2025.07.17
مجتمع
بوابتنا نحو العالم الجديد..  ألف باء الرقمنة

بوابتنا نحو العالم الجديد.. ألف باء الرقمنة


أصبحت "الأمية الرقمية" تحديًا معاصرًا يعيق قدرة المجتمع الجزائري على مواكبة التحولات الرقمية المتسارعة على مستوى العالم، خاصةً بين الفئات العمرية الأكبر سنًا. فبينما حققت الجزائر إنجازات ملحوظة في خفض معدلات الأمية التقليدية وزيادة نسب التعليم، برزت "الأمية الرقمية" كعائق جديد يُهدد استفادة هذه الفئات من الفرص التي توفرها الثورة الرقمية، نتيجة افتقارها إلى المهارات والأدوات اللازمة للتفاعل مع هذا العصر الرقمي. لم يعد محو الأمية مقتصرًا على تعليم الشخص القراءة والكتابة، فقد أظهر هذا العصر الرقمي السريع في التطور نوعًا جديدًا من الأمية يحتاج إلى المحو عبر تفعيل القدرة على الوصول إلى المعلومات وتنظيمها وتقييمها واستخدام الأدوات والوسائط الذكية لحل المشكلات وإنتاج مشاريع مبتكرة، وتعزيز الاتصال والاستعداد لتحديات عالم رقمي متزايد. وفي هذا الشأن، تعرف "الأمية الإلكترونية" بأنها عدم القدرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الإنترنت، وأجهزة الكمبيوتر، والهواتف الذكية، والتطبيقات الرقمية المختلفة، وهذا النوع من الأمية يتطلب فهما أساسيا للأدوات الرقمية وكيفية استخدامها بفعالية في الحياة اليومية، فعلى الرغم من أن العديد من الناس في الجزائر يمتلكون الآن أجهزة ذكية، إلا أن قلة منهم يمتلكون المهارات الكافية لاستخدام هذه الأجهزة لأغراض تعليمية، اجتماعية، أو اقتصادية. وفي هذا الصدد، تقول وثيقة أعدتها "يونيسكو" لتكون استراتيجية لمحو أمية الشباب والكبار (2020 - 2025)، "إن الإلمام بالقراءة والكتابة عنصر أساسي من عناصر الحق في التعليم وشرط أساسي للانتفاع بحقوق الإنسان الأخرى، ولذلك يمثل ضمان انتفاع الشباب والكبار ببرامج محو الأمية تحديًا كبيرًا من شأنه تغيير حياة ملايين البشر الذين لم يتلقوا أي تعليم نظامي على الإطلاق أو تلقوا القليل منه، إذ يؤدي عدم امتلاكهم هذه المهارات إلى عدم قدرتهم على المشاركة بفعالية في عالم تؤدي فيه مهارات القراءة والكتابة والأدوات الرقمية دورًا متزايد الأهمية، وتمثل عامل استبعاد وعائقًا رئيسًا محتملًا أمام مشاركتهم بفعالية أكبر في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية". وقد ظهر مع بداية الألفية الثالثة وبصورة أكثر وضوحًا ما أصبح يعرف اليوم بـ "الأمية الرقمية" التي جاءت مع السيل الهادر لعصر المعلومات والتقنيات السريعة التطور، مما شكل فجوات معرفية بين ما يجب أن يتم تعلمه سابقًا وما أصبح لزامًا تعلمه اليوم لمواكبة العصر والسير في خطاه الحثيثة والمتسارعة. وعملت التكنولوجيا على تغيير الطريقة التي يتعلم بها الناس ويتفاعلون معها عبر آلاف السنين، ففي عام 2011 قالت مفوضة الاتحاد الأوروبي نيلي كروس، "إن لم تمتلك المهارات الرقمية فلن تجد لك مكاناً في القرن الـ 21". وبما أن هذه التطورات والتغيرات التكنولوجية تحدث بصورة سريعة، بحيث تؤثر في ملايين الناس حول العالم، فقد أحدث هذا الأمر فارقًا كبيرًا في المهارات الرقمية بالنسبة إلى المواطنين وخلق مساحة ضخمة في قطاعات التعليم والقطاعات السياسية والمجتمع، وكذلك في الاقتصاد بصورة كلية. وذكرت دراسة عن المهارات الرقمية ومحو الأمية الرقمية أن "هذه الحركات والتغييرات قد تؤثر في بنية الدماغ البشري الذي بدأ يتغير بسبب هذه التكنولوجيا والتقنيات الجديدة خصوصًا الأجيال الحديثة لشبكات الاتصال 4G وG5، إضافة إلى ثورة الذكاء الاصطناعي "IA"، لذلك فإن المشكلة الرئيسة التي يجب أن ينظر إليها القادة الرقميون خلال هذه المرحلة هي مشكلة خلق الخبرة والمعرفة في استخدام التكنولوجيا، إضافة إلى إنشاء اقتصاد ومجتمع قائم على المعرفة، ليس في بلد واحد لكن في العالم كله، وضمن معايير عمل أخلاقي والسلوك السليم والمضبوط". وهناك توافق على أن محو الأمية الرقمية يشمل مهارات القرن الـ 21 المتعلقة بالاستخدام الفعال والمناسب للتكنولوجيا، كما أن هناك اتفاقًا على أن محو الأمية الرقمية هو أكثر من مجرد القدرة على تشغيل جهاز كمبيوتر أو إتقان أداة تكنولوجية معينة، وهذا يتقاطع مع رؤية الرائد في استخدام مصطلح محو الأمية الرقمية، بول غيلستر، الذي يؤكد أن "محو الأمية الرقمية يتعلق بإتقان الأفكار وليس بإتقان ضغطات المفاتيح". من جانبها، شركة أدوبي تعرف محو الأمية الرقمية بأنها "القدرة على استخدام الأدوات الرقمية لحل المشكلات وإنتاج المشاريع المبتكرة وتعزيز الاتصال والاستعداد لتحديات العالم الرقمي المتزايد"، فيما تعرف جمعية المكتبات الأميركية محو الأمية الرقمية بأنها "القدرة على استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات للعثور على المعلومات وتقييمها وإنشائها وتوصيلها، مما يتطلب مهارات معرفية وتقنية". لقد وقف عدد كبير في مواجهة أميّته الرقمية خلال جائحة كورونا والتي أظهرت مواطن الخلل والضعف في مواكبة التطور التقني والمعلوماتي في جميع المجالات، وكان التعليم أولها، وعند فئات عدة من الناس وخاصة كبار السن، إذ اعتبر أن التعليم تأخر بصورة كبيرة عن الصناعات الأخرى في الانتقال إلى نموذج عمل رقمي أكثر تركيزاً على النتائج، فقد أسهم الوباء في تسارع وتيرة التحول التكنولوجي الذي طال انتظاره في التعليم، وأدى إلى ظهور مجموعة متنوعة من المنصات والتقنيات الجديدة القوية والتي ترتكز على الحوسبة السحابية ومجموعات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. ومع انتشار الهواتف الذكية في السنوات الأخيرة، أصبح الوصول إلى الإنترنت أكثر سهولة، لكن تزامن ذلك مع ظهور ما يُعرف بالأمية الإلكترونية، وهو نوع جديد من الجهل الذي يعاني منه الكثيرون في المجتمع الجزائري. يمكننا تقسيم الأمية الإلكترونية إلى أقسام عدة: الأمية في استخدام الإنترنت: يشمل ذلك عدم معرفة كيفية تصفح الإنترنت بشكل صحيح، أو استخدام محركات البحث للوصول إلى المعلومات. الأمية في استخدام التطبيقات الرقمية: تشمل هذه الفئة الأشخاص الذين يفتقرون إلى المهارات الأساسية في استخدام التطبيقات المختلفة التي تسهل حياتهم اليومية، مثل تطبيقات الدفع الإلكتروني، والتسوق عبر الإنترنت، والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي. الأمية في الحماية الإلكترونية: في هذا السياق، يعاني بعض الأفراد من ضعف الوعي بخصوص أهمية الأمان الرقمي وحماية البيانات الشخصية على الإنترنت، مما يعرضهم لخطر الهجمات الإلكترونية أو سرقة الهوية. أنماط الأمية الإلكترونية في الجزائر إن الأمية الإلكترونية لا تقتصر على فئة عمرية معينة أو مستوى تعليمي محدد، بل هي ظاهرة تتجسد في أنماط عدة في المجتمع الجزائري، كل منها يحمل تحدياته الخاصة. الأمية الرقمية بين كبار السن: يعد كبار السن في الجزائر أكثر الفئات تضررًا من الأمية الإلكترونية، خاصة أولئك الذين لم يكملوا تعليمهم في مرحلة الشباب أو الذين عاشوا في فترات لم تكن فيها التكنولوجيا جزءًا من الحياة اليومية. بالنسبة لهذه الفئة، فإن تعلم استخدام الإنترنت أو الهواتف الذكية يشكل تحديًا حقيقيًا، نظرًا للفرق الكبير في الطريقة التي نشأوا بها عن الشباب الذين نشأوا في بيئة تكنولوجية. من الصعب على كبار السن فهم مفاهيم مثل الحسابات الرقمية، الدفع الإلكتروني، أو حتى استخدام منصات التواصل الاجتماعي. على الرغم من أن بعضهم قد يحاول التكيف مع هذه التغييرات، فإن الإلمام بمثل هذه الأدوات يحتاج إلى وقت طويل ودعم خاص، وهو ما يتطلب تدريبًا مخصصًا يراعي احتياجاتهم. الأمية الرقمية في المناطق الريفية والنائية: أحد العوامل المهمة التي تؤثر في مستوى الأمية الإلكترونية في الجزائر هو الفجوة الرقمية بين المدن الكبرى والمناطق الريفية، ففي حين أن المدن الكبرى مثل الجزائر العاصمة وورقلة ووهران شهدت تحسنًا ملحوظًا في توفير الإنترنت والهواتف الذكية، ما يزال العديد من المناطق النائية تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة للوصول إلى الإنترنت بشكل مستمر. هذا التفاوت في الوصول إلى التكنولوجيا يساهم بشكل مباشر في زيادة الفجوة الرقمية، مما يعزل بعض الفئات الاجتماعية عن التطور الرقمي ويساهم في تعزيز الأمية الإلكترونية، وبالإضافة إلى ذلك، يعاني سكان هذه المناطق من نقص في برامج التدريب الرقمية التي يمكن أن تساعدهم في تعلم كيفية استخدام هذه الأدوات الجديدة. الأمية الرقمية بين النساء والشباب: في بعض الحالات، قد تكون الفجوة الرقمية بين الجنسين أكثر وضوحًا، خاصة في المناطق الريفية أو التقليدية، ففي بعض الأسر، تكون النساء أقل عرضة للوصول إلى التكنولوجيا أو التدريب عليها مقارنة بالرجال، وذلك لأسباب ثقافية واجتماعية، ومن المعروف أن المرأة في الجزائر لا تزال تواجه العديد من الحواجز في التعليم والعمل، وهو ما ينعكس أيضًا في استخدام التكنولوجيا. أما بالنسبة للشباب، فإن معظمهم، خاصة في المدن الكبرى، يملكون قدرة على استخدام الهواتف الذكية والإنترنت، إلا أن بعضهم قد يعاني من "التساهل الرقمي"، حيث يقتصر استخدامهم للتكنولوجيا على الترفيه ووسائل التواصل الاجتماعي دون الاستفادة منها في مجالات أخرى مثل التعليم أو التطوير المهني.  في مواجهة الأمية الرقمية رغم الجهود الحكومية في مجال الرقمنة، فإن الأمية الإلكترونية ما زالت تمثل تحديًا في الجزائر، خاصة بين كبار السن والفئات التي نشأت في بيئة تقليدية، بعيدًا عن التطور التكنولوجي السريع. في هذا السياق، يمكن تحديد أبرز مظاهر هذه الظاهرة في المجتمع الجزائري كما يلي: فجوة جيلية في استخدام التكنولوجيا: على الرغم من أن الشباب في الجزائر قد أصبحوا يمتلكون ويمارسون المهارات الرقمية بشكل متزايد، إلا أن هذه المهارات لا تزال بعيدة عن متناول الأجيال الأكبر سناً، الذين نشأوا في بيئات لا تعتمد على التقنيات الحديثة، وبالنسبة لهذه الفئة، لا يعد استخدام الإنترنت والتفاعل مع التكنولوجيا أمرًا سهلًا أو بديهيًا، مما يؤدي إلى استبعادهم من العديد من الخدمات الرقمية الحديثة. صعوبة الوصول إلى الخدمات الرقمية: في الجزائر، أصبح من الضروري التفاعل مع العديد من الخدمات الحكومية والمصرفية والاقتصادية عبر الإنترنت، مثل دفع الفواتير، الحصول على الوثائق الإدارية، وفتح حسابات بنكية.. ومع ذلك، تظل فئة كبيرة من المواطنين، خاصة كبار السن، غير قادرين على الوصول إلى هذه الخدمات، إما بسبب نقص المعرفة الرقمية أو بسبب صعوبة استخدام المنصات الإلكترونية. الانعزال الاجتماعي والتواصل المحدود: تزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر وفي العالم بأسره؛ فوسائل التواصل الاجتماعي سمة العصر، مما يجعل الأفراد الذين لا يمتلكون المهارات الرقمية أكثر عرضة للانعزال الاجتماعي، كثير من كبار السن في الجزائر لا يستطيعون التواصل مع أبنائهم أو أحفادهم الذين يفضلون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتفاعل، هذا يؤدي إلى ضعف الروابط الأسرية ويزيد من العزلة الاجتماعية. عدم قدرة كبار السن على التفاعل مع التعليم الرقمي: مع تزايد الاعتماد على التعليم عن بعد وتطبيقات التعلم الرقمي، يجد الكثير من كبار السن أنفسهم خارج النظام التعليمي الجديد، إذا كانت هذه الفئة غير قادرة على استخدام منصات التعلم الإلكتروني، فإنها تصبح غير قادرة على مواكبة التطورات في التعليم، وبالتالي تفوتهم فرص التعلم المستمر. انعكاس سلبي على المشاركة في الحياة الاقتصادية: في ظل التحول الرقمي الذي يشهده العالم، أصبحت المهارات الرقمية جزءًا أساسيًا من نجاح الأفراد في سوق العمل، إذا لم يتمكن الأشخاص من اكتساب المهارات الرقمية، فإنهم سيواجهون صعوبة في الحصول على وظائف جديدة أو حتى الحفاظ على وظائفهم الحالية، وهذا يؤدي إلى توسيع الفجوة الاقتصادية بين الأجيال، حيث يصبح الجيل القديم في وضع غير متكافئ مقارنة بالشباب القادرين على التكيف مع الثورة الرقمية. زيادة الفجوة الاجتماعية والاقتصادية: يتسع الفارق بين الأشخاص الذين لديهم المهارات الرقمية والذين لا يمتلكونها، وهذا يسهم في خلق فئات اجتماعية معزولة عن بقية المجتمع، الفجوة الرقمية لا تكون بين الأجيال فقط، بل أيضًا بين المناطق الحضرية والريفية، حيث أن سكان المدن الكبرى غالبًا ما يكون لديهم وصول أفضل للتقنيات الحديثة مقارنة بالمناطق النائية. ضعف الأمن الرقمي: تعتبر الأمية الإلكترونية أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للهجمات الإلكترونية، مثل الاحتيال الإلكتروني والفيروسات، الأشخاص الذين لا يملكون المعرفة الكافية حول كيفية حماية بياناتهم الشخصية على الإنترنت هم أكثر عرضة للسرقة أو الاحتيال، مما يؤثر على حياتهم المالية والنفسية. مقترحات وحلول لمواجهة الأمية الإلكترونية في عصرنا الحالي، أصبح التحول الرقمي جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد والمجتمعات على حد سواء، فالتكنولوجيا الحديثة أصبحت محركًا رئيسيًا للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، حيث تسهم في تسهيل الوصول إلى المعلومات، وتحسين جودة الحياة، وتوفير الفرص الوظيفية والتعليمية. إلا أن هذا التقدم الرقمي لا يعكس واقعًا مشتركًا بين جميع فئات المجتمع، بل يكشف عن فجوة واضحة بين من يملكون القدرة على التكيف مع العصر الرقمي ومن لا يزالون يعانون من "الأمية الإلكترونية". هذه الفجوة الرقمية لا تؤثر فقط على القدرة الفردية في التفاعل مع العالم الرقمي، بل يمكن أن تكون لها تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة، قد تؤدي إلى إقصاء فئات واسعة من المجتمع من فرص التنمية، من هنا، تصبح ضرورة معالجة الأمية الإلكترونية أمرًا حيويًا، يتطلب حلولًا مبتكرة وشاملة لضمان أن جميع أفراد المجتمع قادرون على مواكبة هذا التحول الرقمي والاستفادة من إمكانياته. في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى مقترحات وحلول فعالة لمواجهة الأمية الإلكترونية، خاصة في ظل التطورات السريعة التي تشهدها التقنيات الرقمية، من خلال استراتيجيات تعليمية، توعوية، وتكنولوجية مدروسة، يمكننا تقليص الفجوة الرقمية وتعزيز مشاركة الجميع في المجتمع الرقمي. إطلاق حملات توعية وتدريب: من الضروري أن تبدأ الجزائر بحملات توعية على مستوى واسع من أجل تحفيز الأفراد، وخاصة كبار السن، على تعلم المهارات الرقمية، هذه الحملات يجب أن تركز على أهمية التكنولوجيا في الحياة اليومية وكيف يمكن أن تسهم في تحسين نوعية الحياة. برامج تعليمية موجهة: يمكن تخصيص برامج تدريبية تتناسب مع احتياجات الفئات المختلفة، بما في ذلك كبار السن، هذه البرامج يجب أن تشمل تدريبات عملية على كيفية استخدام الإنترنت، وأساسيات الحماية الرقمية، واستخدام التطبيقات الحكومية والمصرفية، على أن تتوزع هذه البرامج على مراكز التدريب المجتمعية، والمدارس، والجامعات، وكذلك عبر منصات الإنترنت. التعاون مع الجمعيات المحلية: يمكن التعاون مع الجمعيات والمراكز الثقافية التي تلتقي فيها الفئات العمرية الأكبر سنًا، وتنظيم ورش عمل للتوعية بأهمية تعلم مهارات استخدام التكنولوجيا، بما في ذلك استخدام الهواتف الذكية، وفتح حسابات البريد الإلكتروني، واستخدام تطبيقات الدفع الإلكتروني. تبسيط التطبيقات الحكومية: من المهم أن تعمل الحكومة الجزائرية على تطوير واجهات سهلة الاستخدام للمواطنين، خصوصًا كبار السن، وذلك من خلال تبسيط تصميم التطبيقات الحكومية، وإضافة خيارات للغات المحلية، وتوفير إرشادات واضحة داخل هذه المنصات. كما يجب أن يعمل القطاع الخاص مع الحكومة لإنشاء حلول مبتكرة لمكافحة الأمية الإلكترونية، مثل توفير الأجهزة بأسعار معقولة أو حتى مجانية لبعض الفئات المستهدفة. إضافة إلى ذلك، يمكن للشركات التقنية المحلية والدولية تنظيم دورات تدريبية للمواطنين. توفير دورات تدريبية موجهة عبر القنوات الإعلامية: يمكن تكثيف البرامج التعليمية عبر التلفزيون والراديو، وخاصة في المناطق الريفية أو النائية، والتي تركز على كيفية استخدام التكنولوجيا الحديثة في الحياة اليومية، مثل هذه البرامج يمكن أن تساعد في الوصول إلى فئات أوسع من المجتمع. شراكات مع القطاع الخاص: يمكن للقطاع الخاص، خصوصًا شركات التكنولوجيا، أن تلعب دورًا مهمًا في مكافحة الأمية الإلكترونية، قد يشمل ذلك تنظيم دورات تدريبية مجانية أو منخفضة التكلفة لمواطني المناطق النائية أو كبار السن، بالإضافة إلى تقديم أجهزة بأسعار مخفضة أو حتى مجانية. تعزيز ثقافة الرقمية في المدارس: ينبغي إدراج برامج تدريبية على التكنولوجيا، وجعلها جزءا أساسيا في المناهج الدراسية، ليس فقط للأطفال، بل أيضًا في برامج التدريب المستمر للبالغين، من خلال التأكد من أن الأجيال الجديدة تتقن المهارات الرقمية بشكل جيد، يمكن ضمان استدامة التقدم في هذا المجال. طريق طويلة إن الأمية الإلكترونية تمثل تحديًا حقيقيًا قد يعوق تطور المجتمع الجزائري إذا لم يتم التصدي لها بفعالية، فيمكن تحسين القدرة الرقمية للفئات العمرية المختلفة، خاصة كبار السن، من خلال الجهود المشتركة بين الحكومة، المجتمع المدني، والقطاع الخاص، وبالتالي ضمان مشاركة الجميع في الثورة الرقمية، لا بد من أن يكون هناك تضافر للجهود في تدريب وتعليم الأفراد وتبسيط التقنيات لخلق مجتمع رقمي شامل يستطيع أن ينمو ويواكب العصر الحالي. إن نجاح الجزائر في مواجهة تحدي الأمية الإلكترونية الذي له تداعيات عميقة على مجمل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، يتطلب تضافر الجهود بين الحكومة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني من أجل تحسين البنية التحتية الرقمية، وتقديم برامج تدريبية موجهة للفئات الأكثر حاجة، وتعزيز الوعي بأهمية التكنولوجيا في الحياة اليومية، فمن خلال مواجهة الأمية الإلكترونية بشكل جاد ومتكامل، يمكن للجزائر أن تضمن عدم استبعاد أي فئة من المجتمع عن الفرص التي يتيحها العصر الرقمي، وأن تسهم في بناء مجتمع رقمي شامل وفاعل يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي. إن مواجهة الأمية الإلكترونية في الجزائر أصبح أمرًا حيويًا وضروريًا لضمان تطور المجتمع ومواكبة العصر الرقمي. مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة، فإن توفير المهارات الرقمية لكل فئات المجتمع، خاصة كبار السن، أصبح مطلبًا أساسيًا، من خلال تبني استراتيجيات شاملة في التعليم والتوعية، وتقديم حلول تقنية مناسبة، يمكن للجزائر أن تتجنب مخاطر العزلة الرقمية وأن تحقق تطورًا مستدامًا وشاملًا في جميع المجالات.   مهدي طلاي (باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية - الجزائر)

 سؤال العصر..

كيف تؤثر الفجوة الرقمية على المجتمعات؟

لقد ساهمت بدايات التقدم التكنولوجي السريع الذي شهده العالم في مستهل القرن الواحد والعشرين، وظهور الوسائط الإلكترونية والألعاب التعلمية الرقمية والتطبيقات الحديثة للتواصل، في دخول البشرية جمعاء ضمن ما يسمى بالثورة الرقمية الرابعة أو الجديدة التي أفرزت معها تحديات جمة ومتنوعة لا ترتبط بخطورة الوسائل التكنولوجية المبتكرة أو أساليب توظيفها واستخدامها أو تأثيراتها الميدانية على الأمن القومي للدولة أو المجتمع فحسب، بل يدخل ضمن هذا الإطار ما يسمّى بالأمية الإلكترونية التي تنتفي فيها قدرة الأشخاص على استخدام هذه التكنولوجيات بما يسمح لهم بمواكبة العصر أو الاستفادة من التسهيلات التي تتيحها هذه التقنيات. ذلك أن العيش خارج مستجدات العصر أشبه بالمكوث في سجن إنفرادي أو زنزانة مظلمة لا يعلم فيها المرء ما يقع خارج قضبانها، وهذا ما دفع بالهيئات الحكومية والمنظمات غير الرسمية إلى تبني مفهوم جديد للأمية، يختلف عن المفهوم التقليدي - الذي يرتبط بمهارات الكتابة والقراءة – لكونه يعبر عن الجهل الإلكتروني وعدم قدرة المتعلم على استخدام الأدوات التكنولوجية وتوظيف المعلومات الرقمية بما يعزز الكفاءة والقدرة على الإنتاج والابتكار، ليكون التعليم الإلكتروني حقا من الحقوق المدنية التي يجب أن يمتلكها كل متعلم، وهو ما سعت إليه منظمة اليونسكو من خلال إعداد وثيقة إستراتيجية ممتدة من سنة 2020 إلى سنة 2025، ومركزة على الدول الأعضاء في التحالف العالمي لمحو الأمية ضمن إطار التعلم مدى الحياة الذي يضم 20 بلدا يعاني أغلبها من تدني مستوى القرائية والأمية. وقد أشارت فحوى الوثيقة إلى أن "الإلمام بالقراءة والكتابة عنصر أساس من عناصر الحق في التعليم وشرط أساس للانتفاع بحقوق الإنسان الأخرى، ولذلك يمثل ضمان انتفاع الشباب والكبار ببرامج محو الأمية تحديًا كبيرًا من شأنه تغيير حياة ملايين البشر الذين لم يتلقوا أي تعليم نظامي على الإطلاق أو تلقوا القليل منه، إذ يؤدي عدم امتلاكهم هذه المهارات إلى عدم قدرتهم على المشاركة بفعالية في عالم تؤدي فيه مهارات القراءة والكتابة والأدوات الرقمية دورًا متزايد الأهمية، وتمثل عامل استبعاد وعائقًا رئيسًا محتملًا أمام مشاركتهم بفعالية أكبر في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية". عطفا على ما سبق، يتبيّن لنا أن تحدّي محو الأمية قد أضحى أعقد مما كان عليه الحال فيما مضى، ذلك أن الرهان ليس مرتبطا بتنوير ذهنيات الشعوب بأبجديات القراءة والكتابة وحسب، بل كذلك فيما يخص إتقان المهارات الرقمية في استخدام الحواسيب الآلية وتوظيف الوسائل الإلكترونية بما يحقق المنفعة الذاتية والاجتماعية. وفي خضم هذا الجهل المتواصل سوف تزداد الفجوة الرقمية بين الجيل X الذي يمثل البذور الأولى لظهور التكنولوجيا وبين الجيل Z الذي يعد آخر جيل أنتجته التكنولوجيا الرقمية في هذا العصر، ذلك لأن الانتفاع من الفرص التعلمية الحديثة التي تتيحها هذه  التكنولوجيات سوف تزيد من وعي الفرد وتزيد من فرص التعلم والإبداع، بعيدا عن مظاهر الاستغلال غير العقلاني لهذه الوسائل، ولأن الفئة الكبرى من الأميين في عصر التكنولوجيات هم من كبار السن والعجزة فإن عدم احتكاكهم النافع بهذه التقنيات الحديثة قد يزيد من انعزالهم الاجتماعي مما يعجل إصابتهم بالخرف أو فقدان الذاكرة فهو تحصيل حاصل للموجة الرقمية التي أضحت محور الاهتمام بالنسبة للشريحة الكبرى من المجتمع التي قد لا تجد الوقت الكافي والشافي للجلسات الأسرية أو الاجتماعية التي تزيد من احتكاك الشباب بهذه الفئة. وإذا ذهبنا إلى أبعد من ذلك، سوف تصبح المعلومات الشخصية للأفراد أو المجتمعية أو القومية أو المؤسسية وجبة دسمة للسرقة أو الاحتيال أو الجوسسة - مما يعرض البيانات الشخصية والاجتماعية للخطر -، في حال ما إذا تزامن هذا الاستهلاك المفرط للتكنولوجيا بانعدام استراتيجية وطنية تضع الأطر التربوية والقانونية والسياسية والثقافية التي تحدد المسارات الصحيحة في استغلال التكنولوجيا، ولكن التحدي الأكبر يكمن أيضا في تدني مستوى الثقافة الرقمية في استغلال الوسائل التكنولوجية مما جعل الدول النامية تقع بين مطرقة السياسات الدولية التي تدفعها إلى ولوج هذا المعترك التكنولوجي والاقتصادي وبين سندان المجتمع الذي يفتقد إلى المقومات الأساسية في استخدام التكنولوجيا أو توظيف تقنية المعلومات بما يخدم الذات والصالح العام. وبين ثنايا هذه التحديات المركبة تعد الجزائر من الدول التي عانت الويلات من الاستدمار الذي لم يترك جامعا أو محضنا تربويا إلا وأزاله أو حوله إلى كنسية أو اسطبل، وهو ما أدى إلى ارتفاع منسوب الأمية الأبجدية في الفترة التي أعقبت استقلال الدولة في سنة 1962، لكن الجزائر بهمتها وطموحها الشعبي والنخبوي تمكنت من تقليص آثار هذه الأمية، حيث أشارت إحدى الإحصائيات إلى تراجع نسبة الأمية من حوالي 85 بالمائة منذ ذلك الوقت إلى 7.4 في نهاية سنة 2022، إلا أن التحدي مازال أكبر من أن يحصر في اكتساب القراءة والكتابة مثلما أشير إلى ذلك سلفا، مما يدفع إلى ضرورة تسطير إستراتيجية وطنية تكفل القضاء على الأمية الإلكترونية بمفهومها الحديث. وبما أن الإنسان هو محور التغيير الحضاري للمجتمع والركيزة المحورية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فإن السعي إلى تنشئة جيل مبتكر ومبدع يقتضي توظيف مناهج تربوية وأكاديمية تتناغم مع مستجدات العصر، والتكوين القاعدي والجذري لا ينفي الظرف الاستثنائي الذي يعيشه الجيل الحالي بمختلف فئاته العمرية، مما يستدعي من جهة أخرى ضرورة العمل على تكوين الأفراد وتدريبهم على استخدام هذه التقنيات وتوظيفها في تحسين مهاراتهم وتطوير أداء مؤسساتهم بما يرفع من معايير الجودة والإتقان تماشيا مع هذا التغيير الجذري المتبع، إلى غاية الوصول إلى مرحلة الإنتاج والابتكار التكنولوجي الذي يحقق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات ويَحُولُ دون استيراد تكنولوجيات قديمة عفا عنها الزمن. والرهان كل الرهان في بناء مجتمع حضاري يفرز لنا مثل هذه المنتجات التكنولوجية، ذلك لأن أسلوب تكديس المنتجات بحدّ ذاته لا يصنع الحضارة مثل لما قال المفكر مالك بن نبي، وتمثل التكنولوجيا تحديا بالنسبة للشباب أيضا، وذلك لغزارة الفرص والإمكانات التي أتاحتها الثورة الرقمية من وسائط إلكترونية وألعاب فضلا عن تقنيات الذكاء الإصطناعي، ما يرفع نسبة الإغراء ويقلص من نسبة إنجاز المهام بالنسبة لأشباه المستخدمين الذي يوظفون مثل هذه التكنولوجيات لتكون غاية نهائية في تلقي المعلومة أو توظيفها دون تمحيص أو تحقيق، مما يميع من العملية التعلمية ويفرغ الإنسان من المعنى أو الهدف الأساسي الذي يعيش من أجله ولأجله، وشتان بين من يستهلك ليهلك نفسه وبين من يستفيد ليرفع من مستوى تعليمه ومهاراته، وكل هذا وذاك حتى تكون التقنية وسيلة الإنسان في تطوره ورقيه وليست معولا لتخلفه ورسوبه.    الدكتور محمد بغداد (كاتب وإعلامي - الجزائر)

معركة المجتمعات الحديثة..

من حلم السيادة الرقمية إلى كابوس التبعية

 إن الانخراط في المجتمع الالكتروني الذي رسمت خطوطه العريضة الشركات الدولية الكبرى (الإمبراطوريات الثمانية) التي وضعت يدها على المشهد المستقبلي للعالم، وهذا المشروع شرع في تنفيذه منذ الثمانينات من القرن الماضي، وقد حققت الدول الغربية الكثير من الخطوات العملاقة مما جعلها تنسجم مع الزمن الرقمي والتكيف مع الحياة التكنولوجية وطبعت تلك المجتمعات مع المنطق التكنولوجي، فأصبحت تسمى بالمجتمعات التكنولوجية، التي انتقلت إلى أزمنة جديدة من التاريخ، كونها سايرت منطق التراكم المعرفي الانساني. ولكن الأهم من ذلك ما يمكن أن يكون مفتاحا لفهم واقع المجتمع التكنولوجي، وهي فلسفة الثورة التكنولوجية الاتصالية التي غيرت العديد من المفاهيم وبالذات (الزمن ــ المسافة ــــ الحجم ـــ العلاقة ـــ الكثافة)، وغيرها من المعاني والمفاهيم، مما يشكل الحلقة الثانية من التحول المعرفي الكوني، وهو نتيجة التغير المعرفي والثقافي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، أين احتكرت القوى الكبرى (ملف المعرفة وأدواتها)، وأصبحت تتحكم في نتائجها ومن يمكن أن يتحصل عليها بإرادة سابقة من طرف هؤلاء، وما لم تتوفر المعرفة الحقيقية التي تكون إضافة صحيحة للمسيرة الإنسانية، ولا يتوقع التفكير في المستقبل دون المساهمة الحقيقة في إنتاج المعرفة، التي تكون نابعة من الذات وتعمل على تقليص المسافة التاريخية بين الشعوب المنتجة للتكنولوجيات والمستهلكة لها. إن موضوع التكنولوجية الاتصالية الحديثة يفتح أمامنا اليوم تلك الحقيقة الساطعة التي جربها العديد من الشعوب والدول، والقائلة بأنك لن تتمكن من النجاح في أي مشروع إذا كنت لا تتحكم في فكرته ولا تنتج أدواته، والكثير من الشعوب لم تستطع توفير الأمن بمختلف أنواعه ومستوياته لأنها لم تتمكن من التحكم في فكرة الأمن ولم تستطع الوصول إلى قدرة إنتاج وسائله وأدواته، وهو الأمر الذي ينطبق تماما مع الثورة التكنولوجية الاتصالية، فما بالك بكون الكثير من الشعوب لم تصل بعد إلى تعلم واستيعاب فكرة هذه الثورة ولم توفر تلك الدعائم المعرفية والثقافية التي تساعدها على فهم الفكرة واستيعاب فلسفتها، زيادة على عدم قدرتها على إنتاج أدواتها، ونحن نرى اليوم تلك السيطرة الرهيبة التي تمارسها القوى الكبرى على الشعوب الضعيفة فكريا وثقافيا، مما يجعل هذه الشعوب أقرب إلى مجرد أطفال ومراهقين يلعبون بأخطر الأدوات التكنولوجية، حتى أن بعض الفلاسفة الغرب يعتبرها مجرد نظام للتفاهة. إن الرهان الأساسي لكسب الانخراط في المستقبل ليس الإمكانيات المادية والأجهزة ولكن الرهان يكمن في ووجود ما يمكن تسميتها (الذهنية التكنولوجية)، التي تكون قادرة على استيعاب وفهم معنى الثورة التكنولوجية الاتصالية، وعلاقتها بالحياة العامة، وهي الذهنية التي تأتي نتيجة الجهود التعليمية والتثقيفية التي يخوضوها المجتمع وفق خطط ومشاريع محددة الأهداف والتكاليف، وبالدقة التي يتطلبها العصر وتفرضها شروطها، وقد أثبتت التجارب أن المشاريع التي حملت شعارات (التعليم والتثقيف) في الكثير من الدول فشلت لأنها كانت مجرد خيارات عاطفية ومزاجية أنظمة سياسية طالما تلاعبت بهذه المشاريع ولم تحترم منطق العصر. إن النتائج الكبيرة التي حققتها الثورة التكنولوجية الاتصالية أو ما يسمى (الرقمنة)، أو (الحكومة الالكترونية)، مكنت العديد من الدول من اختصار  سنوات طويلة والانتقال إلى المستقبل وجعلت اقتصادياتها تنتقل إلى المراحل التي تحقق التفوق والرفاهية لشعوبها ومكنت الحكومات من السيطرة والتأثير الدولي عبر الهيمنة التكنولوجية، وسهلت الكثير من الصعوبات التي تواجه المجتمعات، وضمنت للشعوب أريحية الخدمات واختصار الأوقات والوصول إلى السعادة، وهو المفهوم الذي لا يأخذ فقط معنى سطحي وإنما يشمل المعاني العميقة للحياة، وتندرج فيه الفئات الاجتماعية بمختلف مستوياتها وتوجهاتها وتطلعاتها. إلا أن المشكلة الكبرى تكمن في ذلك الفخ الذي تقع فيه بعض المجتمعات ويكلفها الكثير من التكاليف والخسائر الباهظة، وبالذات عندما تشرع هذه المجتمعات في الانخراط العشوائي في الزمن التكنولوجي وتتصور نخبها إن الأمر يتعلق فقط بتوفير الأجهزة والإمكانيات المادية أو استيراد البرامج والأنظمة البرمجية، وإدراج المعطيات في الخزائن الالكترونية، ولكن تفتقد إلى الثقافة الالكترونية والذهنية التكنولوجية، التي تدعمها منظومات تعليمية معرفية تستند على الدعائم والأبعاد التكنولوجية، وهو ما يحتاج إلى زمن وجهد تاريخي يتضمنه مشروع مجتمع متكامل. إن الرغبات والطموحات التي تعلنها الشعوب في لحظة من لحظات التاريخ، تكون على نوعين من المستويات فإما أن تكون نابعة من حاجتها الذاتية ومخازنها المجتمعية، نتيجة المنهج الذي تستند إليها والحدود التي تبلغها ديناميكيته المعرفية، وما توصله إليها المشاريع التي تعمل على تنفيذها، وإما أن تكون نتيجة تقليد الشعوب الأخرى ومحاولة التأقلم مع العصر الذي تعيشه والسعي إلى أن تكون مثل غيرها من الشعوب، في سياق ارتفاع التكاليف الباهظة التي تصبح غير قادرة على تحملها وتصلب العوائق التي تعيقها في السير الطبيعي في الحياة، لأن موضوع إدارة الشأن العام وقيادة الاتجاهات الاجتماعية أصبحت من اختصاص الخبراء وأهل المهارات الدقيقة، لأن الأمر يتعلق بمصير الإنسان وحياته التي لا توجد إلا مرة واحدة دون أن تتكرر. من أخطر القرارات التي تتخذها الدول والمجتمعات هو قرار الانخراط في المستقبل، وفي هذا العصر يصبح هذا القرار يتطلب الكثير من التكاليف والإمكانيات الباهظة ليس بالمفهوم المادي العادي ولكن التكلفة المعنوية هي الأهم والأخطر والأكثر أهمية، كون الانخراط في المستقبل، يتطلب تغيير الذهنية الجماعية والتأسيس لبنية معرفية وثقافية تمت لأجيال كاملة، تمارس التجربة المعرفية ليس بمعنى مواجهة الأمية بمعناها التقليدي (عدم القدرة على القراءة والكتابة)، ولكن الأمية بالمعنى المعرفي والثقافي وهي الأمية الأخطر، كون هذه الأمية تعمل على توريط المجتمع في الأراجيف والأوهام والتصورات الخاطئة والدروب الوهمية، مما ينتج عنه النخب المغشوشة، التي تمارس قيادتها المغشوشة التي تورط المجتمع في التخلف المؤلم، الذي استمرأه البعض وأصبح نموذجا في السلوك والتصور والعمل اليومي. تعتبر التكنولوجية الاتصالية الحديثة، من أفضل الأساليب والتقنيات المتوفرة حاليا لمواجهة الصعوبات والعراقيل التي تنتجها البيروقراطية التقليدية، التي توفر للنخب المتكلسة السيطرة على قدرات المجتمع وتعيقها على السير نحو إمكانيات التنمية والعيش الطبيعي، مما ينتج عنه تدمير قدرات المجتمع وتنشر في أوساط المجتمع اليأس والإحباط وضمور المبادرة واندثار الرغبة في العيش وتفشي السلوكيات والأخلاق السيئة والرذائل، مما يساعد في تشييد العوائق الكبرى بين المجتمع والمستقبل، وأهم العوائق المتصورة تتمثل في نشر الأوهام والأساطير التي يكون ظاهرها الانجاز وباطنها التقليد الأعمى والمسايرة الساذجة. نحتاج في فترة التاريخية الحالية إلى ضرورة القيام بنقاش وطني واسع ومهم، يتناول الموضوع التكنولوجي ليس من ذلك المستوى الذي يرافع عبر جوائز تحصد هنا أو هناك من طرف كفاءات ومهارات معدودة، فالمجتمع يمتلك قدرات وخبرات ومهارات كثيرة، وليس من مستوى توفير الأجهزة والإمكانيات المادية، ولا من مستوى التباهي ببعض الخطوات البسيطة في فضاء محدود، وغيرها من المستويات التي لن يكون حصيلتها إلا خطوات تكاليفها الباهظة أكثر من نتائجها، مما يستوجب الأخذ بالمبادرة التاريخية والسعي إلى بناء منظومة معرفية وترميم البنية الثقافية، القادرة على استيعاب العصر وتفهم إمكانيات البلد وإدراك مخاطر عدم المسارعة الجادة للانخراط في التاريخ، وهي مسؤولية الجميع، التي يكون رهانها الأساسي هو الوعي الحقيقي بقوانين الكون.   الدكتورة مريم مناد (باحثة في علوم الإعلام والاتصال - الجزائر)

الأمية التكنولوجيا.. عائق يعطّل مسار التنمية

ينما تحتفل العديد من الدول بانتصاراتها على الأمية الأبجدية، تفتح - في غفلة منا - جبهات جديدة وأشد خطورة على مستقبل الشعوب والبلدان وسيادتها وأمنها. حديثنا اليوم في هذا المقال سيكون حول موضوع الأمية التكنولوجية، والذي سنحاول أن نعرف من خلاله، مدى وعينا وإدراكنا بأهمية هذه المسألة الجوهرية في معادلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية. إلكتروني، افتراضي، أم رقمي؟ تسعة أعشار الجهل يأتي من عدم تصور المفاهيم على ماهي عليه في معانيها وحقيقتها، والعشر المتبقي يتمثل في عدم إدراك الفروقات بين هذه المفاهيم. قد يبدو هذا الحكم شديدا للوهلة الأولى، لكن هناك صيرورة لتشكل التصورات الذهنية وارتباطها بسلوكياتنا وعلاقة كل هذا باستعمال اللغة والمعاني المستنبطة منها، هذه الصيرورة تؤكد أن الخطأ البسيط في التصور، والذي لا نكاد نلقي له بالا، يظهر في السلوك على أنه انحراف شديد، ويظهر في اللغة المستخدمة بمصطلحات نشاز وغير واضحة، والمفارقة أن هذه المصطلحات التي تخرج من خطأ في التصور، وبعد ترديدها وسماعها مرات متعددة، تعود مرة ثانية إلى أذهاننا لتجعل من الخطأ البسيط، خطأ شنيعا وتجعل من سلوكياتنا سمة للجهل والأمية، رغم أن صاحبها يعرف ويعلم شيئا ما عن موضوع معين. ولهذا وجب علينا قبل الخوض في موضوع الأمية التكنولوجية توضيح المفاهيم وتصويب التصورات الذهنية. الأمية الإلكترونية: إن كلمة " إلكتروني" تطلق مرتبطة مع مواضيع عدة، ولكن – مع الأسف – إطلاقها عشوائي وخاطئ بشكل كامل، فالإلكتروني وصف للأجهزة التي تعمل بالكهرباء، وعليه نقول "موقع ويب" بدل "موقع إلكتروني" و"معلومات رقمية" بدل "معلومات إلكترونية" و"فضاء رقمي" بدل "فضاء إلكتروني" وهكذا. وعليه فإن التعبير المناسب لوصف العجز في استخدام التكنولوجيا هو: أمية تكنولوجية. الفضاء الافتراضي: إن كلمة افتراضي تشير إلى شيء موجود أو يحدث فقط في الفضاء الرقمي وليس في العالم الحقيقي، فالافتراضي هو كل شيء حقيقي ويمكن التعامل وتحسسه بصريا وسمعيا وذهنيا، لكن دون القدرة على التعامل معه بشكل ملموس. وهذا ما ينطبق على كل ما هو رقمي. الرقمي والرقمنة: مفهوم الرقمنة هو المفهوم الأكثر أهمية ضمن المفاهيم السابقة عند الكلام عن التكنولوجيا بصفة عامة وتكنولوجيا المعلومات والاتصال بصفة خاصة، فالرقمنة هي نظام لتمثيل البيانات، ويتشكل هذا النظام من رمزين اثنين (0) و(1) وعليه فإن الرقمنة هي "نظام" وليس أداة أو وسيلة تستخدم، كما أنها ليست مهارة تتعلم، وعليه لا يمكن نسبة الجهل أو العلم أو الأمية لهذا النظام. من الأمية الأبجدية إلى الأمية التكنولوجية إن العمل على محو الأمية هو أحد جهود منظمة اليونيسكو التي ترى في هذا الأمر حماية للكرامة الإنسانية، وإزالة هذه الصفة التي تعيق تقدمه ونموه هي أحد الواجبات التي تسعى إلى تحقيقها، إلا أن مفهوم الأمية في عصرنا هذا وعالمنا اليوم الذي اكتسى صبغة جديدة لم يعد متوقفا على عدم القدرة على القراءة والكتابة أو ما يعرف بالأمية الأبجدية التقليدية، التي وبحسب "يونيسكو" قد تم إحراز تقدم ملحوظ في مجال محو الأمية خلال العقود الخمسة الماضية، على الصعيد العالمي نتيجة التحسن الكبير في معدلات الالتحاق بالمدارس وتوفير البيئة المناسبة للتعلم السريع، إنما تجاوز ذلك إلى عدم القدرة على استخدام التكنولوجيا ومختلف أشكالها مثل: الحاسوب والهاتف الذكي وما رافقه من مستحدثات، جاءت لتسهل حياة الفرد، وبالتالي فإن الأمية التكنولوجية ليست مجرد قصور في التعامل مع التكنولوجيا بل تتضمن عجزا في التكيف مع البيئة التكنولوجية الحديثة.  المنطق التكنولوجي.. بين التلقي والاستخدام  "الحياة اليوم أصبحت مرقمنة ومن لم يستطع اللحاق بها فسيبقى مهمشا"، على حد قول بيكسلز، فإن التغيرات السريعة التي يعرفها العالم اليوم والتطورات التكنولوجية الكبيرة مع بداية الألفية الثالثة ومع السيل الجارف والتدفق الكبير للمعلومات والتقنيات الحديثة فرضت علينا نمط حياة جديد يتسم بدوره بالسرعة. في عصرنا الحالي، الذي يهيمن عليه التقدم التكنولوجي والرقمنة، حيث أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، من اعتمادنا الكبير على الإنترنت إلى الهواتف الذكية، ومن التطبيقات الرقمية إلى الخدمات الإلكترونية، أصبح كل شيء مرتبطًا بالفضاء الرقمي، لكن في الوقت الذي توفر فيه هذه التقنيات العديد من الفرص، ويتم تلقيها بشكل يومي وبكثافة عالية. نجد أن هناك شريحة كبيرة من الناس غير قادرة على الاستفادة منها بشكل كامل، ويعزى هذا الأمر إلى منطق التكنولوجيا الحديثة، والذي يبنى على فكرة "الاستخدام" أي أن ابتكار أي تقنية جديدة، يكون باعتبار أن هذه التقنية سيتم التدخل فيها من طرف الناس وبتعديلها وتخصيصها حسب احتياجاتهم. وهذا ما يتطلب من الناس أن يكونوا "مستخدمين " أي لديهم معرفة أساسية بمنطق التكنولوجيا الحديثة، بدل أن يكونوا مستعملين أو متلقين، أي أنهم يستفيدون من التقنيات ويتلقونها كما هي دون أي تخصيص أو تعديل عليها.  تكنولوجيا المعلومات.. مشكلات التكيف وتعقيدات التعلم بالرغم من أهمية التطور التكنولوجي ومساهمته الكبيرة في تقدم المجتمعات وتطورها وازدهارها، إلا أنه خلق تحديات ومشكلات اجتماعية جعلت الفرد يواجه أمية تكنولوجية، بسببها يعاني التهميش اجتماعيا واقتصاديا، كما يمكن أن تؤدي هذه الأمية إلى تقليل فرص العمل والتعلم، مما يزيد من الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين الأفراد والمجتمعات، كما أنه سيتلقى صعوبة في الوصول إلى المعلومات والخدمات، ففي عصر المعلومات، أصبحت الإنترنت مصدرًا رئيسيًا للحصول على الأخبار والخدمات الصحية والتعليمية الحكومية، وغيرها. وهنا يجد أميو التكنولوجيا أنفسهم أمام مواجهة هذه الصعوبات، وعدم الاستفادة هذه الخدمات التي تسهل حياة الكثيرين ممن يتقنون التعامل مع التكنولوجيا، كما أن الأمية التكنولوجية قد تؤدي إلى تعزيز الانعزالية، فالذين لا يمتلكون مهارات تكنولوجية قد يشعرون بالعزلة أو الانفصال عن عالمهم، وهو ما يفاقم مشاعر الوحدة أو عدم التفاعل الاجتماعي، خاصة مع تحول الكثير من الأنشطة اليومية إلى العالم الافتراضي. ومما لا شك فيه فإن مجال التعليم بمختلف مستوياته أصبح مربوطا بعالم التقنية وذلك لتقديم أفضل الخدمات التعليمية التي تتسم بالسرعة والفاعلية، والأمية التكنولوجية ستكون لها تأثيرات سلبية على هذا الجانب، حيث أصبح التعليم الرقمي جزءًا أساسيًا من العملية التعليمية الحديثة، والأمية التكنولوجية قد تخلق فجوات تعليمية بين الأفراد، فالأساتذة والطلبة الذين لا يمتلكون المهارات اللازمة لاستخدام التقنيات الحديثة قد يجدون صعوبة في مواكبة المناهج الدراسية المتطورة والتوافق مع العصر الرقمي.  الخروج من عنق الزجاجة.. نحو محو الأمية التكنولوجية شركة أدوبي تعرف محو الأمية التكنولوجية بأنها "القدرة على استخدام الأدوات الرقمية لحل المشكلات وإنتاج المشاريع المبتكرة وتعزيز الاتصال والاستعداد لتحديات العالم الرقمي المتزايد"، في ذات الصدد يرى Paul Gilster الرائد في استخدام مصطلح محو الأمية التكنولوجية، أنه "يتعلق بإتقان الأفكار وليس بإتقان ضغطات المفاتيح"، والمقصود بهذا القول أن محو الأمية التكنولوجية لا يتعلق بكيفية تشغيل الهواتف والحواسيب أو مجرد القدرة على التحكم في أساسيات هذه الأجهزة أو إتقان أداة تكنولوجية معينة، بل يشمل كافة مهارات القرن الـ21 المتعلقة بالاستخدام الفعال والمناسب للتكنولوجيا، ومحاربة الأمية التكنولوجية يتطلب استراتيجيات متعددة تستهدف جميع فئات المجتمع، من الأطفال إلى كبار السن. ولعل أهم الحلول الممكنة ستشمل التعليم الرقمي المبكر، من خلال إدخال المفاهيم الأساسية للتكنولوجيا والمعلومات في المناهج الدراسية بدءًا من مرحلة التعليم الابتدائي، وتوفير تدريب تفاعلي على مهارات الكمبيوتر والإنترنت للأطفال والشباب، مثل البحث عبر الإنترنت، كتابة المستندات، واستخدام التطبيقات، كما يتم إقامة ورش عمل ودورات تدريبية للكبار في مختلف الأعمار، خاصة للمجتمع الريفي أو المناطق التي تعاني من نقص في التعليم وتعاني التهميش الاجتماعي، حيث يتم تقديم التدريب بأسلوب بسيط وسهل، يشمل كيفية استخدام الهواتف الذكية، التواصل عبر الإنترنت، وحماية الخصوصية عبر الشبكات. لذا فإن للجامعات والمؤسسات التعليمية دور مهم في تعزيز الوعي الرقمي، من خلال زيادة الوعي بمخاطر الإنترنت مثل الأمن السيبراني، الفيروسات الرقمية، والاحتيال الرقمي من خلال حملات إعلامية، ونشر الثقافة الرقمية في المجتمع عبر وسائل الإعلام المختلفة مثل التلفاز، الإذاعة، ووسائل التواصل الاجتماعي، ويتعزز ذلك من خلال القيام شراكات بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية لتطوير برامج تدريبية وتوفير الموارد اللازمة للتعلم، والمساهمة إنشاء مراكز تعليمية ومكتبات رقمية تقدم مصادر مجانية لتعلم التكنولوجيا.   يزيد اقدال خبير في تكنولوجيا المعلومات

عوائق ومطبات.. الرقمنة بين غياب الرؤية الشاملة ومقاومة التغيير الداخلي

أبرز الأستاذ يزيد اقدال الخبير في تكنولوجيا المعلومات، العوائق التي تؤثر سلبا على حركية المنظومة الرقمية والعوامل التي تحول دون تطورها، على غرار غياب رؤية كلية لرقمنة جميع المصالح الحكومية أو المصالح الاقتصادية، إذ إن كل قطاع يشتغل لوحده، وحسبه فهذا المشكل، لأن القطاعات مترابطة ومتشابكة وبالتالي تحتاج الأنظمة المرقمنة إلى التواصل بينها. وعرج يزيد اقدال في تصريح لـ"الأيام نيوز" إلى مشكلة العنصر البشري، وقال إن العمل على آليات رقمنة عالية يستلزم وجود كفاءات بشرية عالية يمكنها تسهيل إدارة المشاريع وتتحكم بالجانب التقني وحماية المعلومات، مشيرا إلى وجود مقاومة من داخل القطاعات نفسها، فغياب الرقمنة يشجع المحسوبية والفساد، ومجموعة من الناس تستفيد من بقاء الوضع على حاله وتعرقل الاتجاه نحو الرقمنة. وفي ذات الإطار، نوه يزيد اقدال بتوجيهات رئيس الجمهورية المتعلقة بالمراعاة البالغة للأمن السيبراني واليقظة في اقتناء المعدات والتجهيزات وكذا حرصه على ضمان السيادة الرقمية التي هي جزء من الأمن القومي، واعتبر الخبير في تكنولوجيا المعلومات أن توجيهات رئيس الجمهورية بخصوص التنسيق مع وزارة الدفاع الوطني يعكس ارتباط الأمن القومي بأمن المعلومات، مبرزا أهمية الاعتماد على المورد البشري الكفء لضمان تسيير أنظمة المعلومات الرقمية وتأمينها من خلال الاستثمار في خريجي الجامعات والمعاهد الوطنية والاستعانة بالخبرات الجزائرية في الداخل والخارج. إلى جانب ذلك، أبرز الخبير في تكنولوجيا المعلومات وجود مشكل آخر يتمثل في غياب المتابعة والتقييم بعد إطلاق مشاريع تتعلق بالمنظومة الرقمية، حيث يتاح للمواطنين إمكانية استخراج شهادات الحالة المدنية عبر منصة رقمية، لكن لا تتابع الجهات المختصة هذا العمل بالتقييم لتعرف ما يمكن تطويره وما ينبغي تجنبه وما ينشأ عن ذلك من تعقيدات ومشاكل. وفي هذا السياق، أكد يزيد اقدال أن مسار الرقمنة يقتضي تقديم تسهيلات للدفع الإلكتروني وحركة الأموال، لاسيما وأن الأجيال الجديدة تجد نفسها أكثر انخراطا في هذه المنظومة، ولهذا تسهم العملات الرقمية التي تتبناها الدول وتشرف عليها البنوك المركزية، في مراقبة حركة رؤوس الأموال، لكن هذه المشاريع غالبا لا تزال في طور الدراسة أو التجريب. وفي شأن ذي صلة، يعتقد الخبير في تكنولوجيا المعلومات وجود اتجاه حقيقي في الجزائر نحو محاولة تعميم الدفع الإلكتروني مثل دفع الفواتير والدفع مقابل الخدمات عن طريق البطاقة البريدية والبطاقة البنكية، وجهود بذلت في هذا المجال، غير أنه أشار إلى أن هناك إشكال في قضية تعميمها، في ظل النقص في توعية المواطنين عبر وسائل الإعلام مثلا، وهناك نقص في بذل المجهودات اللازمة لدفع المواطنين نحو هذا الاتجاه حتى يشعروا بالثقة أثناء استخدام الدفع الإلكتروني. وفي ختام حديثه لـ"الأيام نيوز"، أوضح يزيد اقدال أن نجاح الدفع الإلكتروني سيدفع بانتعاش قطاعات أخرى مثل التجارة الإلكترونية والشركات الناشئة، ولهذا يجب الاشتغال على المجال التوعوي وتكثيفه وتحفيز المواطنين للانتقال إليه.   الطاهر آحاد - رئيس لجنة الإعلام والاتصال بالمجلس الأعلى للشباب

الميديا الجديدة..

حائط صد رقمي ضد موجات التطرّف

أبرز الطاهر آحاد رئيس لجنة الإعلام والاتصال بالمجلس الأعلى للشباب، الدور المحوري الذي يؤديه الإعلام في تعزيز الأمن الفكري لدى الشباب في عصر الإعلام الجديد المفتوح المصادر ومتعدد الوسائط، والذي يجب أن يكون - حسبه - مركّزًا على نشر المحتوى التعليمي والتوعوي الذي يساعد في تعزيز التفكير النقدي والفهم المعتدل، ويكون شريكًا كذلك في تقديم الحلول والبدائل للفكر المتطرف ويعزز من الثقافة المجتمعية التعددية. ويعتقد الطاهر آحاد أن الإعلام الجديد لا يقتصر على تقديم المعلومات، بل يتيح للشباب التفاعل والمشاركة في النقاشات والحوارات، وهذه التفاعلية تسهم في تعزيز الوعي الجمعي وتعميق التفكير النقدي، وهو ما يعزز من الأمن الفكري. وفي هذا الإطار، أشار الطاهر آحاد، في تصريح لـ"الأيام نيوز" إلى أن "الإعلام أصبح أداة ذات تأثير كبير، حيث أتاحت شبكات التواصل الاجتماعي والمحتوى الرقمي المتنوع للشباب فرصة الوصول إلى كم هائل من المعلومات والآراء من مصادر متعددة"، وحسبه "فمع هذا التحول، أصبحت الحاجة إلى تعزيز الأمن الفكري من خلال الإعلام أمرًا بالغ الأهمية". ويرى رئيس لجنة الإعلام والاتصال بالمجلس الأعلى للشباب أن الإعلام الجديد يتيح فرصًا هائلة للوصول إلى معلومات متنوعة، إلا أن ذلك قد يعرض الشباب لمخاطر التضليل، مما يبرز دور الإعلام في نشر المعرفة الصحيحة والمعلومات الموثوقة التي تساعد الشباب على التفكير النقدي والتمييز بين الحقائق والشائعات. وعن دور الإعلام في تعزيز الأمن الفكري، دعا الطاهر آحاد، إلى توجيه الشباب نحو المعرفة المستنيرة، وتنمية التفكير النقدي والتحليلي، من خلال توجيه الرسائل الإعلامية التي تشجع على البحث والتحليل، وأضاف الطاهر آحاد أن الإعلام بإمكانه تعزيز قدرة الشباب على التمييز بين الآراء المتباينة كما أنه يسهم في خلق جيل قادر على مواجهة الأفكار المتطرفة والمغلوطة. وأردف عضو المجلس الأعلى للشباب أن الإعلام يمكنه أن يكون وسيلة لتعزيز القيم الاجتماعية الإيجابية مثل التسامح، الاحترام المتبادل، والحوار بين الثقافات، من خلال عرض نماذج لشباب يساهمون في بناء مجتمعاتهم، كما يُمكن أن يتحفز الشباب للانخراط في مجالات التفكير البناء والمشاركة المجتمعية. وفي ظل وجود منصات إعلامية مفتوحة، قد يتعرض الشباب لأفكار متطرفة أو دعوات للتشدد، ولكن الإعلام يمكن أن يكون خط الدفاع الأول ضد هذه الأفكار من خلال نشر محتوى يعزز من فهم الدين بشكل صحيح، ويعرض البدائل الفكرية المعتدلة، يؤكد رئيس لجنة الإعلام والاتصال بالمجلس الأعلى للشباب. وفي السياق ذاته، شدد رئيس لجنة الإعلام والاتصال بالمجلس الأعلى للشباب، على ضرورة مواكبة التطورات التكنولوجية، وحسبه فإن الإعلام التقليدي قد لا يكون كافيًا لمواكبة احتياجات الشباب في عصر التكنولوجيا، لذا يجب على الإعلام أن يكون متجددًا ومواكبًا للأدوات التكنولوجية الحديثة، التي تتيح للشباب التعلم والتفاعل بشكل أفضل. وأفاد الطاهر آحاد، أنه على الرغم من الفوائد العديدة للإعلام الجديد، إلا أن تحديات الميديا الجديدة كبيرة، على غرار: المعلومات المضللة: من خلال انتشار الأخبار الزائفة والمحتوى المغلوط الذي قد يؤثر على فهم الشباب للأمور، بالإضافة إلى الخصوصية والأمان: فالشباب قد يكونون عرضة لاستغلال بياناتهم الشخصية، إلى جانب الانحياز الإعلامي: حيث تساهم بعض المنصات في تعزيز رؤى ضيقة قد تؤثر في التوازن الفكري.   عكنوش نور الصباح - أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

حِكمة الرقمنة.. البقاء للأذكى

يرى البروفيسور عكنوش نور الصباح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن البقاء أصبح للأذكى في الفضاء العمومي، بعد أن أعادت العولمة إنتاج مفاهيم وأنساق وقيم جديدة لا يمكن مقاربتها إلا بأدوات مبتكرة تستعمل الأنترنت في تطوير معارفها وتنمية مستقبلها في إطار رقمنة الإنسان والوعي والبيئة والانتقال الإلكتروني نحو حوكمة الإدارة والفكر وهو ما لا يتحقق إلا بمواطن متعلم بالمعنى المعاصر للكلمة. وفي هذا الإطار، أفاد البروفيسور عكنوش نور الصباح، في تصريح لـ"الأيام نيوز" بأن الأنترنت أصبحت حق للمواطن، في ظل الجيل الرابع لحقوق الإنسان، وفي ظل مواطنة رقمية مبنية على استفادة الشعب من الفرص التي يتيحها الزمن الإلكتروني الجديد في التعاملات البنكية والممارسات التجارية وفي التعليم والنقل والصحة. وغيرها من ميكانيزمات مجتمع ما بعد الحداثة القائم على الشبكية كمنطق حكم. وفي هذا الشأن، أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، على ضرورة أن ترنو الجزائر إلى توجيه فئات من المجتمع نحو استعمال التكنولوجيا على أنه حق دستوري وعلمي وتنموي للبلاد والعباد من خلال تحيين دور مؤسسات محو الأمية وجعلها بيداغوجيا ومنهجيا تغير من برامجها وتقوم بهندسة عملها وفق معايير المواطنة الذكية بدعم الدولة والمجتمع المدني والفواعل غير الرسمية في إطار رؤية استراتيجية شاملة تتكيف مع مقتضيات العالم في القرن الواحد والعشرين الذي لا مكان فيه للأمية التكنولوجية بصفة عامة. وفي السياق ذاته، أبرز البروفيسور عكنوش نور الصباح، الحاجة إلى إرادة سياسية قوية لبلوغ الهدف بجودة وفعالية وسيادة، وحسبه فإن الموضوع مرتبط بما هو متوفر من جاهزية إلكترونية مستدامة وبنية تحتية قوية، مع بيئة حاضنة لتصل الرقمنة لكل مواطن كما يصله الماء والكهرباء والغاز وهو تحدي كبير تضطلع به المؤسسات ذات الصلة بما يمكن تسميته بالتنمية الرقمية التي يجب إيلاءها مسؤولية تبني الموضوع وتفعيله مجتمعيا، مشيرا إلى أنه كنا سابقا نقول أن المجتمع الذي لا يقرأ يستعبد واليوم نقول أن المجتمع الذي يجهل استعمال التكنولوجيا يموت بالمعنى العلمي والعملي وهذه سنن الله في خلقه وفي كونه. ولمواجهة الظاهرة قبل أن تتحول إلى عائق كبير تكون نتيجته "مجتمع غير متطور"، اقترح البروفيسور عكنوش نور الصباح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في ختام حديثه لـ"الأيام نيوز" أن يكون ذلك هيكليا في مشروع يعمل على مأسسة الحوكمة الإلكترونية التي تشترك فيها أفقيا الحكومة مع المجتمع المدني مع القطاع الخاص في عملية شاملة لاستيعاب تام للعناصر الهامشية - إن صح التعبير - التي تقاوم بحسن أو بسوء نية الرقمنة، داعيا إلى إدماجها أو إقناعها بأن الحتمية التاريخية تقتضي مشاركة الجميع في بناء نموذج إلكتروني جيد.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار