2025.10.13
سياسة
مالي.. مقتل 149 جندياً يفضح حدود الرهان العسكري ويكشف أزمة حكم أعمق

مالي.. مقتل 149 جندياً يفضح حدود الرهان العسكري ويكشف أزمة حكم أعمق


أعلن الجيش المالي، الأربعاء، أن أكثر من 149 جندياً قُتلوا في سلسلة هجمات منسقة استهدفت مواقع عسكرية خلال 24 ساعة، في واحدة من أثقل الخسائر التي يتكبدها منذ سنوات.

 وقد نسب الجيش هذه الهجمات إلى مسلحين مرتبطين بـ تنظيم القاعدة، في وقت يتزايد فيه حضور الجماعات الجهادية في مناطق واسعة من البلاد.

الوجود الفرنسي في الساحل، الذي رُوِّج له تحت شعار "الحرب على الإرهاب"، تحوّل في الواقع إلى عنوانٍ لفشلٍ متراكم. ففرنسا لم تنجح في القضاء على الجماعات المسلحة، بل توسّعت هذه الأخيرة إلى مساحات أوسع، مستفيدة من السياسات التي عمّقت الانقسام بين السلطة الانتقالية والمجتمع، وحوّلت شمال مالي ووسطها إلى ساحات مفتوحة للفوضى. ولم تكن باريس تحارب الإرهاب بقدر ما كانت تؤمّن لنفسها موطئ قدم في منطقة تزخر باليورانيوم والذهب.

أما موسكو، التي سارعت لملء الفراغ عبر "فاغنر" ثم "فيلق إفريقيا"، فقد أعادت إنتاج النموذج نفسه بوجه جديد: حضور عسكري مشبع بالدعاية السيادية، لكنه عاجز عن إحداث فارق ملموس في الميدان.

والنتيجة واحدة الجنود الماليون يسقطون بالعشرات، والمناطق النائية تبقى خارج سلطة الدولة، بينما تتقاسم القوى الأجنبية النفوذ والموارد.

السلطة الانتقالية بدورها أثبتت عجزها الفاضح عن صياغة مشروع وطني يعيد للدولة هيبتها. فهي لم تفعل أكثر من تبديل وصاية بأخرى، ولم تقدّم للماليّين سوى خطابات دعائية تستهلك المشاعر ولا تغيّر الواقع.

حصيلة 149 قتيلاً لا تختزل في كونها مأساة عسكرية، بل هي شهادة دامغة على فراغ سياديّ يتمدّد عند تخوم البلاد حيث تتآكل شرعية الدولة وتزدهر اقتصادات الحرب. التحالفات الخارجية تحوّلت إلى قشرة صلبة تخفي هشاشة الداخل, استخبارات ضعيفة، لوجستيات مترهّلة، وعلاقة متشنّجة مع المجتمعات المحلية تُغذّي دوامات الانتقام وتمنح الجماعات الجهادية زمام المبادرة.

إن ما يحدث اليوم لا يكشف فشل فرنسا أو روسيا فحسب، بل يفضح قبل كل شيء سلطة انتقالية عالقة بين الوهم والدعاية. فهي لا تملك مشروع دولة ولا إرادة إصلاح، وتتعامل مع دماء الجنود كأرقام في بيانات رسمية.

وهكذا تتحوّل أزمة الإرهاب إلى مرآة عاكسة لأزمة حكمٍ عميقة، سلطة عاجزة تُدير وطن جريح بلا استراتيجية خروج ولا عقد اجتماعي جديد، لتترك مالي ساحة مستباحة لمعارك

 

 

 

 

 

 

يتصفحون الآن
أخر الأخبار