2025.10.13
سياسة
الجيش الوطني الشعبي.. سليل الثورة وركيزة السيادة والبناء

الجيش الوطني الشعبي.. سليل الثورة وركيزة السيادة والبناء


في الرابع من أوت من كل عام، تتوشح الجزائر بألوان العرفان والتقدير، احتفاء بـاليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي، هذه المؤسسة الجمهورية التي ولدت من رحم الثورة التحريرية، وتحولت بعد الاستقلال إلى العمود الفقري للدولة الجزائرية الحديثة.

تحيي الجزائر هذا اليوم تخليدا للذكرى الـ63 لتحول جيش التحرير الوطني إلى جيش وطني شعبي، في 4 أوت 1962، وهو القرار الذي اتخذه القادة الأوائل بثبات وبعد نظر، مدركين أن استقلال الجزائر لا يصان إلا بجيش وطني عقيدته حماية الأرض والشعب.

قرار استراتيجي وحكيم

لقد كان تحويل جيش التحرير الوطني إلى جيش وطني شعبي قرارا استراتيجيا، أنقذ الدولة الناشئة من مخاطر الانزلاق في الفوضى، كما حدث في دول كثيرة ما بعد الاستعمار. فقد اختار القادة أن يتحول المجاهد إلى جندي، وأن تتحول الثورة المسلحة إلى مؤسسات دولة ذات سيادة. وهكذا ولد الجيش الوطني الشعبي، حارس الثورة وراعي الجمهورية، حافظا للأمانة، ومواصلا لمشوار النضال بأشكال جديدة تتماشى مع متطلبات السلم والبناء.

وفي سنة 2021، بادر رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، إلى ترسيم هذا اليوم الوطني، في خطوة حملت أبعادا رمزية وتاريخية عميقة، تؤكد المكانة المحورية التي تحتلها هذه المؤسسة في وجدان الشعب الجزائري، وفي مسار الدولة بكل أبعاده السياسية والأمنية والتنموية.

مؤسسة سيادية بعقيدة شعبية

الجيش الوطني الشعبي لم يكن يوما مجرد قوة نظامية محصورة في المهام العسكرية التقليدية، بل ظل وفيا لعقيدته النوفمبرية التي تربط الجيش بالشعب ربطا عضويا. فهو سليل جيش التحرير، وامتداد طبيعي لحرب التحرير الوطني، إذ يستمد شرعيته من تضحيات الشهداء، ويلتزم بثوابت الأمة التي حررها من الاستعمار الفرنسي.

ومنذ نشأته، ظل هذا الجيش وفيا لمهامه الدستورية، لا يحيد عنها، ولا يتدخّل في الشأن السياسي، بل يحمي مؤسسات الدولة، ويحفظ الأمن، ويصون السيادة الوطنية، متكئا على منظومة احترافية متطورة، وخبرة تراكمت عبر محطات بارزة في تاريخ الجزائر المستقلة.

جيش البناء والتنمية

إلى جانب المهام الدفاعية والأمنية، تحول الجيش الوطني الشعبي إلى فاعل رئيسي في دعم جهود التنمية الوطنية، حيث يسهم بشكل فعّال في مشاريع البنية التحتية، وفك العزلة، وتوفير المياه، وتشييد الطرقات والسدود، وتدخلات الإغاثة خلال الكوارث الطبيعية، بما فيها حرائق الغابات والفيضانات والزلازل.

كما لعب الجيش دورا بارزا خلال جائحة كوفيد-19، من خلال تأمين المعدات الطبية، وتسيير المستشفيات العسكرية المدنية، ونقل اللقاحات، وتقديم الدعم اللوجستي للدولة في معركتها الصحية ضد الجائحة.

اليوم، تسير وحدات الهندسة العسكرية، وطائرات النقل والإسناد، وعناصر الخدمة الاجتماعية والطبية، جنبا إلى جنب مع المهام القتالية، في مشهد فريد يترجم شعار: يد تبني ويد تحمي.

تطور مستمر... واحترافية عالية

كما يمضي الجيش الوطني الشعبي في مواصلة عصرنة وتحديث قدراته، في مجال التكوين والتسليح والتصنيع العسكري، حيث نجح في تطوير صناعة دفاعية واعدة، تقوم على التكنولوجيا والبحث العلمي، بالشراكة مع الجامعات والمؤسسات الوطنية، ما جعله من بين الجيوش الأكثر قدرة في إفريقيا والمنطقة المتوسطية.

كما تستقطب مدارسه العسكرية العليا خيرة الطلبة، وتخضع برامج التكوين لمعايير أكاديمية وعسكرية عالمية، مع الحرص على زرع الانضباط والولاء للوطن في كل مراحل التأهيل.

مؤسسة تحظى بثقة الشعب

و في كل الاستطلاعات والمؤشرات، يتصدر الجيش الوطني الشعبي قائمة المؤسسات التي تحظى بثقة واحترام الشعب الجزائري. هذه الثقة لم تأت من فراغ، بل تأسست على مسيرة طويلة من التضحيات، والانضباط، والالتزام بالواجب، والاستجابة السريعة لكل طارئ يمسّ أمن المواطن أو استقرار البلاد.

وفي محيط إقليمي مضطرب، حيث تنهار الجيوش أو تتحوّل إلى أدوات للانقلابات والصراعات، يظل الجيش الوطني الشعبي نموذجا في الانضباط، والوطنية، والاحتراف، والتمسك بالشرعية الدستورية.

الوفاء للأمانة والذاكرة

إن الاحتفاء باليوم الوطني للجيش ليس مجرد طقس احتفالي، بل هو تجديد للعهد مع شهداء الثورة، ومع روح نوفمبر، ومع القيم التي تأسست عليها الجمهورية الجزائرية. هو أيضا مناسبة لتذكير الأجيال بدور هذه المؤسسة في الحفاظ على وحدة الوطن، وصون مكتسباته، ومواصلة السير نحو مستقبل آمن ومتوازن.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار