2025.07.17
هنا غزة.. حيث العالم يصادق على نهاية الحياة

هنا غزة.. حيث العالم يصادق على نهاية الحياة


تدق غزة اليوم ناقوس كارثة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ الحديث، فيما يحدق الموت الجماعي بسكانها الجوعى والمرضى وسط حصار صهيوني خانق، وعمليات إبادة ممنهجة مدعومة بغطاء أمريكي مطلق. ففي الساعات الأخيرة، تلاحقت التحذيرات الدولية الصارخة، معلنة أن غزة على شفا الانهيار الكامل: "الإمدادات الطبية توشك على النفاد، والمخزون الغذائي داخل القطاع قد استُنزف بالكامل، فيما تتكدس النفايات الصلبة، ناشرةً الأمراض والموت بين مئات الآلاف من النازحين". وأمام هذا المشهد الكارثي، حذرت منظمة الصحة العالمية من لحظة "عصيبة وقاتمة" يعيشها القطاع، مع تكدس 16 شاحنة مساعدات طبية على المعابر المغلقة منذ أسابيع، فيما أعلن برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من 116 ألف طن متري من الغذاء معطلة خلف الأسلاك والحواجز، عاجزة عن الوصول إلى مليون جائع. ومع تسجيل عشرات الوفيات بسبب الجوع، معظمهم من الأطفال، حذرت حكومة غزة من أن السكان، البالغ عددهم أكثر من 2.4 مليون نسمة، يواجهون الموت الجماعي الوشيك.

وعلى الأرض، يتواصل القصف الصهيوني العنيف، مستهدفًا المنازل والمخيمات ومراكز الإيواء، ومخلفًا مزيدًا من الشهداء والمفقودين تحت الأنقاض، فيما تنهار القطاعات الصحية والغذائية يوماً بعد يوم. وأمام هذا المشهد المروع، تبدو نداءات الإنقاذ الدولية عاجزة، فيما تتصاعد التحذيرات من أن كل دقيقة تأخير في كسر الحصار تمثل مشاركة صامتة في جريمة إبادة جماعية تُرتكب أمام مرأى العالم ومسمعه. وبالفعل، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الإمدادات الطبية في غزة توشك على النفاد الكامل، في حين يقف برنامج الأغذية العالمي أمام واقع مرير بعد الإعلان عن نفاد مخزونه الغذائي بالكامل داخل القطاع. وفي الوقت ذاته، حذرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من أن تراكم النفايات الصلبة يعزز انتشار الأمراض ويهدد الصحة العامة لمئات الآلاف من النازحين. وقال مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إن الوضع في غزة بلغ "لحظة عصيبة وقاتمة"، مشيرًا إلى أن 16 شاحنة تحمل إمدادات طبية حيوية تنتظر منذ أسابيع السماح لها بالدخول عبر المعابر المغلقة، مؤكدًا أن إنهاء الحصار المفروض على المساعدات الإنسانية ضرورة ملحّة لإنقاذ الأرواح. وفي السياق ذاته، أكد برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من 116 ألف طن متري من المساعدات الغذائية -وهي كمية تكفي لإطعام مليون شخص لمدة أربعة أشهر- جاهزة للدخول إلى غزة، لكنها ظلت عالقة بسبب الإغلاق الصهيوني المستمر للمعابر منذ أكثر من 55 يومًا، في أطول حصار من نوعه يشهده القطاع المحاصر تاريخيًا. من جهتها، أطلقت حكومة غزة تحذيرًا شديد اللهجة، مؤكدة أن سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من 2.4 مليون نسمة يقفون على "شفا الموت الجماعي" مع تفاقم رقعة المجاعة وانهيار القطاعات الحيوية كافة، بما فيها الغذاء والصحة والنظافة العامة. وسجلت الجهات الطبية في القطاع 52 حالة وفاة بسبب الجوع وسوء التغذية، غالبيتهم الساحقة من الأطفال، وسط تقارير تفيد بأن أكثر من 60 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد، ومليون طفل آخرين يعيشون تحت وطأة الجوع اليومي والهزال الجسدي. في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، طالبت حكومة غزة والمكتب الإعلامي الحكومي بفتح ممرات إنسانية آمنة وفورية، دون مماطلة أو شروط مسبقة، محذرين من أن أي تأخير إضافي في إنقاذ الأرواح سيُعد تواطؤًا صريحًا ومشاركة مباشرة في جريمة القتل الجماعي المرتكب بحق الشعب الفلسطيني. كما دعوا إلى تشكيل لجان دولية مستقلة للتحقيق في "جريمة التجويع" المستمرة بحق المدنيين. ميدانيًا، لا يقل المشهد كارثية عن الوضع الإنساني؛ إذ تواصلت الغارات الجوية الصهيونية العنيفة على مختلف أنحاء القطاع، مما أدى إلى ارتفاع حصيلة الشهداء والجرحى. ووفق مصادر طبية، فقد استشهد 30 فلسطينيًا منذ فجر أمس السبت، بينهم 13 في مدينة غزة وحدها. وفي التفاصيل، أفاد مراسلون بارتفاع عدد ضحايا غارة صهيونية استهدفت منزلًا في حي الصبرة جنوبي مدينة غزة إلى أكثر من 40 بين شهيد ومفقود. وكانت تقارير أولية قد تحدثت عن استشهاد 20 فلسطينيًا على الأقل إثر الغارة على منزل عائلة الخور، بينما لا تزال جهود البحث مستمرة عن أكثر من 20 مفقودًا تحت الركام، معظمهم من الأطفال والنساء. وفي تطورات أخرى، قصفت مسيّرة صهيونية محيط دوار التعليم شمالي القطاع، ما أسفر عن استشهاد شخصين. كما أدى قصف جوي استهدف منزل عائلة أبو عبدو في مخيم الشاطئ غربي غزة إلى استشهاد 3 فلسطينيين وإصابة آخرين بجروح متفاوتة. وفي خان يونس، استشهد فلسطيني متأثرًا بجروحه جراء قصف صهيوني استهدف منزله مساء الجمعة. كما واصل الاحتلال قصفه العنيف لخيام النازحين، حيث أصيب عدد من الفلسطينيين في قصف استهدف خيمة في منطقة المواصي غربي خان يونس، فيما استشهد 3 آخرون بقصف مسيّرة صهيونية استهدفت المنطقة نفسها. وامتد القصف إلى وسط القطاع، حيث استشهد فلسطيني آخر إثر قصف منزله في دير البلح، كما استهدفت مدفعية الاحتلال حي التفاح شرقي مدينة غزة، مخلفةً عددًا من الإصابات. وفي بلدة الزوايدة، أصيب 6 صيادين فلسطينيين بعدما قصفت البحرية الصهيونية مركبهم قبالة الساحل. إلى جانب ذلك، أفادت مصادر فلسطينية بأن قوات الاحتلال نفذت عمليات نسف للمباني في المناطق الشرقية لمدينة غزة فجر أمس السبت، بينما يواصل "الجيش" الصهيوني توغله في أحياء الشجاعية والتفاح، ما زاد من معاناة السكان. وأكدت وزارة الصحة في غزة أن حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني منذ 7 أكتوبر 2023 بلغت 51 ألفًا و495 شهيدًا، إلى جانب 117 ألفًا و524 مصابًا. من جانبها، أوضحت وكالة "الأونروا" أن أوامر التهجير الصهيونية أجبرت السكان على التكدس في أقل من ثلث مساحة القطاع، في مناطق تفتقر لأبسط مقومات الحياة الإنسانية. وفي بيان آخر، حذرت المفوضية الأممية لحقوق الإنسان من التدهور الخطير للوضع الإنساني في غزة على مدار الـ18 شهرًا الماضية، وأكدت أن الحصار الكامل وتدمير البنية التحتية أديا إلى دمار شامل لحياة أكثر من 2.2 مليون إنسان. اللجنة الدولية للصليب الأحمر بدورها أشارت إلى أن الغذاء في غزة أصبح نادرًا للغاية، مع ارتفاع جنوني في الأسعار، مما أجبر الآلاف على الاعتماد على مطابخ خيرية متهالكة للبقاء على قيد الحياة. أما "برنامج الأغذية العالمي" فحذر مجددًا من أن استمرار إغلاق المعابر وعدم وصول الإمدادات سيزيد من تفاقم الأوضاع الهشة للأسواق والأنظمة الغذائية، مما يجعل التعافي الإنساني في القطاع مهمة شبه مستحيلة على المدى القريب. على الأرض، تقوم وكالة الأونروا ببذل جهود مضنية لمواصلة خدمات جمع النفايات الصلبة حيثما أمكن، في محاولة للحد من انتشار الأمراض، وتمكنت مؤخراً من تنظيف 150 فتحة صرف صحي تخدم أكثر من 23 ألف نازح، إلا أن الوكالة شددت على أن جهودها ستنهار إذا استمر الحصار ومنع المساعدات. وتعود جذور هذا الوضع المأساوي إلى الثاني من مارس الماضي، حينما أغلقت "إسرائيل" معابر غزة الثلاثة (كرم أبو سالم وزيكيم وبيت حانون) بشكل كامل، مستأنفة حرب الإبادة الجماعية رغم اتفاق سابق لوقف إطلاق النار كانت حماس قد التزمت بجميع بنوده. ومنذ السابع من أكتوبر 2023، أسفرت الهجمات الصهيونية عن سقوط أكثر من 168 ألف شهيد وجريح، بينهم آلاف الأطفال والنساء، مع تسجيل أكثر من 11 ألف مفقود. وفي ظل هذا الحصار الوحشي، لا تزال المنظمات الإنسانية تطلق النداءات العاجلة لإنقاذ غزة، محذرة من أن كل يوم تأخير يعني مزيدًا من الأرواح التي تزهق، ومزيدًا من المعاناة التي تغرق غزة في ظلام إنساني حالك، فيما يقف العالم مشلولاً بين بيانات الشجب ومواقف العجز المخزي.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار