2025.07.17
مجتمع
كيف تهدد التكنولوجيا تقاليد الزواج في الجزائر؟ وداعا خطّابة الحي

كيف تهدد التكنولوجيا تقاليد الزواج في الجزائر؟ وداعا خطّابة الحي


 شهدت عادات وتقاليد الزواج في الجزائر منذ الاستقلال إلى يومنا هذا تطورات عديدة، بداية من الأعراف القديمة التي كانت تُقدّس الروابط العائلية ونظرة المجتمع، إلى تبني الأساليب الحديثة التي تعتمد على التكنولوجيا والتواصل الرقمي في اختيار الشريك. سنستعرض في هذا الملف، رحلة تطور الزواج في الجزائر عبر الأجيال، بداية من طرق اختيار الشريك وحفلات الزفاف التقليدية، إلى عصر التكنولوجيا والتطبيقات الإلكترونية، مع التركيز على تحدي شباب اليوم في مواكبة هذا التطور.  بداية، فإن الزواج هو سنة من سنن الله في خلقه، يلتقي فيها الذكر والأنثى لتحقيق التناسل وتكثير النوع، من أجل استمرار الحياة على هذه الأرض، حتى يرث الله الأرض ومن عليها. والزواج بين البشر يجعلهم يتقبلون أناسا آخرين، قد لا يكونون من عرقهم ولا يحملون دماءهم، فهو إيجاد التوافق من رحم الاختلاف، كما قال الله سبحانه: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا". وكل ثقافة تعبر عن هذه العلاقة بوسائل مختلفة، وتضعها ضمن إطارات خاصة. ويعد الزواج في الجزائر، مثل غيرها من الدول العربية والإسلامية، من أهم المعالم الاجتماعية والثقافية التي ترتبط بالعادات والتقاليد، ويُعد رمزًا من رموز الحياة الاجتماعية والثقافية في المجتمع الجزائري، حيث يشكل عقدًا اجتماعيًا مُقدسًا، يتم من خلاله بناء الأسرة وتكوين العلاقات بين الأفراد والعائلات. لكن، وكما هو الحال في أي ثقافة أخرى، شهد الزواج في الجزائر تحولات كبيرة عبر العصور، تأثرت بالمتغيرات الاقتصادية، والاجتماعية، والدينية، والسياسية، مما انعكس على شكل العلاقة بين الزوجين، طريقة التحضير للزفاف، والطقوس المرتبطة به، فضلًا عن دوره في بناء المجتمع. ومن ثم، فإن فهم الزواج في الجزائر يقتضي الرجوع إلى الماضي ومقارنته بالحاضر لاكتشاف كيف تطورت هذه الظاهرة عبر الزمن. مع دخول الجزائر مرحلة ما بعد الاستقلال (1962) وتطور البلاد من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، شهد الزواج تغييرات كبيرة، خاصة في ظل التحولات الحديثة التي غيّرت من نمط الحياة الاجتماعي والتاريخي في البلاد، حيث شهدت الجزائر بعد الاستقلال، تطورًا في البنية الاجتماعية والاقتصادية، مما ساهم في زيادة فرص التعليم، وتحسن الوضع المعيشي، وانتشار وسائل الإعلام والثقافة، وهو ما أسهم في تغير مفهوم الزواج لدى العديد من الأفراد. ورغم هذه التحولات، لا يزال الزواج في الجزائر يشهد تحديات تتعلق بالضغوط الاجتماعية والاقتصادية. عادات اختفت وأخرى تغيّرت في الماضي، كان الزواج في الجزائر يتميز بعادات وتقاليد راسخة تسود معظم المناطق الريفية والحضرية على حد سواء، وكانت الأسرة هي العنصر الأكثر تأثيرًا في اختيار الزوج أو الزوجة، حيث كان يتم عبر الوساطة بين العائلات أو من خلال "الخطبة" التي تعتبر فترة من التفاوض بين العائلتين. فالزواج التقليدي كان يتم في الغالب وفق ترتيبات تقليدية، حيث تُعد العائلات كل شيء بدءًا من الخطبة، وصولًا إلى تحديد المهر، وموعد الزفاف، وكان يُنظر إلى الزواج على أنه رباط اجتماعي أكثر منه شخصي، حيث كانت مصلحة العائلة والمجتمع هي الأهم من مشاعر الأفراد. ومع تغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية، شهد الزواج العديد من التغييرات التي عكست تطور المجتمع الجزائري، أين تغيرت بعض العادات والتقاليد في بعض المدن، حيث أصبح الاختيار الشخصي للزوجين في العصر الحالي، أكثر أهمية لدى الشباب من أي وقت مضى، حيث يُشجع الشباب على اختيار شريك حياتهم بناءً على التوافق الشخصي والعاطفي، ولا يُنظر إلى الزواج فقط على أنه مسؤولية تجاه العائلة، بل يُعتبر شراكة متساوية بين الزوجين في شتى جوانب الحياة، بعد أن تزايدت فرص المرأة في التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة، مما جعلها أكثر استقلالية في اتخاذ قرارات الزواج. ولعل التغير الكبير في دور المرأة يعد أحد أبرز التحولات التي شهدها الزواج في الجزائر، حيث كانت المرأة في الماضي، أما وربة منزل وفقط، وكانت معظم النساء لا يعملن خارج المنزل. ولكن مع تطور التعليم وتزايد نسبة النساء اللاتي يحصلن على شهادات جامعية، أصبح للمرأة دور أكبر في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وكثير من النساء في الجزائر اليوم يفضلن أن يكن شريكات متساويات مع الأزواج في اتخاذ القرارات، بما في ذلك القرارات المتعلقة بالزواج، وتربية الأطفال، والعمل المهني، ولا تعتبر الزواج وحده هدفًا حياتيًا، بل توازيه الطموحات المهنية والتعليمية. واليوم، يعكس الزواج في الجزائر تحولًا من العادات التقليدية نحو مفاهيم أكثر حداثة تتعلق بالاختيار الشخصي والعلاقة العاطفية بين الزوجين، ففي الوقت الذي كان فيه الزواج في الماضي يُعتبر صفقة عائلية، أصبح اليوم يُنظر إليه بشكل أكبر على أنه علاقة بين فردين يختاران بعضهما بناءً على التوافق العاطفي والفكري. كما أن الشباب اليوم أصبحوا أكثر تمسكًا بفكرة "الحب قبل الزواج"، وبدؤوا يفضلون الاختيار الحر لشريك حياتهم بناءً على مشاعرهم الشخصية ورغباتهم الخاصة، متجاهلين إلى حد ما تدخل الأهل في هذا القرار. ورغم ذلك، تظل بعض العائلات في المدن الصغيرة والريفية متمسكة بالقيم التقليدية في اختيار الأزواج. وكان اختيار الزوجين يتم غالبًا عن طريق وساطة من العائلات، حيث يتم التفاوض حول شروط المهر والعادات المرتبطة بالزفاف، وكان دور الأهل أكثر أهمية من دور الزوجين أنفسهم في تحديد العلاقة، حيث كان التوافق العاطفي بين الزوجين غير ذا أهمية كبيرة مقارنة بالاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية، وعلى هذا الأساس كان يتم تحديد المهر الذي يجب أن يُدفع من الرجل إلى أسرة المرأة، كما كان يتم تحديد شروط العيش، سواء في بيت الزوجية أو في بيت الزوجين المستقل. ومع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح العثور على شريك الحياة أسهل عند جيل اليوم، حيث يمكن للشباب الآن التعرف على بعضهم البعض من خلال منصات خاصة بالزواج أو من خلال التفاعل على الشبكات الاجتماعية. هذه الوسائل ساعدت على تقليل تدخل العائلات في مسألة اختيار الشريك، رغم أن البعض ما زال يفضل الوساطات العائلية. كما أدى انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إلى تسريع عملية التعارف بين الشباب في الجزائر، فقد أصبحت منصات مثل "فيسبوك" و"إنستغرام" وحتى تطبيقات التعارف مثل "تانغو" أدوات مساعدة للشباب الذين يبحثون عن شركاء حياتهم. هذه الوسائل تساهم في تقليل التدخل العائلي في اختيار الشريك، وتتيح للأفراد الفرصة للتعرف على الآخر عن كثب قبل اتخاذ خطوة الزواج، وساعدت التكنولوجيا أيضًا في تبادل ثقافات وعادات جديدة، مما أثر على تصورات الشباب حول الزواج، حيث أقبل العديد منهم على الزواج وفق أسس جديدة مثل التوافق الفكري والاجتماعي والقدرة على بناء أسرة حديثة.  تحديات اجتماعية واقتصادية رغم التحولات الإيجابية التي شهدها الزواج في الجزائر، لا يزال يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية. على سبيل المثال، ما زالت البطالة والفقر يمثلان عائقًا كبيرًا للشباب الجزائري في مرحلة ما قبل الزواج، حيث يؤدي ذلك إلى تأخير الزواج أو حتى تأجيله في بعض الأحيان. كما أن ارتفاع تكاليف الحياة جعل الكثير من الشباب يواجهون صعوبة في توفير متطلبات الزواج من مهر، ومستلزمات عرس، ومسكن مستقل. وبعدما كانت العائلات الجزائرية ترصد موازنات ضخمة لإقامة الأعراس والأفراح في صالات وقاعات فاخرة، ومع تدهور القدرة الشرائية في الجزائر ذهب الكثير إلى تغيير تقاليد ومراسم الأعراس، إذ بات خفض ساعات الأفراح في قاعات الحفلات واشتراط عدد محدود من المدعوين ومنع إحضار الأطفال من الظواهر الجديدة التي أصبحت معتمدة لدى العائلات بهدف تقليص التكاليف. وفيما يتعلق بالتحديات الاجتماعية، فرغم التحولات الكبيرة التي شهدها الزواج، ما يزال يعاني المجتمع الجزائري من بعض المفاهيم التقليدية التي قد تقيد حرية المرأة أو تفرض عليها أدوارًا معينة، ففي بعض المناطق الريفية، ما زال الزواج يُعتبر أداة للحفاظ على الشرف والعادات العائلية، ولا يتم النظر إلى احتياجات الزوجين العاطفية أو الفكرية. وعلى الرغم من أن الزواج في الجزائر أصبح أكثر مرونة في العصر الحديث، إلا أن بعض العادات التقليدية قد تظل تؤثر على اختيارات الأفراد، مثل ضغط العائلات على الأبناء لاختيار شريك بناءً على معايير اجتماعية معينة، كما يُعد الوضع الاقتصادي من أكبر التحديات التي يواجهها الشباب الجزائري عند التفكير في الزواج، فتكاليف المهر، تجهيزات الزفاف، والسكن تشكل عبئًا ماليًا كبيرًا، مما يؤدي إلى تأخير سن الزواج بالنسبة للكثيرين.  نكهة زمان تضيع مظاهر الأعراس العصرية جعلت هذه المناسبة تفقد رونقها بعد أن كانت تجمع العائلات من الجيران والأقارب لأيام من الفرح وتحضير الطعام والحلويات على وقع الأغاني والزغاريد، أما اليوم فأصبح كل شيء يقدم جاهزًا، حيث فعلت العولمة فعلتها ولم يسلم منها أي مجال وعلى مختلف المستويات، ولعل اختفاء بعض المهن التي كانت ضرورية من أجل إنجاح حفلات الزفاف في الجزائر، وصراع أخرى من أجل البقاء، دليل على تغير العادات بفعل توسع دائرة الباحثين عن المظاهر على حساب التقاليد. وكان أول ما يسأل عنه المدعوون إلى الأعراس في الجزائر هو قائمة المأكولات المقدمة في العشاء، والطباخة التي وقفت على تحضيرها، وهي الحال ذاتها مع ممارسات وأعمال عدة التصقت بكل حفلات زفاف الجزائريين في وقت سابق، مثل "القرافة" و"المسامعية" و"المداحات"، وغيرها من الأمور والعادات التي كانت مهمة في كل أفراح الزفاف، إلى درجة أن من لا يستعين بها في الزفاف فهو غريب عن المنطقة أو ليس متحضرًا، وما إلى ذلك من أوصاف. وكانت للأعراس نكهة خاصة قبل سنوات، إذ تقام في البيوت وعلى أسطح العمارات، تتبعها تقاليد وعادات ومهن تمنح الفرح صبغة خاصة إذ تريح العروسين عائلتيهما كما المدعويين، لكن العصرنة غيرت الطبائع وعوضت قاعات الحفلات والأعراس هذه الأسطح، والمأكولات التقليدية عوضت بالأكلات الحديثة والأجنبية، وبدل الطباخة حضر المكلف بإعداد أطباق العشاء والمعروف بـ"التريتور"، ورقص المدعويين على أنغام التسجيلات أو ما يطلق عليها الـ"دي جي" بعد أن كانت حمى العرس ترتفع مع "المسامعية" و"المداحات". ومن المهن التي تصارع من أجل البقاء، "الطباخة" أو "المناولية" بعد أن حل محلها "التريتور" أو الطباخ الرجل بتقنياته ولمساته العصرية، ومصطلح "المناولية" مشتق من الكلمة الأمازيغية "تيمنالوين" أي الطباخة، وهي من بين الأكثر أهمية في الزفاف، على اعتبار أن مأدبة العشاء كانت الحدث الأهم لأنها تمثل صورة مصغرة للحال المادية والمكانة الاجتماعية للعائلة، ومهمتها صعبة لأنها مكلفة بإطعام مئات الأشخاص بأكثر من طبق يجب أن تكون كلها لذيذة. فرق نسوية تؤدي قصائد من التراث، وأخرى تغني من الزمن البعيد، وأيضًا الجديد المحتشم، ومنهم من يهتم بالمديح الديني، وغيره من الطبوع الجزائرية الكثيرة، إنهن المداحات والمسامعية والقلالات والطبالات والرحابة والفقيرات، اللاتي يطلق عليهن أيضًا الشيخات لأن غالبيتهن من كبيرات السن، لكن لم يعد لهن مكان، بل لا يذكرن في المجالس ولا يعرفهن الشباب الحالي وخرجن من مخيال المجتمع إلا قليلًا. من بين مهن الأعراس المهددة بالزوال، إضافة إلى الفقيرات أو المداحات أو المسامعية أو الطباخة، هناك المسادنة، وهي المرأة المكلفة توجيه دعوات إلى الحضور، لكنها ليست أية امرأة فقبولها يخضع لشروط، أهمها أن تكون على دراية تامة بالمنطقة، إضافة إلى معاملتها الحسنة ولباقتها في الكلام وسيرتها المحترمة. في وقت مضى لا تقوم العائلات بالدعوة إلى العرس بنفسها، بل توكل المهمة للمسادنة أيامًا قبل المناسبة، إذ توضع لها الحنة وترتدي ملابس جميلة، وتكتسي ذهب العروس، وتخرج من البيت بالأغاني، وحين تنتهي مهمتها تهدى أشياء مميزة باهظة تصل في بعض الأحيان إلى الذهب، بحسب مستوى العائلات. كما تعد مزينة العروس أو الماشطة أو القرافة، أي التي تقوم بتزيينها وإلباسها مهنة لها مكانة خاصة، وإن كانت مستمرة إلى الآن، فلأنها تحولت إلى صيغة مختلفة عن السابق بعد أن دخلت العصرنة على الخط، وبحسب الروايات فاسم "القرافة" مصدره الكلمة الإسبانية "غرافادو"، وتعني تأمل الرسام أو النحات في عمله عند كل لمسة، ويقال إن نسوة الأندلس جئن بها، بخاصة أهالي قرطبة لأنهم أكثر من استقروا غرب الجزائر. وجعلت مظاهر الأعراس العصرية هذه المناسبة تفقد رونقها بعد أن كانت تجمع العائلات من الجيران والأقارب لأيام من الفرح وتحضير الطعام والحلويات على وقع الأغاني والزغاريد، أما اليوم فأصبح كل شيء يقدم جاهزاً، فالشيف يحضر الأكل واختصاصيو الحلويات يحضرون المرطبات، وحتى الضيوف والأقارب لا يذهبون إلى بيت العريس، بل يلتقي الجميع في قاعة الأفراح لبعض الوقت ثم يفترقون. ختاما، فإن الزواج في الجزائر قد مر بتحولات كبيرة من الماضي إلى الحاضر، حيث تغيرت مفاهيم العائلة، والاختيار الشخصي، والحقوق الاجتماعية. إلا أن الزواج يبقى حجر الزاوية في بناء الأسرة والمجتمع الجزائري، وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يبقى الزواج مؤسسة اجتماعية مهمة تشكل العمود الفقري لبناء الأسرة والمجتمع الجزائري، حيث يُعتبر الزواج في الجزائر من أهم الظواهر الاجتماعية التي تشكل الوعي الجمعي للأفراد، كما هو الحال في معظم دول العالم، ومن خلال هذه التغيرات، تظل العادات والتقاليد تلعب دورًا مهمًا في تشكيل الفهم الاجتماعي للعلاقة الزوجية. مصطفى مصباح

أصالة الزواج الجزائري.. مشكلة مالية أم أزمة قيم؟

بقلم: مصطفى مصباح (مستشار تربوي وأسري – الجزائر) يُعتبر الزواج في الجزائر من أهم ركائز بناء الأسرة والمجتمع، وهو سنة نبوية لها أبعاد اجتماعية ودينية عميقة، فعلى مر العقود، شهدت الجزائر تطورًا لافتًا في مفهوم الزواج وممارساته، حيث انتقل من كونه مؤسسة بسيطة ومتواضعة إلى مشروع معقد مليء بالتحديات. ومع هذا التطور، برزت ظاهرة عزوف الشباب والشابات عن الزواج، ما يثير تساؤلات جدية حول أسبابها وتداعياتها على استقرار المجتمع.  رحلة تطور الزواج في الجزائر في الماضي، كان الزواج في الجزائر يتمتع بطابع بسيط يحمل روح الجماعة والتكافل، وغالبًا ما كان اختيار الشريك يتم عبر العائلة التي تلعب الدور الأكبر في التوفيق بين الطرفين، حيث لم تكن العلاقات بين الشباب والفتيات شائعة قبل الزواج، إذ كان الأهل يبحثون عن الأخلاق والسمعة الحسنة أساسا لاتخاذ القرار، كما كان الزواج يعبر عن التزام اجتماعي وأخلاقي يعزز الروابط بين العائلات ويزيد من استقرار المجتمع. وطقوس الزفاف آنذاك كانت متواضعة، حيث تُقام الاحتفالات في المنازل أو الساحات، ويشارك فيها الجيران والأقارب، ولم تكن هناك مظاهر البذخ التي نراها اليوم؛ كل شيء كان يتم بجهود جماعية، من إعداد الطعام إلى تنظيم الفقرات الاحتفالية، وكان العرس مناسبة لإظهار الفرح دون تحميل العريس وأهله أعباء مالية كبيرة. إلا أنه وبعد الاستقلال، بدأت الجزائر تشهد تغيرات تدريجية في نمط الزواج، حيث أدخل التعليم والعمل مفاهيم جديدة، أين أصبح الشاب والفتاة يتعارفان في المدارس أو أماكن العمل، لكن رغم هذا، بقي دور العائلة مهمًا بصفتها وسيطا وضامنا لنجاح العلاقة، كما أن حفلات الزفاف تطورت بدورها، وانتقلت إلى القاعات وأصبحت تضم مظاهر أكثر حداثة، مثل بطاقات الدعوة والتصوير الاحترافي. ومع حلول القرن الحادي والعشرين، دخل الزواج في الجزائر مرحلة جديدة، فقد أثرت التكنولوجيا بشكل كبير على العلاقات الاجتماعية، وأصبحت تطبيقات الزواج ووسائل التواصل الاجتماعي أدوات شائعة للتعارف. هذه الوسائل أتاحت للشباب خيارات أوسع، لكنها أيضًا أضافت تعقيدات جديدة، فصار التعارف الرقمي يحمل الكثير من الغموض والمخاطر، ويضع ضغطًا نفسيًا على الشباب في ظل صعوبة التأكد من جدية الطرف الآخر.  عزوف الشباب عن الزواج  ظاهرة عزوف الشباب والشابات عن الزواج ليست مجرد مشكلة فردية، بل هي أزمة اجتماعية متشابكة الأسباب والتداعيات. الأسباب الاقتصادية تأتي في مقدمة العوامل المؤدية للعزوف، فارتفاع المهور، وتكاليف تجهيز السكن، والبذخ في حفلات الزفاف، جعل من الزواج حلمًا بعيد المنال للكثير من الشباب، وفي هذا الصدد، يقول النبي ﷺ: "أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة" (رواه أحمد)، في دعوة واضحة لتيسير الزواج وتخفيف الأعباء المالية. ومن الناحية الاجتماعية، تغيرت القيم والأولويات، ففي الماضي، كان الزواج يُعتبر واجبًا ومسؤولية، أما اليوم فقد بات يُنظر إليه من منظور مادي ومظهري، فالمغالاة في الشروط، مثل الحصول على وظيفة مرموقة أو امتلاك مسكن فاخر، جعلت الكثير من الشباب يعيدون التفكير في الإقدام على الزواج. أما نفسيًا، فإن ارتفاع معدلات الطلاق والخوف من الفشل الزوجي يلعبان دورًا كبيرًا، حيث يشعر الكثيرون بالقلق من الدخول في علاقة قد لا تدوم، خاصة في ظل ضغوط الحياة الحديثة. إضافة إلى ذلك، نمط الحياة الفردية الذي تفرضه بعض القيم الجديدة جعل الشباب يترددون في تحمل مسؤوليات الزواج. نموذج غرداية رغم التحديات، ظهرت مبادرات ناجحة تساهم في معالجة مشكلات الزواج، ومن أبرزها تجربة ولاية غرداية في منطقة وادي ميزاب، فمنذ أكثر من عشرين عامًا، اعتمد المجتمع الميزابي نموذج الأعراس الجماعية، وهو تقليد فريد يتم فيه تنظيم حفلات زفاف جماعية تجمع العديد من العرسان في يوم واحد. هذا النموذج يعتمد على مبدأ التكافل والبساطة، حيث يتم تقاسم التكاليف بين العائلات والجيران، حيث تُقام حفلات الزفاف بتنسيق جماعي، وتشمل طقوسًا تقليدية تجسد القيم الدينية والاجتماعية. هذه المبادرة ساهمت بشكل كبير في تخفيف العبء المالي على الشباب وشجعتهم على الإقبال على الزواج. إلى جانب ذلك، تنظم الجمعيات المحلية في غرداية دورات تكوينية للمقبلين على الزواج، تهدف إلى تثقيف الشباب حول أسس الحياة الزوجية الناجحة، وتشمل هذه الدورات مواضيع دينية واجتماعية ونفسية، ما يعزز من استقرار الأسر ويحد من احتمالات الطلاق.  الحلول المقترحة للحد من ظاهرة العزوف عن الزواج، يجب التركيز على جوانب عدة: أولًا، من الضروري إعادة إحياء القيم الأصيلة التي تجعل من الزواج خطوة بسيطة ومباركة. يقول النبي ﷺ: "خير النكاح أيسره" (رواه أبو داود). ثانيًا، يمكن للمجتمع المدني أن يستفيد من نموذج غرداية بتعميم فكرة الأعراس الجماعية في باقي الولايات. هذه المبادرات توفر حلولًا عملية وتعيد إحياء روح التكافل. ثالثًا، تعزيز التوعية بأهمية الزواج على أنه فريضة دينية وسنة نبوية. قال الله تعالى: "وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ" (النور: 32). هذه الآية تحمل رسالة واضحة بأن الزواج يجلب البركة والتيسير. أخيرًا، يمكن تنظيم المزيد من الدورات التكوينية للشباب والشابات في جميع الولايات، لتعزيز فهمهم لمسؤوليات الحياة الزوجية وكيفية التعامل مع التحديات. ختامًا، الزواج في الجزائر يعكس رحلة تطور طويلة بين بساطة الماضي وتعقيد الحاضر. تجربة غرداية تُعد نموذجًا يحتذى به لتحقيق التوازن بين القيم التقليدية والوسائل الحديثة. إعادة التوازن لهذه المؤسسة يتطلب جهودًا مشتركة من الأفراد، والمجتمع المدني، والحكومة. عندما نجعل الزواج متاحًا وميسرًا للجميع، نحقق مجتمعًا أكثر استقرارًا وتماسكًا، ونضمن مستقبلًا مشرقًا للأجيال القادمة. عائشة زميت

بين المثالية الرقمية والواقع الاجتماعي.. معضلة الشباب في تكوين الأسرة

أفادت المحامية والناشطة الحقوقية الجزائرية، عائشة زميت أن عادات الزواج في الجزائر قد شهدت تغيرات جذرية، حيث انتقلت من مرحلة التمسك الصارم بالأعراف التقليدية إلى تبني أساليب حديثة تعتمد على التكنولوجيا والتواصل الرقمي، وحسبها فإن هذا التطور قد خلق تحولات اجتماعية وثقافية لدى المجتمع الجزائري. وفي هذا الإطار، أشارت عائشة زميت في تصريح لـ"الأيام نيوز"، إلى أنه في الأعراف القديمة وفي الزواج التقليدي كانت العائلة تلعب الدور الأكبر في اختيار الشريك، حيث غالبًا ما يتم بين الأقارب أو معارف العائلة بهدف تعزيز الروابط الأسرية، كما أن حفلات الزفاف في تلك الفترة كانت بسيطة لكنها غنية بالتقاليد، تشمل مراسم مثل الحناء والهدايا التقليدية. ومع دخول السبعينيات والثمانينيات، - تضيف المتحدثة - تغيّرت الملامح تدريجيًا بفضل انتشار التعليم ودخول المرأة سوق العمل، حيث بدأت القرارات المتعلقة بالزواج تميل نحو التوافق الشخصي بين الشريكين مع الاحتفاظ بجوهر التقاليد الشكلية، لكن مع ذلك، ظهرت تحديات اقتصادية مع ارتفاع تكاليف الزواج. وتعتقد المحامية والناشطة الحقوقية الجزائرية، أن عصر التكنولوجيا غير المفاهيم وأحدث ثورة في عادات الزواج، حيث أصبح التعارف عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية وسيلة شائعة لاختيار الشريك فقد تم إنشاء وابتكار مواقع وتطبيقات خاصة لهذا الغرض خصوصًا بين الشباب الباحث عن الاستقلالية فتراجع دور العائلة في الاختيار . وفي هذا الإطار، أبرزت عائشة زميت أن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت في خلق مساحات أكبر للتواصل والتعارف، لكنها أضافت أيضا تعقيدات فأصبح الشباب يسعى إلى عرض نفسه بطريقة ملائمة لجذب انتباه الطرف الآخر. كما أنه أصبح صعب على الشاب الجزائري  تحقيق توازن بين احترام التقاليد  لإرضاء كبار العائلة والانفتاح على الأساليب الحديثة ارضاء للمجتمع الحديث فتسببت التكنولوجيا في صدام بين الأجيال، حيث تختلف نظرة الأهل عن تطلعات الشباب سواء فيما يخص الشريك المثالي حسب المعايير الخاصة التي يراها كل طرف وكذا أسلوب وطريقة  الزواج. إلى جانب ذلك، أضافت المتحدثة ذاتها أن حفلات الزفاف قد اكتسبت طابعًا عصريًا تفاخريا، مع استحداث الفعاليات الضخمة التي تمزج فيها طقوس أجنبية عن المجتمع الجزائري، حيث أصبح التخطيط الرقمي سيدا في التحضيرات لكل تفاصيله ما يضع ضغطا إضافيا على الشباب الذين يجدون أنفسهم أمام تكاليف باهظة وضغوطات اجتماعية لتحقيق حفلات زفاف تليق بالمجتمع الحديث . وفي هذا الشأن، ترى المحامية والناشطة الحقوقية الجزائرية، أن التكنولوجيا قد أعادت صياغة مفهوم الزواج في الجزائر، لكنها وضعت الشباب أمام اختبار صعب لتحقيق التوازن بين الاستفادة من الحداثة والحفاظ على جذور التقاليد. في ظل هذا المشهد، يظل التحدي الأكبر للشباب الجزائري هو تكييف أدوات العصر مع قيم المجتمع لتحقيق زواج ناجح ومستقر. وفي سياق ذي صلة، أوضحت عائشة زميت أن الجزائر تشهد في السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في عزوف الشباب والشابات عن الزواج، وهي ظاهرة مثيرة للقلق لما لها من تأثيرات اجتماعية واقتصادية وديموغرافية عميقة، وأشارت إلى أن التكنولوجيا، رغم كونها أداة للتقارب، أصبحت جزءًا من الأسباب المؤدية إلى هذا العزوف، بالإضافة إلى عوامل اجتماعية، نفسية، ودينية وأخلاقية. وفي هذا الصدد، أفادت المحامية والناشطة الحقوقية الجزائرية، التكنولوجيا الحديثة تُعد سلاحًا ذو حدين في حياة الشباب، فرغم أن منصات التعارف والتواصل الاجتماعي قدمت خيارات أوسع لاختيار الشريك، لكنها من ناحية أخرى أفرزت مشكلات جديدة، منها:
    زيادة التوقعات: فأصبحت تروّج لنماذج حياة مثالية، مما يرفع سقف التطلعات لدى الشباب ويجعلهم أكثر انتقائية في اختيار الشريك. الخوف من الالتزام: البيئة الرقمية تشجع على العلاقات السطحية أو المؤقتة، مما يقلل من استعداد الشباب للالتزام بعلاقة طويلة الأمد مثل الزواج. تشتت العلاقات: كثرة الخيارات المتاحة عبر التطبيقات قد تؤدي إلى عدم الاستقرار العاطفي وصعوبة بناء علاقة جدية.
وبخصوص الأسباب الاجتماعية والاقتصادية، قالت عائشة زميت إن البطالة التي يعاني منها عدد معتبر من الشباب الجزائري على رأس هذه الأسباب الاجتماعية والاقتصادية، كما أنها تخلق صعوبات اقتصادية، في ظل ارتفاع تكاليف الزواج، مما يجعل فكرة الاستقلال المادي والزواج شبه مستحيلة لدى الكثير. وفي ظل ارتفاع المهور وتكاليف حفلات الزفاف، تعتقد المتحدثة أن التقاليد الاجتماعية تُثقل كاهل الشباب بتكاليف باهظة تتضمن المهر، تجهيزات المنزل، وحفلات الزفاف المبالغ فيها . أما من الجانب الديني والاخلاقي فإن بعض الشباب يفضل العلاقات غير الرسمية بسبب التحرر من القيم التقليدية أو ضعف الوازع الديني، مما يؤثر على معدلات الزواج. وبالتالي فإن ظاهرة عزوف الشباب والشابات عن الزواج في الجزائر هي مشكلة تتطلب إعادة النظر في التقاليد المرتبطة بالزواج، وتعزيز الوعي بأهمية الأسرة في المرتبة الأولى وجعلها ركيزة لاستقرار المجتمع، التكنولوجيا يمكن أن تكون جزءًا من الحل إذا استُخدمت بوعي ومسؤولية لتعزيز بناء علاقات حقيقية ومستدامة دون ميوعة أو تباه. وليد عبد المولى  

بين قيود الأمس وأجنحة اليوم.. رحلة للشريك المثالي

بقلم: الدكتور وليد عبد المولى (أكاديمي وخبير اجتماعي – الجزائر)   يعتبر الزواج ظاهرة اجتماعية فهو رابطة شرعية بين جنسين مختلفين أي رجل وامرأة، يعيشان تحت سقف واحد، يهدفان من خلالها إلى تكوين أسرة تتم وفق الأطر الاجتماعية المتعارف عليها في المجتمع الذي ينتميان إليه ووفق العادات والتقاليد التي أقرتها الجماعة فيه. ويعتبر الزواج أحد أهم الأحداث في الحياة الأسرية إذ وفقه يتحدد مسار الأسرة والعائلة ومن خلاله تراهن على بقائها واستمرارها واستقرارها وتماسكها. وبالعودة إلى المسار التاريخي لتطور نظام الزواج في المجتمعات العربية عموما والجزائرية خصوصا فهو لم يكن بالطريقة نفسها والأسلوب المتعارف عليه في المجتمع الحالي، كما لم يكن الاختيار للزواج يجري على النحو المعروف به حاليا، إذ كانت عملية الزواج قديما تتم بواسطة الأسرة باختلاف أشكالها بالدرجة الأولى وبالاختيار الشخصي للفرد المعني بالزواج بالدرجة ثانية، وهنا يمكن الحديث عن أسلوبين متعارف عليهما للاختيار في الزواج أحدهما الأسلوب الوالدي وهو ذلك الأسلوب الذي تتدخل فيه الأسرة والأهل والأقارب مثل الجد والوالدين والإخوة الكبار والأعمام والأخوال في سير عملية الاختيار للزواج بدءا من اختيار الشريك في الزواج إلى إجراءاته حتى تنفيذه بإرادة منفردة تجعل الشريكين المقبلين على الزواج لا يستطيعان الخروج عن القرار المتخذ من طرف العائلة حتى ولو كان ذلك ضد رغبتهما ولا ننكر وجود أسر وعائلات تسمح لابنها وابنتها بإبداء رأيه (ها) ويبقى هذا الرأي استشاريا غير ملزم إلا في حالات استثنائية وهذا متعارف عليه في التركيبة الاجتماعية لبعض الأسر التي تعيش تحت السيطرة الوالدية والهيمنة الذكورية. فالعائلة حسب هذا النموذج تعد بمثابة وحدة واحدة ومؤسسة تنشئة أسرية متعددة الوظائف منها الإنتاجية، الإيديولوجية، التربوية تسد حاجاتها ومتطلباتها بنفسها ومسؤولة عن تلبية الحاجات الدينية كذلك لأفرادها والإشراف على تربيتهم وثقافتهم عن طريق التنشئة الاجتماعية، وفي ظل هذه العائلة لم يكن ينظر للزواج سوى أنه وسيلة لإعادة إنتاج العائلة وضمان استمراريتها عن طريق الإنجاب من ناحية ومن ناحية أخرى وسيلة لتدعيم المكانة الاجتماعية، وللتفاخر أمام العائلات الأخرى. والآخر هو الأسلوب الفردي (الشخصي): وفيه لا تتدخل الأسرة في الاختيار للزواج إذ يختار الفرد فيه شريك حياته بناء على اختياره ورغبته الشخصية، ويبقى رأي الأسرة استشاريا غير ملزم، فالمقبل على الزواج له ديمقراطية الاختيار والرفض. وقد عرف المجتمع الجزائري عبر مراحل تطوره تحولات سوسيو ثقافية واقتصادية كان لها الأثر البالغ على مؤسسة الأسرة وبناءها الاجتماعي، إذ ساهمت تعقيدات الحياة الاجتماعية في حدوث صعوبات لدى المقبلين على الزواج أهمها صعوبة اختيار الشريك المناسب لبناء أسرة مما أصبح  يشكل قلقا بسيكو سوسيولوجيا لدى هؤلاء المقبلين على الزواج ويزداد الوضع تأزما عندما تكثر الضغوط الاجتماعية من مختلف الفئات خصوصا أفراد الأسرة والأقارب والأصدقاء وزملاء العمل. وليس ببعيد انتقل البحث عن الشريك من الفضاء العائلي والمجال الجغرافي المحدود إلى فضاء ورقي ومجال جغرافي مفتوح وهو البحث عن شريك للزواج عن طريق الصحافة المكتوبة وانتشرت الإعلانات للزواج في الجرائد اليومية والمجلات، حتى أصبح نشر إعلانات الزواج بمواصفات معينة ومن أي رقعة جغرافية محتملة أمرا عاديا بالنسبة للكثير من الشباب الذين يرغبون في استكمال نصف الدين من وجهة النظر الشرعية الإسلامية، وهذا أمر لا تخالفه الأعراف الاجتماعية والقوانين الوضعية وأصبح الاختيار للزواج قائما على أساس حرية الاختيار التي تمنح للأفراد فرصة لتحقيق مكانة لهم داخل المجتمع من وجهة النظر المجتمعية طبعا. وباستمرار التحولات الاجتماعية والتطورات التكنولوجية التي عرفها المجتمع الجزائري والتي انعكست على البناء الاجتماعي المؤسساتي، وعلى الروابط الاجتماعية وظهور العديد من المشكلات الأسرية، إضافة إلى التحول الذي عرفته تركيبة الأسرة التقليدية انطلاقا من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النواة وبروز الأسرة المستقلة جزءا من التركيبة الاجتماعية المعاصرة تراجع دور السلطة الأبوية والعائلة الكبيرة في اختيار الشريك، إلا إذا أراد الراغب في الزواج والمقبل عليه ذلك. وفي ظل المجتمع المعلوماتي المعاصر انتقل الاختيار للزواج إلى المواقع الالكترونية المختصة والوسائط الاجتماعية المنتشرة وشبكات التواصل الاجتماعي المتوفرة وانتشر الزواج الالكتروني والتعارف عن بعد، وزادت حرية الاختيار وتغيرت منظومة القيم الاجتماعية المتوارثة عن الأسرة التقليدية. ويبقى الزواج من وجهة النظر الاجتماعية ضرورة بيولوجية اجتماعية ونفسية من خلال الدور الذي يلعبه كل من العرف الاجتماعي والقانون الوضعي في هذا الشأن،  فالحياة الاجتماعية كما هو معروف قد نظمت بطريقة تجعل من المتوقع أن يتزوج الناس القادرين على تحمل شؤون الأسرة كلهم، فهو حق مكتسب لهم وواجب عليهم الالتزام به، كما أن القانون الموضوع هو أداة للضبط الاجتماعي لا يجبر الناس على الزواج، لكنه يفرض عليهم ذلك في حال طلب الاستفادة من بعض الحقوق أو القيام ببعض الواجبات، وتبقى النظرة الاجتماعية للأعزب على أنه لم يستكمل أسباب وجوده في المجتمع، وأنه لا مكانة له دون زواج وتشكيل أسرة يستقر حاله معها. لكن هناك نوع من المغامرة والمخاطرة باتباع الأفراد الضغوط الاجتماعية نحو الزواج، فميل الفرد للزواج من باب التسوية الاجتماعية دون البحث والتعمق الجيد في مدى مناسبة الطرف الآخر له أم أنه لا يناسبه، ما يؤدي إلى حدوث العديد من المشكلات الاجتماعية والأسرية والتي من بينها الطلاق بأشكاله، الإهمال الأسري بأنواعه، التفكك الأسري بمختلف مظاهره، مما يؤدي إلى انهيار البناء الاجتماعي وزوال العديد من الروابط الاجتماعية، فالمقبلون على الزواج في ظل التحولات الراهنة تواجههم تحديات كبيرة لابد من الوقوف عندها ولو أن الزواج بالمفهوم التقليدي لا يزال الطريق الآمن لدى الكثيرين والأسلوب المفضل لدى بعض الأسر والعائلات. هشام بوبكر  

العزوف وتأخر الزواج.. أزمة مجتمعية تحتاج لإعادة التفكير

بقلم: الدكتور هشام بوبكر (أكاديمي وخبير اجتماعي – الجزائر) جاء الزواج في الإسلام للتعبير عن الميثاق الغليظ والعلاقة السامية التي تجمع الرجل بالمرأة بغرض الاستمتاع وتلبية الحاجات والمتطلبات الفطرية النفسية والجسمية، وتكوين أسرة سليمة وصالحة تساهم في صلاح المجتمع وتوازنه، وعماد تلك العلاقة الرحمة وحبل وصالها المتين المودة وأساس استمرارها وثباتها بديهية الحب والتوافق. والزواج في الجزائر حاله مثل حال الزواج في الدول الإسلامية التي تلتزم بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف وتأتمر بأوامره وتتمنع بنواهيه، ويتخلل ذلك مجموعة من العادات والتقاليد تختلف من منطقة إلى أخرى وتتمايز من خلالها الجزائر عن الكثير من الشعوب والمجتمعات. ولقد ظل المجتمع الجزائري محافظا على نظام الزواج وعلى عاداته وتقاليده على الرغم من تغير في القيم وفي الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعلى الرغم من تبادل وتشارك بعض الأدوار والوظائف والسلط بين الرجل والمرأة، وهذا بطبيعة الحال راجع للتحولات والتطورات التي عرفها المجتمع الجزائري، مثل التي تتعلق بتعليم المرأة وخروجها للعمل؛ حيث احتلت المرأة مكانة مرموقة في المجتمع وأصبحت رائدة في العديد الوظائف الإدارية والنشاطات المهنية، وعلى رأس الكثير من المناصب ومتمكنة في مختلف الميادين والمجالات في حياتها اليومية، فباتت أكثر فهما وإدراكا لواقعها ولحقوقها وواجباتها انطلاقا من فكرة العدل والمساواة والاحترام المتبادل بين الرجل والمرأة. فالحاجة الاقتصادية وزيادة أعباء المعيشة وغلاءها وخروج المرأة للعمل وتطلعها لحياة أفضل وأحسن، والبحث عن المكانة الاجتماعية وتحقيق ذاتها والمنفعة الشخصية، كل ذلك كان وراء تراجع قيم الأسرة وتقلص حجمها ودورها الاجتماعي والاقتصادي والتربوي والديني، وانسلخت عن رابطة الزواج القداسة وحلت محلها مفاهيم ومعاني جديدة تقلل من سموها وتحط من وظيفتها ومهامها النبيلة، فبعدما كان الزواج في المجتمع الجزائري شأنا مجتمعيا عائليا مهما ومصيريا تهتم بتفاصيله الأسرة وترتبه وفقا لمصالحها واهتماماتها وطموحاتها، أصبح اليوم في كثير من المواقف أمرا فرديا يحدد مصيره الفتى أو الفتاة فقط تحت طائلة تبريرات بعضها واقعي وبعضها الآخر من أجل تلافي السؤال المتكرر المحرج والمقلقل؛ لماذا لم تتزوج إلى حد الآن؟ فقد ازدادت وتنامت وانتشرت ظاهرة تأخر وعزوف الشباب عن الزواج وأصبح أمرا واقعا وخطيرا، وبدأت تأخذ أبعادا خطيرة ويخرج الوضع شيئا فشيئا عن التحكم والسيطرة، وباتت هذه الظاهرة تنخر جسم المجتمع وتهدد أمنه واستقراره، إذ يرجع البعض السبب إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبعض الآخر يرجعها إلى التغير الفكري والثقافي والمستوى التعليمي، كما قد يكون وراء ذلك بعض الأسباب الشخصية والنفسية المختلفة.. إلخ. فبعدما كان المجتمع الجزائري في الماضي القريب يعرف بقوة علاقاته الاجتماعية وبزيجاته الكثيرة والمبكرة، أصبح اليوم يعرف تأخرا ملحوظا في سن الزواج ويعاني من عنوسة كبيرة لدى الجنسين بسبب تغير نظرتهم إلى الحياة الزوجية، فكما جاء في بعض الاحصائيات الرسمية أن نسبة العنوسة تجاوزت بكثير عتبة 50 بالمئة، فالجزائر اليوم بها ما يقارب 12 مليون امرأة بدون زواج نصفهن تقريبا تجاوز سن الثلاثين، وأكثر من 14 ألف فتاة تدخل سنويا في دائرة العنوسة، بينما يحكم على 800 ألف فتاة أخرى بالتعنيس مدى الحياة، وفي المقابل هناك ما يقارب 5 ملايين عازب، وهناك بعض التصريحات تشير إلى أن ثلث سكان الجزائر عوانس وعزاب ممن بلغوا سن الزواج وتجاوزوه، وهذا طبعا أمر بالغ في الخطورة وعواقبه كبيرة وخيمة على بناء المجتمع الجزائري وتركيبته. ولقد لخص المهتمين بقضايا الأسرة والزواج مجموعة من العوامل كانت وراء تفاقم العنوسة وانتشار العزوبية بين الشباب تمحورت معظمها حول: تغير نظرة المرأة اتجاه الرجل؛ حيث أصبح معظم المقبلات على الزواج لا تقبلن التضحيات ولا ترضى برجل لا يؤمن لهن حياة كريمة مادية في الدرجة الأولى، بالإضافة إلى ضعف القدرات والإمكانات المادية لدى الشبات، والوقوع في شبح البطالة والسكن..وغيرها، إكمال الدراسة وانتقال الفتاة إلى الجامعة وإنهاء دراستها في سن متأخرة، ثم الانتقال إلى البحث عن العمل قبل التفكير في الزواج، والجري وراء أوهام المستقبل العلمي والعملي إلى أن يمضي العمر ويمر قطار الزواج. كذلك فارق المستوى العلمي بين الفتاة والفتى المقبلين على الزواج واتساع الهوة والفجوة الاجتماعية والاقتصادية، التي تحول في كثير من الأحيان من الحصول على فارس أو فتاة الأحلام. كما لا ننسى المبالغة في المهور وشروط الزواج وتكاليفه الباهظة، ومن الشباب كذلك من يرى في العزوبية حياة فردية مستقرة خالية من المشاكل ماتعة، وحرية مطلقة واستقلالية كبيرة لا تهمه الأسرة ولا يعنيه الزواج. وقد أكدت كذلك مختلف الدراسات الاجتماعية والإنسانية على جملة من الأسباب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية وحتى النفسية، التي مهدت وساعدت على تفشي ظاهرة العزوبية والعنوسة وعدم الإقبال على الزواج: مثل غياب الوعي العميق والفهم الصحيح لمعاني الزواج واستيعاب وظائفه وأهدافه السامية، حتى أصبح الزواج في نظر الكثير من الشباب شرا لابد منه يقام لأغراض شكلية أو لتحقيق مآرب مادية. أضف إلى ذلك غياب التنشئة الاجتماعية وضعف التربية والتوعية على الشعور بروح المسؤولية وتحمل أعباء وتكاليف الحياة ومشاركتها مع الآخرين، واستيعاب مفاهيم الأسرة والزواج وتربية الأبناء. كما تقف التكاليف المادية لحياة الشباب عموما عائقا أمام اقبالهم على الزواج، خاصة تلك المتعلقة بالمهور الباهظة وبعض العادات والتقاليد والشروط المكلفة. ولقد نوهت في السياق نفسه بعض الدراسات إلى الآثار السلبية لوسائل الإعلام المختلفة؛ المرئية المسموعة والمسموعة والمكتوبة ووسائل التواصل الاجتماعي على شبابنا، وتقليد هذا الأخير لمجتمعات تختلف في خصوصيتها الثقافية والدينية عن مجتمعنا، فقد وجهت وغيرت من نظرة الشباب حيال الكثير من القضايا الاجتماعية والثقافية خاصة ما تعلق بالأسرة والزواج. ومن أهم أسباب العزوف عن الزواج وأخطرها على شبابنا اتساع دائرة التعارف بين الجنسين وسهولة إقامة علاقات غير شرعية خارج إطار الزواج واقعية أو افتراضية، يلبي عن طريقها رغباته الجنسية. في النهاية، ظاهرة عزوف الشباب وامتناعه عن الزواج معضلة كبيرة تحذق بمكونات المجتمع وأركانه، وانعكاساتها خطيرة وجليلة على المجتمع وعلى سلامته وتوازنه، فها نحن اليوم نسمع ونشاهد الكثير في وسائل الاعلام المختلفة، عن جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي وعن أوكار الدعارة والانحلال الخلقي بأشكاله وأنواعه، وعن الهروب والفرار من المنزل وعن الأمهات العازبات وعن الاجهاض والأطفال مجهولي النسب وغيرها من المظاهر التي قد يكون السبب فيها ومن ورائها ذلك العزوف. أحسن خلاص  

الأسرة بين مطرقة الاستهلاك وسندان القيم الضائعة

أبرز الإعلامي والمحلل السياسي الجزائري، أحسن خلاص، أن الروابط الأسرية شكلت النواة الأساسية التي ظلت تقوم عليها الروابط الاجتماعية، ومن خلالها اكتسب الزواج مكانة محورية انطلاقا من كون تلك الأداة التي تتجدد بها الأسر وتتمتن بها هذه الروابط الاجتماعية التي تمارس هيمنتها الكاملة على الفرد وتفرض عليه أنماطا من التنظيم هدفها إعادة إنتاج المجتمع القائم وضمان استمراره. وفي هذا الصدد، أشار أحسن خلاص، في تصريح لـ "الأيام نيوز" إلى أن الزواج ظل لفترة طويلة مسألة تتعدى الأفراد وإرادتهم لتبقى بين أيدي أرباب الأسر الممتدة، كما ينطبق المنطق ذاته على فك الرابطة الزوجية التي تتم عادة بقرار فوقي يصدره كبير الأسرة الممتدة وقد يتم أحيانا دون علم الزوجين أو في غيابهما أو دون ارادتهما، وقد يمتد الزواج - وبتعبير أكثر دلالة – "المصاهرة"، ليتعدى الدور هذا التقليدي إلى تشكيل نوع من التمييز الطبقي أو الطائفي، مما يدفع بعض الأسر إلى الامتناع عن الزواج من أسر بذاتها عادة موروثة عن الأجداد ولأسباب قد تعود لقرون خلت مثل الثأر أو خلافات في المذهب الديني أو الانتماء الطائفي والطبقي. وحسب الإعلامي والمحلل السياسي الجزائري، فإن الزواج قد ظل أداة طيعة في يد الجماعات الاجتماعية تدير به سياساتها وتعبر به عن انتمائها ولم يكن العامل المادي حاسما في تشكيل الزيجات فأمر إعالتها في يد الأسرة الممتدة بما أن مصادر العيش غالبها من ريوع العائلات وتجارتها فلا وجود لاستقلالية مالية لدى الزوج أو الزوجة، وقد يصل الأمر أحيانا – يضيف المتحدث ذاته - إلى حد أن الإبقاء على الولاء التام للأسرة الكبيرة يبقى قائما لدى الزيجات التي استطاعت أن تقيم لها استقلالا ماليا وقد يحدث أن لا يقرر الزوجان في أمر كبير إلا باستشارة الأب الروحي للعائلة المقيم على مئات الكيلومترات بعيدا عنهما، وتمتد سلطة كبير الأسرة إلى الأحفاد. وفي السياق، أوضح أحسن خلاص أن هذا النظام التقليدي على متانته والحرص على بقائه طويلا ليؤدي الأدوار والوظائف المنوطة به، بدأت تفلت من يديه أدوات الصمود أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي والعمراني الذي فتت الأسرة وشتتها بل جعل الأسرة تتخلص تدريجيا من هيمنة المعايير القبلية والعشائرية لتتبنى معايير جديدة حديثة بما يحمله هذا الانتقال من مخاطر بالنظر إلى كونه انتقالا نوعيا كبيرا من جانب ولأنه عادة ما يتم بشكل عنيف وسريع مع تعميم التعليم والعمل على الجنسين دون تمييز والنزوح نحو المدن. إلى جانب ذلك، يعتقد الإعلامي والمحلل السياسي الجزائري، أن ظهور قنوات جديدة لتشكل الروابط الزوجية مثل الجامعات ومؤسسات العمل وشبكات التواصل الاجتماعي فضلا عن تأثير أنماط الاستهلاك الجديدة وظهور السكنات الجماعية وتنامي الطبقة المتوسطة وتزايد الاحتكاك بين الثقافات المحلية داخل المدن، كلها عوامل قلبت مفهوم الزواج رأسا على وأعادت تحديد أهدافه وخلفياته فأصبح بؤرة للصراع بين القيم التقليدية والقيم الجديدة التي فرضتها العوامل التي ذكرناها. وفي ختام حديثه لـ"الأيام نيوز" أفاد الإعلامي والمحلل السياسي، أحسن خلاص، بأن الزواج قد صار مصدر خوف لدى الكثير من الشباب، وحسبه فإن هذا الخوف له ما يبرره عندما ملاحظة التزايد الرهيب لنسب الطلاق والخلع بل لم يعد الأبناء رادعا يوقف موجات فك الروابط الزوجية فهذا المشهد الرهيب يجعل الشاب يفكر ألف مرة قبل الارتباط فضلا عن أن المجتمع الاستهلاكي حول الزواج إلى صفقات تجارية دون الحديث عن التبعات والإرهاق الذي ينتظر الأسر الجديدة في ضمان المعيشة اليومية فضلا عن الادخار وإطلاق مشاريع مشتركة. أصبحت الأسرة الجديدة معرضة لكل أنواع التهديد أولها التهديد بصعوبة تشكلها أصلا. حنافي حاج

الزواج في زمن الوسائط الرقمية.. رؤية شرعية أم استباحة؟

أفاد الأكاديمي والخبير القانوني الجزائري، الدكتور حنافي حاج أن الزواج هو ميثاق الله الغليظ، مستشهدا بقول الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد وذكر من بينهن الزواج"، مشيرا إلى أنه في عرف الجزائريين - باعتبارهم يدينون بالإسلام تحت نظام الخلافة العثمانية منذ أمد غير قريب - كانت تتسم أعراسهم بكل قيم المروءة، حيث يعتقد الرجل منهم أنه إذا رأى زوجته المستقبلية رؤية عابرة أو رؤية عفوية في مناسبة هنا أو هناك، أو ربما يرسل من تخبره عنها من إحدى قريباته؛ أخته أو خالته أو أمه.. إلخ، فستحل البركة في زواجه، لأن البداية كانت صحيحة وسليمة وعلى الطريقة الإسلامية، دون غش أو أذى كان. وأوضح الدكتور حنافي حاج في تصريح لـ"الأيام نيوز" أن أهل العريس بعد السؤال عن أهل الزوجة يتقدمون إلى خطبتها أو تحديد موعد للزواج مباشرة، ولم يكن أحد من الأطراف يسعى إلى غير الظفر بابنة الأصل مع قدر من القوام في الأخلاق والدين على منهج السنة الشريفة، وبالمقابل يرتبط أهل الزوجة بالرجل الذي يصونها ويكرمها. لكن لاحقا، وبالأخص بعد الاستقلال، وبالتحديد بعد الألفية الثانية، - يضيف الأكاديمي والخبير القانوني الجزائري - انفتح المجتمع الجزائري على مصراعيه دون وعي على التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي فرضها التطور التكنولوجي في استخدام وسائل الاتصال الرقمية. فقد انتقلت إلى داخل البيوت مغريات هذه الوسائط - حسب الدكتور حنافي حاج - وأصبحت العروض بين الأطراف عن بعد أكثرها لا يراعي المسؤولية الواجب حفظها لأن هناك شيء يستطيع طرف أن يخفيه مادامت العلاقات أجيزت عبر تلك الوسائط الرقمية خلافا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، "هل ذهبت ونظرت إليها عسى أن يؤدم بينكما". وتابع الدكتور حنافي قائلا: إن الرؤية ليست فيها استباحة أو خلوة وإنما النظرة الشرعية التي هي طريق الشرع إلى ما أحله الشرع لكن الوسائط الالكترونية استباحت الأعراض وانتقلت من الرؤية الجائزة إلى رؤية محرمة أوصلت إلى المحظور ومن المحظور إلى المساومة ثم إلى المحرم وهكذا.. وفي هذا الصدد، أبرز الدكتور حنافي حاج الأكاديمي والخبير القانوني الجزائري، في ختام حديثه لـ"الأيام نيوز" أن خطر وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب يبرز من خلال الرغبة المضطربة عندهم حيث أضحى المحرم جائزا تحت مظلة الغش عبر هذه الوسائل، كما أنها أتاحت التدليس والمناورة وأصبحت أقرب في مجاوزة الحدود الشرعية وبالأخص المساس بتلك الخصوصية التي تشكل دافع الزوج ورغبته الشديدة في التمسك بزوجته المستقبلية. وفي السياق ذاته، أكد الدكتور حنافي حاج أن العفة هي أساس المسألة أما وأنه قد يحدث استفزاز تكنولوجي لأحدهما بأن عرضت المفاتن والمغريات خرج الأمر عن السيطرة فأصبح العرض يقابله المال والسيارة والسكن الفخم وربما كل ذلك في سبيل الحصول على نشوة مؤقتة فكان ذلك سبيلا إلى تعقيدات أخرى لا منجى منها ولا مخرج إلا العدالة أو اشتعال الخصومات.

يتصفحون الآن
أخر الأخبار