يفتتحِ الروائي عبد القادر ضيف الله روايته سوداد بحفل توقيع لكاتب مغمور ينتظر بيأس اقتراب القراء واهتمامهم بروايته، وبعدها يستاء من تعليقات ناشره الذي لا يقدّر موهبته ولا يحترم مواضيع كتاباته ثم تتعبه بعد ذلك كراتين نسخه التي سيحملها معه في سيارة أجرة إلى الفندق في العاصمة وهو لا يملك فكرة عن كيفية توزيعها وما الذي سيفعله بها! في حفل التوقيع ذاك، يقترب منه أحد القراء من متابعيه في الفيسبوك ليطلب منه أن يكتب رواية عن سيرة حياته والتي أكثر ما يميزها مثليته والعلاقة العاطفية التي تربطه بكولونيل. ليتسنى لنا لاحقًا بعد التواصل بينهما التعرف على أصول القارئ ومهنته وظروف عائلته الصعبة والبيت الذي كبر فيه لوالد مختل عقليًا يقاد إلى المصح ويصبح وصمة عار للشاب المثقف الذي عانى من الاكتئاب بسبب التغرب عن نفسه ومجتمعه إلى جانب علاقته المعقدة بالكولونيل التي أضرّت بنفسيته إلى حد محاولته الانتحار.
الميتاسرد في رواية سوداد
الرواية تتميز بتكنيك خاص في الكتابة يتمثل في الميتاسرد وهو السرد القائم على سرد آخر يحمل وعيًا ذاتيًا ونقديًا بنفسه بحيث يقوم الروائي عبد القادر ضيف الله بسرد هذه الرواية من خلال تداخل صوتين رئيسين، الروائي المغمور والشاب المثلي، يتواصلان وبتواصلهما يتعاونان على كتابة رواية عن سيرة الشاب المثلي وعلاقته بالكولونيل وما تمكّن من معرفته من أسرار عسكرية ومخابراتية تضيف موادًا مثيرة للاهتمام لمشروع الرواية، وبذلك يتعدى دور سامي الشاب المثلي بكونه شخصية تروي حكايتها بطريقة تلقائية بل من خلال روايته يصبح راوي ميتاسردي يقوم بكتابة فصول وإرسالها للروائي لتكتَب رواية الشاب وتبنى في الوقت نفسه رواية سوداد التي نحن بصدد قراءتها.
الجرأة بالتوازي مع الأنسنة في رواية سوداد
يتناول عبد القادر ضيف الله، هذه العلاقة المثلية بجرأةٍ ويسمي الأشياء بمسمياتها كما لو كان يكتبُ لنفسه وكما لو كان لن يقرأ له أحد، وما يمنح النص بعدًا آخر هو تعمّقه في التفاصيل النفسية والجسدية إلى جانب اهتمام خاص أولاه للجانب الإنساني لهذه القصة، كما لو أنّه يحاول الإجابة عن ذلك السؤال؟ ما الذي قد يجعل رجلاً يتعلق عاطفيّا برجلٍ آخر؟ خاصّة وهو يشير على لسان شخصية سامي بأنّ العلاقة الجسدية بينه وبين الكولونيل لم تكن مكتملة لأسباب شرحها سامي في الرواية وهو يوضّح لصديقه الكاتب بأنّ العلاقة بينهما كانت عاطفية أكثر ممّا كانت جسدية.
اللغة بصمة عبد القادر ضيف الله
من السهل تمييز لغة الكاتب عبد القادر ضيف الله عن غيرها فهو يعبّر بطريقته الخاصّة وفي هذا العمل تفاوتت بين لغة شاعرية بصوت شخصية الكاتب في بعض النصوص ولغة سردية في نصوص أخرى، خاصّة تلك التي بصوت شخصية الشاب سامي وهذا ما منح هوية لكل صوت سردي وبذلك يتجنب ضيف الله خطأ يقع فيه الكثير من الكتّاب وهم يعدّدون الأصوات دون منح شكل لغوي وتعبيري لكل شخصية وفقًا لتفاصيلها ومستواها التعليمي والثقافي والاجتماعي.
سوداد عتبة النص
بالنسبة لعتبة النص التي تتمثل في عنوان سوداد، هذه الكلمة تعني بترجمتها الحنين، وهو عنوان أغنية للمغنية المتميزة ببحّتها الحلوة سيزاريا إيفورا وكانت في الرواية أغنية مشتركة يصغي إليها كل من الشاب سامي والروائي الذي كان يتواصل معه لأجل كتابة حكايته. ينهي ضيف الله الرواية بنهاية مفتوحة مع إشارات بسيطة تاركًا للقارئ حرية الاستنتاج والمشاركة في وضع نهاية لهذه الرواية. الرواية صادرة عن دار خيال سنة 2021 ورشّحت لجائزة آسيا جبار الجزائرية.