شابة إسرائيلية عمرها 18 عاما، شاهدت ما يمارسه جيش الاحتلال الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية ضدّ المدنيين بقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، فأعلنت مُسبّقا أنّها سترفض التجنيد حتى لا تتورّط في هذه الأعمال الإجرامية، وفي 25 فيفري الجاري جاء وقت تجنيدها فتمسّكت "صوفيا أور" بموقفها ليتمّ الزجّ بها في السجن، وقبل ذلك كانت هذه الشابة قد تلقّت تهديدات بالقتل والاغتصاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وفي مقابل هذا الموقف الفردي، تقف معظم الحركات النسوية الغربية - أفرادا ومؤسسات - إلى جانب العدوان الصهيوني دون الالتفات إلى نساء فلسطين اللائي يواجهن - مع أطفالهن - أكبر إبادة جماعية في التاريخ المعاصر، ويبدو أنّ موقف "صوفيا أور" التي تدفع الآن ثمن قناعاتها الأخلاقية يكشف مدى الإفلاس الأخلاقي الذي وقعت فيه الحركات النسوية في الغرب بسبب وقوفها إلى جانب التحالف الإمبريالي الصهيوني المنخرط في مشاريع التطهير العرقي ضدّ نساء وأطفال غزة. === أعدّ الملف: حميد سعدون - سهام سوماتي - منير بن دادي === تعتبر الدكتورة مريم الدوسري أنّ تحيّز (أبطال) الحركات النسوية الغربية إلى جهة الكيان الصهيوني ضدّ فلسطين - حيث النساء يمثلن الغالبية العظمى من ضحايا العدوان الصهيوني المتواصل - ليس بالأمر الجديد ويكشف عن إفلاس أخلاقي. وأوضحت الدوسري في مقال لها بموقع "ميدل إيست آي" أنّ كتاب وكاتبات الحركات النسوية الغربية أظهروا - ومنذ بداية العدوان الهمجي على غزة - تحيّزا للرواية التي تصوّر الكيان الصهيوني باعتباره "نموذجا للحضارة" في مواجهة "معقل التخلّف بالشرق الأوسط"، إلى حدّ الاستهانة بقيمة الشعب الفلسطيني والنظر إليه على أنه ينتمي إلى "مملكة الحيوانات". وأشارت إلى أنّ مثل هذا التحيّز ليس بالأمر الجديد، بل تمّ تضخيمه من خلال آلة الدعاية الإعلامية في بريطانيا التي تواصل تشويه المجتمع العربي، حتى بات من المثير للقلق بشكل غير متوقع - تضيف الدوسري - أن نسمع مثل هذه التشوّهات على ألسنة ناشطات نسويات بريطانيات. لقد صار المرء يشعر بالخيبة حين يفشل في العثور على أصوات ناشطات نسويات معروفات في المملكة المتحدة يتعاطفن مع ما تواجهه النساء والأطفال في فلسطين، وفق مقال الكاتبة التي ترى أنّه، على الرغم من تحذير محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية، فقد بقي المدافعون عن حقوق المرأة في الغرب يحتفظون بتضامنهم مع النساء الإسرائيليات فقط. نمط مزعج وأوضحت الكاتبة أنّ هذا النمط المتحيّز المثير للاستياء - من قبل الحركات النسوية الغربية، والذي أصبح يوصف على نطاق واسع باسم "النسوية الإمبريالية" - بات واضحا خلال الوضع المزري في فلسطين، إذ تأتي مواقف هذه الحركات في اتساق مع السياسات الغربية الإمبريالية. وهذه ليست المرة الأولى التي يفشل فيها دعاة حقوق النساء الغربيون، إذ اعتادوا تسليط الضوء فقط على القضايا المستساغة للأذواق الغربية، فيما يتم تجاهل اهتمامات النساء ذوات البشرة السمراء، وهذا النمط المزعج - تقول الكاتبة - واضح بشكل لا لبس فيه، فيما يشار إليه على نطاق واسع باسم "النسوية الإمبريالية". وتذكر الكاتبة نموذجا عن تلك الانتقائية، فتقول "لنتأمل هنا الاحتجاج الذي أطلقته الناشطات النسويات بالمملكة المتحدة إزاء ما تعرّضت له الإيرانية مهسا أميني وأدى إلى وفاتها"، فهذه القضية أثارت ردّ فعل عالميا على محنة أميني وأدت إلى تضامن واسع في المملكة المتحدة وحركة احتجاج نسوية كبيرة، انتهت بمشهد قصّ الشعر في قلب لندن. وبالمقابل، فإنّ الوضع المأساوي الذي تواجهه النساء والأطفال الفلسطينيون في غزة لم يحظ بجهود المناصرة الصاخبة والعاطفية المماثلة، ويبدو الأمر كما لو أنّ الغضب النسوي يتم إظهاره بشكل انتقائي نحو القضايا التي تتناسب مع السردية الغربية للتحرّر، تاركة قضايا أخرى، مثل تلك الموجودة في فلسطين، في الظلّ. وترى الكاتبة أنّه وبالنسبة إلى فلسطين، تعيد دورة التاريخ القاتمة ذاتها، فتقوم الإمبريالية والاستعمار الغربيان بنشر روايتهما المألوفة، بالادعاء أنّ المرأة الفلسطينية بحاجة إلى "الإنقاذ" من حماس، المصنّفة في المملكة المتحدة ودول أخرى مؤيّدة للإرهاب الصهيوني على أنها جماعة إرهابية. وهذا مشابه للسرديات الغربية المعتمدة في مقاربة الحال في أفغانستان والعراق، والتي تركّزت على تحرير "النساء السمراوات من الرجال السمر"، وأنّه وفي الوقت ذاته، فإنّ المحنة الفعلية والمستمرة للنساء الفلسطينيات ليست أكثر من مجرد أمور ثانوية. وتختم الكاتبة أنّ صمت أولئك الذين ينبغي أن يكونوا الأعلى صوتا ضدّ العنف الذي تتعرّض له النساء والأطفال في غزة، إلى جانب تركيزهم على حماس، يتناقض مع المبادئ ذاتها التي تدّعي الحركة النسوية التمسّك بها، في الوقت الذي تواجه النساء الفلسطينيات مصاعب لا يمكن تصوّرها من الجوع ونقص المياه النظيفة والنقص الحاد في الضروريات الأساسية حتى أنّ البعض منهن يأكلن العشب للبقاء على قيد الحياة. وتلفت إلى أنّه من المثير للدهشة وجود ضجّة على وسائل التواصل الاجتماعي حول النسوية والسلطة الأبوية بشأن خسارة نجمة فيلم (باربي) فرصة الترشيح لجائزة الأوسكار، أكثر بكثير من تلك الضجّة حول الظروف القاسية للنساء الفلسطينيات اللاتي يلدن دون رعاية في المستشفى، بسبب غياب شروط النظافة الأساسية، وعدم وجود تخدير للعمليات القيصرية الحيوية، بالإضافة إلى وفيات الأطفال حديثي الولادة التي تفطر القلب، وكلّ هذا الصمت الذي يصمّ الآذان، يكشف عن الإفلاس الأخلاقي للحركة النسوية الغربية من خلال تجاهلها لمأساة النساء الفلسطينيات. وحذّرت الدوسري من أنّه إذا استمرت الجماعات النسوية ووسائل إعلامها في تشويه السرد كما فعلت، فلن يكون هناك اختلاف بينها وبين موقف الحكومة الفرنسية، حيث هدّد وزير المساواة بين الجنسين بقطع التمويل عن الجماعات النسوية التي تحيد عن رواية السابع من أكتوبر الصهيونية، مضيفة أنّ مواقف هذه الحركات تشكّل سابقة خطيرة، ستعني بداية نهاية الحركة النسوية الشاملة وغير المتحيّزة، وهو ما يعني غيابا فعليا لحركة تمثّل كل النساء في العالم.
بتأييد من زعيمات الحركات النسوية في الغرب..
"إسرائيل" تشنّ حربا وحشية على نساء غزة
تشير الأرقام إلى وجود حوالي 50 ألف امرأة حامل في قطاع غزة، وقد تمّ تصنيف 40% من حالات الحمل بأنّها عالية الخطورة، إذ يبلغ عدد اللائي يلدن 180 يوميا، بينما البنية التحتية للرعاية الصحية مدمّرة، وبحسب منظمة الرعاية الخيرية "لا يوجد طبيب أو قابلة أو ممرّضة لدعم النساء أثناء المخاض. ولا يوجد مسكنات للألم أو التخدير أو مواد التعقيم عندما تلد النساء". وكانت الكاتبة نسرين مالك، قد ركّزت في مقال لها عبر صحيفة الغارديان، على ما وصفته بـ"الحرب على النساء في غزة"، متسائلة "هل سيتجاهلها الغرب حقا، لأنهن لسن مثلنا؟"، ولفتت الكاتبة إلى أنّ الكارثة في بعض الأحيان تكون كبيرة جدا إلى درجة أنها تحجب تفاصيلها، فبالإضافة إلى عدد القتلى والنازحين في غزة، كان الصراع أشدّ قسوة على النساء والفتيات. وأوضحت نسرين مالك، أنّ الأطفال يولدون على الأرض في العراء، ويُقطع الحبل السري بأيّ أداة حادة في المتناول، في حين تُملأ أيّ علبة صفيح بالماء الساخن لإبقاء الرضيع دافئا. وهذه العمليات القيصرية، المؤلمة حتى مع توفّر الأدوية، يجريها الجراحون دون أيّ تخدير على الإطلاق وفي غياب الماء لغسل أيديهم، ناهيك عن تعقيمها، ولا توجد أيّ مضادات حيوية لأيّ التهابات ناتجة. وفي بعض الحالات، ووفقا لتقارير من صحيفة واشنطن بوست، أجريت عمليات قيصرية لنساء بعد وفاتهن. ما كتبته نسرين مالك لم يحرّك شيئا لدى زعيمات الحركات النسوية الاستعراضية، وأغلبهن يغرقن في التنظير للتهرّب من مواجهة حقائق صادمة، ذكرت بعضها الكاتبة خلال وصفها لأنواع المعاناة الأخرى التي تلاقيها النساء في غزة وأثناء رحلة العذاب مع النزوح الإجباري والجوع والعطش وأثر ذلك على المواليد. وأشارت إلى أنه في ديسمبر الماضي لم يستحم الأطفال بعمر شهر واحد، الذين ولدوا في مخيمات النازحين، أبدا. و"العديد من جوانب الأمومة، التي كانت في السابق روتينية، أصبحت الآن مسألة حياة أو موت"، كما جاء في تقرير سابق لشبكة "سي.إن.إن" الأمريكية. وفي المقابل، استهجنت الكاتبة، لا مبالاة الغرب - بمختلف حركاته النسوية - مما يحدث لنساء غزة، في حين كان الخطاب النسوي السائد خلال الأسابيع القليلة الماضية يدور حول ترشيحات أفلام باربي لجوائز الأوسكار، وفسّرت هذا الأمر بأنّه مجرّد طبيعة بشرية، إذ تملي سياقاتنا وثقافتنا أولوياتنا المباشرة. وأردفت أنّ هناك دوافع أخرى، من غير المريح التفكير فيها، ولكن من الصعب تجاهلها، والتي تقلّل من التركيز على الوضع اللاإنساني والملحّ بشكل خاص عندما يتعلّق الأمر بالنساء والفتيات في غزة، لكن ما تناولته الكاتبة في مقالها، أعاد الكشف عنه تقرير صادم عن انتهاكات صهيونية مفزعة بحقّ النساء الفلسطينيات: فما فحوى هذا التقرير؟قتل وتعذيب واغتصاب وتجويع..
العالم في صدمة بسبب تقرير مرعب
تمتنع كلّ الجماعات النسوية عن التعليق حول ما تمّ الكشف عنه - يوم الاثنين 19 فيفري الجاري - من حقائق مرعبة، حين دعت خبيرات أمميات إلى إجراء تحقيق مستقل في انتهاكات صارخة ارتكبها الاحتلال الصهيوني بحق نساء وفتيات فلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية، من بينها القتل والاغتصاب، وأشارت الخبيرات إلى تقارير تفيد بأنّ نساء وفتيات تعرضن للإعدام التعسفي والقتل المتعمد. وتم هذا الاستهداف ﺧﺎرج ﻧﻄﺎق اﻟﻘﻀﺎء عن طريق ﻗﻨﺎﺻﺔ أو عن طريق أﻓﺮاد ﻣﻦ اﻟﺠﻴﺶ الصهيوني، وقد وقع ذلك في ديسمبر 2023 وجانفي 2024، خلال فرار نساء أو خلال تواجدهن ﻓﻲ الأماكن اﻟﺘﻲ ﻟﺠﺄن إليها. وتفيد معلومات أنّ بينهنّ من كنّ يحملن قطعا من اﻟﻘﻤﺎش اﻷﺑﻴﺾ للتأكيد أﻧﻬنّ ﻣﺪﻧيات وأﻧﻬن ﻻ ﻳﺤﻤﻠن ﺳﻼحا، وقد قتلهم مع أفراد أسرهن بمن فيهم الأطفال. وأشارت الخبيرات الأمميات - في بيانهن - إلى الاحتجاز التعسفي لمئات الفلسطينيات، من بينهن مدافعات عن حقوق الإنسان وصحفيات وعاملات في المجال الإنساني في غزة والضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر 2023، إذ تعرّضت كثيرات - وفق التقارير - لمعاملات غير إنسانية ومهينة وضرب مبرح وحُرمن من الحصول على الغذاء والدواء والفوط الصحية الضرورية أثناء الدورة الشهرية. وأعربت الخبيرات - وهنّ ضمن أكبر هيئة مستقلة لتقصي الحقائق والرصد في نظام حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة - عن الأسى بشأن تقارير عن تعرّض أسيرات فلسطينيات لأشكال متعدّدة من الاعتداء الجنسي، مثل تعريتهن وتفتيشهن من قبل جنود ذكور في الجيش الصهيوني، كما دعون إلى إجراء تحقيق مستقل ونزيه وعاجل وشامل وفعال حول الادعاءات، وإلى تعاون سلطة الكيان مع التحقيقات. وجاء في بيان الخبيرات: "ورد أنّ العديد من (النساء والفتيات الفلسطينيات) تعرّضن لمعاملات غير إنسانية ومهينة، والحرمان من الفوط الصحية، والغذاء والدواء، وتعرّضن للضرب المبرح"، وأشار البيان إلى أنّ "نساء فلسطينيات محتجزات في غزة، تمّ حبسهن في قفص تحت المطر والبرد، دون طعام". كما قالت خبيرات الأمم المتحدة، إنّهن منزعجات من تقارير بشأن "صور متعدّدة بالاعتداء الجنسي" على نساء وفتيات فلسطينيات محتجزات، بما في ذلك "تجريدهن من ملابسهن وتفتيشهن من قبل ضباط الجيش الصهيوني"، وأضاف البيان: "تعرّضت معتقلتان فلسطينيتان على الأقل للاغتصاب، بينما ورد أنّ أخريات تعرّضن للتهديد بالاغتصاب والعنف الجنسي".قناصة صهاينة يطلقون النار على أرجل الأطفال..
ما موقف الجماعات النسوية حول شهادة الطبيب باسكال أندريه؟
بعد عودته إلى بلاده مؤخرا، كشف الطبيب الفرنسي باسكال أندريه - الذي قضى أسبوعين في المستشفى الأوروبي في خان يونس بقطاع غزة - عن هول الظروف المأساوية التي تعيشها العوائل الفلسطينية، في ظلّ انهيار منظومة الرعاية الصحية وانتشار الأوبئة، وقال الطبيب - في حوار مع صحيفة لاكروا الفرنسية - إنّ جنود الاحتلال الصهيوني يطلقون النار على أرجل الأطفال حتى لا يتمكنوا من اللعب مرة أخرى. وأضاف أندريه المختص في الأمراض المعدية إنّ الأوضاع في المستشفى الأوروبي في خان يونس متدهورة للغاية، حيث أنّ قسم الجراحة المصمّم لـ40 مريضا يضمّ 110 شخصا، علما أنّ النازحين الموجودين هناك منذ أسابيع يرفضون الخروج إلى الخيام كونهم يشعرون بالرعب من القصف الصهيوني. وبحسب أندريه، فإنّ نحو 25 ألف نازح يعيشون في محيط المستشفى الأوروبي وداخل المباني التابعة له. وقال الطبيب الفرنسي إنّ العائلات تعيش في ممرات المستشفى، وداخل القاعات وحتى داخل غرف العلاج، وتضطر لتعليق ستائر لضمان مساحة من الخصوصية لها. وأشار إلى أنّ عائلة إحدى الممرضات تنام داخل المرحاض. هذه الحقائق المتوالية عن مأساة النساء في غزة تتجاهلها الجمعيات النسوية في أوروبا، والتي لم يعد يُسمع لها صوت، بينما تواجه حوالي 50,000 امرأة حامل القصف الصهيوني في غزة حيث المستشفيات عاجزة عن استقبالهن، وحيث النظام الصحي في حالة "انهيار تام". وتابع الطبيب باسكال أندريه، بأنّ الناس يعيشون ظروفا صحية صعبة، إذ يرتدي معظمهم الملابس ذاتها منذ شهور. وبسبب افتقارهم إلى المال لشراء الخشب، فإنّهم يستخدمون صناديق التوصيل ويحرقونها لطهي الطعام. وبخصوص وضع النظام الصحي في القطاع، قال أندريه إنّ الأطباء لا يستطيعون العمل في ظروف جيدة نظرا إلى غياب الأمن واستمرار الرعب بسبب تحليق الطائرات المسيّرة على ارتفاع 300 متر فوق رؤوسهم، وهم يعلمون أنّهم سيستقبلون قتلى وجرحى جدد مع عائلاتهم المصدومة بعد سماع صوت الانفجارات. ونقلت صحيفة لاكروا عن أندريه قوله إنّ الناس يفتقرون إلى كلّ متطلبات الحياة، حيث أنّ المساعدات المحدودة التي يسمح لها بالدخول عبر معبر رفح لا تكفي لسدّ متطلبات السكان، وتضطر الشاحنات القليلة التي تعبر الحدود في الوقت الراهن إلى قضاء الليل محاطة بحراس لأنّ الجوع يدفع الناس إلى إلقاء أنفسهم على الشاحنات. ويصف أندريه الوضع الجاري في جنوب القطاع بأنه أفضل حالا مقارنة بالشمال الذي تغيب فيه أدنى مقومات الحياة، وتضرب فيه المجاعة بشكل قاس، ولفت أندريه الانتباه إلى غياب الحمامات وتدمير الصرف الصحي، مبيّنا غياب المياه الصالحة للشرب وانتشار الأمراض وأبرزها التهاب الكبد الوبائي، محذّرا من أنّه بمجرّد ارتفاع درجة حرارة الطقس قد تنتشر الكوليرا. وأكدت لاكروا أنّ سلطة الاحتلال تبذل قصارى جهدها للتسبّب في وفيات غير مباشرة، إذ أنّ انهيار المنظومة الصحية يعني أنّ المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة لا يستطيعون تلقي علاجهم على غرار مرضى غسيل الكلى ومرضى السكر والسرطان والقلب، وذلك يعني بكل وضوح وفاتهم. ونقل أندريه عن طبيب تخدير في غرفة العمليات قوله: "هنا، أعالج هذا المريض ولكن في داخلي أتساءل أين سننام هذا المساء، أنا وبناتي الـ4. لقد فقدت زوجتي وابني. ولا أعرف أين سننام إذا تعرّضت رفح للهجوم". وفي المستشفى الأوروبي يقوم الأطباء بإجراء ما بين 40 و50 تدخلا طارئا يوميا دون تنظيف المرضى، مما يؤدي إلى ظهور مضاعفات ما بعد الجراحة مع التهابات. إلى جانب ذلك، يتلقى الأطباء في المؤسسة، الدعم من قبل المساعدين الذين تركوا مستشفيات أخرى في القطاع بعد أن تعرّضت للقصف أو أُغلقت، بالإضافة إلى متطوعين لا ينتمون إلى القطاع الصحي ولكنهم تعلموا كل شيء في العمل في غضون بضعة أشهر منذ بداية العدوان. وشدّد أندريه على أنه طيلة فترة إقامته لم ير سلاحا واحدا، ولم يستقبلوا أيّ جريح من المسلّحين، ومن ثم ينبغي تكذيب السردية الصهيونية التي تدّعي أنّ الأطباء يعالجون المقاتلين. وأوضح الطبيب الفرنسي أنّ القناصة الإسرائيليين يطلقون النار على رؤوس البالغين ويستهدفون أرجل الأطفال حتى لا يتمكنوا من اللعب مرة أخرى. ودعا إلى وقف المذابح في قطاع غزة وإلى تثبيت وقف فوري لإطلاق النار، وعبّر عن إعجابه بكلمة "الحمد لله"، التي تتفوّه بها الشفاه المتألمة التي لا تزال على قيد الحياة رغم فظاعة الوضع والحداد المستمر على الضحايا."الدويكات" يكشف حقيقة العجز المدوي..
من يحمي نساء غزة من بطش الاحتلال؟
أبرز عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (نابلس)، محمد الدويكات، أنّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يتعرض لحرب إبادة جماعية على مدار خمسة أشهر متتالية، استخدم فيها الاحتلال الصهيوني السافر كل أنواع الأسلحة الفتّاكة والمحرّمة دوليا، وبالدرجة الأولى استهدف القصف الجنوني لـ"جيش" الاحتلال الإسرائيلي الأطفال والشيوخ والنساء، والمنشآت الصحية وبيوت العبادة وأيضا المدارس التي كانت تأوي النازحين، فيما وصل عدد الشهداء إلى نحو 30 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال، وهذا دليل آخر على أنّ الاحتلال الصهيوني لا يُعير أيّ اهتمام لكلّ المؤسسات والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان وكلّ القرارات الأممية التي تتعلّق بهذا الشأن. وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ الدويكات في تصريح لـ "الأيام نيوز"، أنّه وفي ظلّ قتامة المشهد في قطاع غزّة، نشهدُ عجزا واضحا لكلّ المؤسسات الدولية التي إلى غاية هذه اللحظة لم تتمكن من توفير الحماية للأطفال والشيوخ والنساء، وأيضًا لم تستطع إدخال كلّ ما يلزم من مواد غذائية وصحية وتموينية إلى القطاع، كما أنّ المؤسسات النسوية على مستوى الهيئات الأممية، هي عاجزة كذلك كما المؤسسات الرئيسية عن توفير هذا الدعم والإسناد للنساء الفلسطينيات اللواتي يتعرضن إلى جرائم مركبة ومتواصلة. في السياق ذاته، أشار المتحدث إلى أنّ النساء الفلسطينيات في قطاع غزّة، يتعرضن إلى انتهاك واضح وصارخ لحقوق الإنسان، وحقيقة نحن كنّا نأمل أن نسمع صوت المؤسسات الدولية والأممية النسوية، التي كانت دائما تتغنى بالقيم الإنسانية التي تحملها ودفاعها المطلق عن حقوق النساء، ولكن أمام الاحتلال الصهيوني وما يرتكبه من مجازر مروّعة تقف كل هذه المؤسسات عاجزةً عن تقديم أيّ دعم معنويي كان أو نفسي أو مادي لنساء فلسطين ولنساء قطاع غزّة على وجه الخصوص. "شعارات رنانة لا أثر لها على أرض الواقع" في سياق ذي صلة، أكّد الدويكات، أنّ كل ذلك إنما هو في حقيقة الأمر، انعكاس طبيعي لكل المؤسسات الدولية والأممية وأيضا لعدد واسع من الدول التي كانت دائما تتغنّى بحقوق الإنسان والدفاع عنها، حيث انكشف زيف ادعائها، بعدما فضحت هذه الحرب عورة كل المؤسسات الدولية والأممية وفي مقدّمتها المؤسسات النسوية، وأيضا فضحت الدول التي كانت تدّعي أنّها تقف إلى جانب الحقّ الفلسطيني، فجاءت هذه الحرب لتؤكّد لنا أنّها مجرّد شعارات رنانة لا أثر لها على أرض الواقع. وأردف قائلا: "إنّ هذا الأمر ينطبق كذلك على الموقف العربي الرسمي الذي خيّب آمال الشعب الفلسطيني، وانكشف بشكل واضح وجليّ أنّ هذا الموقف البائس والعاجز الذي لم يتمكن إلى غاية الآن حتى من إدخال شاحنة واحدة من المساعدات الإنسانية إلى أبناء قطاع غزةّ، ولم يستطع كذلك الدّفاع عن النساء ولا عن الأطفال ولا عن المنشآت، ولم يستطع حتى الدفاع عن قراراته التي اتخذها على مدار الفترات السابقة، بل بالعكس تماما، انساق وتساوق مع السياسة الأمريكية الصهيونية الهادفة إلى تبديد الحقوق الوطنية الفلسطينية من خلال المساعي التي تعمل عليها الإدارة الأمريكية من خلال عدد واسع من الدول العربية لترتيب الوضع الفلسطيني حتى ينسجم مع الرؤية الصهيونية ويصبّ في جوهر تبديد الحق الفلسطيني". وفي هذا الشأن، تحدّث عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (نابلس)، عن قيام دول عربية بتأمين ممرات برية لإدخال كل ما يلزم الكيان الصهيوني من مواد عسكرية وغذائية، مؤكّدا في السياق ذاته، أنّ الفلسطينيين وفي مقدّمتهم النساء الفلسطينيات، يعيشون فصول هذه الحرب بكل تفاصيلها وسيبقون صامدين متمسكين بالحق الفلسطيني التاريخي والمشروع، وكل هذه المؤسسات وهذه الدول التي لطالما رفعت شعارات الدفاع عن الحقوق الإنسانية وحقوق النساء، انكشف أخيرا زيف ادعاءاتها، وثبت عجزها وفشلها أمام العالم أجمع. وتابع: "نقول لكل نساء فلسطين، لأمهات الشهداء، لزوجات الشهداء، لأخوات الشهداء، ولكل الباسلات اللواتي يقفن أمام مقصلة الاحتلال ويتحدين هذا البطش والعدوان الهمجي الدموي، نقول لهم بأنّ هذا قدرنا وأن نبقى واقفين أمام جبروت هذا الاحتلال، موحّدين كلّ أبناء الشعب الفلسطيني بكل فئاته وأطيافه السياسية والاجتماعية وبكل شرائحه وقطاعاته، فهذه المعركة هي جزء من معركة التحرير والخلاص من هذا الاحتلال الجائر". في سياق متصل، أكّد المتحدث أنّ كل هؤلاء انكشف زيف ادعائهم بوقوفهم إلى جانب الحقوق الوطنية الفلسطينية ودفاعهم عن نساء فلسطين وعن أسرى فلسطين، وأنهم ضدّ كل الانتهاكات التي تمارس بحق الشعب الفلسطيني، نقول لهم أننا سنبقى واقفين صامدين ثابتين أمام هذا السلف الصهيوني وأننا لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن نرفع الراية البيضاء، أو أن نضعف أمام ما يرتكبه الاحتلال الصهيوني وأمام سياسة التجويع التي ينتهجها الكيان الصهيوني في قطاع غزّة، هذه السياسة التي يمارس من خلالها أبشع الجرائم والمجازر بحق الأبرياء والعزل في القطاع. إلى جانب ذلك، أفاد الدويكات، بأنّ الاحتلال الصهيوني مارس على الشعب الفلسطيني أصنافا متعدّدة من الإرهاب الدولي المنظّم، إن كان ذلك على مستوى القصف أو على مستوى الاعتقال والجرائم التي يرتكبها الاحتلال أثناء حملات اعتقال الشباب والنساء في قطاع غزّة أو في الضفة الغربية، وأيضا على مستوى الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني من خلال سياسة قتل الفلسطينيين بسبب الأمراض والأوبئة التي أصبحت تتفشى في قطاع غزّة بشكل واسع في ظلّ هذه الحرب الشعواء التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني والتي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً. خِتاما، أبرز الدويكات، أنّ العدوان الصهيوني الجائر على الآمنين في بيوتهم في قطاع غزّة، وكل هذه الانتهاكات بحق النساء والأطفال، هدفها بالأساس كسر المقاومة الفلسطينية، وتشريد وتهجير الشعب الفلسطيني وكسر إرادته، إلا أننا نؤكّد كما في كل مرة أنّنا سنبقى صامدين موحّدين واقفين ضدّ كل السيناريوهات التي يحاول الاحتلال الصهيوني ومعه الإدارة الأمريكية، ومن خلال قنوات عربية رسمية تمريرها على الشعب الفلسطيني، حتى يقبلها كأمر واقع، عن طريق محاولات بائسة يائسة لفرض سياسة التجويع ووقف المساعدات المالية والغذائية والطبية، وأيضا تجفيف موارد وكالة "الأونروا"، وتبديد الحق التاريخي والمقدّس للشعب الفلسطيني وهو حقّ العودة، غير القابل للتصرّف.وصمة عار على جبين المؤسسات الدولية..
لماذا كلّ هذا التقاعس في حماية النساء الفلسطينيات؟
أكّد الناطق الإعلامي باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، جهاد طه، أنّه ممّا لا شك فيه أنّ سياسة الإجرام الصهيونية اليوم تستهدف النساء في فلسطين وتحديدًا في قطاع غزّة، بجرائم تتنافى مع كل القيّم والأعراف والمواثيق الدولية، التي من المفترض أن توفّر الحماية للنساء في ظلّ الحروب، وبالتالي فإنّ تقاعس هذه المنظمات الحكومية والإنسانية والحركات النسوية الغربية عن أداء دورها في وضع حدّ لهذه الجرائم التي تستهدف النساء الفلسطينيات، هو في حقيقة الأمر وصمة عار على جبين هذه المؤسسات الدولية. وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ طه في تصريح لـ "الأيام نيوز"، أنّ عدم قيّام هذه المؤسسات الدولية والأممية بدورها في هذا الإطار، إنما يُكرّس عدم الثقة لدى أبناء الشعب الفلسطيني في هذه المؤسسات، التي كان من المفترض أن يكون لها دورا فاعلا ومتطوّرا في كشف الحقائق والجرائم الصهيونية أمام المجتمع الدولي وأمام المحاكم الدولية وفي طليعتها محكمة الجنايات الدولية. في السياق ذاته، أشار محدّثنا، إلى أنّ هذه المؤسسات والحركات والمنظمات الحقوقية والإنسانية التي تُعنى بشؤون النساء، مُطالبة اليوم بأن يكون لها موقف واضح وصريح بشأن ما يتعرّض له النساء الفلسطينيات في قطاع غزة، من خلال إعداد تقرير حول هذه الاعتداءات والانتهاكات والجرائم التي يتمادى الاحتلال الصهيوني الجائر في ارتكابها بحقّ النساء الفلسطينيات، ورفعه إلى محكمة الجنايات الدولية، وضمّه إلى ملف الجرائم الصهيونية التي تتعامل معه محكمة الجنايات الدولية. إلى جانب ذلك، أفاد الأستاذ طه، بأنّه، وبعد مرور ما يزيد عن 140 يوما من العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، وما خلّفه من مجازر دامية بحقّ الآمنين في بيوتهم، وآلاف الشهداء والجرحى والمفقودين، معظمهم من الأطفال والنساء، وتدمير البنى التحتية وكل مقوّمات الحياة في غزّة، من مستشفيات ومراكز إغاثية، الذي شاهده كل العالم، وتناقلت صوره مختلف وسائل الإعلام العالمية وبشكل واسع وسائل الإعلام البديل على غرار منصات التواصل الاجتماعي على اختلافها وتعدّدها، إلا أنّ المجتمع الدولي، اليوم، وعلى المستوى الرسمي تحديدًا، لم يتمكن من التمييز حقيقةً بين الضحية والجلاد، ولم يتّخذ أيّ إجراء حقيقي باتجاه كبح الجرائم والمجازر الصهيونية ووقف هذا العدوان السافر. هذا، وفي ختام حديثه لـ "الأيام نيوز"، أكّد الناطق الإعلامي باسم حركة حماس، جهاد طه، أنّ ما يرتكبه الاحتلال الصهيوني الغاشم من جرائم حرب مكتملة الأركان بحق الأبرياء والعزل في قطاع غزة، لن يزيد الشعب الفلسطيني إلا قوةً وتصميمًا وإرادةً على المُضي قُدمًا في انتزاع حقوقه المشروعة وإفشال كافة مخططات الاحتلال الصهيوني ومشاريعه التي تستهدف الحقوق الوطنية الفلسطينية، والمقاومة الفلسطينية اليوم ما تزال حاضرة على الأرض، وهي تواصل وبكل ضراوة صدّ هجمات جيش الاحتلال الصهيوني في معارك واشتباكات ضارية، مُلحقة به أضرارا جسيمة من خلال تدمير عشرات الآليات العسكرية كليا أو جزئيا، في عمليات تنفّذها المقاومة من مسافة الصفر وبشكلٍ مباشر، عبر محاور القتال كافة في قطاع غزة.الفجوة الكبرى..
ما بين نسويات الغرب ونساء غزّة!
بقلم: الدكتور عبد الله المَشوخي - أكاديمي فلسطيني نشأت الحركة النّسوية في الغرب، بما يُعرف بحركة تحرير المرأة، في القرن التّاسع عشر، ومن أسباب ظهورها ما لحق المرأة الغربية من ظلم وجور من خلال تعاليم رجال الكنيسة المحقِّرة لها، إذ تمّ تصويرها في التّراث اليهودي والمسيحي أنّها أصل الخطيئة الأولى، حيث أغرت آدم بالأكل من الشّجرة التي نُهي عنها، لذلك أصبحت المرأة في نظر رجال الدّين شيطانةً وملعونةً، وليس لها روح، ولا تستحقّ دخول الجنّة. كذلك ذهب الفلاسفة الغربيون إلى تحقير المرأة، أمثال أفلاطون، الذي صنّف المرأة بجوار العبيد والأشرار والمخبولين، وممّن حقر المرأة من الفلاسفة كذلك: (ديكارت)، و(كانت)، و(جان جاك روسو)، حيث قال الأخير: إنّ المرأة وُجدت من أجل الجنس والإنجاب. ونتيجة لما سبق، وبعد قيام الثّورة الصّناعية في الغرب، وزوال الحكم الكَنَسي، وذهاب سلطة رجال الدّين، ظهر في الغرب حركات تحرُّرية؛ منها التّيار النّسوي اللّيبرالي، المعروف بتحرير المرأة، والذي تبنّى المساواة والتّماثلية بين الرّجل والمرأة والحريّة المطلقة لها. ثمّ تطوّر الأمر إلى أن تمّ تحقيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م، والذي نصّ على وجوب الالتزام بمبادئ، منها: عدم التميّيز على أساس الجنس، وتحقيق المساواة والتّماثلية بين الرّجل والمرأة. ثمّ ظهرت بعد ذلك اتفاقية (سيداو) عام 1979م، والتي نصّت على القضاء على كافة أشكال التميّيز ضدّ المرأة. ثمّ ظهرت بعد ذلك عدّة مؤتمرات بشأن حقوق المرأة، من أهمّها مؤتمر بكّين عام 1995م، حيث نتج عن هذا المؤتمر مجموعة مقرّرات تلزم الدّول بتقديم تقارير توضّح مدى التقدّم في تنفيذ تلك المقرّرات، والتي طالبت بتغيير البنى الاجتماعية والثّقافية والعلمية، باعتبار أنّها متحيّزة للذّكر. ثمّ ظهر بعد ذلك مصطلح "الجندر"، الذي يهدف إلى إزالة الحدود النّفسية التي تفرّق بين الجنسين على أساس بيولوجي أو نفسي أو عقلي.. إلخ. وبالرّغم من أنّ الحركة النسوية في الغرب نشأت بهدف تحقيق المساواة والتّماثل بين الجنسين، غير أنّنا نلاحظ أنّ لها مواقفَ متباينة ومزدوجة تجاه ما حدث في معركة "طوفان الأقصى" المبارك في فلسطين، حيث أظهرت الحركات النّسوية الغربية تحيزا تاما وتعاطفا شديدا مع نساء الكيان الصّهيوني، وتبنّت الرّواية الصّهيونية المفتراة، باتّهام رجال المقاومة باغتصاب نساء يهوديات، وعمُوا وصمُّوا عن المآسي التي لحقت بنساء غزّة من قتل وسجن وتعذيب.. فعلى الرّغم من صور الإجرام النّازي الصّهيوني على نساء غزّة، وعلى الرّغم من صدور حكم من محكمة العدل الدّولية الذي أكّد على أنّ هجوم "جيش" الاحتلال الصّهيوني على غزّة يمكن أن يصنّف على أنّه إبادة جماعية، وعلى الرّغم من المآسي التي تعرّضن لها نساء غزّة من عدم توفّر مستشفيات من أجل الولادة، وعدم وجود تخدير للعمليّات القيصرية، ووفيات أطفالهنّ حديثي الولادة أمام أعينهنّ بسبب انعدام الرّعاية الصحية، فكلّ ما سبق من مصائب لم يحرّك مشاعر الحركات النّسوية في الغرب تجاه نساء غزّة. بينما ضجَّت بريطانيا، على سبيل المثال، باحتجاجات صاخبة من قبل هذه الحركات النّسوية على إثر مقتل إيرانية تدعى "مهسا أميني" بسبب سفورها. ومن مظاهر الاحتجاج قيامهنّ بقصّ شعورهنّ تضامنا مع ضحيّة واحدة. إنّها معايير مزدوجة ومنحازة، ومخالفة لمبادئ القيم والعدالة والمساواة وحقوق المرأة، ولعلّ هذا التحيّز لنساء اليهود دون الالتفات للمصائب التي لحقت بنساء غزّة يعود إلى عدّة معايير؛ منها: - أنّ الغرب، بما في ذلك الحركة النّسوية، يتعامل مع البشر وفق لون البشرة. - أنّ الغرب، بما فيه من حركات نسوية، مهما تظاهر بعلمانيته وتحرّره من ربقة الدّين، يبقى أسيرا لحقد صليبي دفين تجاه المسلمين. - أنّ المنظّمات والهيئات وسائر المؤسّسات الغربية، بما في ذلك الحركة النّسوية، مهما زعمت حيادها والتزامها بحقوق النّساء، تبقى أسيرة اللّوبي الصّهيوني، الذي يجعل اليهود فوق القانون وفوق النّقد، وأنّ العرب وسائر المسلمين لا يستحقّون حقوق الإنسان، بل هم بمثابة حيوانات. هذا هو الغرب، وهذه هي مؤسساته، تقوم على الازدواجية والتحيّز، بما في ذلك الحركة النّسوية المؤيدة لنساء الكيان الصّهيوني والمعادية لنساء أهلنا في غزّة.صبر وجهاد وقوة..
بطلات غزة يهزمن المنظّمات الغربية
بقلم: الدّكتور صالح نصيرات - كاتب وباحث أردني خلال الأشهر الخمسة التي شهدت هجومًا بربريًا من قبل قوّات الاحتلال الصّهيوني على فلسطين، كانت المرأة الغزيّة في بؤرة تلك الحرب الهمجية من خلال أدوارها المختلفة اجتماعيًا ومهنيًا. فالمرأة الغزيّة تم استهدافها بشكل مباشر في البيوت وأماكن العمل، فارتقت صحفيات وطبيبات وأكاديميات وممرّضات ومتطوّعات في العمل الاجتماعي والإنساني. لقد استهدف العدو الصّهيوني المرأة الغزيّة المجاهدة لعلمه أنّها هي المربية التي اهتدت بهدي القرآن الكريم وسنّة المصطفى الحبيب، فهي ليست المرأة التي تلفت أنظار مؤسّسات تمّ إنشاؤها بدعوى تمكين المرأة وتحقيق المساواة والدّفاع عنها وعن حقوقها، وهي في الواقع أنشئت لإفساد المرأة وإخراجها من دورها الأساس وهو بناء أسرة متماسكة تحبّ وطنها وتعيش لدينها ولأمّتها. فالمرأة الغزيّة التي أخرجت للأمّة مقاومين ومجاهدين وحفظة كتاب الله وعلماء وأكاديميين هم مصدر فخر لأهل فلسطين وللأمّة، هي التي استهدفتها المنظّمات النّسوية بمحاولات جادة لحرفها عن هذه الوظيفة. وعندما جدّ الجدّ، وأصبحت المرأة الغزية في مرمى النّار، وهدفًا للجنود الصّهاينة من خلال القتل المباشر والاعتقالات وتركها وحيدة تواجه مصيرًا مأساويًا، لم نسمع من المنظّمات الدّولية ولا المحليّة ما يشير إلى اهتمامها بهذه المرأة المجاهدة. بل توجّهت الدّبلوماسية الأردنية السّابقة والمدير التّنفيذي لبرامج المرأة في الأمم المتّحدة، سيما بحوث، إلى كيان الاحتلال في رحلة "تحقّق واستقصاء" للوقوف بجانب المرأة الصّهيونية التي ادّعى الاحتلال تعرّضها للاغتصاب والإهانة على أيدي المقاومة ولم تكلّف نفسها عناء زيارة غزّة والاطلاع على ظروف النّساء وأعداد الشّهيدات، ونوع المعاملة التي تلقينها في المعتقلات من قبل المحتل. فقبل شهر تقريبًا ندّدت، سيما بحوث، بالمقاومة وحقّها في الدّفاع عن النّفس دون إشارة إلى الاحتلال الذي يهدّد كيان الأسرة الفلسطينية على مدى عقود. وقبل أيّام فقط أصدرت تلك المنظّمة منشورًا بعنوان نشرة حول قضايا النّوع الاجتماعي: "الأثر المتعلّق بالنّوع الاجتماعي للأزمة في غزّة"، وهذا الإعلان كما هو ملاحظ لم يسمّي الأشياء بأسمائها، بل جاء تحت عنوان النّوع الاجتماعي، وهو مصطلح مضلّل لا يعترف بالجنس بل بالأدوار الاجتماعية للمرأة والرّجل. وتحت هذا الخبر إشارة إلى مساعدات قدّمتها المنظمة للنّساء في غزّة. وكانت النّساء "الإسرائيليات" التي لا يتعدّى عددهنّ الخمسين؛ أكثر أهميّة في نظر "بحوث"، من عشرة آلاف شهيدة فلسطينية. فكلّ حديثها عن المرأة الفلسطينية في غزّة كان تاليًا للحديث عن المرأة "الإسرائيلية" التي تساهم في قتل النّساء والأطفال في غزّة، حيث ظهرت مجنّدات يفخرن بقتل الأطفال في غزّة. كما أنّ المئات من النّساء الفلسطينيات المعتقلات في سجون الاحتلال لم يكن مثار اهتمام "بحّوث" وغيرها. فلم نقرأ تقريرًا أو نسمع تصريحًا يجرّم الاحتلال على المعاناة التي يلقينها في تلك السّجون، فهنّ تعرّضن للضّرب والإهانة والتحرّش بهنّ بل وصل الأمر إلى تعرية بعضهنّ أمام إخوانهن في معتقلات الاحتلال. وحتّى المنظّمة العربية للمرأة، التّابعة للجامعة العربية لم نسمع لها سوى مناشدات باهتة لا تسمن ولا تغن من جوع. وإذا انتقلنا إلى منظّمات المجتمع المدني المهتمّة بالمرأة فلم نسمع لهنّ صوتّا، ولم نقرأ لهنّ بيانًا يستنكر جرائم الاحتلال. إنّ هذا الصّمت والسّكوت هو أكبر دليل على أنّ تلك المنظّمات ليست معنيّة بالمرأة بحقّ، بل همّها تحقيق أجندات غربيّة في بلاد العرب والمسلمين من خلال الأنشطة التي ترعاها تلك المنظّمات والتي تقوم على فكرة المساواة الكاملة وهي فكرة مضلّلة، فالمساواة بالنّسبة لتلك المنظّمات مبنية على ثقافة وفلسفة غربيّة ذات أبعاد لا دينية ولا تعترف بالشّريعة الإسلامية ولا قيمها السّامية التي وضعت المرأة في المكان الذي تستحق. لقد آن الأوان لكشف ذلك الإفلاس الأخلاقي والقيمي لتلك المنظّمات، وتعرية ما يقدّمنه لبناتنا ونسائنا في أنشطتهنّ ومنشوراتهن، وماهية الأفكار والمعتقدات التي تتبنّاها تلك المنظّمات، وزيف دعاوى حماية المرأة وقد فشلن في تبنّي موقف أخلاقي وإنساني إلى جانب المرأة الغزيّة خاصّة والفلسطينية عامّة.بشأن مأساة نساء غزة..
صمت الحركات النّسوية الغربية إفلاس أخلاقي!
تعتقد الكاتبة الدكتورة مريم الدوسري أنّ "غياب التّعاطف والغضب تجاه محنة النّساء والأطفال الفلسطينيين يكشف عن معايير مزدوجة صادمة وفشل أخلاقي عميق لدى الحركات النّسوية الغربية"، مضيفة أنّ "هذه ليست المرة الأولى التي تفشل فيها هذه الحركات، التي درجت على تجاهل اهتمامات النّساء من غير البيض". وأوضحت الكاتبة مريم الدوسري في مقال لها أنّ "هذا النّمط المتحيّز المثير للاستياء من قبل الحركات النّسوية الغربية، والذي أصبح يوصف على نطاق واسع باسم "النسوية الإمبريالية"، لا يتّضح في مواقف هذه الحركات من الوضع المزري في فلسطين فحسب، بل في مواقفها من المرأة الأفغانية والعراقية، وتعمل تلك المواقف في اتساق مع السّياسات الغربية الإمبريالية". النّسوية الإمبريالية وعبّرت الدوسري أنّ "بعض أبطال القضية النّسوية الغربيين احتفظوا بغضبهم لمحنة النّساء الإسرائيليات، متجاهلين المعاناة الكارثية للنّساء الفلسطينيات في غزّة"، مشيرة إلى أنّ "كتّاب وكاتبات الحركات النسوية الغربية أظهروا، منذ بداية الحرب على غزّة، تحيزًا للرّواية التي تصوّر "إسرائيل" باعتبارها نموذجًا للحضارة، وتختلف بشكل صارخ مع معقل التخلّف في الشّرق الأوسط، حتى أنّ بعض هؤلاء الكتّاب ذهبوا إلى حدّ تقليص قيمة الشّعب الفلسطيني إلى مستوى الحيوانات". وفي السّياق ذاته، أفادت المتحدّثة أنّ "مثل هذا التحيّز ليس بالأمر الجديد، بل تمّ تضخيمه من خلال وسائل الإعلام في بريطانيا حيث تواصل الدّعاية الإعلامية تشويه المجتمع العربي، إلا أنّ المثير للقلق - حسبها - وبشكل غير متوقّع أن نسمع مثل هذه التشوّهات على ألسنة ناشطات نسويات بريطانيات، وصار المرء يشعر بالخيبة لعدم عثوره على أصوات ناشطات نسويات معروفات في المملكة المتّحدة يتعاطفن مع ما تواجهه النّساء والأطفال الفلسطينيون". وأردفت الكاتبة أنّه "وعلى الرّغم من تحذير محكمة العدل الدّولية من أنّ هجوم الاحتلال الإسرائيلي على غزّة يمكن أن يكون إبادة جماعية، غير أنّ بعض المدافعين عن حقوق المرأة الغربية الأكثر صخبا ضدّ العنف القائم على النّوع الاجتماعي قد احتفظوا بتضامنهم مع النّساء الإسرائيليات وحدهن". الانتقائية الغربية في التّعاطف والمناصرة وتذكر الكاتبة نموذجا عن تلك الانتقائية فتقول "لنتأمّل هنا الاحتجاج الذي أطلقته النّاشطات النّسويات في المملكة المتحدة إزاء القضية المأساوية التي تعرّضت لها الإيرانية مهسا أميني ممّا أدّى إلى وفاتها، حيث أثارت هذه القضيّة ردّ فعل عالمي على محنة أميني وأدّت إلى حركة احتجاج نسوية كبيرة، وتضامن واسع في المملكة المتحدة، حيث نظّمت احتجاجات لقصّ الشعر في قلب لندن، وبالمقابل، فإنّ "الوضع المزري الذي تواجهه النساء والأطفال الفلسطينيون في غزّة لم يحظ بجهود المناصرة الصّاخبة والعاطفية المماثلة". وحسبها، فإنّ "الأمر يبدو كما لو أنّ الغضب النّسوي يتمّ إظهاره بشكل انتقائي نحو القضايا التي تتناسب مع السّردية الغربية للتحرّر، تاركة قضايا أخرى، مثل تلك الموجودة في فلسطين في الظلّ". إلى جانب ذلك، حذّرت الدوسري من أنّه "إذا استمرت الجماعات النّسوية ووسائل إعلامها في تشويه السّرد كما فعلت، فلن يكون هناك اختلاف بينها وبين موقف الحكومة الفرنسية، حين هدّد وزير المساواة بين الجنسين بقطع التّمويل عن الجماعات النّسوية التي تحيد عن رواية السّابع من أكتوبر الإسرائيلية"، مضيفة أنّ "مواقف هذه الحركات تشكّل سابقة خطيرة، ستعني بداية نهاية الحركة النّسوية الشّاملة وغير المتحيّزة، وهو ما يعني غيابا فعليا لحركة تمثل كلّ النّساء في العالم". تناقض مع المبادئ المدافع عنها وتختم الكاتبة أنّ "صمت أولئك الذين ينبغي أن يكونوا الأعلى صوتا ضدّ العنف الذي يتعرّض له النّساء والأطفال في غزّة، إلى جانب تركيزهم على حماس، يتناقض مع المبادئ ذاتها التي تدّعي الحركة النّسوية التمسّك بها، في الوقت الذي تواجه النّساء الفلسطينيات مصاعب لا يمكن تصوّرها من الجوع ونقص المياه النّظيفة والنّقص الحاد في الضّروريات الأساسية حتّى أنّ البعض منهن يأكل العشب للبقاء على قيد الحياة". وأردفت الدّوسري بأنّ "هذا الصّمت الذي يصمّ الآذان، يكشف عن الإفلاس الأخلاقي للحركة النّسوية الغربية من خلال تجاهلها لمأساة النساء الفلسطينيات، ومن المثير للدّهشة وجود ضجّة على وسائل التّواصل الاجتماعي حول النّسوية والسّلطة الأبوية بشأن خسارة نجمة باربي في ترشيحها لجائزة الأوسكار، أكثر بكثير من تلك الضجّة حول الظّروف القاسية للنّساء الفلسطينيات اللاتي يلدن دون رعاية في المستشفى أو توفّر شروط النّظافة الأساسية، وعدم وجود تخدير للعمليات القيصرية الحيوية، ووفيات الأطفال حديثي الولادة التي تفطر القلب، بسبب غياب الرّعاية الصحيّة".