السلام يتطلب التحلي بالواقعية السياسية والابتعاد عن التمسك بمواقف متطرفة قد تعرقل جهود إنهاء النزاع. في ضوء هذه التطورات، تتجه العلاقات الأمريكية-الأوكرانية نحو مفترق طرق خطير، حيث تتداخل الاعتبارات الجيوسياسية الكبرى مع التوازنات الداخلية في الولايات المتحدة، في وقت يعيش فيه العالم حالة من الترقب المشوب بالقلق. إذ أن مصير إحدى أعقد الأزمات الدولية الراهنة أصبح مرتبطاً إلى حد بعيد بمواقف واشنطن، وبمدى نجاح ترامب أو غيره في صياغة تسوية تُنهي هذا النزاع الدموي الذي أعاد رسم أولويات النظام الدولي خلال السنوات الأخيرة.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار