2025.07.17
تقارير
أي دور للمتفوّقين الأكاديميين في تغيير ثقافة المحتوى الرقمي في الجزائر؟

أي دور للمتفوّقين الأكاديميين في تغيير ثقافة المحتوى الرقمي في الجزائر؟


يغرق معظم المحتوى الرقمي الجزائري اليوم في وحلٍ من الرداءة اللامحدودة، تماما مثل المحتوى الرّقمي للبلدان العربية. ويتحمّل مسؤولية هذه الرداءة "مؤثِّرون" لا علاقة لهم مع المجال الذي ينشطون فيه رقميًّا، ولا نغالي إذا قلنا بأنهم لا يفقهون شيئا من علوم الدين أو الدنيا! ومن أسباب ذلك أنّ هذا العصر يُعلي من شأن الأرقام والنِّسب على حساب المضمون والمحتوى، فالنجاح الرقمي أصبح يُقاس بعدد المشاهدات، وليس بجوهر المحتوى أو قيمته الحقيقية! الغاية من تقديم المحتوى الرقمي - في الغالب – هي تحقيق الشّهرة والانتشار حتى ولو كانت تتحقّق عبر الانحدار الأخلاقي والمحتوى الهابط، فنجد أنّ فئات كثيرة من مختلف الأعمار تسعى خلف سراب الشهرة بتقديم محتوى لا يرقى إلى أدنى مستويات الإبداع أو الفائدة. ومن الإنصاف أن نشير إلى أنّ مُقدّمي المحتوى الرقمي الجزائري والعربي هم في الغالب ينطلقون من مبادرات شخصية ويفتقدون إلى "مدوّنة أخلاقية" مُتّفق عليها وطنيًّا أو عربيًّا أو حتى عالميًّا، وهذا الأمر يؤثّر على قيمة المحتوى وطرائق تقديمه، ويجعل من المحتوى الرقمي مجالا فوضويًّا يسوده الصراع والغيرة والعداء... الواقع المتردّي للمحتوى الرقمي الجزائري لم يمنع من بروز تجارب متميّزة، استطاع أصحابها أن يقدّموا مواد رقميّة لها قيمتها العلمية والمعرفية المفيدة والمُجدية والمُشرّفة لوجود الجزائريين في العالم الأزرق. وهنا يطلّ علينا "محمد أمين بن قداش" كاستثناء مشرق، فهذا العبقري، الذي حقق أعلى معدل في بكالوريا 2023، تجاوز حدود التفوق الأكاديمي ليقدم أنموذجًا مميزًا للمؤثر الحقيقي، فبدلاً من الانخراط في دوّامة البحث عن الأرقام والمشاهدات، اختار أن يكون صوتًا هادفًا، يسعى من خلاله إلى تقديم محتوى يرتقي بالفكر ويعزّز القيم. قناة "بن قداش" على يوتيوب، التي أطلقها حديثاً تحت اسم "محتوى نافع"، استطاعت في غضون أيام قليلة فقط تجاوز حاجز 400 ألف مشترك. هذا الإنجاز اللافت يعكس وجود جمهور واسع يتطلّع إلى متابعة أعمال تُثري الفكر وتحترم الذائقة، بعيدًا عن الرداءة التي يغرق فيها الكثير من "المؤثّرين". إن هذا النجاح المتميّز ليس مجرد تجربة فردية تستدعي التثمين والتشجيع، بل هو مُؤشّر واضح على تنامي الوعي لدى شريحة كبيرة من الجمهور الجزائري، وربما العربي، الذي سئم من الرداءة ويبحث عن خيارات تُلبّي تطلعاته الفكرية والمعرفية الثقافية. كما يُبرز أن تقديم المحتوى الرقمي يحمل رسالة وقيمة ليس خيارًا فرديًّا فحسب، بل هو أيضا استجابة لمطلب اجتماعي متزايد نحو التغيير الإيجابي في فضاء الإعلام الرقمي. لقد أثبت "بن قداش" أن التفوق الأكاديمي يمكن أن يمتدّ إلى عالم الإعلام الرقمي، ليصبح منصة للتميّز والإلهام، فنجاحه يُلهم الشباب بأن الشهرة الحقيقية لا تُبنى على الانحدار الأخلاقي، بل على الإبداع والرسائل الهادفة التي تترك أثرًا طويل الأمد. قناة "محتوى نافع" تهدف إلى تقديم دروس مجانية لتعليم اللغة الإنجليزية بأسلوب بسيط، مستهدفةً الشباب والطلاب الذين يسعون لتطوير مهاراتهم اللغوية دون تكاليف إضافية. تأتي هذه المبادرة في وقت يزداد فيه الطلب على إتقان اللغات الأجنبية، وخاصة اللغة الإنجليزية التي أصبحت ضرورة ملحّة للطلاب، فهي أداة أساسية تمكّنهم من الوصول إلى مصادر علمية ومعرفية عالمية، حيث إن معظم المراجع الأكاديمية، والأبحاث العلمية، والمناهج التعليمية المتقدّمة تُنشر بها. كما يُسهِّل إتقانُ الإنجليزية متابعةَ البرامج التعليمية في الجامعات الدولية والمشاركة في المؤتمرات والورش العالمية. بالإضافة إلى ذلك، تعزّز اللغة الإنجليزية فرصَ الحصول على منح دراسية وتتيح التفاعل مع الخبراء والأكاديميين من مختلف الثقافات، مما يفتح آفاقًا واسعة أمام الطلاب في مسيرتهم الأكاديمية والمهنية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرة لا تمثل استثناءً في عالم المتفوقين الأوائل في شهادة البكالوريا، بل هي جزء من ظاهرة متزايدة بين هؤلاء الطلاب الذين جمعوا بين التفوق الأكاديمي والمساهمة في تقديم محتوى رقمي هادف عبر منصاتهم الرقمية. فقد أصبحنا نشهد في السنوات الأخيرة أن المتفوقين في البكالوريا لا يقتصرون على التفوق في مجال الدراسة فقط، بل يمتد نجاحهم ليشمل التأثير في المجتمع. فعلى سبيل المثال، "بلقاضي منال" التي تصدَّرت المرتبة الأولى في شعبة التسيير والاقتصاد في بكالوريا 2023 بمعدل 18.89، اختارت أن توظف منصّاتها لتقديم محتوى رقمي  تعليمي وتحفيزي، إذ أطلقت برنامجًا خاصًا بها على يوتيوب تحت عنوان "تميز... لنكن شعلة الجزائر"، حيث تستضيف في حلقاته نماذج شبابية ناجحة، محققةً بذلك تفاعلًا لافتًا من جمهورها الذي يتجاوز الـ 100 ألف متابع. أما على "تيك توك"، فتواصل تقديم نصائح وإرشادات للمقبلين على اجتياز شهادة البكالوريا، مستفيدة من تجربتها الشخصية في هذا المجال، ويصل عدد متابعيها هناك إلى أكثر من 130 ألف شخص. من المهم أن يحظى هؤلاء الشباب بدعم مُستمرٍّ من الجمهور، لأنَّ هذا الدعم لا يساعدهم فقط على المضي قُدُما في تقديم محتوى يرتقي بالذوق العام، بل يساهم أيضا في مواجهة المحتوى الرديء وإحداث فرق حقيقي في الفضاء الرقمي.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار