2025.07.17
مجتمع

Deprecated: stripos(): Passing null to parameter #1 ($haystack) of type string is deprecated in /home/clients/f670a3e09c40a959ccfb89c71816c210/sites/elayem.online/vue/article.php on line 88
الطلاق.. أكثر من مجرّد فصل أخير في الزواج

الطلاق.. أكثر من مجرّد فصل أخير في الزواج


 تُعدّ ظاهرة الطلاق من أبرز القضايا الاجتماعية التي تثير جدلًا واسعًا في مختلف المجتمعات، ولا سيما في المجتمع الجزائري، حيث يتصاعد النقاش حول أسبابها وآثارها، وأحد الأسئلة الجوهرية التي يطرحها الباحثون والمختصون في هذا المجال هو: هل الطلاق نتيجة لتراجع دور الأسرة أم أنه سبب في انحلالها؟ فبينما يرى البعض أن الطلاق يعكس تفككًا تدريجيًا في بنية الأسرة وغياب الاستقرار العاطفي والاجتماعي داخلها، ويعتبر آخرون أن الطلاق يكون نتيجة لتراكم مشكلات وأزمات داخل الأسرة نفسها، مثل العنف، والضغوط الاقتصادية، والتغيرات الثقافية التي تؤثر على التفاهم بين الزوجين. نفتح هذا الموضوع للنقاش ونسعى لاستكشاف هذه القضية المعقدة من خلال تحليل العلاقة بين الطلاق وتراجع دور الأسرة، وكيف يمكن أن يتداخل كل منهما مع الآخر لتشكيل حالة من الاضطراب الأسري الذي يؤثر على الأفراد والمجتمع بشكل عام.  تعتبر ظاهرة الطلاق من المواضيع الاجتماعية التي تُثير العديد من النقاشات في المجتمع الجزائري، لما لها من تأثيرات عميقة على الأفراد والأسرة والمجتمع ككل، فقد أظهرت الدراسات والإحصائيات ارتفاعًا في معدلات الطلاق في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يطرح تساؤلات حول الأسباب وراء هذه الظاهرة وآثارها على العلاقات الأسرية، كما يعكس أيضًا تغيرات في النظرة المجتمعية نحو الزواج والعلاقات الأسرية. وارتفاع معدلات الطلاق يؤكد أن العلاقات الأسرية قد مستها تغيرات عدة. في حين كان الطلاق في الماضي يُعتبر حدثًا نادرًا ومرفوضًا اجتماعيًا، أصبح الآن أكثر قبولًا ليكون المخرج لبعض الأزواج الذين يعجزون عن الحفاظ على علاقاتهم. وتشير التقارير الرسمية إلى أن الجزائر قد شهدت زيادة ملحوظة في معدلات الطلاق في العقود الأخيرة، ووفقًا للبيانات المتوفرة من وزارة العدل الجزائرية، فحالات الطلاق عددها بالآلاف سنويًا، مع تزايد ملحوظ في السنوات الأخيرة. وتعد الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق متعددة ومعقدة، ويمكن تصنيفها إلى عوامل عدة: اجتماعية وثقافية واقتصادية، أبرزها: تغير النظرة إلى الزواج: مع تزايد الوعي الحقوقي لدى المرأة وتحسن مستوى التعليم، بدأ الكثيرون في إعادة تقييم مفاهيم الزواج والطلاق، ففي الماضي كان الطلاق يمثل وصمة عار اجتماعية في المجتمع الجزائري، لكن اليوم بدأت هذه النظرة تتغير، حيث أصبح الطلاق يُعتبر خيارًا مشروعًا في بعض الحالات. الضغوط الاقتصادية: تشهد الجزائر تحديات اقتصادية مستمرة من تضخم وارتفاع الأسعار ومعدلات البطالة، ما يؤدي إلى زيادة التوترات داخل الأسرة، فالظروف الاقتصادية الصعبة تجعل من الصعب الحفاظ على استقرار العلاقة الزوجية. العنف الأسري: تشير الدراسات إلى أن العنف الأسري، سواء كان جسديًا أو نفسيًا، يمثل سببًا رئيسيًا في الطلاق، ففي حالات كثيرة، تتعرض النساء للضغوط والعنف من قبل الأزواج، ما يدفعهن إلى اتخاذ قرار الطلاق. عدم التوافق العاطفي والفكري: هناك حالات من عدم التفاهم بين الزوجين بسبب اختلافات في الطباع والاهتمامات أو عدم القدرة على التكيف مع التغيرات في الحياة، هذه العوامل تؤدي إلى تدهور العلاقة الزوجية وتنتهي بالطلاق. الزواج المبكر: بالرغم من التحسن في مستويات التعليم وتزايد الوعي بحقوق المرأة، إلا أن الزواج المبكر لا يزال سائدًا في بعض المناطق الريفية، حيث يتم الزواج في سن مبكرة دون النظر الكافي إلى التوافق الشخصي، ما يزيد من احتمالية الطلاق في مراحل لاحقة من الحياة. آثار الطلاق على الأسرة والمجتمع تترتب على ظاهرة الطلاق آثار اجتماعية ونفسية خطيرة على الأفراد، وخاصة الأطفال، حيث يعيش الأطفال في أسر مفككة تجربة نفسية معقدة قد تؤثر على حياتهم العاطفية والتربوية في المستقبل. الأثر النفسي: يُعاني العديد من الأطفال من صدمات نفسية نتيجة انفصال الوالدين، ما قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية وتربوية، وقد يؤثر ذلك على نجاحهم في الحياة الدراسية والاجتماعية. الآثار الاجتماعية: يُعتبر الطلاق في بعض الأوساط الاجتماعية بالجزائر ظاهرة سلبية، ويترتب عليه وصمة عار اجتماعية على النساء بشكل خاص، ففي المجتمعات الريفية أو التقليدية، قد تكون المرأة المطلقة عرضة للتهميش أو قلة الفرص الاجتماعية. الآثار الاقتصادية: في حالات الطلاق، قد تجد المرأة نفسها في وضع اقتصادي صعب إذا كانت غير قادرة على تأمين دخل مستدام. كما أن بعض الرجال قد لا يلتزمون بالمسؤولية المالية تجاه الأبناء بعد الطلاق، ما يزيد من العبء على الأم. الأسرة الجزائرية بين الماضي والحاضر تعتبر الأسرة اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، وهي الجسر الذي يربط الأفراد والمجتمع بالقيم والعادات والتقاليد، ومنذ الاستقلال، شهدت الأسرة الجزائرية تطورات كبيرة نتيجة للتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. هذه التحولات ألقت بظلالها على شكل الأسرة ودورها في المجتمع، مما يثير التساؤلات حول الاختلافات بين الأسرة الجزائرية في الماضي والحاضر. كانت الأسرة الجزائرية في الماضي، بنية تقليدية ثابتة إلى حد بعيد، حيث كانت تتمحور حول القيم الإسلامية والعادات المجتمعية الراسخة، وكانت هذه الأسرة تسير وفق قواعد صارمة تنظم العلاقات داخلها، وتركز على التضامن الاجتماعي، والاحترام المتبادل، خاصة بين الأجيال المختلفة. وبالنسبة للتركيبة الاجتماعية، كانت الأسرة الجزائرية في الماضي غالبًا ما تتألف من أجيال عدة تحت سقف واحد، بما في ذلك الجدّين، الوالدين، والأبناء، وهذا النمط من الأسر الممتدة كان يسهم في نقل القيم، ويوفر نوعًا من الدعم الاجتماعي والنفسي للأفراد. كما أن المرأة في الأسرة الجزائرية في الماضي كانت تمارس دورًا محددًا، حيث كانت غالبًا ما تكون ربة منزل تتولى المهام العائلية والتربوية، كما أن العائلة كانت تعتبر "مقدسة" في هذا السياق، مما يجعل الطلاق أو انفصال الأزواج أمرًا نادرًا جدًا. إلى جانب ذلك، كانت القيم التقليدية مثل احترام الوالدين، الطاعة، والكرامة الأسرية تمثل حجر الزاوية في الحياة الأسرية، وكانت هذه القيم تُعزز من خلال التقاليد الدينية والثقافية، مما يجعل الأسرة الجزائرية في الماضي أكثر ارتباطًا بالمجتمع المحلي. ومع مرور الزمن، وخاصة بعد الاستقلال، شهدت الأسرة الجزائرية العديد من التحولات الجوهرية نتيجة لتغيرات اقتصادية، اجتماعية، وثقافية، حيث أثرت هذه التحولات على تكوين الأسرة، أدوار أفرادها، والعلاقات بينها. وقد تغيرت الأسرة الجزائرية في الحاضر لتصبح أكثر تقليدية أو نووية، حيث تقتصر على الزوجين وأبنائهما فقط في معظم الأحيان، فقد شهدت الأسر الجزائرية في المدن الكبرى تزايدًا في الأسر الصغيرة، حيث أصبحت العائلات المكونة من جيل واحد أكثر شيوعًا، وهذا التغير يعود جزئيًا إلى التحولات الاقتصادية التي أدت إلى زيادة الهجرة نحو المدن، مما ساعد على تفكيك الأسر الممتدة. وفي الحاضر، وتغير دور المرأة بشكل كبير في المجتمع الجزائري، فقد تمكنت المرأة من دخول سوق العمل بكثافة، وتعلمت مهارات جديدة، وأصبحت تشارك في صنع القرار داخل الأسرة وخارجها، هذا التحول أتاح لها أيضًا المزيد من الاستقلالية المالية، لكنه في الوقت نفسه قد يخلق بعض الصراعات داخل الأسرة التقليدية، حيث يختلف التوقع الاجتماعي حول دورها مقارنة بالماضي. وتعتبر التغيرات الاقتصادية من أبرز العوامل التي أثرت في شكل الأسرة الجزائرية، فقد شهدت البلاد تحولات اقتصادية جذرية، مثل التوسع في التعليم، وزيادة معدلات البطالة، والتغيرات في السوق العمل، ما أدى إلى إعادة تشكيل أدوار الأفراد داخل الأسرة. إن مقارنة الأسرة الجزائرية في الماضي والحاضر تكشف عن تحولات كبيرة في تركيبها وأدوار أعضائها، بينما كانت الأسرة في الماضي تتميز بالترابط الاجتماعي والتقاليد الراسخة، فإن الأسرة في الحاضر تواجه تحديات جديدة تتعلق بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، مما ينعكس على ديناميكيات العلاقة بين أفرادها. رغم أن هناك تحديات عدة تواجه الأسرة الجزائرية اليوم، إلا أن التحولات التي شهدتها توفر أيضًا فرصًا لتطوير أسس جديدة للاستقرار الأسري، من خلال توازن الأدوار والمشاركة الفاعلة لكل الأفراد في الأسرة. صلابة القيم الأسرية التقليدية تُعدّ الأسرة نواة المجتمع، ومن خلالها تنتقل القيم والتقاليد من جيل إلى آخر، وهي تمثل الحاضنة الأساسية لتكوين شخصية الأفراد وتوجيه سلوكهم، في المجتمعات التقليدية، كانت القيم الأسرية جزءًا أساسيًا من بنية العلاقات داخل الأسرة، حيث كان الاحترام، التضامن، وطاعة الوالدين تعتبر مبادئ لا يمكن المساس بها، ولكن في العقود الأخيرة، شهدت هذه القيم تراجعًا واضحًا في العديد من الأسر الجزائرية، ما يعكس تحولًا في أسس التربية والعلاقات الأسرية، وهذا التراجع لا يتعلق فقط بتغيرات فردية، بل هو نتيجة لتداخل عوامل عدة: اجتماعية، اقتصادية وثقافية. في الماضي، كانت الأسرة الجزائرية تتسم بالتلاحم الاجتماعي والروابط العاطفية القوية بين أفرادها، وكان أفراد الأسرة يعيشون معًا في بيئة مليئة بالاحترام المتبادل والتعاون، ومن أبرز القيم التي كانت تميز الأسرة الجزائرية التقليدية: الاحترام المتبادل: كان الاحترام هو أساس العلاقات بين الزوجين، وبين الأبناء والوالدين، حيث كان الأب يُعتبر صاحب السلطة في الأسرة، بينما كانت الأم تمثل ركيزة العناية والاهتمام، بحيث يقوم كل طرف بالدور المنوط به علي أكمل وجه، ويعزز دور ومكان الطرف الآخر. ورغم هذه الأدوار التقليدية، كان هناك احترام مشترك بين أفراد الأسرة. التضامن الأسري: كانت الأسرة الجزائرية تمتاز بالترابط والتعاون بين جميع أفرادها، سواء في أوقات الشدة والرخاء، وأيام الأحزان والأفراح، وكانت هذه الروح الجماعية تساعد الأسرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. طاعة الوالدين: في السياق الثقافي والديني الجزائري، كانت طاعة الوالدين تُعتبر من القيم الأساسية التي يجب أن يتحلى بها الأبناء، وكان المجتمع يقدس هذه القيمة، وتُعتبر من أولى أولويات التربية الأسرية. الاهتمام بالمصلحة العامة للأسرة: كانت الأولوية للأسرة ككل، إذ كان كل فرد من أفراد الأسرة يعمل ويجتهد لخدمة مصالحها الجماعية، سواء على المستوى المالي أو العاطفي. إن التراجع في القيم الأسرية التقليدية في الجزائر يعود إلى مجموعة من الأسباب التي تتراوح بين التغيرات الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافية: أولا، التغيرات الاجتماعية والاقتصادية: فمع التوسع في التعليم وتزايد الفرص الاقتصادية، بدأ العديد من أفراد الأسرة الجزائرية يتجهون نحو الاستقلالية الشخصية، هذه التحولات ساهمت في تغيير أولويات الأفراد، فصار الاهتمام بالنمو الشخصي والتطور المهني يتفوق على الروابط الأسرية التقليدية، كما أن تزايد الضغوط الاقتصادية، مثل البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، جعل العلاقات داخل الأسرة أكثر توترًا، ما أثر على التضامن الأسري. ثانيا، التطور التكنولوجي والعولمة: فتطور وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا لعب دورًا كبيرًا في تغيير أساليب الحياة والعلاقات الأسرية، حيث أصبح التواصل بين أفراد الأسرة قليلا حيث يعتمد الكثيرون على الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي بدلًا من التفاعل الشخصي، كما أن العولمة الثقافية قد أثرت على القيم التقليدية، حيث بدأ العديد من الأفراد يتبنون مفاهيم وقيم جديدة بعيدة عن التقاليد المحلية. ثالثا، التحولات في دور المرأة: فمع تحسن مستوى التعليم وتزايد مشاركة المرأة في سوق العمل، بدأ دور المرأة في الأسرة يتغير، على الرغم من أن هذا التغير يعكس تقدمًا في حقوق المرأة، إلا أنه أثر أيضًا على العلاقات الأسرية التقليدية، حيث بدأ يتناقص دور المرأة على أنها ربة منزل بشكل كبير، ما قد يؤدي إلى تباين في الأدوار داخل الأسرة. رابعا، الضغوط النفسية والعاطفية: حيث يعاني العديد من الأزواج من التوترات النفسية والعاطفية بسبب العوامل الاقتصادية أو الاجتماعية، مما يؤدي إلى ضعف التواصل بين الزوجين، وبالتالي تراجع القيم الأساسية مثل الاحترام المتبادل والتضامن الأسري. وعلى الرغم من التحديات التي تفرضها التحولات الاجتماعية الحديثة، فإن هناك سبل عدة لإعادة إحياء القيم الأسرية التقليدية وتعزيز استقرار الأسرة الجزائرية، نذكر منها: إعادة بناء التواصل داخل الأسرة، فمن المهم تشجيع التواصل الفعّال والمباشر بين أفراد الأسرة، إذ يجب أن تكون هناك جلسات عائلية دورية يتم فيها مناقشة القضايا الشخصية والعائلية بشكل مفتوح وصريح. إلى جانب تعليم الأطفال القيم الأساسية منذ الصغر، حيث يجب أن يتم التركيز على تعليم الأطفال القيم الأسرية مثل الاحترام، التعاون، والالتزام من خلال الأسرة والمدارس. ويمكن إدخال هذه القيم إلى المناهج الدراسية لخلق جيل من الشباب يدرك أهمية الأسرة ودورها في بناء المجتمع. بالإضافة إلى تعزيز دور الوالدين، حيث ينبغي أن يعمل الوالدان معًا لتربية الأبناء على مبادئ الاحترام والتعاون، فمن الضروري أن يتعامل الوالدان مع بعضهما البعض بنموذج جيد من الاحترام والتضامن، حتى يكونا قدوة لأبنائهم، مع ضرورة دعم العلاقات الزوجية، من خلال تقديم الدعم للأزواج عبر برامج الإرشاد الأسري، التي تساعدهم في تعلم كيفية مواجهة التحديات بشكل مشترك، وتعزيز روح التعاون بين الزوجين، مع تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية، حيث تبرز أهمية تشجيع الأزواج على تحقيق توازن بين العمل والاهتمام بالأسرة، إذ يجب أن تكون الأسرة هي الأولوية في حياة الأفراد، مما يساعد على تقوية الروابط الأسرية. إن تراجع القيم الأسرية التقليدية في الجزائر يعكس تحديات عميقة تواجه الأسرة في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة، ورغم ذلك، تظل الأسرة حجر الزاوية في بناء مجتمع مستقر ومتماسك، ولإعادة استعادة هذه القيم، يجب أن تعمل جميع الأطراف، من الأسرة نفسها إلى المؤسسات التعليمية والإعلامية، على تعزيز هذه القيم وتطبيقها في الحياة اليومية، من خلال التعاون بين الأفراد والمؤسسات، يمكن بناء مجتمع جزائري يعيد الحياة إلى قيمه الأسرية التقليدية، ويعزز من استقرار الأسرة فهي أحد الركائز الأساسية للمجتمع. التوجهات المستقبلية تشكل ظاهرة الطلاق في الجزائر تحديًا اجتماعيًا وثقافيًا عميقًا، ورغم أنها تعكس بعض التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، فإن آثارها السلبية على الأفراد والمجتمع لا يمكن إنكارها، لذا من الضروري أن يتم التعامل مع هذه الظاهرة من خلال سياسات مدروسة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الأسري وحماية حقوق الأفراد، خاصة النساء والأطفال، في جميع مراحل الطلاق. ويبدو أن ظاهرة الطلاق في الجزائر ستظل مستمرة في العقدين المقبلين نتيجة لتطورات عدة، منها التغيير الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ومع تزايد الوعي بحقوق المرأة وضرورة توفير بيئة أسرية آمنة، من المتوقع أن تصبح عمليات الطلاق أكثر وضوحًا، كما أن هناك حاجة إلى تحديث القوانين والأنظمة التي تخص الطلاق، خاصة فيما يتعلق بحقوق النساء والأطفال بعد الطلاق. ومن المهم أن تتواصل جهود الإصلاح الاجتماعي من خلال نشر الوعي بسبل بناء علاقات زوجية قائمة على الاحترام المتبادل والتفاهم، بالإضافة إلى تعزيز خدمات الإرشاد الأسري وتوفير الدعم النفسي والقانوني للأسر المتضررة. ختاما، فإن ظاهرة الطلاق تُعدّ من التحديات الاجتماعية الكبيرة التي تواجه المجتمع الجزائري في الوقت الراهن، وبينما يعكس الطلاق تفككًا في العلاقات الأسرية، فإن آثاره تمتد لتطال الأفراد والمجتمع بأسره، حيث يؤثر سلبًا على استقرار الأسرة، وخاصة على الأطفال الذين يعيشون في أسر مفككة، ورغم التزايد الملحوظ في معدلات الطلاق، فإن هناك أملًا في إمكانية الحد من هذه الظاهرة من خلال مجموعة من الإجراءات الوقائية والإصلاحية التي تعزز من استقرار الأسرة الجزائرية وتعيد إليها توازنها. إن ظاهرة الطلاق ليست مشكلة فردية، بل هي نتيجة لتحديات اجتماعية واقتصادية وثقافية كبيرة، ومع أن الطلاق يظل واقعًا يصعب تجاهله، فإن معالجة هذه الظاهرة تبدأ بتعزيز دور الأسرة في المجتمع، ورفع الوعي حول أهمية الحفاظ على العلاقة الزوجية، من خلال نشر قيم التعاون والاحترام المتبادل، وتقديم الدعم الاجتماعي والنفسي للأزواج، يمكن تقليص معدلات الطلاق بشكل كبير وتحقيق استقرار اجتماعي أكثر. وأخيرًا، فإن استثمار المجتمع في النشء وتوفير بيئة أسرية صحية ومتوازنة هو الأساس لبناء مجتمع قوي قادر على مواجهة التحديات المستقبلية.   الدكتور قاضي مراد (أستاذ علم النفس بجامعة تيارت – الجزائر)

بين التدخل والحماية.. دور العائلة الممتدة في الحد من الطلاق

تعتبر ظاهرة الطلاق من الظواهر الاجتماعية المعقدة التي تطورت عبر العصور، وتأثرت بتغير العادات والتقاليد والقوانين وفي هذا العرض، سنقوم بمقارنة بين الطلاق في الماضي والحاضر مع تسليط الضوء على أبرز العوامل المؤثرة في هذه الظاهرة الموجودة منذ القدم، وتبيان أهم الأسباب المؤدية إليه. وهذا ما يدعونا للوقوف لدراسة هذه المشكلة وتحليلها وتفسيرها ومحاولة إيجاد حلول ومقترحات من أجل الحد من استمرارية انتشار هذه الظاهرة الاجتماعية في المجتمع؟ الطلاق هو حدث له تأثيرات كبيرة على جميع الأطراف المعنية، وقد تختلف هذه التأثيرات بناءً على الظروف المحيطة بالطلاق والتعامل معه، وفيما يلي مقارنة بين الطلاق في الماضي والحاضر. الطلاق في الماضي كانت أسباب الطلاق في الماضي محدودة نسبيًا، وتركزت حول العنف الأسري والخيانة الزوجية وعدم القدرة على الإنجاب والأمراض المستعصية كما كانت إجراءات الطلاق معقدة وطويلة، وتتطلب موافقة الطرفين أو تدخل القضاء أو جماعة الأعيان وكانت القوانين غالبًا ما تميل لصالح الرجال، كان الطلاق أمرًا نادرًا ومستهجنًا اجتماعيًا في كثير من الثقافات، وكانت النساء غالبًا أقل استقلالية ماديًا واجتماعيًا، مما جعل فكرة الطلاق صعبة التنفيذ، وكثيرًا ما كانت النساء يتحملن مشكلات الزواج من أجل الأسرة والأطفال، كان يُنظر إليه كآخر حل بعد استنفاد كل وسائل الصلح، وكان المجتمع يمارس ضغوطًا كبيرة للحفاظ على الزواج. أما على الصعيد الإجتماعي كان للطلاق آثار اجتماعية سلبية كبيرة على المرأة والطفل، حيث كانت المرأة تتعرض للوصمة الاجتماعية، وكان الطفل يفقد حضانة أمه في معظم الحالات وفي العديد من المجتمعات، كان الحصول على الطلاق معقدًا وصعبًا، كما كان للدين تأثير كبير في تقليل حالات الطلاق، حيث كان يُعتبر انتهاكًا لقيم الأسرة. الطلاق في الحاضر تعددت أسباب الطلاق في الحاضر، وشملت الخلافات الزوجية، عدم التوافق في الحياة، التغيرات الاجتماعية والثقافية، والضغوط المعيشية، كما أصبحت الإجراءات القانونية للطلاق أسهل وأسرع، مع وجود قوانين تنظم حقوق الطرفين والطفل. وعلى المستوى الاجتماعي رغم التطور القانوني لا تزال آثار الطلاق تحمل بعض الصعوبات خاصة على الأطفال، ولكن هناك اهتمام أكبر بحقوق المرأة والطفل مقارنة بما كانت عليه، وزادت التغيرات الاجتماعية والثقافية من تحرر المرأة وتغير دور الأسرة بظهور الأسرة النواة وزيادة التعليم وخروج المرأة للعمل، وأصبح الطلاق أكثر تقبلًا اجتماعيًا في كثير من المجتمعات وأصبح يُنظر إليه اليوم على أنه حق شخصي للأفراد إذا لم يكن الزواج ناجحًا. إضافة إلى التطور الاقتصادي كذلك الذي أسهم في الاستقلال المادي للمرأة وتغير نمط الحياة، فأصبحت النساء أكثر استقلالية اقتصاديًا وتعليميًا، مما أسهم في قدرتهن على اتخاذ قرار الطلاق إذا استدعى الأمر. كما أن التطور التشريعي أسهم في زيادة معدلات الطلاق أين أصبحت القوانين أكثر مرونة وحيادية وحماية لحقوق المرأة والطفل مما سهّل إجراءات الطلاق، وظهرت قوانين لحماية حقوق الطرفين وخاصة حقوق الأطفال. كما كان لوسائل الإعلام تأثير كبير في نشر الوعي بحقوق المرأة وزيادة الضغط على القضايا الاجتماعية، كما أسهمت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كذلك في رفع وعي الناس حول حقوقهم وعلاقاتهم لكنها أحيانًا قد تؤدي إلى تضخيم مشكلات العلاقات الزوجية. والحد من الطلاق يتطلب إتباع نهج شامل يتضمن الجوانب الاجتماعية، الثقافية النفسية، والدينية. وهذه بعض الإجراءات التي يمكن أن تسهم في تقليل حالات الطلاق: ضرورة التوعية قبل الزواج، تقديم دورات تدريبية للمقبلين على الزواج لتعليمهم مهارات التواصل وإدارة الخلافات، توضيح توقعات الحياة الزوجية ومتطلباتها الواقعية، تعزيز الحوار والتفاهم، تشجيع الأزواج على الحوار المفتوح والصادق لحل المشكلات بدلاً من تجاهلها أو تأجيلها، استخدام الاستشارات الزوجية عند حدوث خلافات قبل تفاقمها، تعليم المهارات الأسرية، تعليم الأزواج كيفية التعامل مع ضغوط الحياة وإدارة الغضب، تعزيز مفاهيم الصبر، التسامح، والتضحية في العلاقات الزوجية، الدعم المجتمعي والأسري، تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأزواج من خلال المؤسسات المجتمعية. بالإضافة إلى دور الأهل في تقديم النصيحة البناءة دون التدخل المفرط، تفعيل دور الدين والقيم الأخلاقية، التذكير بأهمية الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية التي تحث على الحفاظ على الأسرة، تقديم التوجيه الديني من قبل مختصين في قضايا الأسرة. كما نؤكد على ضرورة معالجة الأسباب الاقتصادية، العمل على تحسين الظروف الاقتصادية للأسر لتقليل الضغوط المالية، تقديم قروض ميسرة ودعم مادي للأسر الشابة لتأسيس حياتهم الزوجية، التدخل الحكومي والقانوني، وضع قوانين تدعم الاستقرار الأسري مثل تسهيل الوصول إلى استشارات الزواج، تنظيم برامج وطنية لتعزيز الوعي بأهمية الأسرة، إشراك الإعلام والتعليم، نشر برامج توعوية عبر الإعلام لتعزيز الثقافة الأسرية، إدخال مفاهيم التربية الزوجية في المناهج الدراسية، تشجيع نماذج الزواج الناجح، وتسليط الضوء على الأزواج الذين نجحوا في بناء حياة أسرية مستقرة لتكون مصدر إلهام للآخرين. وتتوفر اليوم مؤسسات ومراكز استشارية تقدم الدعم للأزواج لحل مشكلاتهم أو للتعامل مع آثار الطلاق، وبتطبيق هذه الإجراءات بشكل متكامل، يمكن الحد من معدلات الطلاق وتعزيز الاستقرار الأسري. تعتبر ظاهرة الطلاق من الظواهر المعقدة التي تتأثر بالعديد من العوامل الاجتماعية والثقافية والقانونية، ورغم التطور الذي شهدته هذه الظاهرة، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من الدراسة والاهتمام، بهدف تقليل آثارها السلبية على الأفراد والمجتمع. الطلاق في الماضي كان خيارًا صعبًا ومرفوضًا اجتماعيًا إلى حد كبير، بينما اليوم أصبح خيارًا أكثر شيوعًا بسبب التغيرات في نظرة المجتمعات إلى العلاقات الزوجية وحقوق الأفراد. ومع ذلك، يبقى تأثير الطلاق على الأسرة والأطفال موضوعًا حساسًا يستوجب المزيد من الاهتمام والتوجيه.   سبع هوارية (أخصائية نفسانية وإستشارية أسرية – الجزائر)

الطلاق خيار اجتماعي.. كيف أثر الانفتاح الثقافي على الحياة الزوجية؟

شهد المجتمع الجزائري في العقود الأخيرة تغييرات جذرية في بنيته الاجتماعية والثقافية جراء الانفتاح على الثقافات العالمية بفضل تطور تكنولوجيات وسائل الاتصال، مما أثر بوضوح على قيمه وتمثلاته لنمط حياته وعلاقاته ولم تكـن الحيـاة الأسـرية بمنـأى عـن تلـك التغـيرات والتحـولات فمست بدورها مفهوم الزواج والطلاق ويعد ارتفاع معدلات الطلاق خاصة في سنواته الأولى في الجزائر حسب آخر الإحصائيات دليل ومؤشر واضح على تغير بنية الأسرة وقيمها. في حقيقة الأمر، إن البحث في موضوع ظاهرة الطلاق في الجزائر بين الماضي والحاضر والعوامل المتحكمة فيها وفي تطورها ومحاولة الفهم العميق لها يقتضي العمل بمرجعية معرفية متعددة المداخل وعدم الاكتفاء بزاوية تخصصية واحدة، فهناك تداخل كبير في حدوثها بين حقول عدة معرفية مثل: العلوم القانونية، علم النفس، علم الاجتماع وغيرها من الحقول مما دفعني للالتزام بالزاوية التخصصية لي وهي علم النفس وعليه من خلال هذا المقال سنقوم بتحليل هذا التحول من منظور علم النفس الاجتماعي. في العقود الماضية، كان ينظر للزواج على أنه التزام مقدس والطلاق وصمة اجتماعية من الصعب التخلص منها إذ أنه كان يُعتبر من أكثر القضايا الحساسة التي تثير جدلًا واسعًا، لأن العادات والتقاليد كانت تضع ضغوطًا كبيرة على الزوجين، وخصوصًا على المرأة للاستمرار في الحياة الزوجية مهما كانت الظروف، حفاظا على شرف العائلة ومكانتها وكانت المرأة المطلقة تُواجه نظرة اجتماعية قاسية عكس الرجل المطلق يُعامل بمرونة أكبر. وكانت قيم المجتمع التقليدية تقوم على الحفاظ على كيان الأسرة مهما كانت المشكلات، حتى لو تطلب الأمر التضحية بسعادة الأفراد، إلا أنه مع التحولات الثقافية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع الجزائري في العقود الأخيرة مثل انتشار التعليم وزيادة فرص العمل للنساء والانفتاح على ثقافات أخرى تغيرت النظرة إلى الطلاق وأصبحت أقل قسوة مما كانت عليه في الماضي، فالمرأة اليوم أكثر استقلالية، وقادرة على اتخاذ قرار الانفصال إذا شعرت بعدم استقرار العلاقة الزوجية أو تعرضها للظلم، كما أن العديد من النساء المطلقات أصبحن يُنظر إليهن على أنهن ناجحات وفاعلات في المجتمع، وهو ما يعكس تحوّلًا في القيم الاجتماعية نحو قبول الطلاق على أنه خيار مشروع للحفاظ على الكرامة والسعادة الشخصية. ارتفاع معدلات الطلاق.. أسباب ودلالات وبخصوص أهم العوامل التي ساهمت في انتشار هذه الظاهرة مؤخرا في الجزائر، خاصة في السنوات الأولى من الزواج باعتبارها فترة حرجة لا تخلو من التحديات التي قد تؤدي إلى انهيار العلاقة الزوجية نذكر: نقص النضج النفسي والعاطفي: الكثير من الشباب يدخلون القفص الذهبي دون استعداد نفسي كافٍ لتحمّل المسؤوليات الزوجية، ما يؤدي إلى سوء التعامل مع المشكلات اليومية. التوقعات غير الواقعية: يبني الشباب توقعات مثالية عن الحياة الزوجية، مستوحاة غالبًا من الإعلام أو تجارب الآخرين، وعندما تصطدم هذه التوقعات بالواقع، تبرز الخلافات. الأعباء الاقتصادية: يُعَدُّ الجانب الاقتصادي من أبرز أسباب الطلاق المبكر، حيث يُواجه الأزواج صعوبات مالية تتمثل في ارتفاع تكاليف المعيشة وضعف الدخل، ما يسبب توترًا دائمًا. غياب الحوار والتفاهم: غالبًا ما يعجز الأزواج الشباب عن تطوير مهارات الحوار وحل النزاعات بطرق بنّاءة، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. التدخل الأسري المفرط: في بعض الحالات، يؤدي تدخل الأهل في حياة الأزواج إلى تعميق الخلافات بدلًا من إيجاد حلول. تأثير وسائل التواصل الاجتماعي: الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي يخلق فجوة عاطفية بين الزوجين ويزيد من الشكوك والخلافات خاصة عند غياب الثقة. تغير أدوار المرأة: دخول المرأة بقوة إلى سوق العمل واستقلالها المالي جعلها أقل اعتمادًا على الزوج. ضعف التماسك الأسري: تراجع تأثير العائلة الممتدة وزيادة النزعة الفردية. العوامل الثقافية: الانفتاح على ثقافات تُشجّع الحرية الشخصية وتعزز حق الفرد في اختيار شريك حياته أو إنهاء العلاقة إذا فشلت. وبطبيعة الحال، للطلاق المبكر تداعيات خطيرة على الأسرة والمجتمع والأفراد. فعلى مستوى الأسرة يؤدي الطلاق المبكر إلى تفكك الأسرة في بداياتها، مما يُؤثّر سلبًا على الأبناء (إن وجدوا) وعلى علاقة الطرفين بعائلاتهم. أما على المجتمع فيُعزز انتشار الطلاق المبكر النظرة السلبية تجاه الزواج، ويزيد من تردد الشباب المقبلين على تكوين أسرة وأما على الأفراد فغالبًا ما يُسبب الطلاق المبكر صدمات نفسية للأزواج، خاصة للمرأة التي قد تواجه نظرة مجتمعية قاسية. حلول للتقليل من الظاهرة إن التعامل مع ظاهرة الطلاق خاصة الطلاق المبكر يحتاج إلى جهود مشتركة من جميع الأطراف لبناء أسر أكثر استقرارًا وبهذا الخصوص نقترح نحن المختصون في الصحة النفسية مقترحات وحلول فعالة منها: التأهيل قبل الزواج: من خلال تقديم دورات تدريبية للشباب المقبلين على الزواج تتناول أهم مفاهيم العلاقات الزوجية الناجحة وأهم إستراتيجيات تحقيق التفاهم، حل النزاعات، وتحمل المسؤولية. دعم الأزواج نفسيًا واجتماعيًا: من خلال إنشاء مراكز استشارات زوجية لمساعدة الأزواج على تجاوز الخلافات وتقديم الحلول المناسبة. تعزيز الاستقلال المادي: من خلال توفير فرص عمل ودعم مشاريع الشباب لتحسين أوضاعهم الاقتصادية. تقوية ثقافة الحوار: من خلال إدراج مهارات التواصل الفعّال وحل النزاعات ضمن المناهج التعليمية لتنشئة أجيال واعية بأهمية الحوار في العلاقات الإنسانية. الحد من تدخل العائلات: وذلك من خلال نشر الوعي حول أهمية ترك مساحة خاصة للأزواج الجدد لحل مشاكلهم بأنفسهم دون تدخل خارجي مفرط. استخدام وسائل الإعلام الإيجابية: من خلال تسليط الضوء على قصص النجاح الزوجي وتعزيز القيم الإيجابية في العلاقات الزوجية عبر مختلف الوسائط. في الختام، نقول إن ظاهرة الطلاق المبكر بين الأزواج الشباب تعكس تحديات كبيرة تواجه مؤسسة الزواج في الجزائر بالرغم من كونه خيارًا مشروعًا، فإن مسؤوليتنا الاجتماعية تفرض علينا البحث عن طرق لدعم الأزواج الشباب ومساعدتهم على بناء حياة زوجية مستقرة يتطلب التعامل مع هذه الظاهرة تكاتف الجهود بين الأفراد، العائلات، والمؤسسات المعنية لتوفير الدعم اللازم للأزواج وتعزيز القيم الأسرية الإيجابية التي تضمن استقرار العلاقة الزوجية فهل نحن مستعدون لتحمّل هذه المسؤولية؟   الدكتور وليد عبد المولى (أكاديمي وخبير اجتماعي – الجزائر)

من الطلاق المبكر إلى الطلاق الصامت.. ماهو تأثير التحولات السوسيوثقافية على استقرار الأسرة الجزائرية؟

ساهمت التحولات السوسيو ثقافية والتغيرات الاقتصادية في انتشار ظاهرة الطلاق بين الأزواج، فقد أضحت من بين المشكلات الاجتماعية التي تؤثر على استقرار النسق الاجتماعي والبناء المؤسساتي ووحدة الأسرة، خصوصا في بنية المجتمع المعاصر والذي يعتبر المجتمع الجزائري جزءا منه، إذ شهد تحولات كثيرة في تركيبته الاجتماعية للأسرة، ما وضع الأسرة المعاصرة أمام تحديات كثيرة، وحسابات ليست لها نهاية، بسبب هذه الظاهرة التي تتعدد أسبابها، وإن كانت في معظمها واحدة قديما أو حديثا تعود إلى أسباب داخلية تحدث بين الزوجين أو خارجية تحدث نتيجة تدخل أطراف خارج علاقة الزوجية أو ظروف قاهرة تشكل ضغوطا عليهما. أصل الطلاق هو الخلاف وعدم التوافق وغياب الانسجام بما يؤدي إلى استحالة استمرار هذه الرابطة الشرعية وبقاء الزوجين تحت سقف واحد، بسبب عجز أو قصور أحد الزوجين عن الاستمرار في أداء واجبه الأسري، وضمان حقوق الطرف الآخر تجاهه وهي كثيرة مثل عدم القدرة على تحمل المسؤولية، الرغبة في التعدد، الكراهية، التسلط، عدم التوفيق في اختيار الشريك المناسب، العقم، المرض، الخيانة الزوجية، أو بسبب تدخل أحد أفراد العائلة من الطرفين ليفسد العلاقة واستمرار الرابط الاجتماعي بين الأسرتين. وكذلك بسبب الوضع الاقتصادي والمالي وتأثيره على استمرار الأسرة، وخروج المرأة للعمل، فهذه العوامل هي أهم مسببات الطلاق. ولو تتبعنا مسار ظاهرة الطلاق في المجتمع الجزائري فهي في انتشار رهيب ونحن نشهد ارتفاعا في حالات الطلاق يوميا خصوصا ببروز الطلاق المبكر بين الأزواج حديثي العهد بالزواج، ولو رجعنا إلى الماضي، لم نكن نشهد مثل هذا الارتفاع غير المسبوق، فقديما لم تكن المحاكم تعالج قضايا الأسرة - خصوصا الطلاق - وذلك لقلة الحالات الواقعة، ويعود ذلك إلى سلطة الضبط والضغط الاجتماعي الذي تمارسه الأعراف والتقاليد على الأسرة الجزائرية، خصوصًا السلطة الأبوية ومجالس الصلح الموجودة المعينة من طرف الأعيان وكبار العشيرة، في المجتمعات الريفية على وجه الخصوص. ويضاف إلى ذلك الوصم الاجتماعي لظاهرة الطلاق والمطلقين باعتباره يشكل وصمة عار لدى الأسرة الموجود بين أفرادها الطلاق، فيؤثر ذلك حتى على نظرة أفراد المجتمع إليها وإلى المطلقين، فهم كانوا يعتبرون الزواج رابطة اجتماعية تسهم في التماسك الاجتماعي والتضامن الاجتماعي والحفاظ على النسل وغير ذلك. خصوصا في زواج الأقارب، وإن أي خلاف يؤدي إلى الطلاق سيؤدي إلى زوال هذه الرابطة الاجتماعية وضعفها، كما لا ننسى الوازع الديني، حيث كان لمؤسسة المسجد وتعاليم ديننا الإسلامي إسهاما كبيرا بفضل التنشئة الدينية الاجتماعية التي تحث على الصبر وتحدد قواعد نجاح الأسرة المسلمة، فالطلاق في الإسلام أبغض الحلال عند الله، يستحب عدم اللجوء إليه إلا إذا نفذت طرق الصلح واستحالت العشرة لمانع شرعي وديني، كذلك عدم انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت طريقا للخيانة الزوجية وسببا في ارتفاع حالات الطلاق ونحن نشاهد الكثير منها سببه الوسائط الالكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك والإنستغرام والتيك توك.. وغيرها. كان التواصل الاجتماعي محدودا بين أفراد المجتمع في القديم وكانت الأسر تعيش حياة بسيطة هادئة غير معقدة، لكن في الحاضر تغير المفهوم القيمي للطلاق واختلفت النظرة إليه إذ فقد المعنى التقليدي له، ويعود ذلك إلى التحولات والتغيرات القيمية لهذه الظاهرة الاجتماعية والتي لم يعد ينظر إليها الكثير على أنها مشكلة اجتماعية بل هو حل اجتماعي يلجأ إليه الطرفين أو أحدهما للحصول على منافع من ورائه مثل الاستقلالية والنفقة والتعدد في الزواج، والتخلص من التبعية للزوج وغير ذلك..، ومما زاد ارتفاع حالات الطلاق بين الأزواج هو انتشار مفهوم بين الزوجين أن الرابطة الزوجية ليست عقدا أبديا لا يمكن فسخه، وأنه من حق أحد الطرفين المطالبة بالطلاق أو الخلع. إلى جانب ذلك، تراجع الدور الإصلاحي للأسرة والعائلة الكبيرة في التدخل في شؤون الزوجين فلهما حياتهما الخاصة وأسرتهما الصغيرة، كما أن الرابط الاجتماعي لم يعد له مكانة في المخيال الاجتماعي، فلم يعد لقوته ولا ضعفه أثر في التركيبة الاجتماعية للأسرة الكبيرة لأنها في تحول، إذ ظهرت الأسرة المستقلة والأسرة النواة، وغير ذلك. وضعف الوازع الديني والأخلاقي وعدم وجود توافق بين الزوجين في كثير من الأشياء. ولا ننسى دور التكنولوجيا ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي التي تدعم الحرية الفردية والاستقلالية نتيجة إفرازات العولمة فأصبح الطلاق أمرا عاديا، والوصم به فقد تأثيره على المطلقين وتغيرت النظرة الاجتماعية إليهم، فلم يعد وصمة عار وكأنه يوجد نوع من القبول الاجتماعي لظاهرة الطلاق وإن كانت طلاقا مبكرا، وحتى على مستوى الأفراد، ولا نقول الجماعات، أصبح الطلاق خيارا  شخصيا تعاقديا كما الزواج خيارا شخصيا تعاقديا وليس ضرورة اجتماعية وأن المسؤول عنه هما طرفي العقد فقط، والملاحظ تراجع حالات الزواج بين أوساط الشباب لظروف اقتصادية مثل البطالة وغلاء المعيشة، وهي أسباب ساعدت على ظهور الخلاف والطلاق لدى المتزوجين عموما، فظاهرة الطلاق قديمة – جديدة، وإن اختلفت مسمياتها، ونحن الآن نعيش أمام نوع جديد من الطلاق وهو الطلاق الصامت بين الزوجين وهو أخطر أنواع الطلاق، فلا يمكن به الاستمرار رغم أنه إحدى الحلول الاستباقية للطلاق المعلن بين الزوجين.   الدكتورة رقية بامون (خبيرة نفسية ومستشارة في العلاقات الزوجية – الجزائر)

نحو مجتمع أكثر استقرارًا.. دور التربية والتوجيه في بناء علاقات زوجية صحية

الطلاق هو فك رباط لميثاق غليظ أي حالة انفصال بين الزوج والزوجة بعد مدة زمنية من الزواج الذي ربط بينهما منذ لحظة عقد القران، ليجمعهما بيت واحد وأهداف وغايات واحدة يسعيان لتحقيقها تحت إطار هذا الرباط إلى أن يقطع الأخير بالطلاق. والطلاق كما هو معروف منذ الأزل هو تدمير للرباط المقدس القائم بين الطرفين ومفكك للأسرة المترابطة ومضيع للأبناء، فهو من المشاكل الكبيرة المهددة للمجتمع وللأمان النفسي للطفل والفرد عموما، حيث تتفاقم المشاكل ويظهر الحقد والكره فتستحيل الحياة في ظل هذا وذاك ما يؤثر سلبا على كل الأفراد بدء بالأطفال الذين يضيعون بين الأب والأم ما يؤدي إلى اضطرابات نفسية قد يعانون منها؛ تظهر في انخفاض مستواهم الدراسي، في علاقاتهم بأقرانهم، تدميرهم لذواتهم بالولوج إلى عالم الانحراف والمخدرات. إلخ، وهو ما ينعكس سلبا على صورتهم في المجتمع وعلى مستقبلهم، كما أن الزوجة تعيش ضغوطا جراء رؤيتها بصورة سيئة من المحيط كون الطلاق وصمة عار عند الغالبية، ويقع الأثر النفسي على الزوج خاصة عند تحمل مسؤولية الأطفال وحضانتهم والإنفاق عليهم ويقع عليه أكثر فأكثر حينما يرتبط مرة أخرى وينجب أطفالا آخرين. ولا يزال المجتمع الجزائري يعاني مثل غيره من المجتمعات الأخرى من مشكلة الطلاق باختلاف مدة زواج أصحابها، وهذا أسباب عدة حسب الدراسات النفسية والاجتماعية أبرزها: العنف الأسري، عدم تحمل الزوج للمسؤولية، إهمال الزوجة، تدخل الأهل... إلخ. لكن كان الانفصال الحل الأخير الذي يأتي بعد محاولات عدة وبعد التوصية بالصبر وربما بعد صراعات طويلة وأمراض جسدية نتيجة ما سبق وبعد تعب أهل الزوجين سعيا للحفاظ على زواجهما، ثم يلجأ الطرفين إلى الطلاق. غير أن التطور التكنولوجي المتسارع سرعة الأيام وتغير القيم والظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي عرفها العالم مؤخرا والتي أثرت على المجتمع الجزائري ما أدخل معايير جديدة للعلاقة، بدأنا نلاحظ ظاهرة جديدة وبقوة وبنسب تتزايد كل سنة ألا وهي ظاهرة الطلاق المبكر بين الشباب، وهو الذي يحدث في أول خمس سنوات من الزواج، ويتجلى في كل طبقات المجتمع دون استثناء. ومن منطلق دراسات الباحثين في الجانب النفسي والاجتماعي نرجع إلى التطورات الحاصلة على مستوى جميع الأصعدة السالفة الذكر جعلت المفاهيم والغايات تتغير لدى المرأة والرجل والتي هي من بين أهم أسباب هذه الظاهرة، حيث أن اهتمام المرأة كثيرا بالتعلم ودخولها عالم الشغل وتمكنها من مناصب مرموقة جعل مجال إدراكها وفهمها لواقعها ونفسها يتسع أكثر لتصبح أكثر استقلالية وأكثر حرية وأكثر تفكيرا في المساواة والتطلع لوضع اقتصادي ومعيشي أفضل، ومع تزايد فكر النسوية تم تعزيز كل هذا لدى المرأة ما جعل دورها يتغير، فتتعامل مع الرجل "الند بالند"، فتظهر استغناءها واستقلاليتها المادية عنه والاكتفاء بذاتها، وهو عكس ما يتناغم مع التكوين النفسي للرجل ما ينتج لنا مشاكل في التواصل والحوار وحل النزاعات. ومع تأزم ظاهرة الطلاق المبكر بين الشباب لتصل إلى طلاق خلال أشهر فقط أو أسبوع من الزواج أو أقل حسب الإحصائيات والتي بلغت 240 حالة طلاق يوميًا في سنة 2024، نتحدث هنا عن خلل في التكوين النفسي والنضوج العقلي وكمال الشخصية من عدمها لدى الطرفين بالعودة إلى تنشئتهما، حيث إن الأسرة الجزائرية تكاد لا تنمي لدى ابنها إلا السعي لكسب المال وأفكار السيطرة والتحكم من أجل إخضاع الزوجة التي تشبعت بالصفات المذكورة سابقا، أما ابنتها فتوصيها بتعلم أساسيات الطبخ والجمال والسعي وراء الموضة والزواج دون أن يفهم كلاهما ما معنى هذا الأخير وما غايته، حيث أنه لبنة وميثاق غليظ يحتاج إلى النضج العقلي وسلامة التكوين النفسي، بالإضافة إلى وجوب تمتع كل منهما بالأخلاق، الاحترام، التقدير، الصبر، الفهم، التفهم، التسامح والتضحية، كما ويجب لهما التحلي بروح المسؤولية ومهارات التواصل والحوار والأدب، وكذا تعزيز المفهوم الديني والاجتماعي للزواج. إذن فإن غياب دور الأسرة والوالدين والمجتمع في تنشئة جيل يعي جيدا معنى هذه العلاقة الزوجية تعطي لنا أفرادا ينهلون من مواقع التواصل الاجتماعي ومن المؤثرين قيم ومبادئ وأساسيات خاطئة للحياة ما ينتج لنا امرأة ورجل يعانون من هشاشة نفسية وقدرات عقلية محدودة تجعلهم ينفجرون من أول مشكل يواجههم، كذلك جعلهم المثالية الموجودة في العالم الافتراضي محكا لحياتهم يجعل التكامل والتوافق النفسي بينهما مستحيلا، وينسلخون من الأمور المعنوية إلى الأمور المادية البحتة فلا تجد المودة والرحمة سبيلا إلى ميثاقهما الغليظ، بالإضافة إلى استعراض هؤلاء المؤثرين لقصص طلاقهم بصورة تهين الموضوع بعدما كانت المسلسلات ذات الثقافة الغربية هي الطاغية والمسبب الأول للطلاق في أوساط الشباب المتزوجين حديثا. دون أن ننسى الإشارة إلى زواج المراهقين الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد، حيث يتعاملون مع الزواج على أنه تجربة تعليمية غير واعية وليس مشروعا مقدسا ذا مغزى ديني، نفسي واجتماعي، كما ويتم تزويج بعض البطالين المنحرفين ظنا منهم أن الزواج مصحة علاجية ومؤسسة إصلاحية في حين أنه غير ذلك تماما، وهذا من الأخطاء الشائعة في أوساط الأسر الجزائرية. وفي الختام، نشير إلى أهم ما يجب القيام به لتكوين شباب وشابات بالغين وناضجين للوقاية من انتشار الطلاق المبكر لدى الشباب، حيث نؤكد على ضرورة تعليم الأبناء وتثقيفهم منذ الصغر على أن العلم سلاح ذو حدين، فيجب الاستفادة منه لما ينفع الزواج لا لما يضره، تنشئة الطرفين منذ الصغر على الذكاء العاطفي ليتعلموا حل المشاكل وكيفية التعامل مع الصراعات بالإضافة إلى تعليمهم فن الحوار وأنماط الاتصال ليتواصلا على أساس أنهما فردان يكمل أحدهما الآخر، ويحتاجان لبعضهما لا غير. كما لا ننسى تنمية الوازع الديني داخل كل منهما حتى يعرفا معنى المودة والرحمة والميثاق الغليظ، أيضا تعزيز أواصر المحبة والرحمة والحوار بين الوالدين وكل أفراد الأسرة الصغيرة أو الكبيرة حتى ينشأ الزوجين على نماذج تساعد على بناء علاقات زوجية صحية في المستقبل كون الأسرة صلاحها من صلاح المجتمع وهي من لبناته، فعلى المجتمع أن يسخر كل مؤسساته للتوعية والتثقيف النفسي والصحي حتى يقتدي الزوجان بالواقع وليس بالمواقع وكذا يوفر مختصين نفسانيين واجتماعيين لحل المشاكل تفاديا للطلاق وتبعاته.   مصطفى مصباح مستشار تربوي وأسري

الطلاق.. تحرر من الزيجات غير السعيدة أم تراجع في القيم الاجتماعية والدينية؟

أفاد الأستاذ مصطفى مصباح المستشار التربوي والأسري، أن المجتمع الجزائري شهد في العقود الأخيرة تحولات اجتماعية وثقافية عميقة أثرت على نظرة الناس لمؤسسة الزواج وللأسرة بشكل عام، حيث كان الطلاق في الماضي ظاهرة نادرة ترتبط بالخجل الاجتماعي وتعتبر إخفاقًا جماعيًا، أما اليوم فقد أصبح أكثر انتشارًا وأقل وصمة، خصوصًا مع ارتفاع معدلات الطلاق المبكر بين الأزواج الشباب، وتساءل المتحدث هل يعكس هذا التغيير تحولًا إيجابيًا نحو التحرر من الزيجات غير السعيدة، أم أنه دليل على تراجع الالتزام بالقيم الاجتماعية والدينية؟ الصبر والمحافظة على الأسرة أبرز مصطفى مصباح في تصريح لـ"الأيام نيوز" أن الأسرة الجزائرية كانت في الزمن الماضي، تعيش في إطار ثقافي واجتماعي يقدّس مؤسسة الزواج ويعتبرها رابطًا أبديًا يجب حمايته مهما كانت التحديات، مشيرا إلى أن الطلاق كان نادرًا، وعندما يحدث، يُعتبر وصمة عار تلحق بكل أفراد الأسرة، حيث كان تدخل الأقارب والأصدقاء شائعًا لحل الخلافات الزوجية، استنادًا إلى القيم الدينية والاجتماعية التي تشجع على الصبر والإصلاح. وفي السياق ذاته، أشار المستشار التربوي والأسري، إلى إن الأسرة الممتدة كان لها دور مهم في التوفيق بين الزوجين، استنادًا إلى التقاليد والقيم الإسلامية، مثل قوله تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا"، (النساء: 35)، وحسبه فإن هذا الدور أسهم في تخفيف حدة النزاعات ومنع انهيار الأسرة، كما أن القيم الدينية كانت تشجع على التحلي بالصبر ومواجهة الصعوبات، مستوحاة من الحديث النبوي: "لا يفرك مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خلقًا رضي منها آخر" (رواه مسلم)، وهذا يعني أن التسامح كان أساس العلاقة الزوجية. ومع التغيرات الاقتصادية والثقافية، يرى مصطفى مصباح، أن النظرة إلى الطلاق أصبحت أكثر انفتاحًا، حيث ظهرت عوامل جديدة تؤثر على الزواج، مثل الاستقلال الاقتصادي للمرأة، وتغير أدوار الجنسين، وارتفاع سقف التوقعات من العلاقة الزوجية، كما أن المرأة أصبحت أكثر تعليمًا واستقلالية، مما أتاح لها فرصة اتخاذ قرارات مصيرية، بما في ذلك الطلاق. إلى جانب ذلك، أوضح المستشار التربوي والأسري، أن قوانين الأسرة المعدلة، مثل قانون 2005، قد ساعدت على تيسير إجراءات الطلاق، ما شجع البعض على اللجوء إليه، وساهمت وسائل الإعلام في تطبيع فكرة الطلاق، مما جعله يبدو حلًا مقبولًا للخلافات الزوجية. وبخصوص نظرة المجتمع إلى الطلاق، أفاد مصطفى مصباح أن الطلاق أصبح في الحاضر، خيارًا عاديًا للكثيرين، خاصة مع تزايد الوعي بحقوق الفرد، سواء كان الرجل أو المرأة، ومع ذلك، ما زال هناك تفاوت في القبول الاجتماعي حسب المناطق، حيث تظل المناطق الريفية أقل تقبلًا لهذه الظاهرة مقارنة بالمناطق الحضرية. وفي هذا الإطار، روى المستشار التربوي والأسري، قصصا عن الطلاق وعواقبه: القصة الأولى: زواج سريع ونهاية أسرع زوجان في أوائل العشرينات، دخلا القفص الذهبي، بعد الزواج، اكتشف الطرفان اختلافات جوهرية في طريقة التفكير وأسلوب الحياة وعدم القدرة على التفاهم وغياب الخبرة في إدارة المشاكل أدى إلى طلاقهما بعد ستة أشهر فقط، والنتيجة كانت صدمة كبيرة لعائلتيهما، خصوصًا مع التكلفة العالية التي تكبدتها الأسرة لتنظيم حفل الزفاف. القصة الثانية: تدخل الأهل وانهيار الزواج امرأة متعلمة تعمل معلمة، تزوجت من شاب، الشاب طموح لكنه عاطل عن العمل. بسبب تدخل والدة ياسر المستمر في حياتهما، تصاعدت الخلافات، وانتهى الزواج بعد عامين. حنان تقول: "الطلاق كان أقل ألمًا من العيش في علاقة تتآكل فيها كرامتي". أما ياسر فقد فقد ثقته في العلاقات بسبب هذه التجربة. القصة الثالثة: تأثير الطلاق على الأطفال طفل في السادسة من عمره، أصبح ضحية لخلافات والديه المتكررة التي انتهت بالطلاق. يعيش الآن مع والدته التي تعمل لساعات طويلة، ويعاني من مشكلات نفسية تتجلى في سلوكه العدواني في المدرسة. إلى جانب ذلك، عرج مصطفى مصباح إلى الأمثال العربية ودلالاتها عن الطلاق، حيث يشير المثل القائل: "اللي ما يقدر يصبر على المر، يعيش على الأمرّ منه"، إلى أن الصبر في العلاقة الزوجية قد يكون أهون من مواجهة تبعات الطلاق. كما أن المثل القائل: "كل طلاق وراءه عشرة أسباب" يُظهر أن الطلاق غالبًا ما يكون نتيجة تراكم مشاكل عديدة، وليس بسبب مشكلة واحدة فقط. والمثل القائل: "القلب إذا ما رضى، العقل ما ينفع"، يوضح أن العاطفة تلعب دورًا كبيرًا في الزواج، وأن غياب الحب قد يجعل الاستمرار مستحيلًا، ويؤكد المثل القائل: "الطلاق هدم بيت العمر"، على الأثر الكبير الذي يتركه الطلاق على الزوجين وأسرتهما، وأنه ليس قرارًا بسيطًا. الحلول العملية للحد من الطلاق المبكر، دعا المستشار التربوي والأسري، إلى التثقيف قبل الزواج، والتأهيل المسبق من خلال تنظيم دورات توعوية للمقبلين على الزواج لتعليمهم كيفية إدارة العلاقة الزوجية وحل النزاعات، إلى جانب إبراز القيم الدينية عبر التذكير بالمبادئ الإسلامية مثل المودة والرحمة، استنادًا إلى قوله تعالى: "وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" (الروم: 21). وأكد مصطفى مصباح على أهمية تعزيز دور الأسرة والمجتمع، من خلال إحياء دور الوساطة عبر تشجيع العائلات على تقديم دعم بناء بدلًا من التدخل السلبي، بالإضافة إلى دور المجتمع المحلي، وذلك بإنشاء لجان إصلاح محلية لحل النزاعات الزوجية. كما أبرز المتحدث دور الإرشاد النفسي والاجتماعي، من خلال مراكز استشارات زوجية توفر خدمات استشارية للمتزوجين حديثًا لمساعدتهم على تجاوز الأزمات، بالإضافة إلى الدعم النفسي عبر تقديم برامج علاجية لمن يعانون من آثار الطلاق. ودعا المستشار التربوي والأسري إلى ضرورة تحسين الوضع الاقتصادي من خلال دعم الشباب عبر توفير فرص عمل للشباب لتخفيف الأعباء الاقتصادية التي تؤثر على استقرار الزواج، وتسهيلات السكن، بتقديم منح أو قروض ميسرة للأزواج الشباب. وفي السياق ذاته، شدد مصطفى مصباح على أهمية تعزيز القيم الدينية، من خلال التوعية بأهمية التسامح والاحترام المتبادل، مستوحاة من الحديث الشريف: "خيركم خيركم لأهله" (رواه الترمذي)، حيث يعزز هذا الحديث أهمية معاملة الشريك بحب ومودة. وفي ختام حديثه لـ"الأيام نيوز" أوضح المستشار التربوي والأسري، مصطفى مصباح أن ارتفاع معدلات الطلاق المبكر في الجزائر هو مؤشر على التغيرات الثقافية والاجتماعية العميقة التي يشهدها المجتمع، مشيرا إلى أنه رغم أن الطلاق قد يكون حلًا ضروريًا في بعض الحالات، فإن الوقاية من هذه الظاهرة تتطلب تضافر جهود المجتمع بأسره، من خلال التثقيف، تعزيز القيم الدينية والاجتماعية، وتحسين الظروف الاقتصادية، لبناء أسر أكثر استقرارًا، والحفاظ على مؤسسة الزواج بصفته ركيزة أساسية للمجتمع.   أخصائية نفسية ومستشارة أسرية – الجزائر

الطلاق.. جرح عميق في جسد الأسرة والمجتمع!

عرّفت الأستاذة سمية قصير الأخصائية النفسية والمستشارة الأسرية، الطلاق بأنه هو ذاك الفصل المؤلم في حياة الزوجين وذلك الكسر الذي يصيب بنيان الأسرة، وحسبها فإن الطلاق كان في الماضي بمثابة وصمة عار على جبين المرأة المطلقة لا تغيب عنه نظرات المجتمع المتحفظة وأحكامه القاسية، أما اليوم فقد أصبح الطلاق ظاهرة عادية يعكس تغير القيم والمعتقدات في مجتمعنا ويضع على الطاولة تساؤلات ملحة حول أسبابه وآثاره وسبل الوقاية منه. وأفادت سمية قصير في تصريح لـ"الأيام نيوز"، أن المرأة كانت في الماضي تمثل نموذجا للقيم والأخلاق العالية تتقبل قرارات زوجها باعتبارها مسلمات طاهرات وترى فيه حصنا واقيا يحميها من عواصف الحياة، أما اليوم فقد تغيرت تلك الصورة، حيث ترى بعض النسوة في الطلاق حلا يخلصهن من قيود يرونها كبحا لحريتهن. وفي ذات السياق، ترى الأخصائية النفسية والمستشارة الأسرية أن هذا التحول مرتبط بتغيرات في طريقة التربية وفي مواقف العائلات التي أصبحت تدفع بأبنائها أحيانا نحو الانفصال بحجة الحماية "واش جاز عليا ما يجوزش عليك"، وهي عبارة شائعة في الأوساط العائلية تعكس صدمات الماضي التي عاشها  الأولياء حيث يسقطون تجاربهم السلبية على قرارات أبنائهم فيدفعونهم أحيانا إلى الطلاق كنوع من أنواع الانتقام الرمزي من ذكرياتهم المؤلمة، إذ نجدهم – تضيف سمية قصير - عانو كثيرًا في حياتهم الزوجية من مشاكل وسوء المعاملة وبسبب تلك الصدمات تغيرت نظرتهم للطلاق وتغيرت قيمهم ومعتقداتهم وأصبحوا ينظرون إليها على أنها حل للخلافات والنزاعات الزوجية . من جهة أخرى، تعتقد سمية قصير أن اللوم يلقى على الأبناء أيضا الذين تغيرت قيمهم وتربيتهم فقد أفرزت التربية الخاطئة رجالا ونساء غير قادرين على تحمل المسؤولية، يعتمدون على أسرهم الكبيرة لتلبية احتياجاتهم، وأنجبت رجلًا اتكاليا غير مسؤول ونساء غير ناضجات، أسهمت بدورها في تفاقم حالات الطلاق، ذلك الرجل الذي كان بالأمس محاطًا بعائلة كبيرة توفر له كافة الاحتياجات يجد نفسه اليوم مسؤولا عن أسرة جديدة تتطلب منه عطاءً أكبر ما يولّد خلافات تحت وطأة الضغوط الاقتصادية ما يؤدي – حسب المتحدثة ذاتها - إلى تصادم مع الزوجة التي تتوقع منه دورا أكبر في الأسرة الصغيرة هذا الضغط يؤدي إلى نزاعات لا تنتهي في كثير من الأحيان إلا بالطلاق. إلى جانب ذلك، أضافت الأخصائية النفسية والمستشارة الأسرية أن التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي قد لعبت دورا محوريا في تفاقم ظاهرة الطلاق في المجتمع، فالزوجة التي تتصفح يوميًا مواقع التواصل الاجتماعي تقع في فخ المقارنة بين حياتها وحياة مثالية تراها على شاشة هاتفها، وفي بعض الأحيان تتطور الأمور إلى علاقات افتراضية تشبع حاجياتها العاطفية أو المادية، ما يخلق فجوة بينها وبين زوجها ولا يعفى الرجل أيضا من التأثر حيث يسقط مقارنات غير واقعية بين جمال النساء الفاتنات في المواقع الافتراضية وزوجته التي يشمئز منها قلبه ما يعمق الفجوة ويؤدي إلى تزايد الخلافات. وفي هذا الصدد، قالت سمية قصير إن الأمثلة الواقعية تبرز حجم هذه المعضلة، حيث تروي عن امرأة مطلقة عاشرت زوجها أربع سنوات كيف كانت الإغراءات الافتراضية وكلمات الغرباء المعسولة سببا رئيسيا في انحراف مسار حياتها الزوجية، وقد ساهمت العائلة في دعم قرارها في الانفصال كانوا يرون في ذلك حماية لها لكنها الآن تندم على حرية مزيفة دفعتها إلى مواجهة ذئاب بشرية في الشارع. وفي السياق، أبرزت الأخصائية النفسية والمستشارة الأسرية أن الطلاق لا يعد مشكلة الزوجين فقط بل يلقي بظلاله الثقيلة على الأطفال الذين يصبحون الضحايا الحقيقيين لهذا الانفصال هؤلاء الأطفال يحرمون من حنان الأم واحتواء الأب يدفعهم لتلقي اضطرابات نفسية وعقلية تعيق تطورهم. وشددت المتحدثة ذاتها على أن الوقاية خير من ألف علاج، وحسبها فإن هذه قاعدة ذهبية تطبق على العلاقات الزوجية، إلى جانب الحوار الصادق بين الزوجين، فهو المفتاح للحفاظ على استقرار العلاقة إذ يفتح نوافذ التفاهم ويغلق أبواب التدخل الخارجي، وبعبارة أخرى نصائح الدخلاء على غرار التعبير عن المشاعر سواء كانت إيجابية أو سلبية يساعد على بناء جسور التواصل ويعزز من الترابط بين الزوجين الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي التي تعد وقودا للفتنة وبيئة مثالية لزعزعة الوضع النفسي أين يمثل خطوة مهمة نحو استعادة الانسجام، تؤكد الأخصائية النفسية والمستشارة الأسرية. وفي ختام حديثها لـ"الأيام نيوز" شددت سمية قصير على أهمية اللجوء إلى الاستشارة النفسية عند ظهور الأزمات، حيث يسهم المختص النفسي في علاج الصدمات ومساعدتهم على التحاور بينهما في العلاج الزواجي وبناء بيئة صحية للزوجين، وهذا التوجه لا يقتصر فقط على حل المشكلات بل يعزز أيضًا من استقرار الأسرة ما ينعكس إيجابا على الأطفال الذين يمثلون المستقبل. واعتبرت الأخصائية النفسية والمستشارة الأسرية أن الطلاق ليس حلا بل هو جرح عميق في جسد الأسرة والمجتمع، وأن الوقاية منه تبدأ بتعزيز القيم الأصيلة وتنمية ثقافة الحوار وتوفير بيئة أسرية قائمة على الحب والتفاهم، فالحفاظ على قفص الزوجية الذي جمعهما الله فيه لا يتطلب سوى إرادة مشتركة وصبرا يثمر حياة مليئة بالسكينة والطمأنينة.   الدكتور ناجح مخلوف(أستاذ علم الاجتماع بجامعة المسيلة – الجزائر)

انعكاس التحولات الاجتماعية والثقافية للمجتمع الجزائري على مفهوم الطلاق

شهد المجتمع الجزائري خلال العقود الأخيرة تحولات عميقة في بنيته الاجتماعية والثقافية، أثرت بشكل مباشر على مفاهيم الزواج والطلاق، فبينما كان الطلاق في الماضي يُعتبر وصمة اجتماعية، أصبح اليوم أكثر قبولًا وأكثر انتشارا، خاصة بين الأجيال الجديدة. ومع ذلك، فإن ارتفاع معدلات الطلاق، لا سيما بين الأزواج الشباب أو ما يعرف بالزيجات الحديثة، يثير تساؤلات حول العوامل والأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة وتحول على مستوى النسق القيمي الاجتماعية المتعلقة بها.  واقع اجتماعي مغاير الواقع وما نشهده في العقود الأخيرة تغيّرات جذرية على صعيد البنية الاجتماعية والثقافية، مما انعكس على مؤسسة الأسرة وتحديدًا في مفهوم الزواج والطلاق. ففي الماضي، كان الطلاق يعتبر حدثًا استثنائيًا يواجه رفضًا كبيرًا من المجتمع، ولكنه اليوم بات أكثر انتشارًا وأقل وصمة اجتماعية، خاصة لدى الجيل الجديد. ومع هذا التحوّل، تتزايد معدلات الطلاق بصورة ملحوظة، خصوصًا بين الأزواج الشباب، مما يثير تساؤلات حول الأسباب الجوهرية لهذه الظاهرة، وكيف تأثرت القيم الاجتماعية المرتبطة بالأسرة. في الماضي، كان الطلاق في الجزائر يُعتبر حدثًا استثنائيًا ومرفوضًا اجتماعيًا. ارتبطت العلاقات الزوجية بمنظومة قيم مجتمعية صارمة تُعزّز استمرارية الزواج مهما كانت الظروف، فالأسرة الممتدة كان لها الدور الحاسم في تقديم الدعم وحل النزاعات بين الأزواج، مما جعل فكرة الطلاق تبدو خيارًا أخيرًا نادرًا، حتى أن المرأة المطلقة كانت تواجه نظرة مجتمعية قاسية، تُحمّلها المسؤولية عن فشل الزواج وتُحدّ من فرصها في إعادة بناء حياتها. تحول القيم والمواقف المجتمعية ومع تطوّر المجتمع الجزائري وظهور قيم جديدة، أصبح الطلاق اليوم أكثر انتشارًا وقبولًا، بالنظر إلى التغيرات الثقافية، الاقتصادية، وحتى التقنية، التي ساهمت في إعادة تشكيل التصورات المجتمعية حول الطلاق، كما أن انتشار التعليم وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل أدّيا إلى تعزيز استقلالها، مما منحها قوة أكبر لاتخاذ قرارات مصيرية مثل الطلاق خاصة عند ظهور ما يسمى بالظاهرة النسوية، كذلك التكنولوجيا ووسائل الاتصال الاجتماعية ساهمت أيضًا في خلق توقعات جديدة حول الزواج، وفي بعض الأحيان، تعقيد العلاقات الزوجية. وتُظهر الإحصائيات أن حالات الطلاق، خصوصًا بين الأزواج الشباب، في ارتفاع ملحوظ، حيث تعود الأسباب إلى ضغوط اقتصادية، قلة الاستعداد النفسي للزواج، وتحديات التواصل بين الأزواج. هذا التحول الاجتماعي يدعو إلى دراسة متأنية لفهم دوافع هذه الظاهرة وأثرها على استقرار الأسرة. ومن منظور سوسيولوجي، يمكن تفسير ظاهرة الطلاق المبكر من خلال: نقص النضج النفسي والاجتماعي: فالعديد من الأزواج الشباب يدخلون مؤسسة الزواج دون نضج نفسي كافٍ أو فهم عميق للمسؤوليات الزوجية، وهذا يؤدي إلى تصادم التوقعات مع الواقع، مما يعجّل بظهور الخلافات واتخاذ قرارات متسرعة خاصة قرار الطلاق. ضغوط اقتصادية مبكرة: في بداية حياتهم الزوجية، يواجه الشباب تحديات اقتصادية كبيرة مثل توفير السكن وتلبية الاحتياجات الأساسية، هذه الضغوط قد تؤدي إلى توترات داخل العلاقة، خاصة إذا غابت وسائل الدعم الأسري أو الاجتماعي. التوقعات غير الواقعية: الثقافة الحديثة، المدفوعة بوسائل الإعلام والتكنولوجيا، ساهمت في بناء توقعات مثالية عن الزواج، عند مواجهة التحديات الواقعية، يشعر الأزواج بالإحباط ويعتبرون الطلاق حلًا سهلًا، وهذا ما يعبر عنه برفع مستوى التوقع. غياب الدعم الأسري والمجتمعي: في الماضي، كانت الأسرة الممتدة توفر دعمًا كبيرًا للأزواج الجدد، أما اليوم، مع تقلص دور الأسرة الممتدة، يشعر الأزواج بالعزلة ويواجهون صعوبة في التغلب على مشكلاتهم بالإضافة الى ارتفاع معدلات الفردانية التي فرضتها التوجهات الرأسمالية، ومنه نطرح السؤال حول العلاقة بين الرأسمالية المتوحشة وظاهرة الطلاق في المجتمع، فكيف يمكننا قراءة العلاقة بين الرأسمالية المتوحشة والتوجهات المادية وظاهرة الطلاق؟ تأثير الرأسمالية المتوحشة على القيم الاجتماعية: الرأسمالية المتوحشة تُشجع الفردية والتوجهات المادية على حساب العلاقات الإنسانية والمعاني العاطفية. في هذا السياق، أصبحت العلاقات الزوجية عرضة لضغوط اقتصادية مكثفة تتعلق بتحقيق الاستقرار المالي والاستهلاكي، فالطموحات الاقتصادية الكبيرة والضغوط للعيش بأسلوب حياة يتسم بالرفاهية أدت إلى نشوء صراعات داخل الأسرة، حيث بات الأزواج يقيّمون نجاح الزواج بمعايير مادية بدلاً من التركيز على الشراكة العاطفية. انعكاسات التوجهات المادية: مع زيادة النزعة الاستهلاكية، تُضعف القيم الإنسانية مثل التضحية والتسامح داخل العلاقات الزوجية. الكثير من الأزواج يجدون صعوبة في التعامل مع الضغوط المالية، مما يؤدي إلى تفكك الروابط الزوجية، خاصة عندما تتعارض هذه الضغوط مع توقعاتهم المادية. العولمة ومجتمع المخاطر أشار عالم الاجتماع الألماني، أولريش بيك إلى عنصر المخاطرة باعتباره واحد من أهم مخرجات العولمة والتقدم التكنولوجي، إلا أن إشكالات جديدة تطرح تحديات مركبة على الأفراد بل مجتمعات بأكملها غدت الآن مضطرة إلى أن تسلك طرق وعرة، ومن جملة التغيرات: التقلب في أنماط العمالة والاستخدام، تزايد الإحساس بانعدام الأمن الوظيفي، وانحصار أثر العادات والتقاليد على الهوية الشخصية، وتآكل أنماط العائلة التقليدية وشيوع التحرر والديمقراطية في العلاقات الشخصية، إنه فعلا مجتمع الخوف والاضطراب: فأي قراءة سوسيولوجية للطلاق من هذا المنظور؟ . مجتمع الخوف واللايقين: يعيش العالم اليوم في عصر يُعرف بمصطلحات مثل "مجتمع الخوف" أو "مجتمع اللايقين"، حيث تسود حالة من عدم الاستقرار على مختلف الأصعدة الاقتصادية، الاجتماعية، والنفسية. هذا السياق يؤثر بشكل مباشر على العلاقات الزوجية، إذ يُنتج شعورًا دائمًا بالقلق والخوف من المستقبل، مما يزيد من احتمالية اتخاذ قرارات متسرعة مثل الطلاق. تأثير اللايقين على الزواج: حالة اللايقين تجعل الأزواج أقل استعدادًا لتحمل الضغوط طويلة الأمد أو حل النزاعات الزوجية بطرق بناءة. الخوف من المستقبل الاقتصادي أو الاجتماعي يُضاعف التوترات داخل الأسرة، بالإضافة إلى ذلك، التحولات السريعة في أنماط الحياة، بما في ذلك العمل، السكن، والعلاقات الاجتماعية، تجعل الأزواج يشعرون بعبء إضافي يصعب تحمله. ومن منظور سوسيولوجي، يُعبر الطلاق في هذه الحالة عن محاولة للتكيّف مع ضغوط مجتمع يُهيمن عليه القلق والاضطراب. الأفراد يفضلون إنهاء العلاقة الزوجية بدلًا من الاستمرار في ظروف يرونها غير مستقرة أو غير مضمونة، الطلاق هنا يُصبح مخرجًا من وضعية يشعر فيها الأزواج بانعدام الأمان واليقين، أما المقترحات والحلول للحد من ظاهرة الطلاق المبكر، نؤكد على ضرورة: تعزيز التوعية قبل الزواج: من خلال تقديم برامج تدريبية وتثقيفية للأزواج الشباب تركز على تطوير مهارات التواصل، إدارة التوقعات، وحل النزاعات. دعم الأزواج الجدد: إنشاء مراكز استشارية تقدم الدعم النفسي والاجتماعي للأزواج الجدد، وتوفير برامج إرشادية تسهم في تجاوز التحديات المبكرة للزواج. (مثلا دعم ريادة الاعمال الاجتماعية مثل مشاريع مدعمة ومراكز استشارية). تحسين الظروف الاقتصادية: تقديم دعم حكومي لتحسين فرص العمل والسكن للأزواج الشباب، مما يخفف من الضغوط الاقتصادية التي تواجههم. اعتماد الوسيط الاجتماعي: بدلًا من الوسيط القضائي في ملفات الطلاق، يمكن أن يكون الوسيط الاجتماعي خيارًا أكثر فعالية. يتميز الوسيط الاجتماعي بقدرته على فهم الأسباب الحقيقية للنزاعات الزوجية من منظور اجتماعي ونفسي، بالإضافة إلى امتلاكه مهارات اتصال تُساعد في تقريب وجهات النظر وإعادة بناء العلاقة، ووجود وحدات اجتماعية متخصصة داخل المحاكم يُمكن أن يسهم في تقليل حالات الطلاق وإيجاد حلول توافقية بين الأزواج. توعية مجتمعية: إطلاق حملات إعلامية ومجتمعية من المجتمع المدني والوزارات ذات الصلة (التضامن الاسرة وقضايا المرأة، الشؤون الدينية، الثقافة) تهدف إلى تغيير الصور النمطية عن الزواج والطلاق، وتعزيز قيم التسامح والحوار بين الأزواج. في الأخير، يمكن القول أن الطلاق في الجزائر لا يمكن تحليله بمعزل عن السياقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعيشها المجتمع، فبين تأثيرات الرأسمالية المتوحشة التي تُعزز المادية على حساب القيم الإنسانية، ومخرجات العولمة والتطور التكنولوجي وظهور مجتمع الخوف الذي يُغذي اللايقين والاضطراب، تتكشف ظاهرة الطلاق كمرآة للتحولات العميقة التي تشهدها الأسرة الجزائرية، ولمعالجة هذه الظاهرة، لابد من التركيز على تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ونشر قيم الحوار والتفاهم داخل العلاقات الزوجية، والاعتماد على الأبحاث العلمية بالجامعات والمراكز البحثية المتخصصة.   محامية وناشطة حقوقية – الجزائر

من خلال ارتفاع معدلات الطلاق في المحاكم.. الأسرة الجزائرية تأثرت بالتحولات الاجتماعية المتسارعة

أفادت الأستاذة عائشة زميت المحامية والناشطة الحقوقية، أن التحولات المتسارعة التي مست المجتمع الجزائري في مختلف المجالات، قد مست بشكل كبير البنية الاجتماعية والثقافية، والتي أثرت بدورها على البنية الأسرية، وحسبها فإن من أبرز مظاهر هذه التحولات؛ التغير في النظرة إلى مؤسسة الزواج والبناء الأسري وهذا ما يعكسه ارتفاع معدلات الطلاق في المحاكم. وأرجعت عائشة زميت ارتفاع معدلات الطلاق إلى أسباب عديدة ومتنوعة أبرزها تغير دور المرأة التي دخلت سوق العمل بناء على ارتفاع مستوى تعليمها، وترى المحامية والناشطة الحقوقية أن هذا التغير قد أثر على ديناميكيات العلاقة الزوجية، وجعل المرأة أكثر استقلالية وقادرة على فرض شخصيتها واتخاذ قرارات مهمة بشأن حياتها دون الرجوع إلى رأي الرجل حسب العرف الاجتماعي، ما يقابله تراجع مسؤولية الرجل وتنازله عن دور الريادة في العلاقة الزوجية مجبرا أو راضيا. إلى جانب ذلك، ترى المحامية والناشطة الحقوقية أن انفتاح المجتمع الجزائري على الثقافات الأخرى، وتطور وسائل الاتصال، أسهم في تغيير النظرة إلى الزواج والطلاق وأعطى لها أبعادًا أخرى لم تكن سائدة من قبل. وفي السياق، أوضحت عائشة زميت، في تصريح لـ"الأيام نيوز" أن التحديات المالية التي تواجه الأسر الجزائرية، مثل ارتفاع تكاليف المعيشة، قد أسهمت في زيادة الضغوط على العلاقات الزوجية من أجل مواكبة التوازن المالي العام وتحسين المستوى المعيشي وبين الاجتماع الأسري الذي يخلق الدفء، حيث أصبحت المناقشات الزوجية يسودها الطابع الاقتصادي أكثر من أي شيء آخر، تقول المتحدثة. إضافة إلى ما سبق، اعتبرت المحامية والناشطة الحقوقية أن النظرة الاجتماعية إلى المطلقين والمطلقات أصبحت أقل حدة - مقارنة بالماضي - حيث تراجعت الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالطلاق وخاصة بالنسبة للمرأة التي أصبحت مستقلة ماديا عن الرجل، وصار بإمكانها إعادة الزواج بكل أريحية ما منحها – حسب المتحدثة ذاتها - تلك الجرأة لطلب الطلاق أو الخلع دون خوف مما ينتجه لقب مطلقة على الصعيد الشخصي مستقبلا. وترى عائشة زميت، أن الإعلام قد أسهم في تغيير النظرة إلى الطلاق، من خلال تناول هذه القضية بشكل أكثر موضوعية وعرض قصص واقعية عن نساء مطلقات نجحن في مسارهن العلمي والعملي، كما أنه ساعد في انتشار الثقافة القانونية للمرأة لمعرفة حقوقها الدينية والقانونية لأن الخلع هو حق ديني قبل أن يكون قانونيا. من ناحية أخرى، نوهت المحامية والناشطة الحقوقية إلى ما تلعبه الأسرة من دور حاسم في دعم الأفراد الذين يمرون بتجربة الطلاق، فبين الماضي الذي كانت تضغط فيه الأسرة على المطلقين، نجد حاليا تشجيعا على الطلاق أحيانا واحتواء وتوفيرا للدعم النفسي والاجتماعي.


Deprecated: explode(): Passing null to parameter #2 ($string) of type string is deprecated in /home/clients/f670a3e09c40a959ccfb89c71816c210/sites/elayem.online/vue/article.php on line 846



يتصفحون الآن
أخر الأخبار