2025.07.17
من \

من "بيربينيون" الفرنسية إلى "جيرونا" الإسبانية.. خطوات ثابتة نحو تحرير المعتقلين الصحراويين


حين يتسلّط الجلادون على الشعوب الحرة، رافعين راية الظلم والاستقواء، في محاولة بائسة لإخضاع إرادة الأحرار، وحين يمعن أعداء الإنسان في قمع الأصوات الحرة وتكميم أفواه المناضلين الشرفاء، وزجّهم خلف قضبان السجون المظلمة، معتقدين أن القيود قادرة على وأد الكرامة وكسر الإرادة، تولد من رحم هذه المعاناة، ومن بين أنقاض الألم والجراح، أصوات لا تعرف الانكسار، ومسيرات لا تنحني أمام الطغيان، بل تمضي شامخة، متحديةً بطش الجلادين وقسوة الجدران والأسلاك الشائكة.

هناك، وسط صمت العالم وتواطؤ المتواطئين، وفي قلب محاولات التعتيم والنسيان الممنهجة، تنتفض الإرادة الحرة كما ينهض الفجر من عتمة الليل الطويل وترتفع رايات الكرامة عاليةً تخترق جدران الصمت، تعلن بثبات لا يتزعزع أن صوت الحق لا يمكن قهره وإسكاته، مهما استبد ظلام الطغيان، ومهما طال أمد الليل الذي فرضته قوى القمع والاحتلال. ومن هذه الروح الصلبة التي لا تلين، ومن نبض الكرامة الذي لا يخبو، انطلقت "مسيرة الحرية"، تحمل على أكتافها أمل المعتقلين السياسيين الصحراويين المقهورين خلف قضبان الاحتلال المغربي الغاشم، وتبث برسائلها الواضحة والقوية نداءً مدوياً إلى الضمير العالمي: لا للظلم، لا للقمع، نعم للحرية، نعم للعدالة، نعم للكرامة الإنسانية التي لا تعرف التنازل أو المساومة. بقيادة الناشطة الفرنسية الشجاعة، المناضلة الوفية كلود مونجان، زوجة الأسير الصحراوي البطل النعمة أسفاري، تمضي المسيرة بعزيمة لا تعرف الوهن، تخترق الأراضي الفرنسية، ثم تنتقل بكل شموخ إلى الأراضي الإسبانية، في رحلة نضالية شاقة ومضنية، تواجه خلالها كل أشكال المضايقات ومحاولات العرقلة، لتشق طريقها بإصرار لا يلين نحو سجن القنيطرة بالمغرب، ذلك المكان الذي يحتجز فيه الاحتلال المغربي ظلماً وعدواناً خيرة أبناء الشعب الصحراوي المناضل. هذه المسيرة ليست مجرد تحرك رمزي، بل فعل مقاوم يعرّي ازدواجية المعايير الدولية ويفضح الصمت المخزني المخزي تجاه معاناة شعب يكافح من أجل حقه المشروع في تقرير مصيره. ورغم المضايقات ومحاولات التخريب التي قادها الاحتلال المغربي عبر أذرعه المنتشرة بأوروبا، ظلت المسيرة عنوانًا لصبر الشعوب وصمودها، شاهدة على أن إرادة الأحرار أقوى من سلاسل الاستبداد. في مشهد نضالي مفعم بالإصرار والعزيمة، حطّت "مسيرة الحرية"، أمس السبت، رحالها بإقليم كتالونيا الإسباني، في إطار رحلتها الطويلة والمتواصلة نحو سجن مدينة القنيطرة بالمغرب، وذلك للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الصحراويين القابعين في سجون الاحتلال المغربي، وعلى رأسهم مجموعة "أكديم إزيك" الشهيرة. هذه المسيرة التي تقودها الناشطة الفرنسية المعروفة كلود مونجان، زوجة المناضل والمعتقل الصحراوي النعمة أسفاري، تمثل صرخة مدوية في وجه الظلم والقمع الممارس ضد الشعب الصحراوي. وقد وصلت المسيرة، التي باتت تحظى بدعم متزايد من قطاعات واسعة من المجتمعين الفرنسي والإسباني، إلى مدينة جيرونا الإسبانية، حيث ينتظر أن تواصل طريقها عبر معظم المقاطعات الإسبانية، قبل أن تعبر نحو –معقل الاستبداد- المغرب متجهة إلى سجن القنيطرة، الوجهة النهائية التي ترمز إلى قمة التحدي والمطالبة بالعدالة. وكانت مدينة بيربينيون الفرنسية، آخر محطة للمسيرة على التراب الفرنسي، قد شهدت فعاليات تضامنية قوية، رفع خلالها المتظاهرون الأعلام الصحراوية وصور كافة المعتقلين السياسيين الصحراويين في السجون المغربية، إضافة إلى لافتات تطالب بالإفراج الفوري عنهم. وجاب المتضامنون شوارع المدينة الرئيسية، قبل أن يتوقفوا أمام مقر البلدية، حيث انضم إليهم عدد من المسؤولين الفرنسيين الذين عبروا عن تضامنهم اللامشروط مع الشعب الصحراوي في نضاله من أجل نيل حريته واستقلاله وتقرير مصيره. وفي هذا السياق، أكدت إيديت مونييه، المسؤولة المحلية الفرنسية، على "أهمية دعم الشعب الصحراوي وقضيته العادلة، انطلاقا من مبدأ الحرية للجميع"، مشددة على ضرورة تكثيف التحسيس الإعلامي بالقضية الصحراوية، لأن الشعوب المضطهدة تحتاج إلى أصوات حرة تفضح معاناتها. وأضافت: "نتقاسم مع المسيرة ومتضامنيها نفس القناعات بعدالة هذه القضية، ونرى أن دعمها واجب إنساني وأخلاقي ملحّ، خاصة في ظل ما يعانيه الصحراويون من اضطهاد مستمر". غير أن هذا الحراك السلمي لم يمر دون مضايقات، فقد حاول نظام الاستبداد المغربي عرقلة المسيرة باستخدام أساليب الاستفزاز والتخريب. وأكد إعلاميون صحراويون أن المخزن فشل "فشلا ذريعا" في مخططاته الاستفزازية التخريبية، بعد أن جند أذنابه بفرنسا لاستهداف المسيرة الدولية المطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين الصحراويين. وفي تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، قال الصحفي الصحراوي ليمام محمد باه، الذي كان ضمن الفريق الإعلامي المرافق لـ"مسيرة الحرية"، إنه تعرض مع زملائه للاعتداء اللفظي والجسدي من قبل بلطجية جندتهم القنصليات المغربية بفرنسا. وأوضح أن هؤلاء نظموا مسيرة معادية على بعد حوالي 800 متر فقط من مسيرة الحرية، مستخدمين الشتائم العنصرية والتحريض الجسدي بهدف جر المسيرة إلى فخ المواجهات، وبالتالي تمكين السلطات الفرنسية من إيجاد ذريعة لمنع الفعالية السلمية. ومع ذلك، أظهر المشاركون في المسيرة ضبطًا للنفس ووعياً عالياً، ما أفشل المخطط المخزني وأتاح للمسيرة مواصلة طريقها. وأشار محمد باه إلى أن "رغم التشهير والمضايقات المستمرة منذ انطلاق المسيرة يوم 30 مارس الماضي من الأراضي الفرنسية، فإننا متمسكون بمواصلة نضالنا السلمي لإيصال صوت الصحراويين إلى الرأي العام الفرنسي والعالمي، مع إبراز البعد الإنساني والسلمي لمطالبنا العادلة، وفي الوقت نفسه فضح ممارسات الاحتلال المغربي القمعية". وتحدث الصحفي الصحراوي إبراهيم سيدها لعجييل بدوره عن الهجوم الذي تعرضت له المسيرة بمدينة بيزييه الفرنسية، مؤكداً أن نحو 20 شخصًا من أصول مغربية حاصروا المتظاهرين السلميين، مستخدمين الشتائم والتهديدات بالقتل. وأوضح أن المعتدين كانوا قادمين من مظاهرة معادية حصلت على ترخيص رسمي من السلطات الفرنسية، مشيراً إلى أن الشرطة لم تتدخل أثناء الحادث، مما أثار تساؤلات عديدة حول الحياد وحماية الحريات العامة. غير أن المتظاهرين أبدوا رباطة جأش كبيرة، وتمكنوا من مواجهة الاستفزازات، مؤكدين عزمهم الثابت على مواصلة المسيرة حتى تحقيق أهدافها في الحرية والاستقلال وخدمة القضية الصحراوية العادلة. من جهتها، أدانت الناشطة الفرنسية كلود مونجان، قائدة المسيرة، بشدة ممارسات المغرب التخريبية، مستنكرة الاعتداءات التي تعرض لها المشاركون تحت تأثير وتحريض قنصليات مغربية، حيث جرى استخدام العنف الجسدي واللفظي في محاولة لإجهاض المسيرة. وأشارت مونجان إلى أن "الصحراويين الذين اضطروا لمغادرة أراضيهم بسبب انتهاكات الاحتلال المغربي، أصيبوا بالدهشة والإحباط لرؤية بعض الفرنسيين من أصول مغربية يتمتعون بالإفلات من العقاب بعد ممارستهم للعنف في فرنسا". وفي هذا السياق، كشفت مونجان أن الجمعية الفرنسية "أصدقاء الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" وجهت رسالة احتجاج إلى السلطات الفرنسية، أعربت فيها عن صدمتها العميقة من تواطؤ بعض الدوائر مع محاولات المغرب التضييق على الصحراويين ونشاطهم السلمي على التراب الفرنسي، مستنكرة استمرار سياسة الإفلات من العقاب التي يستفيد منها المعتدون. ورغم الاعتداءات المتكررة والمضايقات المستمرة، تمضي "مسيرة الحرية" قدماً، مدفوعةً بإيمان راسخ بعدالة قضيتها وإصرار لا يلين على كسر جدار الصمت الدولي. يؤكد المشاركون، بخطواتهم الثابتة وأصواتهم الحرة، أن كل محاولات المخزن الفاشلة لن تنال من عزيمتهم، ولن توقف مسيرتهم نحو إيصال صوت المعتقلين الصحراويين إلى العالم، وكشف وجه الاحتلال المغربي القمعي أمام الرأي العام الدولي. إنهم يسيرون وعلى أكتافهم رسالة شعب يكافح من أجل الكرامة والسيادة، مؤمنين بأن فجر الحرية قادم لا محالة، مهما طال ظلم الظالمين، ومهما تكاثفت محاولات القمع والتعتيم.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار