2025.10.13
اقتصاد
الجزائر في أوساكا.. ثورة التحوّل الخفي

الجزائر في أوساكا.. ثورة التحوّل الخفي


تتقدّم الجزائر بخطوات متسارعة نحو رسم ملامح مستقبلها الطاقوي في ظل التحولات العالمية المتسارعة، حيث لم يعد الرهان مقتصرا على النفط والغاز، بل تجاوزهما إلى الاستثمار في مجالات أكثر استدامة كالطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر. وفي هذا السياق، حرصت الجزائر على أن تجعل من مشاركتها في المحافل الدولية، على غرار المعرض العالمي "أكسبو 2025" بأوساكا اليابانية، منصة لإبراز طموحاتها في التحول الطاقوي وتأكيد حضورها كفاعل إقليمي يسعى إلى مواكبة الثورة العالمية في مجال الطاقة النظيفة. فالمبادرات المطروحة، سواء عبر البرامج الوطنية الطموحة لإنتاج آلاف الميغاواط من الطاقات المتجددة أو عبر الانفتاح على الشراكات الدولية ونقل التكنولوجيا، تعكس رؤية استراتيجية تتجاوز البعد الاقتصادي لتتصل بأبعاد بيئية وتنموية أوسع، تجعل من الجزائر مرشحة لأن تكون قطبا طاقويا مستقبليا في المنطقة.

فهل ستنجح الجزائر في تحويل هذه الطموحات الطاقوية إلى واقع ملموس يؤهلها لتصبح مركزا إقليميا رائدا في إنتاج وتصدير الطاقة النظيفة، أم أن التحديات التقنية والتمويلية والتنظيمية ستظل عائقا أمام تجسيد رؤيتها الاستراتيجية على أرض الواقع؟

وفي هذا السياق أكد الباحث المصري في شؤون الطاقة والمناخ المتجدّد، الدكتور مارك أيوب، في حديث خصّ به صحيفة الأيام نيوز، أنّ الجزائر تمتلك كل المقومات التي تؤهلها لتصبح مركزا إقليميا لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر نحو أوروبا.

 وأوضح أن ما يميز الجزائر هو موقعها الجغرافي الاستراتيجي المطل على الضفة الجنوبية للمتوسط، ووفرة مواردها الطبيعية من الشمس والرياح، إلى جانب البنية التحتية الطاقوية التي راكمتها عبر عقود في قطاع المحروقات، وهو ما يمنحها أفضلية تنافسية في ظل الطلب الأوروبي المتزايد على مصادر طاقة نظيفة وآمنة.

الدكتور مارك أيوب_مصر

وأشار أيوب إلى أن انعقاد ندوة الجزائر بأوساكا حول الاستراتيجية الوطنية للطاقات المتجددة والهيدروجين يحمل أهمية خاصة، لأنه يعكس جدية الدولة في تقديم رؤيتها للعالم، والانفتاح على التجارب الدولية، وبناء جسور تعاون جديدة مع الشركاء. واعتبر أن هذه الخطوات لا تقتصر على الترويج للفرص الاستثمارية، بل تساهم أيضا في نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة وبناء سلاسل قيمة محلية متكاملة، بما يتيح تكوين كفاءات وطنية عالية المستوى في مجالات الهندسة والتصنيع والخدمات اللوجستية، وبالتالي تعزيز الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل واسعة.

وفيما يتعلق بالتحديات، شدّد الخبير على أنّ المرحلة التنفيذية ستواجه عقبات تقنية وتمويلية وقانونية، تستلزم تطوير إطار تنظيمي أكثر وضوحا ومرونة، يحدد آليات الاستثمار والتعاقد والنقل والتصدير. كما دعا إلى الاستفادة من قانون الاستثمار الجديد، بما يوفره من حوافز ضريبية وتمويلية، قادرة على استقطاب الشركات العالمية ودعم شراكات مستدامة.

ولفت أيوب إلى الدور الحيوي للشراكات الدولية، سواء مع المؤسسات الأوروبية أو الخليجية، في نقل الخبرة وتوطين التكنولوجيا، معتبرا أن النماذج الأكثر نجاحا هي تلك التي تقوم على التصنيع المشترك والاستثمار المباشر، بما يضمن تقاسم المخاطر وبناء قاعدة صناعية وطنية متينة. كما أكد أن مشاريع كبرى مثل "ممر الهيدروجين الجنوبي" نحو أوروبا قادرة على تعزيز التكامل الطاقوي والمساهمة في تقليص الانبعاثات الكربونية، سواء عبر شبكات أنابيب مباشرة أو من خلال تصدير المشتقات مثل الأمونيا الخضراء.

واعتبر الخبير أنّ إشراك القطاع الخاص يعدّ شرطا أساسيا لنجاح هذه الاستراتيجية، من خلال شراكات فعّالة بين القطاعين العام والخاص تضمن الاستدامة وتفتح المجال لتمويل مبتكر. كما أشار إلى أن آفاق التعاون مع المستثمرين الخليجيين لا تقتصر على الطاقة والبنية التحتية، بل تشمل أيضا الصناعات التحويلية وحلول التخزين والتوزيع، ما يجعل من الجزائر فضاء خصبا لبناء تحالفات استراتيجية طويلة المدى.

وختم أيوب حديثه بالتأكيد على أنّ الجزائر قادرة على أن تتحول إلى أنموذج إقليمي رائد في إنتاج الهيدروجين الأخضر، شرط توفير ثلاثة عناصر أساسية: حوكمة رشيدة تضمن الشفافية، آليات تمويل فعّالة تستقطب رؤوس الأموال، وتكنولوجيا متقدمة ترافقها كفاءات بشرية مؤهلة. هذه الركائز، كما قال، ستحدد موقع الجزائر في خارطة الطاقة النظيفة عالميا خلال السنوات المقبلة

يتصفحون الآن
أخر الأخبار