2025.10.13
التربية النفسية فريضة في عصر \

التربية النفسية فريضة في عصر "الدخول إلى الخارج"!


إن الأيام التي تمرّ علينا في العصر الراهن فيها من التعقيد الكثير، ومن المشاكل ما لا يُعدّ ولا يُحصى، وعلى الرغم من ذلك قد تجد بعض الأهالي حين يتم الحديث أمامهم عن التربية النفسية يتململون ويتأفّفون، حتى أن قسما لا بأس به منهم قد يسخر من الفكرة قائلا: وما الداعي للتربية النفسية؟! لقد كبرنا ولم يتم التركيز كثيرا على مثل هكذا أمور حين كنّا صغارا، فلماذا نركّز نحن اليوم عليها؟!

لذلك لا بد لنا من أن نوضّح خطورة الأيام التي نعيشها، ولا ينبغي تجاهل أن هذه الأيام لا تشبه سابقاتها، فالمشاكل قد تفاقمت والأزمات قد ازدادت حدّة وخطورة، وبات الأبناء والبنات عِرضة لها.

فلا يمكن للأهل في يومنا هذا أن يتجاهلوا أمر التربية النفسية، مدّعين أن الأيام كفيلة بتعليم أبنائهم وتقويتهم، لأنهم إن فعلوا ذلك حقا، ستمرّ الأيام ليصدموا في نهاية المطاف بأنّ أولادهم قد باتوا أناسًا مدمّرين، خائفين على الدوام، قلقين ومتوتّرين بشكل مريب، غير قادرين على اتّخاذ قراراتهم بأنفسهم ومحبَطين من الدنيا وما فيها.

ففي السابق، كان إغلاق باب المنزل على الطفل، يعني أنه قد أصبح حاضرا بكامل تركيزه مع أبويه، يصغي إليهما ويتفاعل معهما، أما اليوم فالأمور قد اختلفت كثيرا، فباب المنزل وإن أغلق على الطفل، يبقى باب العالم مفتوحًا أمامه من خلال الهاتف والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

فكم من الأهالي حين يسألون عن أطفالهم، يجيبون بأنهم في غرفتهم، ظنا منهم بأن وجود الطفل في غرفته يعني أنه لوحده، لكن الحقيقة المُرّة هي أن الطفل ليس وحيدا في الغرفة، بل يكون ممسكًا بهاتفه بيده، مطَّلعا على أخبار من سمّوا أنفسهم "مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي"، يستمع إليهم، يراقب نمط معيشتهم بعينين يملؤهما الذهول، ويتمنى لو كان مكانهم، ويصبح ناقمًا على وضعه المادي والاجتماعي وحاقدا على والديه لأنهما لا يساعدانه لكي يصبح مشهورا وغنيًّا ومؤثرا في عالم كثر فيه المؤثّرون بنسبة مخيفة.

كل هذا يجري مع الطفل، في حين أن أمّه وأباه يشعران بالاطمئنان لأنه لم يخرج من المنزل، إنهما يعتقدان أنه في أمان وأنه يتسلّى قليلا على هاتفه، لكنهما لا يعلمان أن الهاتف هو من يتسلى به، مع الأسف.

سيكبر هذا الطفل بروتين الحياة نفسها، ومع مرور السنوات سيصبح مراهقا غاضبا ووحيدا، وسيغضب أهله منه ويقولون إنهم لم يحسنوا تربيته، فيقررون معاقبته وإعادة تربيته من جديد لعلّهم يحصلون على نسخة أفضل من ولدهم.. لكن التربية التي يحتاجها ليست تلك التي تنتهي باللوم والعتاب والصراخ وإلقاء الاتهامات على هذا وذاك، بل إن الموضوع أعمق من هكذا بكثير.

إن المشكلة ليست في الأهل وحدهم، كما أنها ليست في الطفل وحده، بل إنها مشكلة عصرٍ بأكمله، لكن وكما نعرف أن لكل مشكلة حل ولكل داء دواء، علينا معالجة هذه المشكلة، والعلاج هنا يكون من خلال التربية النفسية.

أولا: يقع على عاتق الأبوين أن يثقّفا نفسيهما لكي يستطيعا تقديم المساعدة لأطفالهما.

ثانيا: عليهما التوقف عن لوم نفسيهما وعن لوم الأطفال، وأن يدركا أن المشكلة تبدأ بالانحسار متى ما توقفت حفلة اللوم وبدأ بالمقابل العمل الجاد من أجل تحسين الأمور.

ثالثا: ليس هنالك وقت متأخر، فحتى لو لم يتم البدء بالتربية النفسية السليمة منذ الصغر، سيتمكنان من السيطرة على الأمور بمجرد اتخاذ القرار الجدي النافع.

أخيرا وليس آخرا، على الأبناء أن يتذكروا أن أهلهم يحبونهم بلا أدنى شك، وهم لن يجدوا أحدا يحبهم مثلهم، وأن العالم الخارجي مليء بالصور البرّاقة والخادعة، فلا يجب أن يسمحوا لهذه الصور بأن تستمر في خداعهم، فكل مظاهر الثراء الفاحش التي يرونها تخفي وراءها حقائق مؤلمة، الله وحده يعلم بها، لذلك عليهم ألا يحسدوا أحدا على حياته التي لا يرون من حقيقتها الشيء الذي يذكر.

والآن، لا ينبغي علينا نسيان أن استشارة الأخصائيين النفسيين ليست بعيب أو حرام، بل هي ضرورة لكل أم وأب يجدون أنفسهم عاجزين عن مساعدة أولادهم، فربما يحتاجون شخصا آخر ليمدّ لهم يد العون ويساعدهم على الخروج من الدوامة التي وجدوا أنفسهم يعيشون فيها.

المهم في جميع الحالات مهما صعبت ألّا يتم تجاهل التربية النفسية لأنها ضرورية لكل طفل.

فالتربية النفسية واجب على كل أهل اتجاه أطفالهم، وإن لم يؤدوا هذا الواجب بكل أمانة وإخلاص سيجدون أنفسهم مضطرين لتحمل النتائج القاسية والمريرة.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار