يرى الخبير الباكستاني في مسائل تطوير الأعمال أسد عريف أن الاتفاق الدفاعي بين السعودية وباكستان يمثل "تحولًا استراتيجيًا مهمًا"، يعكس تعميق التعاون الأمني في بيئة إقليمية متقلبة، لكنه يطرح تحديات واضحة من حيث الغموض في الالتزامات وإدارة التوترات بين القوى الإقليمية.

أسد عريف - خبير في مسائل تطوير الأعمال (باكستان)
يشكل الاتفاق الدفاعي المتبادل بين المملكة العربية السعودية وباكستان "نقطة تحول استراتيجية مهمة في المشهد الأمني والجيوسياسي لكل من الشرق الأوسط وجنوب آسيا"، ويأتي في توقيت حساس على الصعيدين الإقليمي والدولي. هذا التحالف، الذي يرتكز على مبدأ أن العدوان على أي من الطرفين يعد عدوانًا على كلاهما، "يعكس تعميقًا للعلاقات الأمنية بين البلدين، ويأتي في سياق متزامن مع تغييرات إقليمية ودولية تتطلب توازنًا جديدًا في التحالفات والتوجهات الاستراتيجية المختلفة".
يرى أسد عريف، الخبير في مسائل تطوير الأعمال، أن "من العوامل الحاسمة في تقييم هذا الاتفاق هو مدى وضوح تفاصيل تنفيذه، سواء عبر التدريبات العسكرية المشتركة أو آليات القيادة المنسقة، وصولاً إلى احتمالات وجود تعاون نووي في إطار الردع المشترك المتكامل". تبقى، حسبه، "مسألة تحديد متى وكيف يتم تفعيل الاستجابة الدفاعية المشتركة من خلال بروتوكولات واتفاقيات محددة ذات أهمية كبيرة للغاية". ويشير على سبيل المثال، إلى تعريف ماهية "العدوان" الذي يحفز العمل المشترك عبر بنود الاتفاقية، مضيفًا "يجب أن يكون محددًا بدقة ليشمل أمورًا مثل الاعتداءات من دول معادية أو من جهات غير حكومية، أو حتى الهجمات الإلكترونية والطائرات المُسيرة، لضمان تجنب أي سوء فهم قد يؤدي إلى صراعات غير مقصودة محتملة".
تداعيات ردود الفعل الإقليمية والدولية
الاتفاق بين الرياض وإسلام أباد "يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة توترًا وتغيرات متسارعة، ويزيد من تعقيد الموازنة التي تحاول الولايات المتحدة تحقيقها بين حلفائها المختلفين في المنطقة، متضمنة "إسرائيل" ، والسعودية، والهند، وباكستان، كلٌّ بمعطياته ومصالحه الاستراتيجية الخاصة". من الجدير بالملاحظة، كما يقول عريف، "تأكيد السعودية على استمرار علاقاتها القوية مع الهند، في إشارة واضحة إلى سعيها للحفاظ على توازن علاقاتها الإقليمية وتفادي تعقيداتها، رغم التحالف العسكري مع باكستان".
وبالتزامن، تأتي المصالح الصينية لتلعب دورًا غير مباشر عبر دعم باكستان العسكري الكبير بالمعدات الصينية، وتحول السعودية إلى إجراء معاملات نفطية باليوان بدلاً من الدولار الأمريكي في 2023، مما يضيف بعدًا اقتصاديًا وجيوسياسيًا إضافيًا يدعو إلى مراقبة التأثيرات المحتملة على مبادرات مثل ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي يستهدف موازنة مبادرة الحزام والطريق الصينية بشكل دقيق.
الآثار الاستراتيجية على باكستان
يحصل التعاون الدفاعي مع السعودية على أهمية خاصة بالنسبة لباكستان، "إذ يؤسس لها حليفًا إقليميًا قويًا يلتزم بالرد المشترك على التهديدات، مما يعزز من قدرات الردع لديها، خصوصًا في مواجهة التوترات مع الهند والتهديدات من قبل الفاعلين غير الرسميين". يرى الخبير أن الاتفاق "يعزز من مكانة باكستان الدبلوماسية على الساحة الدولية، ويعكس قدرتها على خلق تحالفات استراتيجية قد تسهم في تحسن موقعها في المفاوضات مع القوى الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية".
ومن الناحية الاقتصادية والعسكرية، فإن التعاون "قد يمهد لزيادة نقل الأسلحة، ودعم التدريبات العسكرية المشتركة، وتعزيز الاستثمارات المتعلقة بالبنية التحتية الدفاعية، ما يشكل دعمًا هامًا لباكستان التي تعاني من تحديات مالية كبيرة ومتصاعدة". في الوقت ذاته، يضيف عريف، "تواجه باكستان مخاطر متزايدة عبر احتمال تحميلها أعباء عسكرية خارج حدودها الوطنية، إضافة إلى الغموض بشأن المسائل النووية، ما قد يؤدي، حسبه، إلى إشعال صراعات أوسع نطاقًا مستقبلية".
الموقف السعودي والتحولات المتوقعة
عن أهمية هذا الاتفاق بالنسبة للسعودية، يقول الخبير إن هذا سيساهم "في تنويع مصادر البحث عن أمنها، بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على مظلة الولايات المتحدة والدول الغربية"، خاصة "على خلفية التغيرات المحتملة في السياسة الأمريكية والإشكاليات المتصورة في الثقة بمصادر التحالف التقليدية". بهذا الشكل، "يمنح التحالف مع باكستان الرياض دعمًا أمنيا إقليميًا متصاعدًا وواضحًا". كما يضيف عريف أن ذلك يتيح "الشرعية السياسية والدينية" بحيث "تضع السعودية نفسها في موقع الريادة في العالم الإسلامي المتعدد الأطراف". وتوطيد العلاقات مع باكستان "يعزز مصداقيتها الإسلامية، خاصة في أوقات الصراع الإقليمي المتصاعد، مثل الأوضاع المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وما إلى ذلك من أحداث مهمة".
فضلاً عن ذلك، "يوفر وجود حليف يمتلك خبرة عسكرية واسعة وقوة نووية، مزيدًا من عوامل الردع، التي يمكن أن تضبط أي تهديدات خارجية محتملة وواقعية". كما تعزز هذه الشراكة "المكانة السياسية والدينية للسعودية، بما يصفه البعض بقيادة الأمة الإسلامية، خصوصًا في أوقات التوتر حول قضايا إقليمية مثل القضية الفلسطينية العادلة".
مع ذلك، يطرح الاتفاق تحديات عديدة، حسب الخبير، أبرزها "احتمال تورط السعودية في نزاعات خارج حدودها، والغموض المتعلق بتعريف مصطلح 'العدوان' الذي يحرك الالتزامات الدفاعية حسب بنود الاتفاقية"، إلى جانب إمكانات التصعيد "التي قد تنشأ إذا ما توطدت العلاقات العسكرية في بيئة إقليمية مضطربة للغاية".
تعقيدات العلاقات مع الهند والديناميات الإقليمية
من جانب آخر، تشكل العلاقة بين السعودية والهند "محورًا حساسًا في سياق هذا الاتفاق"، إذ تتمتع الهند بعلاقات استثمارية وتجارية قوية مع السعودية، وتحتاج إلى استقرار تلك العلاقات لضمان أمنها الطاقوي واستثماراتها الكبيرة في المنطقة. لذا "تراقب نيودلهي بدقة أي مؤشرات على أن الاتفاق قد يقيد أو يقلل من انفتاح السعودية تجاه الهند"، وهو أمر حيوي للطرفين.
على المستوى العسكري، قد يؤدي الاتفاق إلى دفع الهند لإعادة تقييم استعداداتها على الحدود الغربية، وتعزيز جاهزية قواتها، وتكثيف التجهيزات اللوجستية والمنظومات الدفاعية، خاصة مع تنامي التعاون الأمني بين السعودية وباكستان بشكل واضح.
كما أن الجانب النووي "يظل من المجالات الحساسة التي قد تعيد تشكيل قواعد الردع النووي في المنطقة، خصوصًا في حال انفراج مظلة نووية تشمل السعودية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مما يضيف تعقيدًا إضافيًا للحسابات العسكرية والهجومية".
يرى عريف أن "النجاح المستدام للاتفاقية يتطلب سقفًا واضحًا لتعريفات العدوان وآليات الرد المشترك، بالإضافة إلى وضع بروتوكولات دقيقة لتنسيق الأدوار العسكرية والدبلوماسية"، بهدف "تقليل مخاطر التصعيد والالتباسات المحتملة". كما من الضروري أن يعمل الطرفان "على تحييد توتر علاقاتهما مع باقي القوى الإقليمية والدولية، من خلال التوازن الدبلوماسي والحرص على عدم استثارة أزمات جديدة مستقبلاً".
في ظل هذه التحولات، يشكل التحالف السعودي-الباكستاني خطوة استراتيجية "تعيد رسم معالم التحالفات الإقليمية، وتضع إطارًا جديدًا للتعاون الأمني"، لكن الاتفاق يحمل في الوقت ذاته "تحديات جسيمة على صعيد التوازن الإقليمي، الاستقرار السياسي، والقدرات الاقتصادية والعسكرية للطرفين معًا". يختتم الخبير بالقول إن "مراقبة تنفيذ الاتفاق، ومدى الوضوح في بنوده، ستكون مفتاحًا لفهم تأثيره الفعلي على الأمن الإقليمي والدولي في السنوات القادمة الحاسمة".

