2025.07.17
مجتمع
مؤثرون ومتأثرون.. فخ القدوة الرقمية

مؤثرون ومتأثرون.. فخ القدوة الرقمية


 خلال السنوات الأخيرة، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى جزء أساسي من حياتنا اليومية، خاصة بين فئة الشباب، حيث توفر لهم مساحة مفتوحة للتفاعل والمشاركة في مختلف الأنشطة الاجتماعية والثقافية، وفي الجزائر ومن خلال هذه المنصات، برز دور المؤثرين الذين أصبحوا نماذج يُحتذى بها من قبل الكثير من الشباب في مجالات متنوعة مثل الموضة، الرياضة، الثقافة، وحتى السياسة، ومع تزايد التأثير الذي يمارسه هؤلاء المؤثرون، بات من الواضح أن لهم دورًا كبيرًا في التأثير على الأجيال الجديدة، سواء بشكل إيجابي أو سلبي، ومن هنا، يبرز دور منصات التواصل الاجتماعي في صناعة القدوة لدى الشباب الجزائري.  تحول القدوة لدى الشباب الجزائري في ظل منصات التواصل الاجتماعي وفي هذا السياق، شهدت الجزائر خلال السنوات الأخيرة تحوّلًا ملحوظًا في مصادر التأثير والإلهام، حيث لم يعد التأثير يقتصر على العلماء، الأدباء، والقادة السياسيين كما كان الحال في الماضي، بدلاً من هؤلاء، برزت شخصيات جديدة تتمثل في المؤثرين الرقميين الذين أصبحوا يشكلون قدوة كبيرة للأجيال الشابة، هذا التحول يعكس التغيرات الكبيرة التي طرأت على وسائل الإعلام، وعلى كيفية التواصل بين الأفراد في العصر الرقمي. وقد لعب التوسع الهائل في استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا أساسيًا في تسريع هذا التحول، منصات مثل "فيسبوك"، "إنستغرام"، "تيك توك" و"يوتيوب" أصبحت توفر للأفراد الفرصة للوصول إلى جمهور واسع بسهولة غير مسبوقة، حيث يمكن لأي شخص لديه فكرة أو موهبة أن يبني قاعدة جماهيرية ويؤثر في الآخرين، وهو ما جعل المؤثرين الرقميين يتحولون إلى شخصيات محورية في الحياة اليومية للشباب، هؤلاء المؤثرون، الذين يعكسون اهتمامات شتى مثل: الموضة، الرياضة، الترفيه، والقضايا الاجتماعية، أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من البيئة الثقافية التي يعيش فيها الشباب اليوم. وفي الوقت نفسه، وحسب أهل الاختصاص، فإن الشخصيات التقليدية التي كانت تمثل قدوات في المجتمع، مثل العلماء والمفكرين والأدباء، بدأت تبتعد شيئًا فشيئًا عن دائرة الاهتمام الواسعة، حيث يعاني هؤلاء من قلة التفاعل المباشر مع الجمهور، وهو أمر لم يعد يناسب عصر التواصل السريع والمباشر، الشباب اليوم لا يقتصر تفاعلهم مع المحتوى على مجرد المتابعة السلبية، بل أصبحوا جزءًا من الحوارات والنقاشات عبر الإنترنت، وهذا التفاعل المستمر جعل المؤثرين الرقميين أقرب إليهم، مما عزز مكانتهم ليصبحوا مصادر إلهام. ورغم أن هذا التحول يمكن أن يُنظر إليه على أنه جزء من التقدم التكنولوجي الطبيعي، فإن هناك من يراه انعكاسًا لأزمة في القيم، إذ يرى خبراء في علم الاجتماع أن المؤثرين الرقميين كثيرًا ما يعكسون ثقافة استهلاكية تركز على المظاهر والتسلية والترفيه السريع، مما قد يبتعد عن القيم العميقة التي كان العلماء والأدباء يمثلونها، مثل التفكير النقدي والتأمل الثقافي، حيث يرى البعض في ذلك تراجعًا لقيمة التعليم والفكر العميق، وزيادة في الاهتمام بالسطحية والشكل على حساب المضمون. ولكن، من وجهة نظر أخرى، هناك من يرى أنه يمكن اعتبار هذا التحول تحوّلاً طبيعيًا في سياق التقدم التكنولوجي والرقمي، مع تطور وسائل الإعلام والاتصال، أصبح من الطبيعي أن يتغير مفهوم القدوة، فالقدوة اليوم لم تعد محصورة في الشخصيات التي تظهر في وسائل الإعلام التقليدية، بل أصبحت تشمل أولئك الذين يتواصلون مع جمهورهم عبر الإنترنت ويشاركون تجاربهم الشخصية ومحتواهم بشكل مباشر، مما يعزز القدرة على التأثير والانتشار. وفي هذا الصدد، يرى مختصون، أن التحول من القدوات التقليدية إلى المؤثرين الرقميين في الجزائر هو جزء من التحولات الطبيعية التي تشهدها المجتمعات نتيجة التقدم التكنولوجي، ورغم التحديات التي قد يطرحها هذا التحول على القيم الثقافية والتعليمية، فإن الإشكالية لا تكمن في الظاهرة نفسها بل في كيفية تكيّف المجتمعات مع هذه التغيرات وتوجيهها نحو تعزيز القيم الأصيلة في ظل العصر الرقمي.  عوامل عديدة تجعل الشباب الجزائري أكثر تأثراً بمحتوى المؤثرين وبالحديث عن العوامل التي تجعل الشباب الجزائري يتأثر بشكل أكبر بمحتوى المؤثرين مقارنةً بمحتوى وسائل الإعلام التقليدية، يُجمع مختصون على أن الأمر يرتبط بعوامل عدة رئيسة، أولا، أن وسائل التواصل الاجتماعي تتيح تفاعلًا مباشرًا ومستمرًا بين المؤثرين وجمهورهم، مما يعزز العلاقة الشخصية ويجعل المحتوى أكثر مصداقية وقربًا. ثانيًا، يتمتع المؤثرون بقدرة على خلق محتوى يتماشى مع اهتمامات الشباب، مثل الموضة، الرياضة، والترفيه، مما يجذب انتباههم بشكل أكبر من البرامج التقليدية التي قد تكون موجهة لشرائح أوسع وأقل تخصصًا. ثالثًا، يتسم محتوى المؤثرين بالعفوية والمرونة، حيث يتم تحديثه بشكل مستمر ويتكيف مع التوجهات الحديثة، بينما تعاني وسائل الإعلام التقليدية من قيود الزمن والمحتوى الرسمي، أخيرًا، توفر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي حرية أكبر في الوصول للمحتوى في أي وقت ومن أي مكان، مما يجعل الشباب يفضلون هذا النوع من المحتوى الذي يتناسب مع نمط حياتهم الرقمي. التباين في محتوى المؤثرين يعكس بوضوح الفجوات الطبقية داخل المجتمع على صعيدٍ متصل، وحسب أهل الاختصاص، يعكس المحتوى الذي يقدمه المؤثرون في الجزائر الانقسامات الطبقية والثقافية داخل المجتمع من خلال التباين الواضح في المواضيع والأسلوب الذي يتبعه كل مؤثر، فالمؤثرون الذين ينتمون إلى طبقات اجتماعية واقتصادية معينة يميلون إلى تقديم محتوى يعكس اهتمامات فئتهم، مثل الموضة الفاخرة، السفر، أو المنتجات الرفاهية، مما قد يسهم في تعزيز صورة "الرفاهية" لدى جمهورهم، في المقابل، يقدم البعض الآخر محتوى يعكس تجارب حياتية أكثر قربًا من الطبقات الأقل دخلًا أو تلك التي تواجه تحديات اجتماعية، مثل قضايا البطالة أو الظروف الاقتصادية الصعبة. هذا التباين في المحتوى يعكس بوضوح الفجوات الطبقية داخل المجتمع، حيث يُلاحظ أن الشباب من الطبقات الوسطى والثرية يتابعون مؤثرين يعكسون نمط حياة مختلف تمامًا عن أولئك الذين يعانون من ضغوطات اقتصادية، بالتالي قد يسهم ذلك في تعميق الفجوات الاجتماعية بين فئات الشباب، حيث يزداد الشعور بالانقسام والتباين في القيم والفرص المتاحة، إضافة إلى ذلك، يعزز هذا التوجه ثقافة الاستهلاك المتفاوتة، مما يرسخ الفوارق بين الفئات الاجتماعية المختلفة. يسهم المحتوى الرقمي في تسليط الضوء على التحديات التي يواجهها المجتمع الجزائري ولكنه أيضًا قد يعمق الانقسامات الثقافية والاجتماعية، خاصةً عندما يروج لصور نمطية تروج للرفاهية وجعلها مؤشرا للنجاح. انعكاسات متابعة حياة المؤثرين على الصحة النفسية للشباب الجزائري هذا، ويشير أخصائيون نفسانيون، أنه وفي ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، أصبح المؤثرون الرقميون جزءًا أساسيًا من حياة العديد من الشباب الجزائري، هؤلاء الأشخاص الذين يتمتعون بشعبية كبيرة على منصات مثل "إنستغرام" و"تيك توك"، يقدمون لحظات من حياتهم اليومية التي تظهر عادةً جانبًا مثاليًا، مليئًا بالرفاهية والنجاح، مع أن هذه المتابعة قد تبدو للوهلة الأولى مصدرًا للترفيه أو الإلهام، إلا أن هناك تأثيرات غير مباشرة قد تكون لها تداعيات سلبية على الصحة النفسية لهؤلاء الشباب. من أبرز التأثيرات التي يمكن أن يواجهها الشباب هو القلق الاجتماعي الناتج عن المقارنات المستمرة مع حياة المؤثرين، عند رؤية المؤثرين يعيشون حياة مليئة بالرفاهية والجمال، قد يبدأ الشباب في مقارنة حياتهم الخاصة بحياة هؤلاء المؤثرين، هذا النوع من المقارنات قد يعزز مشاعر النقص والشعور بعدم الرضا عن الذات، خاصة إذا شعروا أنهم غير قادرين على تحقيق مستوى النجاح نفسه أو الرفاهية عينها، هذا الشعور بالنقص قد يتحول مع مرور الوقت إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب. إضافة إلى ذلك، يُعزز المحتوى الذي يقدمه المؤثرون في كثير من الأحيان من التوقعات غير الواقعية عن الحياة، فالمحتوى الذي يعرض صورًا مثالية للحياة، مثل السفر الفاخر والملابس الراقية، قد يولد ضغطًا نفسيًا على الشباب، حيث يشعرون بأنهم مطالبون بتلبية هذه المعايير التي يصعب تحقيقها في الواقع، هذه التوقعات قد تؤدي إلى زيادة مستويات التوتر والقلق، مما ينعكس سلبًا على الحالة النفسية. لا تقتصر التأثيرات السلبية فقط على الجانب النفسي، بل يمكن أن تمتد إلى العلاقات الاجتماعية للشباب، فمع تزايد الوقت الذي يقضونه في متابعة حياة المؤثرين، قد يقل تفاعلهم مع عائلاتهم وأصدقائهم في الحياة الواقعية، هذه العزلة الاجتماعية يمكن أن تؤدي إلى شعور بالوحدة والفراغ العاطفي، حيث يتطور تعلق الشباب بالمؤثرين على حساب الروابط الاجتماعية الحقيقية. من الناحية الجسدية أيضاً، يمكن أن تكون هناك تداعيات غير مباشرة نتيجة لهذه المتابعة المستمرة، فقد يؤدي التفاعل الدائم مع هذه المنصات إلى قلة النشاط البدني، وخصوصًا إذا قضى الشباب ساعات طويلة أمام شاشات هواتفهم، مما قد يؤثر على صحتهم البدنية والنفسية على حد سواء. ضرورة اتخاذ إجراءات قانونية لضمان بيئة رقمية آمنة في الجزائر، تتزايد التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي على الشباب، وهو ما يتطلب اتخاذ إجراءات قانونية لحمايتهم، وتعزيز الوعي القانوني بين الشباب حول حقوقهم على الإنترنت، كما يمكن تحقيق ذلك من خلال تضمين مفاهيم الأمان الرقمي في المناهج الدراسية، وتنظيم حملات توعية عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لتمكين الشباب من التعامل مع المخاطر الرقمية بشكل آمن. كما تتطلب حماية الشباب من التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي تعاونًا بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني، لتعزيز الوعي القانوني وضمان بيئة رقمية آمنة. مؤسسات التربية ودورها في بناء وعي رقمي سليم وصناعة قدوة إيجابية إلى جانب ذلك، يُجمع مختصون تربويون، أن مؤسسات التعليم والتربية في الجزائر تعتبر من بين أبرز الجهات التي يمكن أن يكون لها دور فاعل في مواجهة التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي والمؤثرين على الشباب، من خلال استراتيجيات تعليمية وتربوية تهدف إلى بناء وعي رقمي سليم وصناعة قدوات إيجابية، مع تزايد تأثير الإنترنت على الشباب، أصبح من الضروري أن تتبنى هذه المؤسسات دورًا فعالًا في توجيه الطلاب نحو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل آمن ومسؤول. وحسب أهل الاختصاص، فإن من بين الطرق التي يمكن لمؤسسات التعليم أن تتبناها هي دمج مفاهيم الأمان الرقمي والتوعية باستخدام الإنترنت في المناهج الدراسية، ويشمل ذلك تعليم الطلاب كيفية التمييز بين المحتوى الموثوق والمحتوى المضلل، فضلاً عن توعيتهم بالمخاطر النفسية والاجتماعية التي قد تنتج عن التفاعل المفرط مع المؤثرين، كما يجب أن تركز المناهج التعليمية على تعزيز التفكير النقدي لدى الطلاب، ليتمكنوا من تحليل المحتوى الذي يتعرضون له واتخاذ قرارات مدروسة بشأنه. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمؤسسات التعليم أن تسهم في صناعة القدوة من خلال تسليط الضوء على نماذج إيجابية في المجتمع، سواء كانت من علماء، مفكرين، أو قادة مجتمعيين، يمكن أيضا تنظيم ورشات عمل ومحاضرات تثقيفية تتحدث فيها هذه الشخصيات عن تجاربها ومسيرتها في تحقيق النجاح، بعيدًا عن الصور المثالية التي يروجها بعض المؤثرين الرقميين، هذا النوع من القدوات يسهم في تعزيز القيم الإنسانية والاجتماعية التي تروج لها مؤسسات التعليم. من جانب آخر، يمكن أن تلعب الأنشطة اللاصفية مثل الأندية الطلابية والمبادرات المجتمعية دورًا مهمًا في تطوير مهارات الشباب في التواصل الفعّال، مما يخفف من تأثير الانعزال الاجتماعي الناتج عن متابعة المحتوى الرقمي، كما يمكن للمؤسسات التعليمية تنظيم فعاليات تشجع الطلاب على المشاركة في الأنشطة التي تعزز من قدراتهم الفكرية والاجتماعية بعيدًا عن وسائل التواصل الاجتماعي. علاوة على ذلك، يجب أن تعمل مؤسسات التربية والتعليم على إقامة شراكات مع الأسر لتعزيز دور الأسرة في مراقبة استخدام الأبناء لوسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي توفير بيئة توازن بين التفاعل الرقمي والحياة الاجتماعية الحقيقية. كذلك، يمكن لمؤسسات التعليم والتربية في الجزائر أن يكون لها دور أساسي في تقليل التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي والمؤثرين من خلال إدماج التوعية الرقمية في المناهج الدراسية، دعم القدوات الإيجابية، وتعزيز الأنشطة التي تساهم في تنمية الشباب بشكل متوازن، هذا التدخل من شأنه أن يسهم في تكوين جيل قادر على مواجهة تحديات العصر الرقمي بشكل إيجابي.  الذكاء الاصطناعي وخلق صورة "القدوات الزائفة" تعتمد منصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير على الخوارزميات الذكية التي تحدد المحتوى الذي يظهر للمستخدمين بناءً على تفضيلاتهم وسلوكياتهم الرقمية، هذه الخوارزميات لا تقتصر فقط على تخصيص الإعلانات أو اقتراحات الفيديو، بل تلعب أيضًا دورًا كبيرًا في تسليط الضوء على مؤثرين معينين، مما يسهم في تشكيل صورة قدوات رقمية، وفي بعض الحالات، قد يخلق "قدوات زائفة" لا تعكس الواقع. تعمل الخوارزميات التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي في منصات مثل "إنستغرام"، "فيسبوك"، و"تيك توك" على تحليل بيانات المستخدمين، مثل التفاعلات والمحتوى الذي يعجبهم أو يشاركونه، لتقديم محتوى يتناسب مع اهتماماتهم، نتيجة لهذا التخصيص الدقيق، يتم عرض محتوى بعض المؤثرين بشكل أكبر من غيرهم، وذلك بناءً على مستوى تفاعل الجمهور مع المحتوى الذي يقدمه هؤلاء المؤثرون، هذا يخلق دائرة مغلقة من التفاعل المستمر مع بعض الأفراد الذين يبرزون في الخوارزميات، ما يؤدي إلى زيادة شعبيتهم بشكل كبير. ومع زيادة تأثير هذه الخوارزميات، تصبح بعض الشخصيات أكثر بروزًا، حتى وإن كانت حياتهم أو محتواهم غير تمثيلي للواقع، في الكثير من الحالات، قد لا يعكس المحتوى الذي يقدمه المؤثرون الصورة الحقيقية لحياتهم أو نجاحاتهم، إذ إنهم غالبًا ما يعرضون جانبًا من حياتهم مليئًا بالمثالية والرفاهية، مما يؤدي إلى خلق انطباع بأن هذه هي الطريقة الوحيدة للنجاح أو السعادة، هذه "القدوات الزائفة" قد تؤثر على الشباب، الذين قد يبدؤون في مقارنة أنفسهم بهذه الصور المثالية ويشعرون بالضغط لاتباع المعايير نفسها أو أنماط الحياة التي تعرضها هذه الشخصيات. الذكاء الاصطناعي، رغم فائدته في تحسين تجربة المستخدم، يسهم في تعزيز هذه الصورة المثالية والمغلوطة عن طريق تسليط الضوء على المحتوى الذي يتلقى أعلى نسبة تفاعل، بغض النظر عن كونه واقعيًا أو لا، وبالتالي، يمكن أن يسهم هذا في تعزيز صورة "القدوات الزائفة"، التي تروج لمفاهيم غير واقعية للجمال، النجاح، والحياة المثالية. من جهة أخرى، يمكن أن يؤدي هذا التأثير إلى انعكاسات سلبية على الصحة النفسية للمستخدمين، خاصة الشباب، الذين قد يشعرون بأنهم غير قادرين على محاكاة هذه الأنماط أو الوصول إلى مستوى الشهرة نفسها أو النجاح الذي يراهون في المؤثرين الذين يسلط الضوء عليهم الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين تجربة المستخدم على منصات التواصل الاجتماعي من خلال تخصيص المحتوى بشكل دقيق، إلا أنه في الوقت نفسه يمكن أن يسهم في خلق "قدوات زائفة" لا تعكس الحقيقة بشكل كامل، من المهم أن يتم توعية المستخدمين، خاصة الشباب، بأهمية التمييز بين الواقع والتمثيل الرقمي المثالي الذي يتم الترويج له عبر هذه المنصات. اختيار المؤثرين المناسبين لضمان توافق الإعلانات مع القيم المحلية في الجزائر، تُمثل القيم الثقافية والدينية جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، مما يجعل من الضروري أن تأخذ الشركات في الحسبان هذه القيم عند تصميم حملاتها الإعلانية، خصوصًا عندما تعتمد على المؤثرين الناشطين عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي. ولتحقيق هذا التوازن، يؤكد خبراء في الاقتصاد أنه يجب أن تكون الشركات على دراية بالخصوصيات الاجتماعية والتقاليد المحلية، مثل التوجهات الدينية والهوية الثقافية. ومن أحد العوامل الأساسية لضمان توافق الحملات الإعلانية هو اختيار المؤثرين الذين يتناسب سلوكهم ومحتواهم مع القيم المحلية، لا يكفي أن يكون المؤثر مشهورًا أو يمتلك عددًا كبيرًا من المتابعين، بل يجب أن يكون لديهم مصداقية ويحترمون الأعراف الاجتماعية والدينية، المؤثرون الذين يعكسون هذه القيم يمكن أن يكونوا سفراء فعّالين للعلامات التجارية. إضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز الحملات الإعلانية عبر ربطها بالمناسبات الوطنية والدينية التي تحمل أهمية خاصة في الجزائر، مثل الأعياد والمناسبات الثقافية، من خلال هذه الطريقة، يمكن أن تسهم الحملات في تعزيز الاتصال بالجمهور وتعميق التفاعل الإيجابي. كما يجب على الشركات أن تضمن شفافية حملاتها، بحيث تكون متوافقة مع القوانين المحلية المتعلقة بالإعلانات والتسويق، مما يعزز الثقة بين الشركات والجمهور. ويمكن للشركات في الجزائر ضمان توافق حملاتها الإعلانية مع القيم المحلية من خلال اختيار مؤثرين مناسبين، مراعاة الخصوصيات الثقافية والاجتماعية، والتفاعل مع الأحداث المحلية، مع الالتزام بالقوانين المحلية لضمان النجاح في السوق الجزائرية. في الختام، من المهم التنويه إلى أن تأثير منصات التواصل الاجتماعي في صناعة القدوة لا يمكن تجاهله، خاصة في الجزائر حيث يشهد الشباب تفاعلًا متزايدًا مع المؤثرين، ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن للشباب الجزائري أن يوازن بين التأثر بالمؤثرين والتمسك بالقيم الأصيلة؟ فوزي بن دريدي (خبير في علم الاجتماع - الجزائر)

كيف غيّر المؤثرون مفهوم القدوة لدى الشباب الجزائري؟

أبرز الدكتور فوزي بن دريدي الخبير في علم الاجتماع، أن المجتمعات عبر مختلف دول العالم شهدت تغيرات عميقة بفعل التحولات التكنولوجية الرقمية التي غزت مختلف نواحي الحياة اليومية، غير أن مجتمعات العالم الثالث، وبالأخص المجتمعات القريبة جغرافيًا وثقافيًا من أوروبا وأمريكا، كانت الأكثر تأثرًا بهذه التحولات، هذه المجتمعات غالبًا ما تفاعلت مع التكنولوجيا الجديدة وقيمها المُصاحبة بشكل سريع ودون إخضاعها لتحليل نقدي أو دراسة عميقة، ما أدى إلى تغيرات جذرية في البنى الاجتماعية التقليدية، حيث انتقلت من نمط العلاقات الاجتماعية المبنية على القيم الأصيلة إلى بنيات جديدة متأثرة بالقيم المستوردة، والتي تشكلت وفقًا للسياقات الثقافية للدول التي أنتجت هذه التقنيات. في السياق ذاته، أفاد الدكتور بن دريدي، في تصريح لصحيفة "الأيام نيوز"، بأن الجزائر، التي تتميز ببنية اجتماعية وثقافية تقليدية راسخة، انعكست فيها هذه التحولات بشكل واضح على الأجيال الجديدة، وخاصة لدى فئة الشباب، حيث يُعتبر هذا الجيل الأكثر اندماجًا مع التكنولوجيا الرقمية، بعد أن أصبحت هذه الأخيرة جزءًا لا يتجزأ من حياته اليومية، ومع ذلك، فإن هذه التقنيات ليست مجرد أدوات محايدة تُستخدم لتسهيل الحياة، بل هي منظومات حاملة لقيم وسلوكيات اجتماعية وثقافية جديدة، ومن أحد أبرز مظاهر هذا التحول هو بروز "المؤثرين الرقميين"، الذين تمكنوا من جذب ملايين المتابعين، معظمهم من الشباب. وأردف قائلا: "إن تأثير المؤثرين الرقميين على الشباب الجزائري كبير جدًا، حيث أصبح هؤلاء يشكلون نماذج قدوة جديدة، على عكس الماضي، حينما كانت القدوة تتمثل في الشخصيات المثقفة مثل المعلمين والأساتذة والعلماء، حيث أصبح الشباب الآن يميل إلى تقليد المؤثرين الذين قد لا يمتلكون خلفيات علمية أو ثقافية تؤهلهم لتوجيه الآخرين، هذا التغير في مفهوم القدوة يشكل خطرًا كبيرًا على البنية القيمية للمجتمع، حيث أن العديد من القيم التي يروج لها بعض المؤثرين تتناقض مع القيم الأصيلة للمجتمع الجزائري، ولعل من بين القيم التي أصبحت أكثر شيوعًا هي فكرة تحقيق الربح السريع والاعتماد على أساليب بسيطة وسطحية لجذب الانتباه، هذه القيم، التي قد تبدو جذابة للشباب في البداية، تحمل في طياتها مخاطر كبيرة لأنها تروج لسلوكيات قد تتعارض مع الأخلاقيات والقيم المرجعية للمجتمع". المشكلة لا تكمن فقط في تأثير المؤثرين، بل أيضًا في غياب آليات فعالة للتعامل مع هذه التحولات داخل الأسرة والمؤسسات التربوية، فالتنشئة الاجتماعية، سواء في المنزل أو في المدرسة، لم تتمكن من مجاراة التغيرات السريعة التي أحدثتها التكنولوجيا، هذا القصور جعل الشباب أكثر عرضة للتأثر بالخطابات البسيطة والسريعة التي يقدمها المؤثرون، هؤلاء المؤثرون ينجحون في جذب الشباب لأنهم يستخدمون لغة قريبة من واقعهم ويعبرون عن تطلعاتهم واحتياجاتهم بشكل مباشر، يوضح الخبير في علم الاجتماع. على المستوى الثقافي والاجتماعي، يرى محدثنا أن هذا التحول يعكس صراعًا بين القيم التقليدية التي تشكل هوية المجتمع الجزائري وبين القيم الجديدة التي تروج لها التكنولوجيا الرقمية، هذا الصراع يُظهر التحديات التي تواجه المجتمعات التقليدية في التعامل مع التحولات التكنولوجية، فالتحولات في القيم ليست أمرًا جديدًا في تاريخ المجتمعات، ولكن التحدي يكمن في توجيه هذه التحولات بحيث تكون متوافقة مع الهوية الثقافية للمجتمع. إلى جانب ذلك، أشار الدكتور بن دريدي إلى أن المؤثرين الرقميين، في كثير من الأحيان، يعبرون عن احتياجات وأحلام جيل الشباب، التي تختلف بشكل كبير عن تطلعات الأجيال السابقة، فالشباب اليوم يبحث عن فرص تعبر عن حريته وتطلعاته المستقبلية، لكن هذه التطلعات أحيانًا قد تصطدم بالواقع الاجتماعي والثقافي الذي ينتمي إليه، والمحتوى الذي يقدمه المؤثرون غالبًا ما يعكس هذه التناقضات، حيث يكون في بعض الأحيان تعبيرًا عن الإحباط والرغبة في التغيير. وفي هذا الشأن، يؤكّد محدث "الأيام نيوز" على ضرورة اتخاذ خطوات جدية لفهم تطلعات الشباب واحتياجاتهم الحقيقية، فلا يمكن معالجة هذا الواقع إلا من خلال دراسات اجتماعية ونفسية عميقة تستهدف التعرف على آمال الشباب وتوجهاتهم، مما يتيح وضع سياسات قادرة على تلبية هذه الاحتياجات دون التفريط في الهوية الثقافية، المؤسسات التربوية والثقافية أيضا يجب أن تلعب دورًا أكبر في توجيه الشباب نحو استخدام إيجابي للتكنولوجيا، كذلك، يجب أن تتبنى الأسر دورًا أكثر وعيًا في متابعة أبنائها وتوجيههم نحو اختيار القدوات المناسبة. خِتاماً، أفاد الخبير في علم الاجتماع، الدكتور فوزي بن دريدي، بأن التحولات التكنولوجية ليست مجرد تطور طبيعي للمجتمعات، بل هي تحدٍ حقيقي يتطلب مقاربات مدروسة ومخططة، فإذا كان من الطبيعي أن تتغير القيم مع تطور التكنولوجيا، فمن الضروري أيضًا أن تكون هذه القيم الجديدة متوافقة مع الهوية الثقافية للمجتمع، حتى لا تتحول إلى تهديد حقيقي لبنيته الاجتماعية. بقلم: آمال حفصة زعيون (الأخصائية الاجتماعية - الجزائر)

تحولات مفهوم القدوة.. نحو إعادة تشكيل القيم أم فقدانها؟

إن الاقتداء بالمؤثرين الرقميين يرتبط أساسًا بالأسلوب الذي يتبعه هؤلاء في تقديم صورة تجذب انتباه المتابعين وتلامس اهتماماتهم وأحلامهم، حيث يعتمد هؤلاء المؤثرون على استخدام تقنيات تسويقية بارعة، منها إظهار حياة الرفاهية والمثالية، والتعبير عن آرائهم بحرية دون قيود، هذه الصورة البراقة التي يعرضونها تستحوذ على اهتمام جمهور واسع، مما يجعلهم مصدر إلهام للكثير من الشباب الذين يرغبون في تقليدهم أو السير على خطاهم. المتابعون الذين يستهويهم هذا النوع من المحتوى الرقمي ينتمون إلى مختلف الفئات الاجتماعية، بغض النظر عن أعمارهم أو مستوياتهم التعليمية أو طبقاتهم الاقتصادية، إلا أن القاسم المشترك بينهم يكمن في كثرة تعرضهم للشاشات الرقمية، وعلى النقيض من ذلك، نجد أن العلماء والأدباء والنوابغ يمثلون نخبة المجتمع، ولكنهم لا يجذبون إلا الأفراد المهتمين فعلاً بمجالاتهم العلمية أو الثقافية، السبب في ذلك أن هؤلاء النخب غالبًا لا يعتمدون على الأساليب التسويقية نفسها التي يستخدمها المؤثرون الرقميون، مما يجعلهم أقل ظهورًا على المنصات الرقمية، وبالتالي أقل متابعة. في حين أن متابعة العلماء تتطلب من الفرد البحث عنهم والاطلاع على أعمالهم بأنفسهم، نجد أن المؤثرين الرقميين يظهرون بشكل مكثف على المنصات بفضل المحتويات التسويقية التي تجذب انتباه المستخدمين بسهولة، هذه السهولة تجعلهم أكثر قدرة على كسب ثقة الجمهور، مما يؤدي إلى تعزيز مكانتهم بين الشباب وحتى الأطفال. لا شك أن تغير القدوة في المجتمع يعكس أزمة أخلاقية عميقة، ترتبط بتراجع القيم الاجتماعية الأصيلة، على سبيل المثال، نرى العديد من الشباب الجزائري يعجبون بمؤثرين يقدمون محتويات تافهة، لكنهم يكسبون أموالاً طائلة ويعيشون حياة رفاهية ظاهرة، هذه المقارنة بين هؤلاء المؤثرين وبين أدباء يعيشون حياة متواضعة تجعل الشباب يتخذون قرارات تؤثر على اختياراتهم المستقبلية، بدلاً من استغلال التسويق الرقمي لخلق محتوى مفيد أو تطوير أنفسهم في مجال الرقمنة، يختار بعض الشباب السير في طريق التفاهة من أجل الحصول على حياة مشابهة لما يراه على مواقع التواصل. ومع ذلك، يجب أن ندرك أن ما يُعرض على المنصات الرقمية ليس بالضرورة حقيقيًا، العديد من المؤثرين يصدّرون صورة زائفة لحياتهم لجذب المتابعين والترويج لعلامات تجارية مقابل مكاسب مالية، والجدير بالذكر أيضا أن كثيرًا من المؤثرين الجزائريين المشهورين اعترفوا في لقاءات صحفية أو خلال مشاركتهم في برامج بودكاست بأنهم يعانون من مشاكل نفسية وأسرية خلف الكواليس، مما يكشف جانبًا آخر من حياتهم لا يظهر للمشاهدين. في عصرنا الحالي، أصبحت الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي جزءًا كبيرًا من حياتنا اليومية، بفضل التقنيات المتطورة، تستهدف هذه المنصات استهلاك الأفراد لمحتوياتها بشكل مستمر يصل أحيانًا إلى حد الإدمان، هذا الواقع الجديد أضعف تأثير وسائل الإعلام التقليدية مثل التلفزيون والصحافة المطبوعة، مما دفعها إلى إنشاء مواقع إلكترونية وصفحات رسمية على شبكات التواصل الاجتماعي لمواكبة هذا التغير وخلق تفاعل مباشر مع الجمهور. أما فيما يتعلق بالطبقية، فإن الفوارق الاقتصادية والاجتماعية التي تُبرزها حياة المؤثرين تُلقي بظلالها على الشباب الجزائري الذي يحاول تحسين ظروفه وسط التحديات الاجتماعية والاقتصادية، فعندما يقارن الشاب حياته بواقع المؤثرين، غالبًا ما يشعر بالإحباط بسبب التفاوت الكبير في الجانب المادي ومستوى الرفاهية، مما يرسخ شعورًا بالنقص وعدم الانتماء للطبقة الاجتماعية نفسها. ومع ذلك، يُلاحظ في الفترة الأخيرة توجه إيجابي بين فئات من الشباب الذين يستغلون مواقع التواصل بطريقة بناءة، فقد بدأ العديد منهم بمتابعة مؤسسي الشركات الناشئة ورواد الأعمال الذين يقدمون نصائح مهنية قيّمة في مجالات التسويق، الإدارة، الصحة، وغيرها، هذه الظاهرة تدل على وجود شريحة من الشباب الجزائري تفضل استثمار وقتها بشكل إيجابي وتطوير مهاراتها بدلاً من الانسياق وراء التفاهة. في النهاية، يمكن القول إن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فهي من جهة تمثل فرصة للتعلم والتطوير، ومن جهة أخرى قد تكون عاملًا للتشتت وتبني قيم سطحية، يبقى الخيار في يد الفرد وكيفية توظيف هذه الوسائل بما يحقق له الفائدة ويحافظ على قيمه ومبادئه. بقلم: شريفة شعال (أخصائية نفسانية-الجزائر)

المؤثرون وثقافة المقارنة.. انعكاسات على الصحة النفسية للشباب

 بدايةً، من المهم أن نتوقف عند بعض المصطلحات الجوهرية التي نتعامل معها في هذا السياق، أولًا، ما هو المقصود بالمؤثرين؟ المؤثر هو شخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يملكون القدرة على التأثير في جمهور معين من خلال منصات التواصل الاجتماعي أو غيرها من وسائل الإعلام، ولكن يجب أن نلاحظ أن تأثير هؤلاء المؤثرين يمكن أن يكون إيجابيًا أو سلبيًا بحسب نوع المحتوى الذي يقدموه ومدى التزامهم بالقيم المجتمعية الصحيحة، يُفترض بالمؤثرين أن يكونوا نماذج يُحتذى بها في مجالات تخصصهم، مثل التعليم، التنمية الشخصية، العلوم، الرياضة، أو أي مجال آخر يعكس تأثيرًا بناءً ومفيدًا للمجتمع. من ناحية أخرى، يجب أن يمتلك المؤثرون التكوين العلمي والمعرفي الصحيح في مجالاتهم، كما يُفترض بهم أن يكون لديهم تجارب مهنية حقيقية، سواء كانت في مجال عملهم أو في حياتهم الشخصية، ليكونوا قادرين على تقديم محتوى ذو قيمة حقيقية، لكن هذا ليس هو الحال دائمًا، خاصة في الجزائر، حيث نرى العديد من المؤثرين الذين يروجون لأنماط حياة غير واقعية، بعيدًا عن الواقع الاجتماعي أو الاقتصادي للمجتمع الجزائري، هذه الحقيقة تجعل التأثير الذي يمارسه هؤلاء المؤثرون يختلف بشكل كبير من شخص لآخر، ويعكس تنوعًا واضحًا في نوعية المحتوى الذي يتم تداوله، ما بين إيجابي وسلبي. في الجزائر، نجد العديد من المؤثرين الذين يقدمون محتوى مبدعًا وملهمًا في مجالات مثل التربية، علم النفس، الصحة، والطهي، على سبيل المثال، تعتبر "أم وليد" واحدة من أشهر المؤثرات في مجال الطهي، حيث تقدم وصفات غذائية مبتكرة وسهلة التحضير تناسب جميع أفراد الأسرة الجزائرية، هؤلاء المؤثرون يقدمون محتوى هادفًا ويسهمون في تحسين حياة الناس من خلال نشر المعرفة المفيدة والتوجيه السليم، لكن ما يثير القلق هو وجود فئة أخرى من المؤثرين الذين يروجون لأنماط حياة تعتمد على الترف والرفاهية المبالغ فيها، وهذا غالبًا ما يكون غير قابل للتحقيق بالنسبة للعديد من الشباب في الجزائر. هذه الفئة من المؤثرين غالبًا ما يعيشون في الخارج أو في بيئات تروج لنمط حياة بعيدة عن الواقع المعيشي الذي يعيشه معظم الشباب الجزائري، هؤلاء المؤثرون يظهرون في فيديوهاتهم وهم يستعرضون منتجات باهظة الثمن أو يروجون لأسلوب حياة يتسم بالتبذير والترف، ما يجعل المراهقين والشباب يتبنون أفكارًا غير منطقية حول ما يجب أن يكون عليه نمط حياتهم، هذا النوع من المحتوى يعزز فكرة أن النجاح مرتبط بالمظهر الخارجي فقط أو بامتلاك الأشياء المادية، مما يؤدي إلى فقدان التركيز على القيم الحقيقية مثل العمل الجاد والإبداع والاحترام. أحد التأثيرات السلبية لهذا النوع من المحتوى هو دفع المراهقين إلى السعي وراء المال بطرق غير مشروعة أو غير أخلاقية لتحقيق مستوى الحياة الذي يرونه في الفيديوهات، هذه الظاهرة قد تكون مصدرًا للكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية، حيث أن المراهقين في الجزائر، ومع تزايد التأثير السلبي للمؤثرين، قد ينخرطون في علاقات غير شرعية أو يلجؤون إلى الطرق الغير قانونية لتلبية رغباتهم في اقتناء هذه المنتجات أو للوصول إلى هذه الأنماط المعيشية، هذا يؤثر بشكل كبير على سلوكياتهم ويشجعهم على تبني أسلوب حياة غير مناسب لمجتمعهم، وبالتالي تؤثر هذه الأفكار على استقرارهم الاجتماعي والنفسي. مؤثر آخر في حياة الشباب الجزائري هو تأثير هذه الشخصيات على قيم المجتمع، فالمراهقون الذين يتبعون هذه الشخصيات المؤثرة، غالبًا ما يضيعون هويتهم الشخصية، ويحاولون تقليد كل جانب من جوانب حياة هؤلاء المؤثرين، سواء من ناحية الشكل أو الملبس أو حتى المواقف الشخصية، هذه الظاهرة تُعرف في علم النفس بالنمذجة، حيث يسعى المراهقون إلى تقليد الأشخاص الذين يرونهم في منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة أولئك الذين يتمتعون بشعبية كبيرة، لكن ما يغفل عنه هؤلاء المراهقون هو أن هؤلاء المؤثرين في كثير من الأحيان لا يقدمون نموذجًا إيجابيًا يراعي القيم الأخلاقية أو الاجتماعية، بل على العكس، يروجون لقيم بعيدة كل البعد عن الواقع الجزائري. من المهم أن نذكر أن المراهقين هم أكثر الفئات تأثرًا بالمؤثرين السلبيين على منصات التواصل الاجتماعي، وهذا التأثير ليس محدودًا فقط بالناحية الاجتماعية أو النفسية، بل يمتد أيضًا إلى القيم الثقافية والعادات الاجتماعية، فالمراهقون الذين يتابعون هذه المؤثرات، يتأثرون بشكل كبير بمقاييس الجمال الغربية وغير الواقعية، ويبدؤون في مقارنة أنفسهم مع هذه النماذج المثالية التي يرونها على الإنترنت، هذه المقارنات تؤدي إلى تشوه صورة الجسد لدى المراهقات، مما يسبب لهم مشاكل في تقدير الذات والشعور بعدم الرضا عن مظهرهم الطبيعي، في الكثير من الحالات، نجد أن المراهقات يعانين من اضطرابات في صورة الجسد، والتي تؤدي بدورها إلى مشاعر من الكراهية للذات، مما يؤثر على ثقتهم بأنفسهم ويقلل من قدرتهم على بناء علاقة صحية مع أنفسهم. إضافة إلى ذلك، نجد أن المؤثرين يروجون لمعايير جمال غير واقعية، باستخدام تقنيات احترافية في التصوير، مثل التعديل على الصور واستخدام منتجات التجميل باهظة الثمن، هذا يجعل المراهقات يشعرن بضغط كبير لتلبية هذه المعايير، وهو ما يؤدي إلى تدهور صحتهن النفسية والجسدية، في الكثير من الحالات، تؤدي هذه المعايير إلى تعزيز الشعور بعدم الجمال الطبيعي، وهو ما يجعل المراهقات غير راضيات عن أنفسهن ويعانين من مشاعر القلق والاكتئاب، هذا يشكل تهديدًا كبيرًا لصحتهن النفسية ويمنعهن من بناء صورة إيجابية عن أنفسهن. في الختام، يمكننا القول أن منصات التواصل الاجتماعي تسهم في تشكيل قدوات الشباب الجزائري بشكل كبير، ولكن من المهم أن يتم اختيار هذه القدوة بعناية، حيث أن التأثيرات السلبية للمؤثرين الذين يروجون لمعايير غير واقعية قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يضيع الشباب هويتهم الشخصية ويبتعدون عن القيم الحقيقية التي يجب أن يتحلوا بها، لذا، من الضروري أن يكون هناك وعي أكبر لدى الشباب في الجزائر لاختيار القدوات الإيجابية التي تعكس القيم الحقيقية التي يمكن أن تسهم في بناء شخصية قوية ومتوازنة في المستقبل. بالمقابل، منصات التواصل الاجتماعي تمثل فرصة هائلة لتحقيق تأثيرات إيجابية تعزز حياتنا الشخصية والمهنية، من خلال متابعة المؤثرين في مجالات متنوعة، يمكن للأفراد اكتساب معارف وخبرات تسهم في تحسين نوعية حياتهم اليومية بطرق عملية ودون الحاجة إلى إنفاق المال. بقلم: أحمد بن براهيم (محامي ومستشار قانوني-الجزائر)

الوعي القانوني في مواجهة التأثيرات السلبية للمؤثرين

في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصات مركزية تُطلق من خلالها الأفكار والتطلعات، ويظهر فيها ما يُعرف بالمؤثرين، هؤلاء المؤثرون، بمفهومهم العام، هم أشخاص يمتلكون القدرة على التأثير على جمهور واسع عبر نشر المحتوى المختلف على منصات مثل فيسبوك، إنستغرام، وتيك توك، غير أن تأثير هؤلاء المؤثرين ليس دائمًا إيجابيًا، إذ يمكن أن يكون سلبيًا ويؤدي إلى انعكاسات خطيرة على الأفراد، خاصة فئة الشباب والمراهقين. لاحظنا في الآونة الأخيرة أن عددًا من المؤثرين السلبيين قد اجتذبوا اهتمام المراهقين وأثروا فيهم بشكل سلبي، وقد تتجلى هذه التأثيرات في نشر سلوكيات أو أفكار مخالفة للأعراف الاجتماعية والقيم الأخلاقية للمجتمع الجزائري، هذا النوع من المحتوى لا يقتصر على الإضرار بالقيم، بل يمتد إلى تعريض النظام العام للخطر وانتهاك الآداب العامة. القانون الجزائري واضح وصارم فيما يتعلق بمخالفة النظام العام والآداب العامة، حيث تُلاحَق أي جهة أو فرد يبث محتوى يضر بالقيم الاجتماعية أو يُخل بالنظام العام، توفر المنظومة التشريعية مجموعة من النصوص التي تعالج هذه القضايا، على سبيل المثال، تُعاقب قوانين مكافحة السب والشتم والقذف أي شخص ينشر محتوى مسيئًا عبر الإنترنت، ويُعتبر ذلك خاضعًا لقانون العقوبات، إضافة إلى ذلك، يتعامل قانون الجريمة الإلكترونية مع المخالفات التي تتم عبر الأنظمة المعلوماتية، مما يضمن إطارًا عامًا لمتابعة الأنشطة غير القانونية على الإنترنت، كما تُعد مخالفة النظام العام أو الآداب العامة جريمة يُعاقب عليها القانون الجزائري بصرامة. رغم وجود هذه القوانين، فإن التحدي يكمن في توعية الجمهور، وخاصة الشباب، بالمخاطر التي قد تنجم عن التأثر بالمحتوى السلبي، ولتحقيق هذا الهدف، ينبغي تنظيم حملات توعية قانونية عبر وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، كما يمكن أيضًا عقد ندوات ومحاضرات تستهدف المراهقين وأولياء الأمور لشرح أهمية التمييز بين المحتوى المفيد والضار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن الاستفادة من المؤثرين الإيجابيين لنشر رسائل توعوية تُبرز خطورة التأثير السلبي لبعض المحتويات. ورغم أن القانون الجزائري لا يتضمن نصوصًا خاصة بالمؤثرين تحديدًا، إلا أن القواعد العامة المتعلقة بمخالفة الآداب العامة والنظام العام كافية لملاحقة المخالفين، كما أن نشر الوعي القانوني يبقى ضرورة قصوى لضمان بيئة رقمية أكثر أمانًا وأخلاقية، تسهم في تعزيز القيم الإيجابية في المجتمع الجزائري. بقلم: أحمد جدي (مختص تربوي-الجزائر)

كيف يمكن للتربية حماية الشباب الجزائري من المحتويات الضارة؟

 إن الحديث عن دور مؤسسات التعليم والتربية في التقليل من التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي والمؤثرين على الشباب الجزائري وصناعة القدوة، هو موضوع ذو أبعاد متعددة، يتداخل فيه ما هو بسيط وما هو معقد، فكل مفصل في هذا الموضوع يحمل دلالات واضحة وأخرى مخفية، مما يعكس الوضع القائم الذي يواجهه أبناؤنا في ظل تغيرات متسارعة. ورغم وضوح التحديات التي نراها بأعيننا، فإن طرق معالجتها وتنفيذ الخطط التي نرسمها تتعثر بسبب العديد من العوامل، أبرزها البدايات التي انطلقنا منها والمراحل التي وصلنا إليها، إن غراس السنين يحتاج إلى رعاية ومواكبة، ولكن المشكلة تكمن في الهوة التي سمحنا لها بالتوسع والتي زادت من تعميق الفجوة بين الأطراف الفاعلة، وبالتالي زادت من حجم التراكمات التي يصعب حلها. في السابق، كانت المسارات واضحة، حيث كانت الموارد والأهداف محصورة بين الأسرة التي تتحمل مسؤولية تربية الأبناء ورعايتهم، وكان الطفل هو محور هذه الجهود، لكن مع مرور الوقت، اتسعت دائرة التأثيرات، ودخل إلى حياتنا عناصر جديدة غزت العقول وسرقت الأوقات، ومع هذه التغيرات، بدأت الأسرة تفقد القدرة على متابعة هذا التطور التكنولوجي الذي بدأ يزحف على عقول الأبناء في غفلة منها، ظن الآباء أنهم تخلصوا من مشكلات الأبناء، لكن في الحقيقة بدأ الأبناء يتجولون في عالم افتراضي معزول عن واقع الأسرة، بعيدًا عن الرقابة، ومندفعين في تيارات لا يملكون الوعي الكافي لمواجهتها. تسارع الزمن جلب معه سيلاً من المعلومات، بعضها صالح وبعضها الآخر فاسد، في أجهزة صغيرة لا تفارق أيدينا، ولم نكن ندرك أن التعامل مع هذه الأجهزة يتطلب وعيًا خاصًا لتوجيه الأبناء إلى ما هو مفيد وحمايتهم من الضرر. إن التأثيرات السلبية لهذه التكنولوجيا أصبحت واضحة في حياتنا اليومية، فنحن نشهد الآن تباعدًا روحيًا داخل الأسرة رغم القرب الجسدي بين أعضائها، وسائل التواصل الاجتماعي، رغم كونها بوابة للتفاعل والمشاركة، أصبحت مدخلًا للإدمان، حيث لا تكاد تمر لحظة في حياتنا إلا ونجد أحد أفراد الأسرة منهمكًا في التصفح أو في مشاهدة فيديوهات أو لعب ألعاب إلكترونية تستهلك وقتهم وتركيزهم، أصبح الهاتف المحمول أداة مسيطرة، تلتهم الأوقات وتفرغ النفوس من طاقتها الإيجابية، ونتيجة لذلك، بدأ التركيز في العالم الواقعي يتلاشى، في حين أن الأبناء يواجهون بحرًا من المعلومات التي تتراوح بين السطحية والمضللة، وغالبًا ما تحمل بين طياتها سمًّا مغلفًا بالسكر. ومع تفاقم هذه المشكلة، أصبح المستقبل مقلقًا للغاية بالنسبة لأبنائنا الذين يمثلون أمل الأمة وزهور الوطن، جيل اليوم يعيش في واقع بعيد عن القدوات التي شكلت هوية الأجيال السابقة، نحن نشهد تأثيرات سلبية من هويات وثقافات دخيلة تحاول تغيير مسار أبنائنا وتشكيل عقولهم بعيدًا عن قيمنا الأصلية، هؤلاء الشباب يقعون في فخ التأثر السريع بسبب غياب التحصين المعرفي والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، وبالرغم من الجهود المبذولة من قبل أهل الخير الذين يتصدون لهذه المخاطر من خلال المساجد والمؤسسات المجتمعية والبرامج الإعلامية، يبقى دور الأسرة هو الأهم في هذه المعركة، لا يمكن لجهود فردية أن تثمر إذا لم تكن هناك بيئة أساسية داعمة من الأسرة. الأسرة اليوم مطالبة بتعزيز دورها في تربية الأبناء على التفريق بين ما هو مفيد وما هو ضار، من الضروري أن تقوم الأسر بمراقبة استخدام الأبناء للتكنولوجيا، وضبط الوقت الذي يقضونه على الأجهزة المحمولة، وتنظيم الحوار داخل الأسرة، ولكن هذا لا يكفي، يجب أن تواكب الأسرة هذه التغيرات بمشاريع بنّاءة تشغل وقت الأبناء وتوجههم نحو الأنشطة الإبداعية التي تسهم في تطوير مهاراتهم، لابد من التوجيه المستمر في كيفية التعامل مع الإنترنت، وتعريفهم بالمواقع المفيدة التي تعزز من معرفتهم وتوجهاتهم، بينما نعلمهم كيفية حماية أنفسهم من المحتوى السام. إذا نشأ الطفل في بيئة تكاملية تشاركية، تحرص على تقويم سلوكه باستمرار من خلال جلسات تقييم دورية، فإننا نكون قد أسسنا فردًا قادرًا على التفكير النقدي ومواجهة التحديات بشجاعة، التحدي هنا هو كيفية بناء جيل يمتلك القدرة على التحليل والنقد، ويرفض السير وراء التيارات المضللة التي تهدد هويته الثقافية والدينية. إضافة إلى دور الأسرة، تلعب المدرسة أيضًا دورًا حيويًا في هذه المعركة، المدرسة ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل هي أيضًا بيئة تنموية تُعد الأطفال للمستقبل، ومن خلال الأنشطة المدرسية المتنوعة مثل الصحافة المدرسية، الأندية الرياضية، والإذاعة المدرسية، يمكن للمدرسة أن تغرس القيم الوطنية في نفوس الأطفال، وتبني شخصياتهم بشكل إيجابي، من خلال هذه الأنشطة، يمكن للأطفال تعلم كيفية التواصل والعمل الجماعي، كما يمكنهم اكتساب مهارات جديدة تنعكس إيجابًا على محيطهم الاجتماعي، كما يمكن للمدرسة أن تسهم في توفير فرص للطلاب للبحث العلمي باستخدام الإنترنت، ما يجعلهم أكثر وعيًا بما يحيط بهم، بعيدًا عن الانغماس في المحتويات الترفيهية التي تشتت انتباههم. لكن نجاح هذه الجهود يتوقف على التعاون بين جميع الأطراف: الأسرة، المدرسة، والمجتمع، لا يمكن لأي طرف أن يحقق النجاح بمفرده، بل يجب أن يكون هناك تنسيق كامل بين الجميع، لذا، لا بد من وجود استراتيجية واضحة يجتمع حولها الجميع لتحقيق أهداف مشتركة، إذا تضافرت الجهود، فإننا سنتمكن من بناء جيل قادر على مواجهة التحديات الرقمية والاجتماعية التي قد تضر بمستقبله، وإذا كانت الأسرة هي الحاضنة الأساسية للطفل، فيجب أن تكون المدرسة هي المكان الذي يتوسع فيه تفكير الطفل، وتغرس فيه المبادئ والقيم التي تشكل شخصيته السوية. في خضم هذه التحديات التي تواجه الأجيال القادمة، أصبح من الضروري أن نعيد النظر في كيفية بناء الأسرة وكيفية تربية الأبناء في ظل العالم الرقمي المتسارع، إن الأسرة هي الحاضنة الأساسية لبناء جيل قادر على مواجهة التحديات وحماية هويته، التحديات الرقمية التي يواجهها الأبناء تتطلب منا التفاعل بشكل أكثر وعيًا مع هذه التقنيات، وتوجيه الأبناء بما يعود عليهم بالنفع، إن حماية أبنائنا من هذه المخاطر تبدأ من الأسرة الواعية والمتماسكة التي تتعاون مع المؤسسات التربوية والإعلامية لبناء جيل صحي عقليًا وجسديًا. بقلم: أمين سويسي (خبير في الرقمنة-الجزائر)

هل تساهم الخوارزميات في صناعة قدوات زائفة؟

يعمل الذكاء الاصطناعي (AI) على تغيير الطريقة التي يستخدمها المجتمع للتفاعل والتواصل وتوليد المحتوى واستهلاكه، وتُغير التكنولوجيا بالفعل المشهد الرقمي، وتثير العديد من الأسئلة بشأن استخدامها وتأثيرها، من بين هذه الأسئلة، تلك الني تتعلق بتداعيات الذكاء الاصطناعي في وسائل التواصل الاجتماعي. تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي على العديد من الخوارزميات لتحسين تجربة المستخدم وترتيب المحتوى المعروض، ومن بين الخوارزميات الأكثر استخدامًا في هذه المواقع: خوارزمية الوقت، خوارزمية التفاعل، الاستجابة، الجودة، وخوارزمية التوصيات. وتعتمد خوارزمية فيسبوك على مجموعة من العوامل لترتيب المحتوى وعرضه للمستخدمين، ومن بين هذه العوامل: اهتمامات المستخدم، الوقت، التفاعلات، الشخصية، المصدر، والاستجابة. آليات عمل الذكاء الاصطناعي في اختيار المؤثرين تعتمد منصات التواصل الاجتماعي على خوارزميات معقدة لتحديد المحتوى الذي يظهر للمستخدمين، هذه الخوارزميات تأخذ بعين الاعتبار معايير مثل التفاعل (الإعجابات، التعليقات، المشاركات)، مدة مشاهدة المحتوى، والاهتمامات السابقة للمستخدم، حيث تركز الخوارزميات بشكل كبير على تعزيز المحتوى الذي يحقق أعلى معدلات تفاعل، مما يسلط الضوء على المؤثرين الذين يثيرون اهتمام الجماهير بشكل أكبر. تعتمد هذه الخوارزميات على بيانات ضخمة تُجمع من سلوك المستخدمين، إذا كانت البيانات تحمل تحيزات معينة (مثل تفضيل محتوى ترفيهي على محتوى تعليمي)، فإن الخوارزميات تعزز هذه التحيزات. تحليل البيانات الضخمة يعتمد تحليل البيانات الضخمة في شبكات التواصل على تحليل مؤشرات الأداء الرئيسية لهذه الشبكات، حيث توفر هذه المؤشرات رؤية واضحة لمقدار ومحتوى البيانات، التي تولّدها الشبكات الاجتماعية، وتتسم شبكات التواصل الاجتماعي، بصفتها أحد المصادر للبيانات الضخمة، بالتزامنية والآنية والانتشار الواسع والقدرة على التحليل المباشر لبياناتها، وهو ما يميزها عن غيرها من المصادر. تأثير الخوارزميات على اختيار القدوات بعض المؤثرين قد يحصلون على شعبية غير مستحقة بسبب تركيز الخوارزميات على أساليب جذب الانتباه بدلاً من جودة المحتوى، عندما يتم تسليط الضوء على مؤثرين يركزون على التسلية أو إثارة الجدل، يمكن أن يصبح هؤلاء "قدوات زائفة" تُقلّد من قبل الشباب، وقد تفتقر هذه القدوات إلى القيم أو الرسائل الإيجابية، مما يؤدي إلى تأثير سلبي على الأجيال الصاعدة. يؤدي هذا النظام إلى تعزيز فكرة "الشهرة من أجل الشهرة"، حيث يسعى البعض إلى تحقيق التفاعل بأي وسيلة، مما قد يشجع على السلوكيات غير الأخلاقية، بالمقابل، يتم تهميش المؤثرين الذين يقدمون محتوى عميقًا أو تعليميًا لأنهم قد لا يحصلون على التفاعل نفسه. يسهم الذكاء الاصطناعي والخوارزميات في تشكيل المشهد الإعلامي بشكل كبير، ولكن اعتمادها على التفاعل كمعيار رئيسي قد يخلق "قدوات زائفة"، والحل يكمن في إعادة تصميم الخوارزميات لتوازن بين جودة المحتوى وتأثيره، وبين التفاعل والانتشار، مع رفع وعي الجمهور بأهمية اختيار قدوات إيجابية. بقلم: عبد المجيد سجال (باحث في السياسات الاقتصادية-الجزائر)

المؤثرون والإعلانات الرقمية في الجزائر.. إلى أين تتجه البوصلة الأخلاقية؟

 خلال السنوات الأخيرة، شهد العالم تحولًا جذريًا في مجال الإعلام، حيث انتقل من وسائل الإعلام الكلاسيكية مثل التلفزيون والراديو إلى الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، في البداية، كانت التلفزيونات تُدار بشكل أساسي من قبل الدول والحكومات، ما جعلها تخضع لرقابة صارمة ومباشرة، ثم ظهرت القنوات الخاصة، التي أصبحت تخضع بشكل أكبر لسلطة السوق وقواعد العرض والطلب، مع وجود رقابة من جهات مختصة مثل سلطات الضبط، وبالتالي كان يمكن مراقبة محتوى الإعلانات والتأكد من توافقها مع القوانين والأخلاقيات المجتمعية. لكن ظهور منصات التواصل الاجتماعي غيّر المشهد كليًا، حيث أصبحت هذه المنصات سوقًا ضخمة للإعلانات، متفوقة بذلك على وسائل الإعلام التقليدية من حيث حجم الوقت الذي يقضيه المستخدمون في تصفحها، مثل تيك توك، إنستغرام، ويوتيوب، وبالتالي الإعلانات على هذه المنصات خرجت عن نطاق الرقابة التقليدية، مما يشكل تحديًا كبيرًا، من الناحية الاقتصادية، تُنفق مبالغ ضخمة على حملات الإعلانات الرقمية دون أن تحصل الدولة الجزائرية على أي عوائد ضريبية، رغم أن هذه الإعلانات تستغل البنية التحتية الرقمية المحلية، مثل الإنترنت والهواتف، والأسواق والقدرات الشرائية الجزائرية. وعلى الرغم من ذلك ملايين الدولارات التي تنفق شهريا في الإشهارات وما إلى ذلك، الجزائر لا تحصل منها على أي عملة صعبة، ناهيك عن الضرر الأخلاقي الذي ينافي القيم، إذ قد يتم الترويج منتجات قد تكون مضرة، مثل الأدوية دون رقابة صحية، بالإضافة إلى تسويق ملابس وأسلوب عرضها يخالف القيم الجزائرية، حيث أصبحت يعض الفتيات يعرضن الملابس من خلال أجسادهن على هذه المنصات دون حسيب أو رقيب، مما يثير القلق حول التأثيرات الثقافية والأخلاقية لهذه الإعلانات في مجتمعنا المحافظ. لذلك، ينبغي على السلطات الجزائرية والمشرع الجزائري التدخل بصرامة، وفرض رقابة على المحتوى الرقمي، كما يجب تهديد الصفحات التي تروج لإعلانات غير أخلاقية بالحجب، مع إلزام المعلنين بدفع الضرائب، وحتى معاقبتهم بالسجن إذا لزم الأمر، هذا الإجراء ضروري لضبط سوق الإعلانات في الجزائر بما يتماشى مع قيم المجتمع، وحماية أخلاقه التي تواجه تهديدات خطيرة. وبالتالي فإن ضبط سوق الإعلانات الرقمية أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط لحماية الاقتصاد الوطني والاستفادة من العائدات المالية التي يُفترض أن تُسهم في التنمية، ولكن أيضًا للحفاظ على الهوية الثقافية والقيم الأخلاقية للمجتمع الجزائري، فالتحدي كبير، ويتطلب تعاونًا بين مختلف الجهات لتحقيق التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا وحماية القيم.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار