أعلن المجلس العسكري الحاكم في النيجر ، حلّ جميع الأحزاب السياسية وإلغاء نشاطها القانوني، وذلك في إطار “الميثاق الانتقالي” الذي تبنته السلطات العسكرية ليكون بديلاً عن الدستور خلال المرحلة الراهنة. القرار مثّل منعطفاً حاداً في مسار الحياة السياسية، إذ حوّل المشهد إلى فضاء مغلق خالٍ من التعددية، تاركاً القوى المدنية في وضع غير رسمي ومحرومة من أدواتها القانونية والتنظيمية.
الخطوة، التي جاءت بعد أشهر من هيمنة المؤسسة العسكرية على الحكم، وُصفت بأنها الأكثر صرامة منذ انقلاب جوان 2023، في وقت تواجه فيه البلاد أزمات أمنية متفاقمة بفعل نشاط الإرهاب إلى جانب ضغوط اقتصادية واجتماعية خانقة.
وقد أثار هذا الإجراء انتقادات من شخصيات سياسية بارزة رأت فيه نسفاً لما تبقى من المكتسبات الديمقراطية.
وفي هذا السياق، عبّر عمر الأنصاري، العضو المؤسس لحزب التجديد الديمقراطي والجمهوري (RDR-Tchanji) الذي شمله قرار الحل، عن موقفه في تصريحات خاصة لـ الأيام نيوز، مؤكداً أن "حل الأحزاب السياسية لا يمكن أن يكون طريقاً إلى الاستقرار، بل هو إضعاف للدولة وإقصاء للمجتمع".
وأضاف الأنصاري في حديثه للجريدة أن الأمن الحقيقي لا يتحقق بإغلاق الفضاء العام وإنما بفتح قنوات المشاركة أمام مختلف المكونات السياسية والمدنية، مشيراً إلى أن حظر النشاط الحزبي "يجرد المواطنين من حقهم في التمثيل ويحوّل السياسة إلى شأن تحتكره السلطة العسكرية وحدها".
وشدد على أن المرحلة الانتقالية "يجب أن تُدار بروح تشاركية، من خلال حوار وطني شامل يضم القوى المدنية والقبلية والنقابية، مع وضع جدول زمني واضح يعيد السلطة إلى المؤسسات المنتخبة". كما لفت إلى أن "النيجر لا يمكن أن تعيش في عزلة عن محيطها، وأن العلاقات مع الجوار خصوصاً نيجيريا يجب أن تُبنى على المصالح المشتركة لا على الشعارات التعبوية".
يمثل قرار المجلس العسكري في النيجر بحل جميع الأحزاب السياسية خرقاً واضحاً للالتزامات الدولية التي صادقت عليها البلاد في إطار العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، حيث ينصّ كلاهما على حق المواطنين في تكوين الجمعيات والأحزاب والمشاركة في الشأن العام دون قيود تعسفية. ومن منظور القانون الدولي، فإن إلغاء التعددية السياسية لا يعد مجرد شأن داخلي، بل يشكل انتهاكاً لمبدأ أساسي هو الحق في المشاركة السياسية، ما يفتح الباب أمام ضغوط دبلوماسية ومساءلة دولية.
تكمن خطورة خطوة حل الأحزاب في النيجر في مواجهة احتمال فقدان شرعيتها التمثيلية على المستوى القاري والدولي، إذ إن الاعتراف بالحكومات الانتقالية في القانون الدولي غالباً ما يرتبط بمدى التزامها بخارطة طريق واضحة نحو الحكم المدني والديمقراطي.
أما المضي في حظر الأحزاب، فيعزز الصورة السلبية لنظام عسكري يسعى لتكريس حكمه بالقوة، وهو ما قد ينعكس على علاقات النيجر بالاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، ويؤثر على شرعية تمثيلها وموقعها في المنظمات الدولية.
وبينما يواصل المجلس العسكري المضي في فرض “الميثاق الانتقالي” كمرجعية سياسية شاملة، تبقى المخاوف قائمة من فراغ سياسي قد يفاقم الاحتقان. غير أن مواقف شخصيات مثل عمر الأنصاري تعكس أن خيار الحوار والتعددية لم يمت بعد، وأن عودة السياسة إلى أصحابها تظل الطريق الأضمن لبناء دولة مستقرة وقادرة على مواجهة تحدياتها.

