2025.10.13
حديث الساعة
في خطوة تنذر بانهيار الديمقراطية..  ترامب يستخدم \

في خطوة تنذر بانهيار الديمقراطية..  ترامب يستخدم "قانون المافيا" لسحق المعارضة


لم يَعُد الحديث عن انهيار أسطورة "الوحدة الوطنية" الأمريكية ضربا من الاستثناء أو مجرد افتراض نظري، بل أصبح واقعا ملموسا تتجلى ملامحه في مشهد سياسي أمريكي مُثقَل بالاستقطاب، فقد تحوّل هذا البلد الذي كان يوصف بأنه الأقوى في العالم، إلى ساحة حرب مفتوحة يتصادم فيها معسكران: يمينٌ يهدّد بملاحقة خصومه باستخدام أدوات قانونية صُمِّمت لمكافحة الجريمة المنظّمة، ويسارٌ يرفع شعار "لا ملوك" في مواجهة رئيس يتّهمه بالسعي نحو التمدّد السلطوي.

بينما يلوح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمحاكمة الملياردير جورج سوروس (95 عاما) بتهمة "تمزيق أمريكا"، تُفضي التصريحات العنيفة والاتهامات المتبادلة إلى كشف الغطاء عن جرح غائر: الديمقراطية الأمريكية لم تعد سوى أداة صراع بين أقطاب يتلاعبون بمصير الشعب، ويُشعلون نيران الانقسام حتى لا يبقى من "الحلم الأمريكي" سوى رمادٌ ساخن. فهل أصبحت أمريكا على حافة حرب أهلية بقيادة نخبتها السياسية؟

لقد تصاعدت حدة الصراع في الولايات المتحدة بين ترامب والتيار اليساري، وسط اتهامات متبادلة وتوترات متزايدة. فترامب يوجه أصابع الإدانة مباشرة إلى الملياردير سوروس، متهما إياه بتمويل الاحتجاجات والفوضى، ومتوعدا باستخدام قانون "ريكو" لمحاسبته، وهو القانون ذاته الذي استُخدم لتوجيه اتهامات لترامب نفسه في ولاية جورجيا. هذا التصعيد ترافق مع خطاب يميني متشدد يلوّح بوقف الإعفاءات الضريبية عن المنظمات اليسارية وملاحقتها قضائيا.

الشرارة التي زادت من احتدام الموقف كانت مقتل الناشط الجمهوري تشارلي كيرك، وهو ما اعتبره ترامب نتيجة مباشرة لـ"تحريض يساري منظم"، رغم أن التحقيقات الرسمية أوضحت أن المشتبه به تصرف بمفرده. الحادثة دفعت الرئيس السابق إلى تصعيد خطابه ضد خصومه، بينما برزت في المقابل حركة احتجاجية واسعة تحمل اسم "لا ملوك" No Kings))، رافضة ما تصفه بـ"نزعة استبدادية" لدى ترامب. هذه الحركة قادت آلاف المظاهرات، معتبرة أن المعركة ليست سياسية فقط، بل صراع مصيري بين الديمقراطية والديكتاتورية.

جورج سوروس، وجد نفسه مجددا تحت هجوم الجمهوريين، وفي مقدمتهم ترامب الذي يطالب بمحاسبته قانونيا بسبب تمويله المظاهرات. وقد كرر ترامب عبر مقابلات وتصريحات على منصاته الخاصة تهديداته بفتح تحقيق جنائي بحق سوروس، معتبرا أن ما يجري في الشوارع "ليس احتجاجا سلميا، بل أعمال شغب وعنف منظم". وفي منشور على "تروث سوشيال"، وصف سوروس وابنه بـ"المجانين الذين ألحقوا ضررا هائلا بالبلاد"، محذرا من أن السلطات الفيدرالية تراقب نشاطاتهم عن كثب.

تصريحات ترامب حملت للمرة الأولى تهديدا صريحا باستخدام قانون "ريكو" RICO))، الذي وُضع أساسا لمكافحة الجريمة المنظمة، ضد سوروس وشبكاته. وينص هذا القانون على عقوبات تصل إلى السجن عشرين عاما، إضافة إلى غرامات مالية كبيرة. المفارقة أن ترامب نفسه وُجهت إليه اتهامات بموجب القانون ذاته، في إطار قضية تتعلق بمحاولته المزعومة عرقلة نتائج انتخابات 2020.

لكن خطاب ترامب لا يتوقف عند شخص سوروس وحده. فهو يوسع دائرة الاتهام لتشمل ما يسميه "الشبكة اليسارية"، مهددا باستخدام كل أدوات الدولة لمعاقبة المنظمات والأفراد الذين يتهمهم بتمويل "العنف والتحريض". وقال في أحد تصريحاته: "لدينا مجموعات متطرفة نجحت في الإفلات من العقاب رغم ارتكابها جرائم قتل". كما أشار إلى أنه يجري محادثات مع النائب العام السابقة بام بوندي لتقديم اتهامات موسعة بموجب قانون "ريكو" ضد شخصيات تبرعت بملايين الدولارات لدعم ما يعتبره "تحريضا سياسيا".

صحيفة وول ستريت جورنال كشفت أن إدارة ترامب تدرس أيضا إجراءات بديلة أو موازية، منها إعادة النظر في الإعفاءات الضريبية الممنوحة للمنظمات غير الربحية ذات التوجهات اليسارية، وربما تطبيق قوانين مكافحة الفساد عليها. وفي السياق نفسه، صرح مستشاره ستيفن ميلر بلهجة متشددة: "ستُستخدم كل قوة أجهزة إنفاذ القانون في عهد الرئيس ترامب للعثور عليكم، واسترداد أموالكم، وسلب نفوذكم، وإذا انتهكتم القانون، ستحرمون من حريتكم".

حادثة مقتل تشارلي كيرك مثلت نقطة تحول مهمة في هذا الصراع. فقد قُتل كيرك (31 عاما) في العاشر من سبتمبر أثناء إلقائه محاضرة بجامعة في مدينة أوريم بولاية يوتا، بعد أن أطلق عليه النار شاب يدعى تايلر جيمس روبنسون، سلّمه والده للسلطات معترفا بجريمته. وعلى الرغم من أن التحقيقات الأولية أشارت إلى أن روبنسون تصرف منفردا، وأن دوافعه قد تكون شخصية أو أيديولوجية، فإن ترامب اعتبر أن الجريمة نتاج مباشر لحملات تحريض يسارية، بل وأعرب عن أمله في أن يُحكم على القاتل بالإعدام.

الموقف الرسمي كان أكثر تحفظا. فقد أوضح حاكم ولاية يوتا، الجمهوري سبنسر كوكس، أن المشتبه به ينتمي أيديولوجيا لليسار لكنه تصرف بمفرده، رافضا ربط الجريمة بحركة منظمة. لكن ترامب وحلفاءه أصروا على اعتبارها جزءا من "حملة عنف موجهة ضد المحافظين". هذا الموقف أثار انتقادات واسعة، حيث اعتبرت صحيفة غلوب آند ميل الكندية أن ترامب لا يسعى إلى تهدئة الأوضاع بل يستغل الحادثة لتعزيز أجندته اليمينية المتشددة، محذرة من أن المجتمع الأمريكي يقترب من حافة انقسام خطير.

في الجهة المقابلة، يتسع نطاق الحراك المناهض لترامب يوما بعد آخر. حركة "لا ملوك" أصبحت عنوانا لموجة احتجاجية ضخمة. ففي 14 يونيو، وهو يوم ميلاد ترامب ويوم العرض العسكري الذي أقامه في واشنطن، شهدت البلاد مظاهرات واسعة تحت شعار "No Kings". وحدها نيويورك استقطبت آلاف المشاركين الذين ساروا في الجادة الخامسة حاملين لافتات كتب عليها شعارات مثل: "نحن السلطة"، "السلام هو القوة"، "لا للترحيل"، "لا للحرب مع إيران".

بيان المنظمين أوضح أن "لا ملوك" ليست مجرد حركة احتجاجية، بل يوم وطني للعصيان المدني يرفض "النزعة الاستبدادية" لدى ترامب، ويهدف إلى إظهار "جوهر الديمقراطية الحقيقية". وقد نظم في ذلك اليوم أكثر من 2100 مظاهرة متزامنة في مدن أمريكية مختلفة، الأمر الذي عكس حجم المعارضة الشعبية لسياسات ترامب.

الحركة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ أعلنت عن تنظيم مظاهرة جديدة في 18 أكتوبر، مع توقعات بمشاركة ما بين 5 و6 ملايين شخص في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. وأكد منظموها أن الهدف هو مواجهة ما يصفونه بمحاولة ترامب "تتويج نفسه ملكا"، وقالوا: "القضية ليست سياسية فحسب، بل هي صراع بين الديمقراطية والديكتاتورية".

الخطاب التصعيدي لترامب من جهة، واتساع رقعة الاحتجاجات من جهة أخرى، يعكسان حجم الانقسام الداخلي في الولايات المتحدة. فبينما يرى مؤيدو الرئيس السابق أن المعركة دفاع عن الأمن والنظام في مواجهة شبكات يسارية خطيرة، يراها خصومه محاولة لتبرير نهج سلطوي يهدد أسس الديمقراطية الأمريكية. وفي ظل تزايد التوترات، تبقى الأسئلة معلقة: هل سينجح ترامب في تحويل قضيته ضد سوروس واليسار إلى رافعة سياسية تعزز موقعه؟ أم أن حركة "لا ملوك" وما يشبهها ستكبح اندفاعته وتفتح الباب أمام مشهد سياسي جديد في البلاد؟

يتصفحون الآن
أخر الأخبار