لم يتفق الجزائريون بعد على الاحتفالِ بجميع الأعياد والمناسبات التي يحتفل بها الناس في العالم٬ فالجدل في مواقع التواصل يرافق كل مناسبة بين مؤيّد ومعارضٍ للاحتفال٬ كان من المضحك قراءة منشورٍ لصديق يتهكم على الجدل الذي تسّببت فيه صورة اللاعب المصري محمد صلاح مع عائلته إلى جانب شجرةِ الميلاد٬ كتب لأصدقائه المسيحيين دعوكم من كل ما تقرأونه من تهجّم وتعليقات فالعرب والمسلمون لم يتفقوا حتى بشأن أعيادهم الدينية الخاصة!
وهذا فعلاً ما يحدث كل سنة في توقيت ذكرى المولد النبوي الشريف الذي كان الاحتفال به عادة راسخة لا شكّ فيها في عادات الجزائريين حتى جاء من يحرّم الاحتفال ويحاول إلغاء البدعة٬ والتحريم يشمل بقية الأعياد التي لم يباركها الإسلام بالنسبة إليهم الاحتفال يقتصر على عيدين فقط٬ عيد الفطر وعيد الأضحى وكل احتفالٍ آخر هو دخيل على الثقافة المحلية للبلاد. مع أنّ مظاهر العولمة طغت على كل شيء فالأجيال الجديدة التي ترتدي الجينز والماركات العالمية وتستخدم الفيسبوك والتويتر أصبحت مهتمة أيضًا بالأعياد العالمية ومباهجها والسنة الميلادية أصبحت تقويمًا تعترف به كل شعوب العالم.
في بلد كالجزائر في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر٬ تجد المتفائل الذي يبدأ بالتخطيط للسنة الجديدة ويتأمّل أن تكون أفضل من السنوات السابقة وتجد المتشائم الذي لا يتوقع منها الكثير ولا يتخيّل سوى أن تكون سنة بائسة أخرى من المتاعب والمسؤوليات كما تجد من يرغب بالاحتفال وحجز تذكرة بثمن خيالي لحضور سهرة في فندق أو مركب سياحي ومن يرتب لسهرةٍ عائلية في بيته٬ وتجد بالطبع من يحرّم الاحتفال قطعًا ومهما شعرتَ بالضجر كل سنة من نفس المواضيع المستهلكة ومهما تثاءبتَ من سماع الكلام نفسه٬ مهما تمنيت أن يعيش غيرك خياراتَه فقط في صمت٬ ستتمنى أن يحتفل من يحتفل ويقاطع من يقاطع بلا ثرثرة ودون التطفل على خياراتِ الآخرين وانتهاكِ حقهم في تبني قناعاتهم ستظل شاهدًا على تلك الحواراتِ المكرّرة٬ ستشارك سيارة أجرة وتكون مضطرًا لسماع الراكب قبلك يناقش سائق التاكسي عن هذه العادات الدخيلة التي لن يرضى عنها الله٬ وتبذل جهدك كي تبقي كلماتك داخل فمك وتبقى بعيدًا عن النقاش ومحصّنًا من الاستفزاز.
وإن ركبت الحافلة قد تتقاطع مع لافتة تحمل إشارة المقاطعة مع كلماتٍ تذكّرك بأنّك مسلم وبأنّه لا يجوز لكَ الاحتفال٬ وفي محلات الحلويات قد تجد من امتنع عن صنع كعكة لابيش لأنّها حرام بينما يقترح عليك البائع شراء كيكةٍ عادية للاحتفال تبتسمُ له متقبلاً لسياسة المحل وتمتنع عن الإشارةِ إلى أنّ كل منهما تم خبزهما بمكوّنات واحدة٬ الفرق الوحيد يكمن في أنّ الأولى أسطوانية الشكل والثانية دائرية!
في النهاية كيفما ودّعت سنة 2022 على طريقتك٬ أنت تعلم أنّها كانت سنةً سعيدة على البعض وثقيلة ومؤلمة على البعض الآخر ومتفاوتة لكثيرين٬ يبقى الأمل بسنةٍ أفضل أمنية حاضرة في قلب من سيحتفل ومن سيحرّم الاحتفال.