2025.10.13
بين شغف الشباب وجدار البيروقراطية.. الطريق الشاق لريادة الأعمال في الجزائر

بين شغف الشباب وجدار البيروقراطية.. الطريق الشاق لريادة الأعمال في الجزائر


في الجزائر، الميدان يبوح بأسراره الخاصة، حيث تزهر الأفكار رغم قلة الموارد، ويشقّ الشباب طريقهم وسط تحدياتٍ إداريةٍ وماليةٍ وثقافيةٍ متعددة. التجارب المحلية تشهد أن روح المقاولاتية تنبض بقوة، وأن الإبداع الجزائري لا يقلّ تميزًا، بل يحتاج فقط إلى مناخٍ يُفسح له المجال. في هذا الإطار، يتحدث إسكندر طورش، إطار وعضو المكتب الوطني للمنظمة الوطنية لتنمية الاقتصاد والمقاولاتية، برؤية عملية عن "التجارب المحلية والواقع العملي للمقاولاتية في الجزائر"، مسلطًا الضوء على قصصٍ وشواهد تُثبت أن الطريق نحو الريادة ممكنٌ رغم العوائق.

إسكندر طورش - إطار وعضو المكتب الوطني للمنظمة الوطنية لتنمية الاقتصاد والمقاولاتية

استعرض إسكندر طورش، الإطار وعضو المكتب الوطني للمنظمة الوطنية لتنمية الاقتصاد والمقاولاتية، في تصريحه لـ"الأيام نيوز"، عددًا من النماذج الشبابية التي نجحت في فرض نفسها داخل الساحة الاقتصادية الوطنية، مؤكدًا أن هذه التجارب تعكس الإمكانات الكبيرة التي يمتلكها الشباب الجزائري في مجال المقاولاتية، رغم ما يواجهونه من تحديات تمويلية وإدارية وتسويقية. كما قدّم قراءة تحليلية لأبرز العقبات التي تحول دون توسع المشاريع الناشئة، واقتراحات عملية لتحويل المنظمات الوطنية إلى منصات فاعلة قادرة على مرافقة رواد الأعمال ودعمهم في مسار التأسيس والنمو.

أكد إسكندر طورش، أنّ الواقع الجزائري يعجّ بنماذج شبابية استطاعت أن تكتب قصص نجاح ملهمة رغم الصعوبات. هذه النماذج، بحسبه، تثبت أنّ روح المبادرة لا تحتاج بالضرورة إلى بيئة مثالية، بقدر ما تحتاج إلى إصرار، رؤية، وقدرة على التكيّف مع التحديات. فالطريق نحو النجاح في عالم المقاولاتية ليس مفروشًا بالورود، لكنه أيضًا ليس مغلقًا أمام من يمتلك الفكرة والجرأة على تحويلها إلى مشروع حيّ.

ويضيف طورش أنّ ما يميّز هذه النماذج هو أنّها لم تنتظر دعمًا خارجيًا أو ظروفًا استثنائية، وانطلقت من إيمانها العميق بقدراتها الذاتية، وقدرتها على تحويل الأفكار إلى مؤسسات منتجة. فكل قصة من هذه القصص تحمل في طياتها دروسًا في التصميم والمثابرة، وتعبّر عن جيل جديد من الشباب الجزائري الذي لا يكتفي بالحلم، بل يسعى إلى بنائه على أرض الواقع.

ومن بين هذه النماذج، يبرز اسم يوسف بوعافية، مؤسس شركة "أوبتيموم تكنولوجي" التي تنشط في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. استطاع يوسف أن يبني شركته من الصفر، ويحوّلها إلى واحدة من أبرز الشركات الجزائرية في قطاع التقنية، بفضل إصراره على تقديم حلول مبتكرة وتنافسية في السوق المحلية. نجاحه يعكس بوضوح التحول الذي يشهده المشهد الريادي في الجزائر، حيث أصبح الشباب يقتحمون مجالات كانت سابقًا حكراً على الشركات الكبرى أو الأجنبية.

وفي ميدان مختلف تمامًا، اختارت أمينة بن عيسى أن تخوض غمار صناعة مستحضرات التجميل الطبيعية من خلال شركتها "بيوتيفول بروداكتس". استطاعت أمينة أن تبني علامة تجارية جزائرية أصيلة، تجمع بين الجودة والهوية المحلية، لتفرض نفسها في السوق وتشق طريقها نحو التصدير إلى دول أخرى. هذه التجربة تمثل نموذجًا للريادة النسوية في الجزائر، وتؤكد أنّ الابتكار لا يقتصر على التكنولوجيا فقط، بل يشمل أيضًا الصناعات الإبداعية المرتبطة بالحياة اليومية والمستهلك المحلي.

أما محمد بودية، مؤسس شركة "إينوفا تكنولوجي"، فقد جعل من الابتكار قاعدة أساسية لمشروعه، حيث طوّر حلولاً تكنولوجية متقدمة مكنته من حصد جوائز دولية، وأثبت أنّ الريادة الجزائرية قادرة على المنافسة عالميًا. قصته تُبرز أهمية الجمع بين الموهبة التقنية والرؤية الاستراتيجية، وتؤكد أنّ الشباب الجزائري لا يفتقر إلى الكفاءات، بل إلى من يفتح له الأبواب ويمدّ له الجسور نحو الأسواق الكبرى.

ويؤكد المتحدث على أنّ هذه النماذج الثلاثة ليست سوى غيض من فيض، وأن الجزائر تزخر بعشرات القصص التي تنتظر من يسردها ويستثمر فيها. فكل نجاح جزائري هو دليل على أنّ المقاولاتية هو خيار تنموي واقعي، وأنّ بناء اقتصاد قوي يبدأ من تشجيع هذه المبادرات الشابة التي تثبت يومًا بعد يوم أنّ الحلم ممكن حين يجد الإصرار طريقه إلى العمل.

تحديات متشابكة تعرقل صعود المقاولين الشباب

ويُجمع المتابعون على أن المقاولاتية أصبحت أحد المفاتيح الرئيسة لبناء اقتصاد متنوع ومستدام، غير أن الطريق أمام الشباب الراغب في خوض غمارها لا يزال مليئًا بالعراقيل. وفي هذا السياق، يؤكد إسكندر طورش، الإطار وعضو المكتب الوطني للمنظمة الوطنية لتنمية الاقتصاد والمقاولاتية، أن التحديات التي تواجه المقاولين الشباب ليست أحادية البعد، بل متعددة ومتداخلة، ما يجعل من الضروري تبني مقاربة شاملة لمعالجتها.

أولى هذه التحديات تتعلق بجانب التمويل، الذي يمثل العقبة الأبرز أمام كل فكرة طموحة. فغالبًا ما يصطدم الشباب المتخرج حديثًا من الجامعة أو المقبل على تأسيس مشروعه بشروط بنكية صعبة ومعايير تمويل صارمة تتطلب ضمانات كبيرة لا تتوفر لدى معظمهم. هذه الوضعية تُضعف من قدرة الأفكار المبتكرة على التحول إلى مؤسسات حقيقية، وتُبقي الكثير من المشاريع في مرحلة الحلم، دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ.

أما في الجانب الإداري والقانوني، فتبرز البيروقراطية كأحد أكثر المعوقات إحباطًا للمبادرة، حيث تستغرق الإجراءات الخاصة بتسجيل الشركات والحصول على التراخيص وقتًا طويلاً وجهدًا مضاعفًا. كما أن نقص التوجيه القانوني والمشورة المتخصصة للأعمال الناشئة يزيد من تعقيد المشهد، ويجعل كثيرًا من رواد الأعمال الشباب يواجهون وحدهم تحديات لا يملكون لها خبرة أو أدوات كافية.

وفي الجانب الاقتصادي والتسويقي، يجد الشباب أنفسهم في مواجهة منافسة شرسة من الشركات الكبرى القائمة منذ سنوات، فضلًا عن محدودية الوصول إلى الأسواق المحلية والدولية، ما يقلّص من فرص انتشار منتجاتهم وخدماتهم. يُضاف إلى ذلك تقلبات السوق وعدم استقرار الطلب، ما يجعل التخطيط الاستراتيجي للمشاريع الناشئة أمرًا معقدًا يتطلب مرونة عالية وقدرة على التكيّف السريع.

كما يواجه المقاولون الشباب تحديات فنية وتقنية، أبرزها نقص المهارات التقنية اللازمة لتطوير المشاريع، وصعوبة الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة والموارد التي تمكّنهم من تحديث منتجاتهم أو خدماتهم. ويُضاف إلى هذه التحديات بعد البنية التحتية، لاسيما في بعض المناطق التي لا تزال تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل الطرق الجيدة، الكهرباء المستقرة، أو شبكات الاتصال السريعة، ما يحدّ من فرص توسّع المشاريع الناشئة ويدفعها إلى الانكماش بدل النمو.

ويؤكد طورش على أن هذه التحديات مترابطة، ولا يمكن تجاوزها إلا من خلال حلول شاملة ومتكاملة تشارك فيها كل الأطراف: الحكومة عبر إصلاح المنظومة البيروقراطية والتمويلية، والقطاع الخاص من خلال إطلاق مبادرات دعم وتكوين، إلى جانب مؤسسات المواكبة التي يقع على عاتقها تأطير الشباب وتزويدهم بالأدوات العملية التي يحتاجونها لدخول السوق بثقة وكفاءة.

منظمات وطنية برؤية جديدة..

ويرى إسكندر طورش، أنّ المنظمات الوطنية يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في دفع عجلة المقاولاتية، إذا تجاوزت حدودها التقليدية كإطار تنظيمي إلى فضاء عملي يوفّر للمقاولين الشباب ما يحتاجونه من دعم وتمكين. فالدور الجديد لهذه المنظمات يجب أن يتحول من التمثيل أو التنسيق إلى رافعة تنموية حقيقية تستثمر في الطاقات الشابة وتفتح أمامها أبواب السوق.

ويؤكد طورش أنّ أول خطوة في هذا المسار هي تطوير البنية التحتية، سواء المادية أو الرقمية، عبر إنشاء مراكز دعم حقيقية للمشاريع الناشئة، تُقدّم خدمات التوجيه، التدريب، والمتابعة، إضافة إلى تسهيل الوصول إلى التمويل. كما يشدد على ضرورة بناء منصات إلكترونية ذكية تتيح للمقاولين الشباب عرض مشاريعهم، طلب التمويل، والحصول على الاستشارات، في بيئة رقمية متكاملة تعكس التحولات التي يشهدها العالم الاقتصادي اليوم.

أما في الجانب المالي، فيقترح طورش العمل على تنويع آليات التمويل وتحديثها، من خلال إدماج أدوات جديدة مثل التمويل الجماعي والاستثمار في رأس المال المخاطر، إلى جانب القروض والمنح الكلاسيكية. فالتمويل، في نظره، لا يجب أن يكون حاجزًا أمام الطاقات الإبداعية، بل أداة تمكينية تساعد الأفكار على النمو والتوسع، مع خلق شراكات مستدامة بين القطاعين العام والخاص لاحتضان المشاريع الواعدة ومرافقتها في مراحلها الأولى.

ويرى طورش كذلك أنّ دعم المقاولين الشباب يتطلب الاستثمار في العنصر البشري عبر برامج تدريبية نوعية تُعزّز المهارات التقنية والإدارية، وتمكّن الشباب من أدوات التسيير الحديثة وفنون التسويق والابتكار. كما يدعو إلى بناء شبكات من الخبراء والمستشارين لمرافقة المشاريع الناشئة وتزويدها بالخبرة العملية التي تفتقر إليها في بداياتها، معتبرًا أن الخبرة الموجهة قد تكون أحيانًا أهم من التمويل نفسه.

ولا يقلّ بعد الشراكة والتعاون أهمية، إذ يشدد طورش على ضرورة نسج علاقات متينة مع القطاع الخاص، الذي يمكن أن يكون شريكًا ماليًا وتقنيًا، إلى جانب توسيع آفاق التعاون الدولي للاستفادة من التجارب الناجحة عالميًا. كما لا يمكن إغفال أهمية تبسيط الإجراءات الإدارية وتوفير الدعم القانوني للمشاريع الناشئة لضمان حمايتها واستدامتها، بالتوازي مع ترويج ثقافة ريادة الأعمال في المجتمع، وتحفيز الشباب على خوض غمار المقاولاتية بثقة.

ويختم طورش بالتأكيد على أن المنظمات الوطنية، إذا ما تبنّت هذه الرؤية الشمولية، يمكنها أن تتحول من مجرد هياكل تسييرية إلى منصات فاعلة للتمكين الاقتصادي، تخلق بيئة خصبة لولادة مشاريع مبتكرة، وتُسهم بشكل ملموس في بناء اقتصاد وطني قائم على المبادرة والمعرفة والابتكار.

من هو إسكندر طورش؟

إسكندر طورش، إطار بإحدى المجمعات الصناعية التابعة لوزارة الصناعة، يجمع بين التكوين الأكاديمي والخبرة الميدانية في مجال الاقتصاد والصناعة. متحصّل على شهادتي الليسانس والماستر من جامعة قسنطينة 2، وهو أيضًا عضو فاعل في المنظمة الوطنية لتنمية الاقتصاد والمقاولاتية، يشغل فيها منصب مستشار الرئيس. من خلال مهامه، يساهم طورش في دعم المبادرات الشبابية ومواكبة المشاريع الناشئة، ساعيًا إلى تعزيز روح المقاولاتية وبناء جسور بين القطاع الصناعي وريادة الأعمال في الجزائر.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار